شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [495]
الحلقة (526)
شرح سنن أبي داود [495]
من حكمة الله سبحانه وتعالى أن فرض الحدود حفاظاً على أعراض الناس ودمائهم وأموالهم، وجعل لهذه الحدود مقادير تراعى عند إقامة الحد، وندب إلى تعافي الناس للحدود فيما بينهم، كما ندب إلى ستر المسلم إذا أتى حداً من حدود الله إذا كان ممن يعرف عنه الصلاح والمروءة.
ما يقطع فيه السارق
شرح حديث: (أن النبي كان يقطع في ربع دينار فصاعداً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقطع فيه السارق. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري قال سمعته منه عن عمرة عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب ما يقطع فيه السارق ]، يعني: النصاب الذي يقطع به في السرقة إذا بلغه المسروق، وإذا كان دونه فإنه لا يقطع به؛ لكونه شيئاً يسيراً لم يبلغ الحد الذي يستحق معه القطع، أي: أن الترجمة معقودة لبيان المقدار الذي إذا بلغه المسروق فإنه تقطع به يد السارق، وإذا نقص وقل عنه فإن اليد لا تقطع. وقد اختلف العلماء في مقدار ما تقطع به اليد، فمن العلماء من ذهب إلى القطع بالكثير والقليل، وأخذوا بعموم ما جاء في القرآن من قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، ولم يذكروا فيه مقداراً لما يقطع به. ومن العلماء من أخذ بالتحديد بربع دينار فما زاد على ذلك والثلاثة الدراهم تعادل ربع دينار؛ لأن الدينار كان في ذلك الوقت يعادل اثنا عشر درهماً، ولهذا كان نصاب الذهب يقدر بألف دينار، والدية قدرت بألف دينار وقدرت دية الحر باثني عشر ألف درهم على حساب أن الدينار يعادل اثنا عشر درهماً، ومنهم من قال غير ذلك. والصحيح هو ما جاءت به الأحاديث الصحيحة الثابتة من القطع في ربع دينار فما زاد على ذلك، وما نقص عنه فإنه لا قطع فيه، فيكون المعتبر في ذلك ربع الدينار. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار) ]. هذا فيه بيان للتحديد، أي: أنه ما كان يقطع في أقل من ربع دينار، وإنما كان يقطع في ربع الدينار وما زاد عليه. قوله: [ (فصاعداً) ]. يعني: فما زاد على ربع الدينار يقطع فيه، وما نقص عن ربع الدينار فإنه لا قطع فيه، فهذا فيه الحد أو التفصيل، وما جاء في القرآن من الإطلاق بينته السنة بهذا الحديث الصحيح وغيره من الأحاديث الصحيحة الدالة على أن هناك نصاباً يكون القطع به إذا بلغه المسروق، وإذا نقص عنه فإنه لا يقطع به. قوله: [ عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) ]. وهذا يبين الطريقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقطع في ربع الدينار وما زاد عليه، ومعناه أن ما نقص على ذلك أنه لا قطع فيه.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يقطع في ربع دينار فصاعداً)
قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان عن الزهري ]. سفيان هو ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعته منه عن عمرة ]. يعني: سفيان يقول: إنه سمعه من الزهري عن عمرة ؛ ليرفع تهمه التدليس، والزهري تدليسه قليل ونادر، وأما سفيان فمعروف بالتدليس، وهذا فيه بيان رفع تهمة التدليس عن سفيان . [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح و وهب بن بيان قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن السرح قال: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن الشهاب عن عروة و عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) قال أحمد بن صالح : (القطع في ربع دينار فصاعداً) ]. أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى وهو قوله: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) وهذا أيضاً فيه بيان من قوله صلى الله عليه وسلم، والأول فيه بيان من فعله (أن النبي كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) وهنا قال: (تقطع) يعني: كلام النبي صلى الله عليه وسلم على أن القطع يكون في ربع دينار فما زاد عليه، وأن ما نقص عليه فإنه لا قطع فيه، ويكون دل على التحديد بربع الدينا ربقوله وفعله، وأن ما زاد عليه يقطع به، وما نقص منه فإنه لا يقطع به، وهذا التحديد من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على بطلان القول بالقطع في الكثير والقليل ولو كان تافهاً يسيراً.
