نسخ الضيف يأكل من مال غيره
شرح أثر ابن عباس أن الناس تحرجوا من أن يأكلوا من مال غيرهم فنسخ ذلك التحرج
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب نسخ الضيف يأكل من مال غيره. حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، فكان الرجل يحرج أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية، فنسخ ذلك الآية التي في النور، قال: وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ... [النور:61]، إلى قوله: ... أَشْتَاتًا [النور:61]، كان الرجل -يعني: الغني- يدعو الرجل من أهله إلى الطعام، قال: إني لأجنح أن آكل منه، والتجنح: الحرج، ويقول: المسكين أحق به مني، فأحل في ذلك أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وأحل طعام أهل الكتاب ]. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب نسخ الضيف يأكل من مال غيره ]، هذه الترجمة المقصود منها آية النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] لما نزلت هذه الآية تحرج الناس أن يأكلوا من أموال غيرهم إلا إذا كان هناك تجارة كما جاء في الاستثناء في هذه الآية، فيكون ذلك حلالاً، فكان الرجل يتحرج أن يأكل من مال غيره، ثم لما نزلت الآية التي في سورة النور: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ [النور:61] .. الآية فرخص لهم أن يأكلوا، وأن ذلك الاستثناء الذي في قوله: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً [النساء:29] لا يكون الأصل مقصوراً على ذلك، وإنما يكون سائغاً في تلك الوجوه التي جاءت في آية سورة النور، فيكون الضيف ممن أبيح له أن يأكل من مال غيره؛ لأن ذلك سائغ شرعاً كما في هذه الآية الكريمة، وجاء أيضاً في الأحاديث النبوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدلالة على الحث على إكرامه وعلى الإحسان إليه، فهذا هو المقصود من هذه الترجمة. ويقول صاحب عون المعبود: إن في بعض النسخ نسح الضيق. وهذا يعم مسألة الضيف؛ لأن الضيف يكون جزءاً من جزئيات ذلك المعنى، والتحرج إنما كان في الشيء الذي ليس بتجارة، ولكن الضيف هو واحد من جملة ما يدخل تحت ذلك المعنى العام، الذي أبيح أن يأكل الضيف وغير الضيف من مال غيره، ويكون ذلك في غير التجارة، وتكون آية النساء منسوخة أو جاء ما يدل على كون ذلك الأكل سائغاً كما في آية سورة النور. أورد أبو داود الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في ذلك، وأن الناس تحرجوا من أن يأكلوا من أموال غيرهم، وكان الرجل إذا دعاه رجل من أهل بيته وعنده سعة قال: أطعم مسكيناً أو المسكين أولى مني؛ فنزلت هذه الآية، ورخص لهم أن يأكلوا من كل شيء ذكر اسم الله عليه، وكذلك أيضاً أحل لهم طعام أهل الكتاب كما جاء ذلك في سورة المائدة. قوله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] فكان الرجل يحرج أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية، فنسخ ذلك الآية التي في النور ]. يعني: نسخ ذلك التحرج الذي فهموه من هذه الآية، وحصل بسبب ما جاء في هذه الآية من أن الحل إنما يكون بالتجارة التي تكون عن تراض منهم، وأن ذلك هو الذي استثني وغيره يبقى على المنع، لكن جاءت آية سورة النور مبينة أنه لا حرج في ذلك، وأن للإنسان أن يأكل من مال غيره، إذا كان بطيب نفس منه، أو كان من أقاربه الذين يأكل في بيوتهم، فإن ذلك لا بأس به. قوله: [ فنسخ ذلك الآية في النور، قال: وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ... [النور:61] إلى قوله: (( أَشْتَاتًا )) ]. يعني: هذه الآية بينت أن الله أذن لهم أن يأكلوا من بيوتهم وبيوت آبائهم وأمهاتهم إلى آخر الآية، يعني: ذكر أحد عشر صنفاً من الناس، يقول عز وجل: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا [النور:61]. قوله: [ كان الرجل -يعني: الغني- يدعو الرجل من أهله إلى الطعام، قال: إني لأجنح أن آكل منه، والتجنح: الحرج ويقول: المسكين أحق به مني ]. يعني: الذي عنده سعة إذا دعاه قريبه يكون في نفسه شيء، ويكون عنده حرج من أن يأكل، وأن الأولى منه بالأكل هو الفقير الذي يحتاج إلى الأكل. قوله: [ فأحل في ذلك أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وأحل طعام أهل الكتاب ]. يعني: وأحل لهم أن يأكلوا من شيء ذكر اسم الله عليه ولا حرج عليهم في ذلك، وكذلك أحل لهم أن يأكلوا من طعام أهل الكتاب.
