
25-06-2025, 06:02 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد السابع
الحلقة (434)
صـ 337 إلى صـ 346
يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَهُ وَهُوَ فِيهَا، كَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَامَ خَيْبَرَ غَيْرَ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَلِيٌّ بِهَا أَرْمَدَ حَتَّى لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ حِينَ قَدِمَ، وَكَانَ قَدْ أَعْطَى الرَّايَةَ رَجُلًا فَقَالَ [1] : "«لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»" [2] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ [3] مَعَ وُجُودِهِ وَغَيْبَتِهِ مُدَّةً يَسِيرَةً، فَبَعْدَ [4] مَوْتِهِ وَطُولِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ [5] أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَتَهُ [6] ."
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَعَ وُجُودِهِ وَغَيْبَتِهِ قَدِ اسْتَخْلَفَ غَيْرَ عَلِيٍّ اسْتِخْلَافًا أَعْظَمَ مِنِ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ، وَاسْتَخْلَفَ [7] أُولَئِكَ عَلَى أَفْضَلَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ عَلِيًّا، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ بَعْدَ تَبُوكَ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَ عَلِيٍّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَلَيْسَ جَعْلُ عَلِيٍّ هُوَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ لِكَوْنِهِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ بِأَوْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَهُمْ عَلَى الْمَدِينَةِ كَمَا اسْتَخْلَفَهُ، وَأَعْظَمَ مِمَّا اسْتَخْلَفَهُ، وَآخِرُ الِاسْتِخْلَافِ كَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ كَانَ [8] عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ [9] عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ، وَشَهِدَ مَعَهُ الْمَوْسِمَ لَكِنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ غَيْرَ عَلِيٍّ.
(1) م: وَكَانَ قَدْ قَالَ.
(2) سَبَقَ الْحَدِيثُ: 4/289
(3) ن، م، س: الْخَلِيفَةُ. ب: خَلِيفَةٌ، وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ وُرُودُهُ فِي (ك) .
(4) ن، س، ب: فَعِنْدَ.
(5) ن، م، س، ب: تَطُولُ الْغَيْبَةُ يَكُونُ أَوْلَى، وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ أَنْ أَثْبَتْنَاهُ مِنْ (ك) .
(6) ن، م، س، ب: خَلِيفَةً، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) .
(7) م: وَاسْتِخْلَافُ.
(8) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(9) ن، م: كَانَ.
فَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الِاسْتِخْلَافِ، فَبَقَاءُ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ [1] فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْلَى مِنْ بَقَاءِ اسْتِخْلَافِ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاسْتِخْلَافَاتُ عَلَى الْمَدِينَةِ لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ، وَلَا عَلَى الْإِمَامَةِ، بَلْ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَدَدًا غَيْرَهُ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ جُهَّالٌ يَجْعَلُونَ الْفَضَائِلَ الْعَامَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ خَاصَّةً بِعَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْمَلَ مِنْهُ فِيهَا كَمَا فَعَلُوا فِي النُّصُوصِ وَالْوَقَائِعِ.
وَهَكَذَا فَعَلَتِ النَّصَارَى جَعَلُوا مَا أَتَى بِهِ الْمَسِيحُ مِنَ الْآيَاتِ دَالًّا عَلَى شَيْءٍ يَخْتَصُّ بِهِ [2] مِنَ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، وَقَدْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا أَتَى بِهِ، وَكَانَ مَا أَتَى بِهِ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ أَعْظَمَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ فَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْمَسِيحِ دُونَ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى لَا بِحُلُولٍ وَلَا اتِّحَادٍ [3] ، بَلْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُمْتَنِعًا، فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ كُلُّهُ مُمْتَنِعٌ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مُمْكِنٍ، كَحُصُولِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْأَنْوَارِ الْحَاصِلَةِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَأَمْرٌ [4] مُمْكِنٌ.
وَهَكَذَا الْأَمْرُ مَعَ الشِّيعَةِ: يَجْعَلُونَ الْأُمُورَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ، الَّتِي تَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ، مُخْتَصَّةً بِهِ حَتَّى رَتَّبُوا [5] عَلَيْهِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الْعِصْمَةِ، وَالْإِمَامَةِ، وَالْأَفْضَلِيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُنْتَفٍ
(1) م: يَسْتَخْلِفُهُ.
