
25-06-2025, 06:29 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,792
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد السابع
الحلقة (445)
صـ 447 إلى صـ 456
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ [1] : وَمِمَّا يُبْطِلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَقَدُّمِ إِسْلَامِ خَدِيجَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَزَيْدٍ [2] ، وَأَنَّ عُمَرَ أَسْلَمَ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ النُّبُوَّةِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا [3] ، فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا.
وَذَكَرَ حَدِيثًا [4] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(أَنَا) [5] الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ [6]" ، "وَهُوَ مِمَّا عَمِلَتْهُ يَدُ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ الذَّرَّاعِ [7] ، فَإِنَّهُ كَانَ كَذَّابًا يَضَعُ الْحَدِيثَ" .
وَحَدِيثًا فِيهِ [8] "أَنَا أَوَّلُهُمْ إِيمَانًا، وَأَوْفَاهُمْ بِعَهْدِ اللَّهِ، وَأَقْوَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَأَقْسَمُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ [9] ، وَأَعْدَلُهُمْ فِي الرَّعِيَّةِ، وَأَبْصَرُهُمْ بِالْقَضِيَّةِ [10]" قَالَ: "وَهُوَ مَوْضُوعٌ [11] ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ بِشْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ" ، وَرَوَاهُ الْأَبْزَارِيُّ الْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ [12] الْجَوْهَرِيِّ، عَنْ مَأْمُونٍ، عَنِ الرَّشِيدِ، قَالَ: وَهَذَا الْأَبْرَازِيُّ كَانَ كَذَّابًا [13] .
(1) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً
(2) الْمَوْضُوعَاتِ: خَدِيجَةَ وَيَزِيدَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالْمَقْصُودُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(3) رَجُلًا: لَيْسَتْ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"
(4) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: "طَرِيقٌ آخَرُ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ"
(5) أَنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)
(6) الْحَدِيثُ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" طَوِيلٌ وَآخِرُ عِبَارَاتِهِ: "فَهَذَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ" (7) الْمَوْضُوعَاتِ: "هَذَا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الذَّرَّاعِ"
(7) الْمَوْضُوعَاتِ: "هَذَا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الذَّرَّاعِ"
(8) وَهُوَ الْحَدِيثُ التَّالِي 1/342 343
(9) ن، س: بِالتَّسْوِيَةِ
(10) الْمَوْضُوعَاتِ: وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَزِيَّةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(11) 11) الْمَوْضُوعَاتِ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ
(12) 12) س، ب: بْنِ سَعْدٍ
(13) 13) لَخَّصَ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا كَلَامَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ الَّذِي ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا. وَفِي "الْمَوْضُوعَاتِ" : الْأَبْزَارِيُّ
وَذَكَرَ حَدِيثًا [1] : "«أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنْتَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، وَأَنْتَ الْفَارُوقُ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَأَنْتَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الْكَافِرِينَ، أَوْ يَعْسُوبُ [2] الظُّلْمَةِ» [3]" .
قَالَ: "وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَفِي طَرِيقِهِ الْأَوَّلِ [4] ، عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ."
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ، وَكَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ [5] ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي فَفِيهِ أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ، كَانَ كَذَّابًا رَافِضِيًّا [6] خَبِيثًا، فَقَدِ اجْتَمَعَ عَبَّادٌ وَأَبُو الصَّلْتِ فِي رِوَايَتِهِ [7] ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا أَيُّهُمَا سَرَقَهُ مِنْ صَاحِبِهِ "."
قُلْتُ: لَعَلَّ الْآفَةَ فِيهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
وَرُوِيَ عَنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَاهِرٍ [8] ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، لَا يَكْتُبُ عَنْهُ إِنْسَانٌ فِي خَيْرٍ، قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: "كَانَ غَالِيًا فِي الرَّفْضِ" .