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس أن الناس تحرجوا من أن يأكلوا من مال غيرهم فنسخ ذلك التحرج
قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي ]. هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثني علي بن الحسين بن واقد ]. علي بن الحسين بن واقد وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ] هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الفرق بين قوله باب نسخ الضيف وبين باب نسخ الضيق ومعناهما
قال صاحب عون المعبود: جاء في بعض النسخ باب نسخ الضيق أي: نسخ حرمة الضيافة والمقصود من ذلك ما هو عام يشمل ما يكون فيه تحرج، ويشمل الضيف وغير الضيف، وأما على الترجمة التي معنا فهي خاصة بالضيف، ومعلوم أن الضيق هو مما يدخل تحت ذلك المعنى العام الذي هو التحرج من الأكل في غير تجارة، فإنه يشمل الضيف وغير الضيف، وتكون أعم، ولكن الذي يناسب المقام هو ما يتعلق بالضيف، لكن كلمة الضيق تشمل الضيف وغير الضيف، نعم كل من عنده تحرج، ولهذا جاء بعد ذلك في نفس التوضيح والتفسير والبيان أن الرجل يدعو الرجل من أهل بيته فيقول: الفقير أولى به مني، أو المسكين أولى به مني، فيكون أوسع من كلمة الضيف، وصاحب عون المعبود ذكر أربع نسخ: ثلاثاً فيها الضيف، وواحدة فيها الضيق.
طعام المتباريين
شرح حديث (نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في طعام المتباريين. حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا جرير بن حازم عن الزبير بن خريت قال: سمعت عكرمة يقول: كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل). قال أبو داود: أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس، وهارون النحوي ذكر فيه ابن عباس أيضاً، و حماد بن زيد لم يذكر ابن عباس ]. قوله: [ باب في طعام المتباريين ] يعني: في حكمه هل يؤكل أو لا يؤكل؟ والمتباريان هما المتفاخران اللذان يتنافسان، وكل واحد منهما يريد أن يغلب الآخر، ويكون ذلك من قبيل الرياء والسمعة والمراءاة، فكان محظوراً من هذه الناحية، فجاءت السنة بالنهي عن أكل طعامهم؛ لأنه طعام مبني على المغالبة وعلى المنافسة، وليس هذا كرماً ولا إحساناً وإنما مباراة ومجاراة ومغالبة، هذا هو المقصود بالمتباريين. أورد أبو داود الحديث عن ابن عباس [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل) ] يعني: نهى أن يؤكل، وذلك لكونه مبنياً على المغالبة وعلى المنافسة، وليس مبنياً على الإحسان والكرم.
تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل)
قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء هو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا جرير بن حازم ]. جرير بن حازم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبير بن خريت ]. الزبير بن خريت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ قال: سمعت عكرمة يقول: كان ابن عباس ]. عكرمة و ابن عباس قد مر ذكرهما.
طريق أخرى لحديث (نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل) وترجمة رجال الإسناد
[ قال أبو داود : أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس ]. يعني: أنه مرسل عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ وهارون النحوي ذكر فيه ابن عباس أيضاً ]. يعني: كما جاء في هذا الإسناد، عن زيد بن أبي الزرقاء فهارون النحوي أيضاً يذكر ابن عباس، فيكون الحديث متصلاً مرفوعاً وليس من قبيل المرسل، ولكن أشار أبو داود إلى أن أكثر الرواة رووه مرسلاً، ولكنه متصل بهذا الإسناد، ومتصل أيضاً من طريق هارون النحوي. [ وهارون النحوي ]. هو هارون بن موسى الأسدي النحوي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ وحماد بن زيد لم يذكر ابن عباس ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو لم يذكر ابن عباس مع الذين لم يذكروه.