(2) م: مُخْتَصٌّ بِهِ.
(3) م: وَلَا بِاتِّخَاذٍ.
(4) ن، س، ب: بِأَمْرٍ.
(5) ن، م: يُرَتِّبُوا.
فَمَنْ عَرَفَ سِيرَةَ الرَّسُولِ، وَأَحْوَالَ الصَّحَابَةِ، وَمَعَانِيَ الْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثِ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ اخْتِصَاصٌ بِمَا يُوجِبُ أَفْضَلِيَّتَهُ، وَلَا إِمَامَتَهُ، بَلْ فَضَائِلُهُ مُشْتَرَكَةٌ، وَفِيهَا مِنَ الْفَائِدَةِ إِثْبَاتُ إِيمَانِ عَلِيٍّ، وَوِلَايَتِهِ، وَالرَّدُّ عَلَى النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يَسُبُّونَهُ، أَوْ يُفَسِّقُونَهُ، أَوْ يُكَفِّرُونَهُ [1] ، وَيَقُولُونَ فِيهِ مِنْ جِنْسِ مَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ فِي الثَّلَاثَةِ.
فَفِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ الثَّابِتَةِ رَدٌّ عَلَى النَّوَاصِبِ، كَمَا أَنَّ فِي فَضَائِلِ الثَّلَاثَةِ رَدًّا عَلَى الرَّوَافِضِ.
وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَقْدَحُ فِيهِ الرَّوَافِضُ، وَالْخَوَارِجُ، وَلَكِنَّ شِيعَتَهُ يَعْتَقِدُونَ إِمَامَتَهُ، وَيَقْدَحُونَ [2] فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ، وَهُمْ فِي بِدْعَتِهِمْ خَيْرٌ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ الَّذِينَ يَقْدَحُونَ فِي غَيْرِهِ، وَالزَّيْدِيَّةُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مُضْطَرِبُونَ فِيهِ.
وَأَيْضًا فَالِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ نَوْعُ نِيَابَةٍ، لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ وَلِيِّ أَمْرٍ، وَلَيْسَ كُلُّ (مَنْ) [3] يَصْلُحُ لِلِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ عَلَى بَعْضِ الْأُمَّةِ يَصْلُحُ أَنْ يُسْتَخْلَفَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَذَلِكَ كَبَشِيرِ بْنِ (عَبْدِ) الْمُنْذِرِ [4] ، وَغَيْرِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُطَالَبٌ فِي حَيَاتِهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّاسِ
(1) س، ب: وَيُفَسِّقُونَهُ وَيُكَفِّرُونَهُ.
(2) م: أَوْ يَقْدَحُونَ.
(3) مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4) ن، م، س: وَكَذَلِكَ بِشْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ، ب: وَذَلِكَ كَبِشْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَسَبَقَ تَصْحِيحُ الِاسْمِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ.
كَمَا يُطَالَبُ بِذَلِكَ وُلَاةُ الْأُمُورِ، وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ، فَفِي حَيَاتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ جِهَادُ الْأَعْدَاءِ، وَقَسْمُ الْفَيْءِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ، وَاسْتِعْمَالُ الْعُمَّالِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ بَعْدَهُ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
فَلَيْسَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ كَالِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدًا فِي حَيَاتِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنَ الْبَرِّ كَانَ * الْمُسْتَخْلَفُ وَكِيلًا مَحْضًا [1] يَفْعَلُ مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوَكَّلُ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا عَلَى أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَانَ * [2] وَلِيًّا مُسْتَقِلًّا يَعْمَلُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [3] ، وَلَمْ يَكُنْ * وَكِيلًا لِلْمَيِّتِ.
وَهَكَذَا أُولُو الْأَمْرِ إِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدُهُمْ شَخْصًا فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ فِي الْقَضَايَا الْمُعَيَّنَةِ، وَأَمَّا إِذَا اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَتِهِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَإِنَّ * [4] هَذَا التَّصَرُّفَ مُضَافٌ إِلَيْهِ لَا إِلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا فَعَلَهُ فِي الْحَيَاةِ بِأَمْرِ مُسْتَخْلِفِهِ فَإِنَّهُ يُضَافُ إِلَى مَنِ اسْتَخْلَفَهُ لَا إِلَيْهِ فَأَيْنَ [5] هَذَا مِنْ هَذَا! ؟
وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ: إِنَّ مَنِ اسْتَخْلَفَ شَخَّصَا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ، وَانْقَضَى ذَلِكَ الِاسْتِخْلَافُ: إِنَّهُ يَكُونُ خَلِيفَةً بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى
(1) س: مُخْتَصٌّ، ب: مُخْتَصًّا.
