عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 28-06-2025, 06:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,114
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



الرقبة المؤمنة في الكفارة




شرح حديث الجارية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرقبة المؤمنة.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الحجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! جارية لي صككتها صكة، فعظم ذلك عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها.
قال: فجئت بها، قال: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة) .
] أورد أبو داود هذه الترجمة وهي [باب الرقبة المؤمنة] ، أي: في الكفارة, يعني: هل يشترط وصف الإيمان للرقبة التي تعتق أم أنه يعتق أي رقبة ولو كانت كافرة؟ فمثلاً: جاء في كفارة اليمين أنها عتق رقبة ولكنها جاءت مطلقة في القرآن, غير مقيدة بالإيمان, وكذلك جاء في كفارة الظهار عتق رقبة وجاءت غير مقيدة, ولم تأت مقيدة بالإيمان إلا في كفارة القتل, فجمهور العلماء حملوا المطلق على المقيد, وقالوا: إن النفس التي تعتق تكون مؤمنة, ومن أهل العلم من أجاز أن تكون كافرة, ولكن الجمهور على أنها لابد أن تكون مؤمنة ولا يجوز أن تكون كافرة.
ولا شك أن القول بأنها لابد أن تكون مؤمنة هو القول الذي يجعل الإنسان يطمئن أنه قد أبرأ ذمته في الكفارة، والقول بإعتاق الرقبة الكافرة لا يكون فيه اطمئنان إلى براءة الذمة.
إذاً: القول بحمل المطلق على المقيد كما جاء في القرآن هو الذي فيه السلامة والاطمئنان إلى براءة الذمة.
وقد أورد أبو داود حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه كانت له جارية, وكانت ترعى غنماً، فجاء الذئب وأخذ شاة منها, ثم جاء وسأل عنها, فقالت: أخذها الذئب، فصكها، ثم ندم وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فعظم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, أي: أخبره أن ضرب الجارية وصكها أمر عظيم، فقال: ألا أعتقها يا رسول الله؟! قال: (ائتني بها.
فأتاه بها, فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء.
قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله.
قال: أعتقها فإنها مؤمنة) .
فلما قالت: (إن الله في السماء) حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بإيمانها وأقرها على ذلك، وهذا كقول الله عز وجل: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] والمراد بالسماء: العلو, وليس المراد به السماء المبنية أو السموات السبع, فإن الله لا يحويه شيء مخلوق، وإنما هو فوق العرش بائن من خلقه لا يحويه شيء من مخلوقاته.
فالمقصود بقوله: (في السماء) أي: في العلو, ومعلوم أن العلو يطلق على كل ما علا الإنسان، فكل ما فوق الإنسان يقال له: علو، والسماء المبنية والتي هي شيء وجودي هي مخلوقة، والله عز وجل لا يحويه شيء مخلوق, فلا يقال: إنه في السماء وإن السموات تحويه؛ لأنه سبحانه وتعالى فوق العرش, وإنما المقصود بالسماء العلو, وما فوق العرش يقال له: علو, ويقال له: سماء.
إذاً: الله سبحانه وتعالى في السماء أي: فوق العرش, وليس في السماء دون العرش, أي: السماء المبنية.
وهذه العقيدة التي قالتها هذه الجارية هي عقيدة الفطرة التي فطر الله الناس عليها, والناس الذين لم يتعلموا علم الكلام ولم يبتلوا به لم يخرجوا عن الفطرة, فعقيدة الفطرة هي عقيدة هذه الجارية التي قالت: (إن الله في السماء) ، ولهذا جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه أنه سأله رجل عن شيء من الأهواء, فقال له: (الزم عقيدة الصبي والأعرابي واله عما سوى ذلك) ، أي: لأن الصبي والأعرابي على الفطرة, والذي يكون على الفطرة تكون عقيدته هي العقيدة الصحيحة, وأما الذين اعتقدوا شيئاً مخالفاً لهذه العقيدة فإنما جاءهم البلاء بخروجهم عن الفطرة, وخروجهم عن هذه العقيدة الحقة الصحيحة السليمة التي دل عليها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعض المتكلمين الذين ابتلوا بعلم الكلام منهم من آل أمره إلى الندم والحيرة بعد توغله في علم الكلام وتمكنه منه, وقد جاء عن الرازي -وهو ممن تمكن من علم الكلام- أنه قال: الفائز من كان على عقيدة العجائز، يعني: العوام.