تراجم رجال إسناد حديث: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) من طريق أخرى
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ و وهب بن بيان ]. وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب ]. وهؤلاء الثلاثة شيوخ لأبي داود اثنان منهم عبروا بحدثنا في الرواية عن ابن وهب ، وأما الشيخ الثالث فإنه عبر بأخبرنا، وهذا هو سبب التحويل بعد الصيغة لبيان الاختلاف في الصيغة، وأن الشيخين الأولين كل منهما يقول: حدثنا ابن وهب ، وأما الشيخ الثالث فإنه لم يقل: حدثنا وإنما قال: أخبرنا ابن وهب . [ وحدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن الشهاب عن عروة و عمرة عن عائشة ]. ابن الشهاب مر ذكره، و عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و عمرة مر ذكرها و عائشة مر ذكرها. [ قال أحمد بن صالح : (القطع في ربع دينار فصاعداً) ]. قال أحمد بن صالح -يعني: في روايته-: (القطع في ربع دينار فصاعداً)، وأما وهب بن بيان و ابن السرح فقالا: تقطع.
شرح حديث: (أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم). والمجن هو: الترس الذي يجعل وقاية في الحرب، وقيمته ثلاثة دراهم، وهي تعادل ربع دينار؛ لأن الدينار اثنا عشر درهماً. وهنا اختلف العلماء هل يرجع إلى الذهب أو إلى الفضة؟ والذي جاء في حديث عائشة يدل على أن الذهب هو الذي يعتبر؛ لأنه قال: (تقطع في ربع دينار فصاعداً) وأما هذا الذي حصل أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم فهذا مخصوص، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن القطع يكون في ربع دينار، إذاً: المرجع في ذلك هو القيمة بالذهب، وأن الدينار سواء نقصت قيمته أو زادت فإن المعتبر هو الربع، وقد يزيد من حيث التفاوت بين الذهب والفضة فإذا اعتبر ربع الدينار فإن المرجع يكون إليه. ثم أيضاً هذه قضية معينة، وأما ذاك ففيه تشريع وبيان؛ لأن المعتبر هو القطع في ربع دينار فصاعداً، وعلى هذا فيكون ذلك ثلاثة دراهم تعادل ربع دينار.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
شرح حديث (أن النبي قطع في مجن فيمته ثلاثة دراهم) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية أن نافعاً مولى عبد الله بن عمر حدثه أن عبد الله بن عمر حدثهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل سرق ترساً من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه التعبير بالترس، وبيان أنه من صفة النساء، وهو مكان في مسجد خاص بالنساء، والترس: هو المجن، فيكون مطابقاً لما تقدم في الرواية السابقة.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم) من طريق أخرى
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية ]. ابن جريج مر ذكره، وإسماعيل بن أمية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن نافعاً مولى عبد الله بن عمر حدثه أن عبد الله بن عمر حدثهم ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما.