(1) وَهُوَ الْحَدِيثُ التَّالِي 1/344
(2) م: وَيَعْسُوبُ
(3) عِبَارَةُ "أَوْ يَعْسُوبُ الظُّلْمَةِ" جَاءَتْ فِي رِوَايَةٍ تَالِيَةٍ 1/345
(4) الْمَوْضُوعَاتِ: أَمَّا الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ فَفِيهِ
(5) لَمْ يَلْتَزِمِ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي الْعِبَارَاتِ الْأَخِيرَةِ بِكَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ
(6) ن، س، ب: رَافِضًا
(7) الْمَوْضُوعَاتِ: فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ
(8) لَمْ يَلْتَزِمْ هُنَا ابْنُ تَيْمِيَةَ بِتَرْتِيبِ كَلَامِ "الْمَوْضُوعَاتِ"
[طُرُقٌ يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ]
فَصْلٌ
وَهُنَا طُرُقٌ [1] يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ مِنَ الْخَاصَّةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخَاصَّةِ - فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ - يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ فِي أَكْثَرِ مَا يُرْوَى مِنَ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ [2] ، وَلِهَذَا عَدَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ بِالْإِسْنَادِ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ لِعَجْزِهِمْ عَنْهَا، وَسَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ.
وَلَكِنَّ تِلْكَ الطَّرِيقَ هِيَ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، الْعَالِمِينَ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَلَكِنْ نَحْنُ نَذْكُرُ طَرِيقًا آخَرَ، فَنَقُولُ: نُقَدِّرُ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَنَازَعَ فِيهَا لَمْ تُوجَدْ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهَا الصَّحِيحُ، وَنَتْرُكُ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا فِي الطَّرَفَيْنِ، وَنَرْجِعُ إِلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّوَاتُرِ، وَمَا يُعْلَمُ مِنَ الْعُقُولِ [3] وَالْعَادَاتِ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا.
فَنَقُولُ: مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَنْقُولَاتِ، وَالسِّيَرِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَطْلُبِ الْخِلَافَةَ لَا بِرَغْبَةٍ وَلَا بِرَهْبَةٍ، لَا بَذَلَ فِيهَا مَا يُرَغِّبُ [4] النَّاسَ بِهِ، وَلَا شَهَرَ
(1) س، ب: طَرِيقٌ
(2) ن، م: عُلَمَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ
(3) ن، م: بِالْعُقُولِ
(4) ن، م: مَا لَا يُرَغِّبُ، وَهُوَ خَطَأٌ
عَلَيْهِمْ سَيْفًا يُرْهِبُهُمْ بِهِ، وَلَا كَانَتْ لَهُ قَبِيلَةٌ وَلَا مَوَالٍ [1] تَنْصُرُهُ، وَتُقِيمُهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا جَرَتْ عَادَةُ [2] الْمُلُوكِ أَنَّ أَقَارِبَهُمْ وَمَوَالِيَهُمْ يُعَاوِنُونَهُمْ، وَلَا طَلَبَهَا أَيْضًا بِلِسَانِهِ، وَلَا قَالَ: بَايِعُونِي، بَلْ أَمَرَ بِمُبَايَعَةِ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ كَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَمْ يُؤْذِهِ، وَلَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْمُبَايَعَةِ، وَلَا مَنَعَهُ حَقًّا لَهُ، وَلَا حَرَّكَ عَلَيْهِمْ سَاكِنًا، وَهَذَا [3] غَايَةٌ فِي عَدَمِ إِكْرَاهِ النَّاسِ عَلَى الْمُبَايَعَةِ.
ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ بَايَعُوهُ وَدَخَلُوا فِي طَاعَتِهِ، وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَهُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ.