وجاء عن أبي المعالي الجويني أنه قال: أموت على عقيدة عجائز نيسابور.
وهذا يعني أن المتكلمين الذين ابتلوا بعلم الكلام منهم من آل أمره إلى الحيرة, وبعد ذلك تبين له أن الفطرة والشيء الذي عليه العوام هو الحق والهدى, وأن هذا العلم الذي تعلموه وخرجوا به عن الفطرة أوقعهم في الحيرة والندم, ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية, وشارح الطحاوية، والشهرستاني وغيرهم مقولات عديدة عن جماعة من المتكلمين، منهم الرازي والجويني وابن أبي الحديد , نقلوا عنهم ما يدل على حيرتهم وندمهم, وفيهم من صرح بأن السلامة إنما هي في عقائد العوام وفيما عليه العوام, وهذا هو الذي قال عنه عمر بن عبد العزيز: (الزم عقيدة الصبي والأعرابي واله عما سوى ذلك) , يعني: ابتعد عما سوى ذلك.
وفي هذا الزمان انتشر مذهب الأشاعرة, ومذهب الأشاعرة ليس هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ لأن الأشاعرة يثبتون سبع صفات, والسبع الصفات التي أثبتوها لم تسلم من التأويل, كصفة الكلام، وهي واحدة من السبع, وما سوى ذلك يؤلونه.
وهذه العقيدة التي ابتلي بها كثير من الناس سبب ذلك هو دراستها، فإنهم درسوها فخرجوا عن الفطرة التي هي عقيدة العجائز والعوام، ولهذا يقول بعض الناس في هذا الزمان: إن 95% من المسلمين أشاعرة, وهذا كلام ليس بصحيح؛ لأن الأشاعرة هم المتعلمون الذين درسوا مذهب الأشاعرة, وأما العوام وهم الأكثرية الكاثرة فهم على الفطرة, ولم يخرجوا عن الفطرة، وإنما خرج عنها الذين تعلموا هذه العقيدة التي خرجوا بها عن الفطرة, وإلا فالذين بقوا على الفطرة -وهم الأكثرية- ليسوا أشاعرة, بل الأشاعرة هم الذين درسوا في مؤسسات تدرس عقيدة الأشاعرة.
والحاصل: أن هذا الحديث في سؤال الرسول إياها وأنها قالت: في السماء، فيه إثبات صفة العلو لله عز وجل، وهو مثل ما جاء في القرآن: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} [الملك:16] , والمقصود بذلك: العلو, والله تعالى عالٍ على خلقه, وفوق عرشه المجيد بذاته سبحانه وتعالى، فله علو القدر وعلو القهر وعلو الذات سبحانه وتعالى.
وقوله: (فإنها مؤمنة) فيه إشارة إلى أن الرقبة التي تعتق تكون مؤمنة.
وبعض المتكلمين من الأشاعرة يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب الجارية على قدر عقلها! وهذا كلام باطل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء, قال: أعتقها فإنها مؤمنة) ، فحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بإيمانها, إذاً: هذا الشيء الذي قالته هو خلاف عقيدة الأشاعرة؛ ولذا يقال لهم: هل أقرها الرسول على باطل؟! وهل هذه العقيدة التي ابتلي بها بعض الناس وجاءت بعد زمن الصحابة حجب عنها الصحابة وادخرت لمن بعدهم؟! وهل تكون هناك عقيدة حقة تحجب عن الصحابة ولا يعرفونها ولا يظفرون بها, ويظفر بها أناس يجيئون بعدهم؟! هل هذا يعقل؟!
و الجواب أبداً لا يكون ذلك, بل الحق والهدى هو ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو كانت هذه العقيدة التي عليها الأشاعرة خيراً لسبق إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن العقيدة التي كانوا عليها هي أنهم كانوا يثبتون النصوص على ما تقتضيه على وجه يليق بجلال الله تعالى, دون أن يفكروا بتشبيه أو تعطيل أو تأويل.
ولو أن الناس بقوا على مثل عقل هذه الجارية الذي هو عقل السلامة لكان خيراً لهم.