شرح حديث (قطع رسول الله يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن أبي السري العسقلاني وهذا لفظه وهو أتم قالا: حدثنا ابن نمير عن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) قال أبو داود : رواه محمد بن سلمة و سعدان بن يحيى عن ابن إسحاق بإسناده ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) وهذا يخالف ما تقدم، ولكن يمكن أن يحمل على أنه اتفق أن ذلك حصل في مجن قيمته كذا، فلا يكون مقياساً، ولا يكون حداً فاصلاً، يعني: ما زاد عنه يعتبر نصاباً، وما نقص عنه لا يكون نصاباً؛ لأنه جاء التنصيص أنه تقطع في ربع دينار فصاعداً، وعلى هذا لا تنافي بين هذا وبين ما تقدم من الأحاديث الدالة على التحديد؛ لأن هذا الحديث ما ذكر تحديداً، وإنما أخبر بأنه اتفق أن المجن يساوي عشرة دراهم أو يساوي ديناراً، فإذاً لا تعارض؛ لأنه لا يوجد تحديد على أنه النصاب، وإنما هذا من جملة ما يقطع به؛ لأن ربع الدينار يقطع به، ونصف الدينار يقطع به، وثلاثة أرباع الدينار يقطع بها، والدينار يقطع به من باب أولى. فلا يعارض ما تقدم من الأحاديث الدالة على أن القطع يكون بالربع وما زاد عليه؛ لأن هذا من جملة ما هو داخل في الزيادة، فإذاً لا يعتبر حداً، ولا يعتبر مقياساً يصار إليه بالتحديد في النصاب في القطع بالسرقة، وإنما التحديد يكون بربع دينار، والشيخ الألباني قال: إنه شاذ، ولكن الشذوذ ليس واضحاً؛ لأنه يكون صحيحاً، ويكون القطع حصل بذلك اتفاقاً بأنه كان يساوي كذا وكذا، وهو لا يعارض الأحاديث السابقة بأن يقال: إن النصاب هو ربع دينار، وإنما اتفق أنه مما زاد على ربع الدينار الذي يكون القطع به، فالقول بشذوذه هذا لو كان يتعلق بتحديد النصاب، والقول بالشذوذ لأنه مخالف للأحاديث لا يصح، فهو لا يخالف الأحاديث الأخرى على ما هي عليه، وإنما اتفق أن قيمة المجن دينار.
تراجم رجال إسناد حديث (قطع رسول الله يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ و محمد بن أبي السري العسقلاني ]. محمد بن أبي السري العسقلاني هو محمد بن المتوكل ، وهو صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ وهذا لفظه وهو أتم قالا: حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب بن موسى ]. أيوب بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي إسناده محمد بن إسحاق ، وهو مدلس وقد روى بالعنعنة، لكنه لو ثبت فلا يعارض الأحاديث السابقة، والشاذ: هو ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه. [ قال أبو داود : رواه محمد بن سلمة و سعدان بن يحيى عن ابن إسحاق بإسناده ]. محمد بن سلمة هو الحراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ و سعدان بن يحيى ]. هو سعدان بن يحيي اللخمي ، وهو صدوق وسط، أخرج له البخاري و النسائي و ابن ماجة .
الأسئلة
حكم قتل القاتل في بلاد غير إسلامية
السؤال: نحن في بلاد أوروبية فهل يجوز لنا إذا قتل أحد أقاربنا أن نقتل القاتل؟ الجواب: أولاً القتل للقاتل لا يجب إلا إذا ثبت أنه هو القاتل، والقتل يكون من السلطان في بلاد فيها سلطان ينفذ الحدود، وإذا كان قتلهم له سيترتب عليه أضرار لهم ولغيرهم فلا ينبغي لهم أن يقدموا على القتل الذي قد ينتج عنه ما هو أكثر من قتيلهم الذي قتل، فإذا كان سيترتب على ذلك أضرار أكثر من ذهاب ذلك القتيل فلا يقدموا.
من ينوب السلطان في الحدود
السؤال: في باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان، من ينوب السلطان في هذا الزمان؟ الجواب: الذي ينوب السلطان كما هو معلوم القضاة، وكذلك الأمراء الذين تصل إليهم الأمور أولاً، ثم يرفعونها للقضاة ليحكموا فيها فهم نواب للسلطان.
دخول الشرطة في نواب السلطان
السؤال: هل يدخل في نواب السلطان الشرطة؟ الجواب: الظاهر أنهم يدخلون.