إجابة الدعوة إذا حضرها مكروه
شرح حديث (ليس لنبي أن يدخل بيتاً مزوقاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إجابة الدعوة إذا حضرها مكروه. حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن سعيد بن جمهان عن سفينة أبي عبد الرحمن رضي الله عنه: (أن رجلاً أضاف علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصنع له طعاماً فقالت فاطمة رضي الله عنها: لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا، فدعوه، فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى القرام قد ضرب به في ناحية البيت فرجع، فقالت فاطمة لـ علي : الحقه فانظر ما رجعه، فتبعته فقلت: يا رسول الله! ما ردك؟ فقال: إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتاً مزوقاً) ]. قوله: [ باب إجابة الدعوة إذا حضرها مكروه ] يعني: إذا كان فيها شيء مكروه فإنها لا تجاب، اللهم إلا إذا كان الإنسان إذا حضر سيسعى وسيعمل على تغيير هذا المنكر وعلى التخلص منه، فإن هذا يكون وجيهاً ومناسباً، أما إذا كان سيحضر دون أن يكون له تأثير ودون أن يفيد شيئاً في ذلك، فإن عليه ألا يحضر، وإذا علم أنه سيكون هناك مكروه عادة فيقول: إذا كان هناك كذا فأنا لا أحضر، وإن حضر ووجد ذلك الأمر الذي لا يسوغ فإنه ينكر المنكر، وإن حصل من إنكاره إزالته فذاك، وإلا فينبغي له أن يغادر المكان مادام أنه لم يستجب لأمره ونهيه. أورد أبو داود حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (أن رجلاً أضاف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فصنع له طعاماً فقالت فاطمة : لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا، فدعوه، فجاء فوضع يده على عضادتي الباب -أي: جانبي الباب- فرأى القرام قد ضرب به في ناحية البيت فرجع، فقالت فاطمة لعلي رضي الله تعالى عنهما: الحقه فانظر ما رجعه، فتبعته فقلت: يا رسول الله! ما ردك؟ فقال: إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتاً مزوقاً) ]. قيل: إن هذا القرام ستر به الجدار، وقيل: إن فيه زركشة وفيه تزويقاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم رجع وقال: [ (إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتاً مزوقاً) ] فدل على أنه لا يصلح ولا يليق بالإنسان أن يستعمل مثل ذلك، ولاسيما ستر الجدران بالقماش أو بالسجاد أو ما إلى ذلك؛ لأن هذا لا حاجة إليه، وهو من الإسراف، ومن تضييع المال، ومن الشيء الذي فيه مفاخرة، فالجدران ينهى عن سترها. قوله: [ (أضاف) ] الذي يظهر منه أن علياً هو الذي طلب منه أن يكون ضيفاً أو أنه زوده بطعام ورجع به إلى بيته، ففاطمة رضي الله تعالى عنها طلبت منه أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشاركهم في ذلك الطعام.
تراجم رجال إسناد حديث (ليس لنبي أن يدخل بيتاً مزوقاً)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حماد ]. حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن جمهان ]. سعيد بن جمهان وهو صدوق له أفراد، أخرج له أصحاب السنن. [ عن سفينة أبي عبد الرحمن ]. سفينة أبو عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
الأسئلة
عدم اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالامتناع عن دخول البيت المزوق
السؤال: أليس قوله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتاً مزوقاً) خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه ليس لي أو لنبي ...) والله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فهذا له صلى الله عليه وسلم ولأمته.
معنى قوله (مزوقاً)
السؤال: ما معنى قوله: (مزوقاً) ؟ الجواب: التزويق: الزركشة.
حكم تزويق وتزيين الجدران بالزخارف التي من الجص
السؤال: هل يدخل في النهي عن التزويق الزخارف التي من الجص؟ الجواب: لا شك أن ترك ذلك أولى، لكن لا يدخل فيه؛ لأنه شيء في الجدار وشيء تابع للجدار وليس كسوة للجدار.
حكم إلصاق الأوراق ذوات الصور المشتملة على الأنهار والجبال والبحار بالجدران
السؤال: هل يجوز أن توضع على الجدران أوراق فيها صور لأنهار أو جبال أو بحار فتلصق على الجدار بكامله؟ الجواب: إذا كانوا يضعون مثل هذه الأوراق على الجدران بدلاً عن التلييس، فهذا لا يعتبر من ستره، ثم أيضاً الورق ما له قيمة مثل السجاد ومثل القماش الفاخر الذي فيه مباهاة وفيه إسراف.