وَأَمَّا عَلِيٌّ وَسَائِرُ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ [4] ، لَكِنْ تَخَلَّفَ فَإِنَّهُ [5] كَانَ يُرِيدُ الْإِمْرَةَ [6] لِنَفْسِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي مُدَّةِ وِلَايَتِهِ قَاتَلَ بِهِمُ الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ، لَمْ [7] يُقَاتِلْ
(1) م: أَمْوَالٌ
(2) ن، س: جَرَتْ مِنْ عَادَةِ ; ب: جَرَى مِنْ عَادَةِ
(3) س، ب: وَهَذِهِ
(4) م: بَايَعُوا
(5) ن، س: لَكِنَّ تَخَلُّفَهُ فَإِنَّهُ ; ب: لَكِنَّ تَخَلُّفَهُ لِأَنَّهُ. وَالْكَلَامُ هُنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(6) ن، س، ب: الْأَمْرَ
(7) س، ب: وَلَمْ
مُسْلِمِينَ، بَلْ أَعَادَ الْأَمْرَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَأَخَذَ يَزِيدُ الْإِسْلَامَ فُتُوحًا، وَشَرَعَ فِي قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَمَاتَ وَالْمُسْلِمُونَ مُحَاصِرُو دِمَشْقَ، وَخَرَجَ مِنْهَا أَزْهَدَ [1] مِمَّا دَخَلَ فِيهَا: لَمْ يَسْتَأْثِرْ عَنْهُمْ [2] بِشَيْءٍ، وَلَا أَمَّرَ لَهُ قَرَابَةً.
ثُمَّ وَلِيَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَفَتَحَ الْأَمْصَارَ، وَقَهَرَ الْكُفَّارَ، وَأَعَزَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ، وَأَذَلَّ أَهْلَ النِّفَاقِ وَالْعُدْوَانِ، وَنَشَرَ الْإِسْلَامَ وَالدِّينَ، وَبَسَطَ الْعَدْلَ فِي الْعَالَمِينَ، وَوَضَعَ دِيوَانَ الْخَرَاجِ وَالْعَطَاءِ لِأَهْلِ الدِّينِ، وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَ مِنْهَا أَزْهَدَ [3] مِمَّا دَخَلَ فِيهَا، لَمْ يَتَلَوَّثْ لَهُمْ بِمَالٍ، وَلَا وَلَّى أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ وِلَايَةً، فَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى أَمْرٍ قَدِ اسْتَقَرَّ قَبْلَهُ بِسَكِينَةٍ وَحِلْمٍ [4] ، وَهُدًى وَرَحْمَةٍ وَكَرَمٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ قُوَّةُ عُمَرَ وَلَا سِيَاسَتُهُ، وَلَا فِيهِ كَمَالُ عَدْلِهِ وَزُهْدِهِ، فَطُمِعَ فِيهِ بَعْضُ الطَّمَعِ، وَتَوَسَّعُوا فِي الدُّنْيَا، (وَأَدْخَلَ مِنْ أَقَارِبِهِ فِي الْوِلَايَةِ وَالْمَالِ) [5] ، وَدَخَلَتْ [6] بِسَبَبِ أَقَارِبِهِ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْأَمْوَالِ [7] أُمُورٌ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ، فَتَوَلَّدَ مِنْ رَغْبَةِ [8] (بَعْضِ) [9] النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَضَعْفِ
(1) س، ب: أَزْيَدَ
(2) م: عَلَيْهِمْ
(3) س، ب: أَزْيَدَ
(4) ن، م، س: وَحُكْمٍ
(5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ. وَفِيهَا فِي الْأَصْلِ: وَدَخَلُوا مِنْ أَقَارِبِهِ. . . إِلَخْ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ
(6) ن، س، ب: وَدَخَلَ
(7) م: الْمَالِ
(8) م: رَعِيَّتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(9) بَعْضِ: زِيَادَةٌ فِي (م)
خَوْفِهِمْ مِنَ اللَّهِ وَمِنْهُ، وَمِنْ ضَعْفِهِ هُوَ، وَمَا حَصَلَ مِنْ أَقَارِبِهِ فِي الْوِلَايَةِ وَالْمَالِ - مَا أَوْجَبَ الْفِتْنَةَ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا.