حكم إقامة الرجل الصالح الحدود دون السلطان
السؤال: ذكر لنا أن من ارتكب حداً فله أن يتصل برجل صالح فيقيم عليه الحد ويشهد عليه الناس، وهذا فيما إذا كان الحد دون القتل فهل هذا الكلام صحيح؟ الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على هذا.
حكم العفو في الحدود إذا بلغت السلطان
السؤال: إذا بلغت الحدود السلطان فهل للمجني عليه أن يعفو؟ الجواب: لا؛ لأن الحديث الذي سبق فيه: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب). ويشكل هذا في قضية القتل إذا جاء وقت القصاص وعفا أصحاب الحق عن القاتل، لكن نقول: إن مسألة القصاص غير مسألة الحدود؛ لأن هذه حقوق للناس، وأما الحدود فهي حقوق لله، والناس لهم أن يعفوا، بل هم مرغبون في العفو، ولهم أن يعفوا بالدية، وأن يأخذوا أكثر من الدية إذا أردوا.
حكم عفو المقذوف عن القاذف إذا بلغ السلطان
السؤال: هل يسقط حد القذف إذا بلغ السلطان وعفا المقذوف؟ الجواب: هو حق للمقذوف.
المقصود بقوله (لو سترته بثوبك لكان خيراً لك)
السؤال: ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهزال : (لو سترته بثوبك لكان خيراً لك)؟ الجواب: المقصود به: كونه هو الذي أخبره بأن يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان هو وليه، وكان قد وصى به أبوه إليه، ولكونه هو الذي يقوم بأموره، وكان وليه في الصغر، فقال له: اذهب واعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم بالذي حصل، وقوله: (لو سترته بثوبك) يعني: لو أخفيت أمره ولم تقل له أن يفعل هذا الشيء.
حكم الستر على الجاني والمذنب في الحرم
السؤال: هل يستحب الستر على الجاني والمذنب في الحرم؟ الجواب: أنا ذكرت في هذا تفصيلاً، وهو أنه إذا كان الإنسان ليس معروفاً بالسوابق، فهذا الستر عليه لا بأس به، وأما إذا كان الإنسان معروفاً بالفسق والفجور والسوابق فهذا لا يستر عليه؛ لأن هذا يمكنه، وأما إذا كانت زلة من هذا الإنسان، ولا يعرف عنه هذا الفعل فهذا من جنس ما تقدم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) هذا فيما بين الناس، وأما إذا وصلت إلى السلطان فالحد لابد أن يقام.
حكم من عمل كبيرة وتاب منها قبل أن تبلغ السلطان
السؤال: شخص قام بكبيرة من الكبائر حدها القتل، ولم يعلم به أحد إلا الله عز وجل، وهو الآن تائب فهل يذهب للسلطان ويظهر نفسه؟ الجواب: لا أبداً، إن الله يتوب على من تاب.
المراد من قول النبي للمرأة (اذهبي فقد غفر الله لك)
السؤال: قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة: (اذهبي فقد غفر الله لك) ألا يكون ذلك لأنها اتهمت رجلاً وهو بريء؟ الجواب: لعل هذا هو السبب؛ لأن فعل الزنا منها ليس بذنب لأنها مكرهة عليه، ولكن الذنب الذي حصل منها هو اتهام البريء.
حكم سؤال القاضي من أقر بالزنا عن المرأة التي زنى بها
السؤال: هل يسأل القاضي من أقر بالزنا عن المرأة التي زنى بها حتى يقام عليها الحد؟ الجواب: ليس بلازم مادام أنه اعترف بالزنا، وحتى لو أقر على امرأة فاعترافه وإقراره لا يكفي بالنسبة لها حتى تعترف هي.