حكم وضع الستائر على الأبواب والنوافذ
السؤال: هل الستائر الموجودة الآن على الأبواب والنوافذ مثل القرام المنهي عنه؟ الجواب: لا، الستائر التي على الأبواب والتي على النوافذ ليست من هذا القبيل، بل هذه مناسبة والحاجة إليها داعية، من جهة أنها تستر إذا فتحت النوافذ، ومع ذلك يدخل الهواء ويدخل النور، وكذلك تحجب الرؤية، فليست مثل كسوة الجدران بالشيء المحظور؛ لأن ستر النوافذ والأبواب لها حاجة، بحيث لو فتح الباب يمنع الساتر من الرؤية، والنافذة كذلك.
الأحق بالإجابة إذا اجتمع الداعيان
شرح حديث ( إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما باباً ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا اجتمع داعيان أيهما أحق؟ حدثنا هناد بن السري عن عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن أبي العلاء الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما باباً، فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً، وإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق) ]. يقول المصنف رحمه الله: باب إذا اجتمع داعيان أيهما أحق؟، يعني: إذا جاءا معاً وصارت دعوة كل منهما متوافقة ليس أحدهما متقدماً على الآخر، فإنه يكون التقديم لمن يكون أولى، ولمن يكون له ميزة على غيره، إما لقرابة أو لجوار أو لمنزلة متميزة في علم أو غيره، فيقدم أولاهما إذا كانا متساويين في الدعوة، ولم يكن أحدهما متقدماً على الآخر. وإن كان أحدهما متقدماً فالأولى إجابة من كان سابقاً إلى الدعوة، هذا هو مقتضى ما أورده أبو داود تحت هذه الترجمة، والحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما باباً، فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً) ] ومعلوم أنه قد يكون هناك جار قريب وبابه قريب، وجار ملاصق ولكن بابه من الخلف، ولا يتصل به إلا بعد الدوران حتى يصل إلى الجهة الأخرى، فيكون الأولى المجاور الذي بابه قريباً من بابك بحيث يراك حين تدخل وتراه حين يدخل، ويكون الاتصال بينكما كثيراً، فهذا هو الذي له حق الأولوية، فإن كان أحدهما سابقاً في الدعوة فإنه يقدم السابق.
تراجم رجال إسناد حديث ( إذا اجتمعا الداعيان فأجب أقربهما باباً ...)
قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد السلام بن حرب ]. عبد السلام بن حرب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي خالد الدالاني ]. هو يزيد بن عبد الرحمن وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي العلاء الأودي ]. هو داود بن عبد الله ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ]. حميد بن عبد الرحمن الحميري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. هو غير معروف، والمجهول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم. والحديث ضعفه الشيخ الألباني ، ولعله من جهة أبي خالد الدالاني هذا، ولكن معناه صحيح، وما دل عليه صحيح، فإن الأقرب من حيث القرابة ومن حيث الجوار أولى من غيره إذا اتفقا، ولكن إن حصل السبق في الدعوة، فإن السابق الذي حصل له الوعد أولى من غيره.