تراجم رجال إسناد حديث الجارية
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى] .
يحيى هو ابن سعيد القطان البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحجاج الصواف] .
الحجاج الصواف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني يحيى بن أبي كثير] .
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هلال بن أبي ميمونة] .
الشيخ: عن هلال بن أبي ميمونة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار] .
عطاء بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن الحكم السلمي] .
معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي.




شرح حديث الشريد بن سويد في أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بإعتاق رقبة مؤمنة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشريد رضي الله عنه أن أمه أوصته أن يعتق عنها رقبة مؤمنة, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن أمي أوصت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة وعندي جارية سوداء نوبية) فذكر نحوه.
] أورد أبو داود حديث الشريد بن سويد رضي الله عنه أنه قال: إن أمه أوصت أن يعتق عنها جارية مؤمنة, وأنه كان عنده جارية نوبية فذكر نحوه, أي: نحو ما تقدم في حديث معاوية بن الحكم السلمي , وأن الرسول سألها وأنها قالت نحو ذلك.




تراجم رجال إسناد حديث الشريد بن سويد في أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بإعتاق رقبة مؤمنة
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن سلمة، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عمرو] .
هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الوقاصي الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة] .
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم, وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الشريد] .
هو الشريد بن سويد رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[قال أبو داود: خالد بن عبد الله أرسله لم يذكر الشريد] .
أي: أن خالد بن عبد الله أحد الرواة أرسله فلم يذكر الشريد، بل قال: عن أبي سلمة، ورفعه.
وخالد بن عبد الله هو الواسطي الطحان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال يا رسول الله! إن عليَّ رقبة مؤمنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني حدثنا يزيد بن هارون أخبرني المسعودي عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال: يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة، فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء بإصبعها، فقال لها: فمن أنا؟ فأشارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى السماء، يعني: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة) .
] أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى بجارية سوداء وقال: يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة، فالرسول صلى الله عليه وسلم اختبرها ليعرف إيمانها فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء, وسألها عن نفسه فأشارت إليه وإلى السماء, أي: أنت رسول الله, فقال: أعتقها فإنها مؤمنة) .




تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال يا رسول الله! إن عليَّ رقبة مؤمنة)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني] .
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثقة أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يزيد بن هارون] .
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني المسعودي] .
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن عون بن عبد الله] .
عون بن عبد الله هو أخو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المعروف, وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عتبة] .
عبد الله بن عتبة قيل: له رؤية, ووثقه جماعة، وأخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وقد ضعف الألباني هذا الحديث، وقال: فيه ذكر الأعجمية، والأعجمية لم تأت إلا في حديث أبي هريرة، نقله عن الذهبي في العلو, وعلق الشيخ الألباني على كلام الذهبي في العلو.
وأما مسألة الإشارة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أشار إلى السماء, أي: أن الله تعالى فوق, وذلك في حديث جابر الطويل حين قال: (إنكم ستسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت, فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اشهد) .
ولفظة: (أعجمية) ليست في هذا الحديث, ولكنها جاءت في حديث أبي هريرة في بعض الطرق، وقد نقلها الذهبي في العلو، وتضعيف الشيخ الألباني هو للحديث كله؛ لأن فيه المسعودي هذا.




الاستثناء في اليمين بعد السكوت




شرح حديث (والله! لأغزون قريشاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا شريك عن سماك عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله لأغزون قريشاً، والله لأغزون قريشاً، والله لأغزون قريشاً, ثم قال: إن شاء الله) .
] قوله: [باب الاستثناء في اليمن بعد السكوت] , سبق أن ذكرنا أن الاستثناء في اليمين إنما ينفع إذا كان متصلاً بالكلام، وأن السكوت أو الفصل إذا كان بسبب أمر طارئ كسعال أو عطاس أو تنفس فلا يؤثر، وأما إذا طال الفصل فإنه لا يصح الاستثناء, ومن العلماء من قال: إنه يكون في المجلس.
ولكن الذي يبدو أنه لا بد أن يكون متصلاً, والسكوت إذا كان لأمر طارئ أو لأمر يقتضيه فلا يؤثر, وأما إذا كان السكوت لإعراض عن القصة واشتغال بغيرها, ثم بعد ذلك يرجع ويقول: إن شاء الله, فهذا لا ينفع.
إذاً: هذا السكوت فيه تفصيل، فإن كان الصوت انقطع شيئاً يسيراً لأمر طارئ كما في الأمثلة التي أشرت إليها, فإن ذلك لا يؤثر في الاستثناء, وأما إذا طال الفصل, فإنه لا ينفع الاستثناء.
وقد أورد أبو داود حديث عكرمة، وقد جاء في الرواية الآتية أنه أسنده عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (والله! لأغزون قريشاً، والله! لأغزون قريشاً, والله! لأغزون قريشاً، ثم قال: إن شاء الله) .
[قال أبو داود: وقد أسند هذا الحديث غير واحد عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم] .
أي: وقد أسند هذا غير واحد عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، فيكون مرفوعاً ومتصلاً وليس منقطعاً كما هو ظاهر الرواية التي ساقها المصنف أولاً, فإنه أشار إلى أن جماعة أسندوه, وأنهم رفعوه وذكروا الواسطة بين عكرمة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن عباس.
قوله: [وقال الوليد بن مسلم عن شريك: ثم لم يغزهم] .
أي: قال الوليد في روايته عن شريك: ثم لم يغزهم، يعني: أنه لم يحصل منه غزو وقد حلف عليه, فيكون الاستثناء الذي حصل وهو قول: (إن شاء الله) هو الذي نفع وأثر في ذلك.