توجيه حول استخدام الجوال وقت الدرس
السؤال: نريد منكم توجيهاً حول استخدام الجوال في وقت الدرس، مما يزعج الإخوة والحاضرين. الجواب: ينبغي أن يغلق في المساجد، والإنسان عليه أن ينتهز هذه الفرصة أو هذا الوقت القصير وهو جلوسه في المسجد، ويكون بعيداً عن الاشتغال مع الناس والاتصالات بالناس، فإذا دخل المسجد يغلق الجوال ولا يزعج أحداً ولا يزعجه هو أو يشغله عن ما هو خير، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان، وليس هذا عند الدرس فقط، بل حتى لو ما كان عنده أحد، ينبغي أن يكون في المسجد مغلقاً.
معنى التلقين في الحد
السؤال: مسألة التلقين في الحد ألا يمكن أن يكون المراد بالتلقين: تلقينه الاستغفار والتوبة مثلما قال له: تب واستغفر الله؟ الجواب: لا، التلقين هو قول: ما أظنك فعلت.
ما لا قطع فيه
شرح حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما لا قطع فيه. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان : أن عبداً سرق ودياً من حائط رجل فغرسه في حائط سيده، فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده، فاستعدى على العبد مروان بن الحكم وهو أمير المدينة يومئذ، فسجن مروان العبد وأراد قطع يده، فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك، فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا قطع في ثمر ولا كثر) فقال الرجل: إن مروان أخذ غلامي وهو يريد قطع يده، وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى معه رافع بن خديج حتى أتى مروان بن الحكم ، فقال له رافع : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا قطع في ثمر ولا كثر) فأمر مروان بالعبد فأرسل، قال أبو داود الكثر: الجمار ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما لا قطع فيه ]، أي: فيما إذا أخذ لا تقطع به اليد، لأنه لا يعتبر سرقة. أورد أبو داود رحمه الله في هذا الباب حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وذلك أن عبداً لرجل أخذ ودياً لإنسان، فغرسه في بستان سيده، ففقد صاحب البستان ذلك الودي فأخذ يلتمسه فوجده في بستان ذلك الرجل، فاستعدى على ذلك العبد صاحب البستان المأخوذ وديه مروان بن الحكم ، وكان أمير المدينة في ذلك الوقت أي: أنه استعان به عليه، فأخذه مروان وحبسه وأراد أن يقطعه، فذهب سيد ذلك العبد إلى رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه يسأله عن هذا الذي فعله عبده، فروى له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر) فطلب منه أن يمشي معه، أي: طلب صاحب البستان -الذي هو سيد العبد الذي أخذ الودي وغرسه في بستانه- أن يمشي معه إلى مروان بن الحكم ، ويخبره بالذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مشى معه وحدثه بالحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فعند ذلك أرسله أي: أطلقه من الحبس، والحديث يدل على أن الثمر الذي في النخل إذا كان الإنسان جاء وأخذ منه وأكل فإنه لا قطع عليه؛ لأن هذا مما يحتاج إليه ولاسيما إذا كان في طريق ومر عابر سبيل أو ابن سبيل فوجد ذلك الثمر في نخل ورقى وأكل منه ولم يتخذ معه شيئاً يصحبه معه، فإنه لا قطع عليه في ذلك. وكذلك أيضاً الكثر الذي هو: الجمار، فإنه لا يكون فيه قطع، بمعنى: أنه لو أخذ ودياً وغرسه أو أكل شحمه -الذي هو الجمار، وهو الذي يكون في أصول العسب ويكون ليناً وحلواً- فلا يقطع فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أكل الجمار كما جاء في حديث: (أنه أتي بجمار نخلة فعند ذلك قال عليه الصلاة والسلام: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها أخبرونا ما هي؟) ففكر الناس في شجر البر، ولم يقع في أذهانهم الشجر الذي يكون في البلد، وفهم ذلك عبد الله بن عمر ومنعه من أن يتكلم أنه رأى أباه وغيره من الصحابة الكبار لم يتكلموا، وبعد ذلك أخبر ابن عمر أباه؛ فسر وفرح فرحاً شديداً بهذا الذكاء الذي حصل لابنه. الحاصل: أن الجمار هو الذي يكون في أصول العسب، وهو حلو أبيض لين رقيق، فهو يؤكل ويستفاد منه في النخل الذي يقطع أو الذي ليس له حاجة، وأما إذا كان إليه حاجة فإنه ينقل من مكانه ويغرس في مكان آخر حتى يكون نخلاً. والحاصل: أن الثمر والأخذ منه مما هو على رءوس النخل، وكذلك الكثر الذي هو الجمار فإنه لا قطع فيه، ولكنه إذا أفسد نخلاً على أهله بأن خربه وأخذ جماره فإنه يغرم ويعاقب على ذلك؛ لأنه أفسد مال الغير بغير حق.