(2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(3) س، ب: اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ.
(4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(5) ن، م، س: فَإِنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
شَيْءٍ، وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالْمَعْقُولِ، وَالْمَنْقُولِ [1] .
[الرابع أَنَّ النَبَّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ عَليًّا عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ]
فَصْلٌ.
قَالَ الرَّافِضِيُّ: [2] : "الرَّابِعُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ [3] فَيَجِبُ أَنْ [4] يَكُونَ خَلِيفَةً لَهُ بَعْدَ [5] مَوْتِهِ، وَلَيْسَ غَيْرُ عَلِيٍّ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ [6] لَمْ يَعْزِلْهُ عَنِ الْمَدِينَةِ فَيَكُونُ خَلِيفَةً (لَهُ) [7] بَعْدَ مَوْتِهِ فِيهَا، وَإِذَا كَانَ خَلِيفَةً فِيهَا [8] كَانَ خَلِيفَةً فِي غَيْرِهَا إِجْمَاعًا" .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ وَأَمْثَالَهَا مِنَ الْحُجَجِ الدَّاحِضَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ بَيْتِ [9] الْعَنْكَبُوتِ، وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ نَقُولَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: إِنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا قَالَتِ الرَّافِضَةُ: بَلِ اسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، قِيلَ: الرَّاوِنْدِيَّةُ مِنْ جِنْسِكُمْ قَالُوا: اسْتَخْلَفَ الْعَبَّاسَ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِالْمَنْقُولَاتِ الثَّابِتَةِ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَحَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِنَّمَا تَدُلُّ
(1) س، ب: وَالْمَنْقُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(2) فِي (ك) ص 169 (م) .
(3) ن، م، س، ب: مَعَ قُصُورِ هَذِهِ الْغَيْبَةِ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) .
(4) ك: فَيَجِبُ لَهُ أَنْ.
(5) ك: خَلِيفَتَهُ بَعْدَ.
(6) ن، س، ب: وَأَنَّهُ.
(7) لَهُ: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) .
(8) ك: فِي الْمَدِينَةِ.
(9) بَيْتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، ب.
عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ، وَلَا الْعَبَّاسِ، بَلْ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا فَلَمْ يَسْتَخْلِفْ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا فَلَا هَذَا، وَلَا هَذَا.
فَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الِاسْتِخْلَافِ وَاجِبًا عَلَى الرَّسُولِ لَمْ يَسْتَخْلِفْ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسِّيرَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى اسْتِخْلَافِ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ عِنْدَ الْعَالِمِ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: أَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ بِالْقِيَاسِ حَيْثُ قِسْتُمُ الِاسْتِخْلَافَ فِي الْمَمَاتِ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ فِي الْمَغِيبِ، وَأَمَّا نَحْنُ إِذَا فَرَضْنَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَنَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي اسْتِخْلَافِ عُمَرَ فِي حَيَاتِهِ، وَتَوَقُّفِهِ فِي الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ مَوْتِهِ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ فِي حَيَاتِهِ شَاهِدٌ عَلَى الْأُمَّةِ [1] مَأْمُورٌ بِسِيَاسَتِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ.
كَمَا قَالَ الْمَسِيحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 117) الْآيَةَ، لَمْ يَقُلْ: كَانَ خَلِيفَتِي الشَّهِيدَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "فَأَقُولُ كَمَا قَالَ"
(1) م: عَلَى الْإِمَامَةِ.
الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 117) [1] .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144) .