وَتَوَلَّى [1] عَلِيٌّ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، وَالْفِتْنَةُ قَائِمَةٌ، وَهُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مُتَلَطِّخٌ [2] بِدَمِ عُثْمَانَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ مِمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهِ [3] الْكَاذِبُونَ عَلَيْهِ الْمُبْغِضُونَ لَهُ، كَمَا نَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ مِمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهِ [4] الْغَالُونَ فِيهِ الْمُبْغِضُونَ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُعِنْ عَلَى [5] قَتْلِ عُثْمَانَ وَلَا رَضِيَ بِهِ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - وَهُوَ الصَّادِقُ - أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، فَلَمْ تَصْفُ لَهُ قُلُوبُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَلَا أَمْكَنَهُ هُوَ قَهْرُهُمْ حَتَّى يُطِيعُوهُ، وَلَا اقْتَضَى رَأْيُهُ أَنْ يَكُفَّ عَنِ الْقِتَالِ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ، بَلِ اقْتَضَى رَأْيُهُ الْقِتَالَ، وَظَنَّ أَنَّهُ بِهِ تَحْصُلُ الطَّاعَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَمَا زَادَ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً، وَجَانِبُهُ إِلَّا ضَعْفًا، وَجَانِبُ مَنْ حَارَبَهُ إِلَّا قُوَّةً، وَالْأُمَّةُ إِلَّا افْتِرَاقًا، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ يَطْلُبُ هُوَ [6] أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ مَنْ قَاتَلَهُ، كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يُطْلَبُ مِنْهُ الْكَفُّ.
وَضَعُفَتْ خِلَافَةُ (النُّبُوَّةِ) [7] ضَعْفًا أَوْجَبَ أَنْ تَصِيرَ مُلْكًا، فَأَقَامَهَا مُعَاوِيَةُ مُلْكًا بِرَحْمَةٍ وَحِلْمٍ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ [8] : "«تَكُونُ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ"
(1) ن، م: فَتَوَلَّى
(2) س، ب: مُلَطَّخٌ
(3) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)
(4) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)
(5) م: لَمْ يُحَرِّضْ عَلَى
(6) م: هُوَ يَطْلُبُ
(7) ن، س، ب: وَضَعُفَتِ الْخِلَافَةُ
(8) الْمَأْثُورِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)
تَكُونُ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ وَرَحْمَةٌ [1] ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ» "[2] ."
وَلَمْ يَتَوَلَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُلُوكِ خَيْرًا مِنْ مُعَاوِيَةَ فَهُوَ خَيْرُ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ، وَسِيرَتُهُ خَيْرٌ مِنْ سِيرَةِ سَائِرِ الْمُلُوكِ بَعْدَهُ، وَعَلِيٌّ آخِرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ هُمْ [3] وِلَايَتُهُمْ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ، وَكُلٌّ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ مِنْ [4] أَفْضَلِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، [5] بَلْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ [6] ، لَكِنْ إِذَا جَاءَ الْقَادِحُ فَقَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: إِنَّهُمَا كَانَا ظَالِمَيْنِ مُتَعَدِّيَيْنِ [7] طَالِبَيْنِ لِلرِّئَاسَةِ مَانِعَيْنِ لِلْحُقُوقِ، (وَإِنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى الرِّئَاسَةِ) [8] ، وَإِنَّهُمَا - وَمَنْ أَعَانَهُمَا - ظَلَمُوا الْخَلِيفَةَ الْمُسْتَحِقَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ، وَإِنَّهُمْ مَنَعُوا أَهْلَ الْبَيْتِ مِيرَاثَهُمْ، وَإِنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى الرِّئَاسَةِ وَالْوِلَايَةِ
(1) م: مُلْكًا رَحْمَةً