تراجم رجال إسناد حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك بن أنس ]. مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ رافع بن خديج ]. رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وجاء في بعض الروايات أن محمد بن يحيى بن حبان يروي عن عمه واسع بن حبان ، وإلا فإن محمد بن يحيى بن حبان روايته مرسلة أي: يوجد انقطاع بينه وبين رافع بن خديج .
شرح حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد حدثنا يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان بهذا الحديث قال: فجلده مروان جلدات وخلى سبيله ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه جلده جلدات وخلى سبيله يعني: تعزيراً على اعتدائه على مال الغير بغير حق.
تراجم رجال إسناد حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر) من طريق أخرى
قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد ]. هو ابن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان بهذا الحديث ]. يحيى و محمد بن يحيى بن حبان مر ذكرهما.
شرح حديث الأخذ من الثمر المعلق والمحرز
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً من بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة). قال: أبو داود : الجرين الجوخان ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: أن النبي سئل عن الثمر المعلق، أي: المعلق على رءوس النخل الذي لم يقطع، ولم يؤخذ إلى المكان الذي يحفظ فيه أو يخزن فيه أو ييبس فيه، فقال: من أخذ بفيه، يعني: أنه أكل طعاماً سد به جوعته فليس عليه شيء؛ لأن هذا شيء قد يحتاج الناس إليه ولاسيما عابرو السبيل عندما يمرون بنخل فيه ثمر فيأكلون بأفواههم ولا يحملون شيئاً، فإذا اقتصر على الأكل منه بنفسه دون أن يحمل شيئاً فإنه لا شيء عليه، فقد رخص له في ذلك، وإن اتخذ خبنة، يعني: حمل معه شيئاً في ثيابه أو في غير ثيابه فإن عليه غرامة مثليه والعقوبة، والعقوبة: هي جلدات نكالاً؛ لأنه أخذ شيئاً لا يستحقه، ولكنه لا يقطع به؛ لأنه أبيح الأكل منه في حال الحاجة إليه، فمن أخذ شيئاً زائداً على ذلك وفوق ما أذن له فيه فيؤاخذ بغرامة مثليه والعقوبة جلدات نكالاً. قوله: [ (من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع) ]. أي: بعدما جذ ووضع في الجرين، وهو المكان المخصص له والذي يحفظ فيه وييبس فيه، فإنه يكون أخذه من حرزه، فإذا كان بلغ ثمن المجن فعليه القطع؛ لأنه سرق مالاً من حرزه، فإن كان لم يبلغ النصاب فإنه يغرم مثليه والعقوبة، يعني: كالذي أخذ منه وهو معلق، فإنه يعاقب بمثليه والعقوبة أي: الجلد؛ لأنه لم يصل إلى حد القطع، وإذا وصل إلى حد القطع بأن كان نصاباً فأكثر فإنه يقطع، وإذا كان لم يبلغ نصاباً فإنه يغرم مثليه ويكون أيضاً عليه العقوبة مع ذلك. قوله: [ (ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) ]. يعني: دون النصاب الذي يقطع به في السرقة، فعليه غرامة مثليه والعقوبة.