تراجم رجال إسناد حديث (والله! لأغزون قريشاً)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شريك] .
هو ابن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً, أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سماك] .
هو سماك بن حرب، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
وروايته عن عكرمة فيها اضطراب.
[عن عكرمة] .
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[وقال الوليد بن مسلم] .
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث (والله! لأغزون قريشاً) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن بشر عن مسعر عن سماك عن عكرمة يرفعه قال: (والله! لأغزون قريشاً, ثم قال: إن شاء الله, ثم قال: والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله تعالى, ثم قال: والله! لأغزون قريشاً, ثم سكت، ثم قال: إن شاء الله) .
قال أبو داود: زاد فيه الوليد بن مسلم عن شريك: ثم قال: ثم لم يغزهم] .
أورد هذه الرواية الثانية التي هي عن عكرمة مسندة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والله! لأغزون قريشاً، ثم قال: إن شاء الله, ثم قال: والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله, ثم قال: والله! لأغزون قريشاً، ثم سكت ثم قال: إن شاء الله) وهذا هو الذي فيه مطابقة للترجمة من ناحية السكوت, أي: أن هذه الطريق هي التي فيها ذكر السكوت بهذا التفصيل الذي فيه أنه حلف واستثنى ثم حلف واستثنى ثم حلف وسكت ثم استثنى, ولكن هذه الطريق مرسلة، والمسندة هي التي جاء فيها الحلف ثلاث مرات, ثم قال في الأخير: (إن شاء الله) فترجع إلى الجميع؛ لأنه قسم متصل.
وهذه الطريق الثانية ضعفها الشيخ ناصر، لكن من حيث الحكم الشرعي على ما جاء في الرواية الأولى: (والله! لأغزون قريشاً، والله! لأغزون قريشاً، والله! لأغزون قريشاً) إذا كان الكلام متصلاً فمعلوم أن الاستثناء يرجع إلى الجميع.
وفي الرواية الثانية: (والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله, والله! لأغزون قريشاً إن شاء الله) , وفي الثالثة: سكت, فالأولى ليس فيها إشكال؛ لأن الاستثناء متصل, والثالثة هي التي حصل فيها سكوت, ثم حصل استثناء, وهي التي فيها الإشكال؛ لأن الاستثناء يلزم أن يكون متصلاً, وهذه الرواية لم يثبت أنه كان متصلاً، فهل يكون فيه دليل على أنه يمكن الفصل في السكوت؟
الجواب إذا كان المقصود بالسكوت سكوتاً طارئاً لتنفس أو سعال أو عطاس, أو لمخاطبة إنسان, مثل: أن يقال له: قل: إن شاء الله، فإن مثل هذا سائغ أن يقول الإنسان: والله، فيقال له: قل: إن شاء الله, فيقول: إن شاء الله.
وأما قوله: (والله! لأغزون قريشاً ثم قال: إن شاء الله) , فإن (ثم) هنا لا تفيد التراخي، وإنما يمكن أنها جاءت بعدها لكن بشيء يسير, وليس معناه أنه سكت ثم رجع إلى الكلام.




تراجم رجال إسناد حديث (والله! لأغزون قريشاً) من الطريق الثانية
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] .
هو محمد بن العلاء أبو كريب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن بشر] .
هو محمد بن بشر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر] .
هو مسعر بن كدام، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك عن عكرمة يرفعه] .
سماك وعكرمة قد مر ذكرهما.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]