فَالرَّسُولُ بِمَوْتِهِ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ، وَهُوَ لَوِ اسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، بَلْ كَانَ يُوَلِّي الرَّجُلَ وِلَايَةً، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ كَذِبَهُ فَيَعْزِلُهُ، كَمَا وَلَّى الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهُوَ لَوِ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، وَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ مَوْتِهِ شَهِيدًا عَلَيْهِ، وَلَا مُكَلَّفًا بِرَدِّهِ عَمَّا يَفْعَلُهُ، بِخِلَافِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَلِيِّ أَمْرٍ، فَإِنَّ كُلَّ وَلِيِّ أَمْرٍ - رَسُولًا كَانَ أَوْ إِمَامًا - عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِيمَا غَابَ عَنْهُ مِنَ الْأُمُورِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِقَامَةِ الْأَمْرِ: إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِنَائِبِهِ. فَمَا شَهِدَهُ مِنَ الْأَمْرِ أَمْكَنَهُ أَنْ يُقِيمَهُ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَا غَابَ عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُهُ إِقَامَتُهُ إِلَّا بِخَلِيفَةٍ يَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْهِ فَيُوَلِّي عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ مِنْ رَعِيَّتِهِ مَنْ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمُ الْحُقُوقَ، وَيُقِيمُ فِيهِمْ [2]
(1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي الْبُخَارِيِّ 4/168 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ) ، وَأَوَّلُهُ: تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا. .، ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/55 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْمَائِدَةِ) 6/97، (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/4 - 5 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ) .
(2) س، ب: عَلَيْهِمْ.
الْحُدُودَ، وَيَعْدِلُ بَيْنَهُمْ فِي الْأَحْكَامِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَخْلِفُ فِي حَيَاتِهِ عَلَى كُلِّ مَا غَابَ عَنْهُ، فَيُوَلِّي [1] الْأُمَرَاءَ عَلَى السَّرَايَا يُصَلُّونَ بِهِمْ [2] ، وَيُجَاهِدُونَ بِهِمْ، وَيَسُوسُونَهُمْ، وَيُؤَمِّرُ أُمَرَاءَ عَلَى [3] الْأَمْصَارِ، كَمَا أَمَّرَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ، وَأَمَّرَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَمُعَاذًا، وَأَبَا مُوسَى عَلَى قُرَى عُرَيْنَةَ، وَعَلَى نَجْرَانَ، وَعَلَى الْيَمَنِ، وَكَمَا كَانَ يَسْتَعْمِلُ عُمَّالًا عَلَى الصَّدَقَةِ فَيَقْبِضُونَهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُعْطُونَهَا لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ، كَمَا اسْتَعْمَلَ غَيْرَ وَاحِدٍ.
وَكَانَ يَسْتَخْلِفُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ، كَمَا قَالَ لِأُنَيْسٍ: "«يَا أُنَيْسُ اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»" [4] فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.
وَكَانَ يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْحَجِّ، كَمَا اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى إِقَامَةِ الْحَجِّ عَامَ تِسْعٍ بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ عَلِيٌّ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي خَلْفَهُ، وَيَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ، وَذَلِكَ [5] بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ.
وَكَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً فَإِنَّهُ كَانَ كُلَّمَا خَرَجَ فِي غَزَاةٍ
(1) : فَوَلَّى
(2) : بِالصَّلَاةِ بِهِمْ
(3) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)
(4) لِحَدِيثٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/102 (كِتَابُ الْوِكَالَةِ، بَابُ الْوِكَالَةِ فِي الْحُدُودِ) ، 8/167 ـ 168 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ الِاعْتِرَافِ بِالزِّنَا) 8/172 ـ 173 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ إِذَا رَمَى امْرَأَتَهُ وَامْرَأَةَ غَيْرِهِ بِالزِّنَا. . .) ، 8/176 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ هَلْ يُأَمِّرُ الْإِمَامُ رَجُلًا. . .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/441، 443 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّلْقِينِ فِي الْحَدِّ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ)
(5) ن، م، س: وَكَذَلِكَ