(2) ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ فِي "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ" فِي كِتَابِ الْخِلَافَةِ، بَابُ كَيْفَ بَدَأَتِ الْإِمَامَةُ وَمَا تَصِيرُ إِلَيْهِ وَالْخِلَافَةُ وَالْمُلْكُ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مُقَارِبَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَقْرَبُهَا إِلَيْهِ هُوَ حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/189 190) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكَادَمُونَ عَلَيْهَا تَكَادُمَ الْحَمِيرِ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جِهَادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رِبَاطِكُمْ عَسْقَلَانُ" . قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ" وَيَتَكَادَمُونَ: أَيْ يَعَضُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي "سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ" 1/8 9 (حَدِيثٌ رَقْمُ 5)
(3) هُمْ: لَيْسَتْ فِي (م)
(4) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)
(5) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)
(6) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)
(7) ن: مُعْتَدَيْنِ ; م: مُتَعَدَّيْنِ
(8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م)
الْبَاطِلَةِ مَعَ مَا قَدْ عُرِفَ مِنْ سِيرَتِهِمَا [1] - كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الظَّنَّ لَوْ كَانَ حَقًّا فَهُوَ أَوْلَى بِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا [2] حَتَّى غُلِبَ، وَسُفِكَتِ الدِّمَاءُ بِسَبَبِ الْمُنَازَعَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُنَازِعِهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِالْقِتَالِ لَا مَصْلَحَةُ الدِّينِ وَلَا مَصْلَحَةُ الدُّنْيَا، وَلَا قُوتِلَ فِي خِلَافَتِهِ كَافِرٌ، وَلَا فَرِحَ مُسْلِمٌ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَا يَفْرَحُ بِالْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَشِيعَتُهُ لَمْ تَفْرَحْ بِهَا ; لِأَنَّهَا لَمْ تَغْلِبْ، وَالَّذِينَ قَاتَلُوهُ لَمْ يَزَالُوا أَيْضًا فِي كَرْبٍ وَشِدَّةٍ.
وَإِذَا كُنَّا نَدْفَعُ مَنْ يَقْدَحُ فِي عَلِيٍّ مِنَ الْخَوَارِجِ، مَعَ ظُهُورِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ، فَلَأَنْ نَدْفَعَ مَنْ يَقْدَحُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.
وَإِنْ جَازَ أَنْ يُظَنَّ بِأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِلرِّئَاسَةِ [3] بِالْبَاطِلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ إِلَّا ضِدُّ ذَلِكَ، فَالظَّنُّ بِمَنْ قَاتَلَ عَلَى الْوِلَايَةِ - وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُهُ - أَوْلَى وَأَحْرَى.
فَإِذَا ضُرِبَ مَثَلُ هَذَا وَهَذَا بِإِمَامَيْ مَسْجِدٍ، وَشَيْخَيْ مَكَانٍ [4] ، أَوْ مُدَرِّسَيْ مَدْرَسَةٍ - كَانَتِ الْعُقُولُ كُلُّهَا تَقُولُ: إِنَّ هَذَا أَبْعَدُ عَنْ طَلَبِ الرِّئَاسَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى قَصْدِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ.
فَإِذَا كُنَّا نَظُنُّ بِعَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِلْحَقِّ وَالدِّينِ، وَغَيْرَ مُرِيدٍ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، فَظَنُّ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَوْلَى وَأَحْرَى.
(1) م: سِيَرِهِمَا
(2) ن، س: أَوْلَى مَنْ قَالَ عَلَيْهَا ; م: أَوْلَى بِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا
(3) ب: الرِّئَاسَةَ
(4) س: كَانَ ; ب: خَانٍ
وَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ بِأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادَ، فَهَذَا الظَّنُّ بِعَلِيٍّ أَجْدَرُ وَأَوْلَى.
أَمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُرِيدُ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادَ، وَعَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، مَعَ ظُهُورِ السِّيرَتَيْنِ - فَهَذَا مُكَابَرَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا تَوَاتَرَ مِنَ السِّيرَتَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَلِ الْمُتَوَاتِرُ مِنَ السِّيرَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ أَفْضَلُ.
وَلِهَذَا كَانَ الَّذِينَ ادَّعَوْا هَذَا لِعَلِيٍّ أَحَالُوا عَلَى مَا لَمْ يُعْرَفْ، وَقَالُوا: ثَمَّ نَصٌّ عَلَى خِلَافَتِهِ كُتِمَ، وَثَمَّ [1] عَدَاوَةٌ بَاطِنَةٌ لَمْ تَظْهَرْ، بِسَبَبِهَا مُنِعَ حَقَّهُ.