الأحق بالتقديم إذا حضرت الصلاة والعشاء
شرح حديث (إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فلا يقوم حتى يفرغ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا حضرت الصلاة والعشاء. حدثنا أحمد بن حنبل و مسدد المعنى قال أحمد : حدثني يحيى القطان عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فلا يقوم حتى يفرغ) زاد مسدد : (وكان عبد الله إذا وضع عشاؤه أو حضر عشاؤه لم يقم حتى يفرغ، وإن سمع الإقامة، وإن سمع قراءة الإمام) ]. يقول المصنف رحمه الله: باب: إذا حضرت الصلاة والعشاء يعني: حضرت الصلاة وحضر العشاء الذي هو طعام آخر النهار ويؤكل في العشي. فإذا حضرت الصلاة وحضر العشاء، والنفس متعلقة بالعشاء، بحيث لو اشتغل بالصلاة صارت نفسه متعلقة به، فإنه يقدم العشاء وبعد ذلك يأتي بالصلاة، ومن العلماء من قال: ينظر إلى حالته، فإن كان شديد التعلق به وشديد الحاجة إليه، فإن العشاء يكون مقدماً؛ لأن دخوله في الصلاة وهو مشوش لا يجعله يتمكن من الإتيان بصلاته كما ينبغي، وإن كانت نفسه غير متعلقة بالعشاء، والأمر عنده سهل وهين، وسواء أكله الآن أو بعد الآن، فإنه يأتي بالصلاة ثم بعد ذلك يأتي بالعشاء، وهذا جمع بعض أهل العلم بين الأحاديث التي وردت بذلك، ومن أهل العلم من قال: إن العشاء إذا حضر فإنه يقدم على غيره, وتؤخر الصلاة، ولكن التفصيل الذي ذكره الخطابي يبدو أنه هو الأولى.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فلا يقوم حتى يفرغ )
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ المعنى قال أحمد : حدثني يحيى القطان ]. يحيى القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر الصحابي الجليل، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا معلى -يعني ابن منصور - عن محمد بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: [ (لا تؤخر الصلاة لطعام ولا غيره) ] يعني: أن الصلاة تقدم على غيرها، وغيرها يؤخر عنها، فالصلاة يؤتى بها في وقتها، ولا تؤخر بسبب الانشغال بغيرها، لكن إذا كانت النفس متعلقة بالصيام لشدة الجوع، بحث لو دخل في الصلاة لكان مشوشاً فيبدأ بالطعام، وإن لم يكن كذلك وليس هناك داع يدعو الإنسان إلى المبادرة إلى الأكل، ونفسه غير متعلقة بالأكل، فإن الصلاة تقدم على غيرها.
تراجم رجال إسناد حديث (لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره)
قوله: [ حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع ] . محمد بن حاتم بن بزيع ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا معلى يعني ابن منصور ] . معلى بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن ميمون ]. محمد بن ميمون وهو صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود . [ عن جعفر بن محمد ]. هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الصادق وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو محمد بن علي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح أثر (إننا سمعنا أنه يبدأ بالعشاء قبل الصلاة فقال ابن عمر ويحك ما كان عشاؤهم ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن مسلم الطوسي حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كنت مع أبي في زمان ابن الزبير إلى جنب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال عباد بن عبد الله بن الزبير: إننا سمعنا أنه يبدأ بالعشاء قبل الصلاة، فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ويحك! ما كان عشاؤهم؟ أتراه كان مثل عشاء أبيك؟! ]. أورد أبو داود أثر عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال له عباد بن عبد الله بن الزبير : إننا سمعنا أنه يبدأ بالعشاء قبل الصلاة، فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ويحك! ما كان عشاؤهم؟ أتراه كان مثل عشاء أبيك؟ يعني: كان شيئاً قليلاً، وليس هناك أنواع وأصناف كثيرة، بحيث يأخذ له شيئاً من الوقت، وإنما هو شيء قليل، إما شرب شيء من اللبن، أو طعام قليل، فالاشتغال به لا يحتاج إلى وقت كبير. وقوله: [ ويحك ] هذه كلمة يخاطب بها الشخص المشفق عليه، بخلاف ويلك، فإنها تكون بخلاف ذلك.
تراجم رجال إسناد أثر (إننا سمعنا أنه يبدأ بالعشاء قبل الصلاة فقال ابن عمر ويحك ما كان عشاؤهم ...)
قوله: [ حدثنا علي بن مسلم الطوسي ]. علي بن مسلم الطوسي هو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو بكر الحنفي ]. هو عبد الكبير بن عبد المجيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الضحاك بن عثمان ]. الضحاك بن عثمان وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عبيد بن عمير ]. عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قد مر ذكره.
الأسئلة
وجه عدم ذكر الغداء مع العشاء في أحاديث باب إذا حضرت الصلاة والعشاء
السؤال: هل يقاس الغداء على العشاء في هذا الحكم، فإن الألفاظ هنا جاءت دائماً في العشاء؟ الجواب: لا؛ لأن الغداء إنما يكون في أول النهار بعد صلاة الفجر، أو بعد طلوع الشمس، وليس في وقت صلاة، ولكن جاء ذكر العشاء؛ لأنه هو الذي يكون في آخر النهار، ويكون قريباً من وقت صلاة المغرب."