اسْتَخْلَفَ، وَلَمَّا حَجَّ وَاعْتَمَرَ اسْتَخْلَفَ فَاسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَبَنِي الْمُصْطَلَقِ، وَغَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَغَزْوَةِ الْفَتْحِ، وَاسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِي غَزْوَةِ الْقَضَاءِ، وَحَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ وَاجِبًا عَلَى مُتَوَلِّي الْأَمْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ * مَوْتِهِ لِكَوْنِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ أَمْرًا ضَرُورِيًّا لَا يُؤَدَّى الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ * [1] الْمَوْتِ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الْأُمَّةَ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيُمْكِنُهُمْ أَنْ يُعَيِّنُوا مَنْ يُؤَمِّرُونَهُ عَلَيْهِمْ، كَمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي كُلِّ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ - عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ وُجُوبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي الْحَيَاةِ وَاجِبٌ فِي أَصْنَافِ الْوِلَايَاتِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَخْلِفُ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُمْ [2] مَنْ يُقِيمُ فِيهِمُ الْوَاجِبَ، وَيَسْتَخْلِفُ فِي الْحَجِّ، وَفِي قَبْضِ الصَّدَقَاتِ، وَحِفْظِ مَالِ الْفَيْءِ، وَفِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَفِي الْغَزْوِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الِاسْتِخْلَافَ لَا يَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، بَلْ وَلَا يُمْكِنُ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَيَّنَ لِلْأُمَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْ يَتَوَلَّى كُلَّ أَمْرٍ جُزْئِيٍّ، فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَتَعْيِينُ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ وَاحِدًا فَقَدْ يَخْتَلِفُ حَالُهُ وَيَجِبُ عَزْلُهُ، فَقَدْ كَانَ يُوَلِّي فِي حَيَاتِهِ مَنْ يَشْكِي [3] إِلَيْهِ فَيَعْزِلُهُ، كَمَا عَزَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، وَعَزَلَ سَعْدَ [4] بْنَ عُبَادَةَ
(1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)
(2) ن، م: عَنْهُ
(3) ن، س، ب: مَنْ يَشْتَكِي
(4) م: سَعِيدَ، وَهُوَ خَطَأٌ
عَامَ الْفَتْحِ، وَوَلَّى ابْنَهُ قَيْسًا، وَعَزَلَ إِمَامًا كَانَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ لَمَّا بَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ، وَوَلَّى مَرَّةً [1] رَجُلًا فَلَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ، فَقَالَ: "«أَعَجِزْتُمْ إِذَا وَلَّيْتُ مَنْ لَا يَقُومُ بِأَمْرِي أَنْ تُوَلُّوا رَجُلًا يَقُومُ بِأَمْرِي»" [2] فَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْهِمْ عَزْلَ مَنْ لَا يَقُومُ بِالْوَاجِبِ مِنْ وُلَاتِهِ، فَكَيْفَ لَا يُفَوِّضُ [3] إِلَيْهِمِ ابْتِدَاءَ تَوْلِيَةِ مَنْ يَقُومُ بِالْوَاجِبِ.
وَإِذَا [4] كَانَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ يُوَلِّيهِ، وَلَا يَقُومُ بِالْوَاجِبِ فَيَعْزِلُهُ، أَوْ يَأْمُرُ بِعَزْلِهِ، كَانَ لَوْ وَلَّى وَاحِدًا بَعْدَ مَوْتِهِ يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ لَا يَقُومَ بِالْوَاجِبِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إِلَى عَزْلِهِ فَإِذَا وَلَّتْهُ الْأُمَّةُ وَعَزَلَتْهُ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَنْ يَعْزِلُوا مَنْ وَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مِمَّا يَتَبَيَّنُ بِهِ حِكْمَةُ تَرْكِ الِاسْتِخْلَافِ، وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ فِي:
الْوَجْهِ الْخَامِسِ: إِنَّ تَرْكَ الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ مَمَاتِهِ كَانَ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِخْلَافِ [5] ، كَمَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْتَارُ لَهُ إِلَّا أَفْضَلَ الْأُمُورِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ أَنْ لَا يَسْتَخْلِفَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ لَيْسَ
(1) م: أَمْرَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
(2) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا بِمَعْنَاهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/56 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الطَّاعَةِ) وَنَصُّهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. . قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَسَلَّحَتْ رَجُلًا مِنْهُمْ سَيْفًا، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُ مَا لَامَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ:" أَعَجِزْتُمْ إِذَا بَعَثْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ فَلَمْ يَمْضِ لِأَمْرِي، أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لِأَمْرِي؟ "وَالْحَدِيثُ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) . 4/160"
(3) ن، س: فَكَيْفَ لَا يُفَوِّضُ، وَهُوَ خَطَأٌ
(4) س، ب: وَإِنْ
(5) ن، س، ب: بِالِاسْتِخْلَافِ، وَهُوَ خَطَأٌ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|