وَنَحْنُ الْآنَ مَقْصُودُنَا أَنْ نَذْكُرَ مَا عُلِمَ وَتَيَقَّنَ وَتَوَاتَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَأَمَّا مَا يُذْكَرُ [2] مِنْ مَنْقُولٍ يَدْفَعُهُ جُمْهُورُ النَّاسِ، وَمِنْ ظُنُونِ سَوْءٍ لَا يَقُومُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ بَلْ نَعْلَمُ فَسَادَهَا، فَالْمُحْتَجُّ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ، وَهِيَ مُقَابَلَةٌ بِالْأَحَادِيثِ مِنَ الطُّرُقِ الْأُخَرِ.
وَنَحْنُ لَمْ نَحْتَجَّ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَكَيْفَ بِالظَّنِّ الَّذِي لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا؟ !
فَالْمَعْلُومُ الْمُتَيَقَّنُ الْمُتَوَاتِرُ عِنْدَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ إِرَادَةِ الْعُلُوِّ وَالْفَسَادِ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ وَحْدَهُ، [3] وَأَنَّهُ كَانَ أَوْلَى [4] بِإِرَادَةِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَاحِ [5] الْمُسْلِمِينَ مِنَ الثَّلَاثَةِ
(1) س، ب: ثَمَّ
(2) ن، س: مَا نَذْكُرُ
(3) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (س) :. . . وَعَلِيٍّ وَحْدَهُ
(4) ب:. . كَانَ وَحْدَهُ أَوْلَى.
(5) س، ب: وَإِصْلَاحِ
بَعْدَهُ، فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ كَانَ أَكْمَلَ عَقْلًا وَدِينًا وَسِيَاسَةً مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ [1] وِلَايَتَهُ الْأُمَّةَ [2] خَيْرٌ مِنْ وِلَايَةِ عَلِيٍّ، وَأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ أَعْظَمُ مِنْ مَنْفَعَةِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (أَجْمَعِينَ) [3] .
وَإِذَا كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَانَ مُجْتَهِدًا مُرِيدًا وَجْهَ اللَّهِ بِمَا فَعَلَ [4] ، وَأَنَّ مَا تَرَكَهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ، وَمَا حَصَلَ مِنَ الْمَفْسَدَةِ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْعِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لِلْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَلَا الْفَسَادِ - كَانَ هَذَا الِاعْتِقَادُ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْلَى وَأَخْلَقَ وَأَحْرَى [5] .
فَهَذَا وَجْهٌ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُعَارِضَهُ إِلَّا بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ نَقْلٌ خَاصٌّ، كَالنَّقْلِ لِفَضَائِلِ عَلِيٍّ، وَلِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، أَوْ أَنَّ إِمَامَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَحِينَئِذٍ فَيُعَارَضُ هَذَا بِنَقْلِ الْخَاصَّةِ - الَّذِينَ هُمْ أَصْدَقُ وَأَكْثَرُ - لِفَضَائِلِ الصِّدِّيقِ الَّتِي تَقْتَضِي أَنَّهُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، وَأَنَّ النُّصُوصَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ.
فَمَا مِنْ حُجَّةٍ يَسْلُكُهَا الشِّيعِيُّ إِلَّا وَبِإِزَائِهَا لِلسُّنِّيِّ حُجَّةٌ مِنْ جِنْسِهَا أَوْلَى مِنْهَا، فَإِنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِسْلَامِ كَالْإِسْلَامِ فِي الْمِلَلِ، فَمَا مِنْ حُجَّةٍ يَسْلُكُهَا كِتَابِيٌّ إِلَّا وَلِلْمُسْلِمِ فِيهَا مَا هُوَ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْهَا.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (سُورَةِ الْفُرْقَانِ: 33)
(1) ن، س، ب: فَإِنَّ
(2) ن، س، ب: لِأُمَّتِهِ
(3) أَجْمَعِينَ: زِيَادَةٌ فِي (م)
(4) م: لِوَجْهِ اللَّهِ بِمَا يَفْعَلُ
(5) ب: وَأُخْرَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|