
25-06-2025, 02:11 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد السابع
الحلقة (412)
صـ 117 إلى صـ 126
ثُمَّ إِنْ كَانَ اللَّهُ قَضَى بِأَنَّ عُمُرَ أَحَدِهِمَا أَطْوَلُ مِنَ الْآخَرِ فَهُوَ مَا قَضَاهُ، وَإِنْ قَضَاهُ لِوَاحِدٍ وَأَرَادَ مِنْهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَعْيِينِ الْأَطْوَلِ، أَوْ يُؤْثِرَ بِهِ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ، وَهُمَا رَاضِيَانِ بِذَلِكَ، فَلَا كَلَامَ. وَأَمَّا إِنْ كَانَا يَكْرَهَانِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ أَنْ يُحَرِّشَ بَيْنَهُمَا، وَيُلْقِي بَيْنَهُمَا الْعَدَاوَةَ؟ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ - ثُمَّ هَذَا الْقَدَرُ لَوْ وَقَعَ مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، فَكَيْفَ تَأَخَّرَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُمَا اللَّهُ قَبْلَ آدَمَ إِلَى حِينِ الْهِجْرَةِ؟ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَقِبَ خَلْقِهِمَا. الْخَامِسُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَاخِ عَلِيًّا وَلَا غَيْرَهُ، بَلْ كُلُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا فَهُوَ كَذِبٌ. وَحَدِيثُ الْمُؤَاخَاةِ الَّذِي يُرْوَى فِي ذَلِكَ - مَعَ ضَعْفِهِ وَبُطْلَانِهِ - إِنَّمَا فِيهِ مُؤَاخَاتِهِ لَهُ فِي الْمَدِينَةِ، هَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ [1] ، فَأَمَّا بِمَكَّةَ فَمُؤَاخَاتُهُ لَهُ بَاطِلَةٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَأَيْضًا فَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِدَاءٌ بِالنَّفْسِ وَلَا إِيثَارٌ بِالْحَيَاةِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ النَّقْلِ. السَّادِسُ: أَنَّ هُبُوطَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لِحِفْظِ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ مِنْ
(1) أَشَرْتُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ فِيمَا مَضَى 4/32 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَةَ سَيَتَكَلَّمُ كَلَامًا مُفَصَّلًا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا يَلِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ (7/361) وَأَمَّا حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ فَهُوَ فِيهِ 5/300 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، مَنَاقِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، بَابُ 85) وَنَصُّهُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَلَمْ تُؤَاخِ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ عَنْ زَيْنِ بْنِ أَبِي أَوْفَى ". وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي" ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "2/14 وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ:" ت (التِّرْمِذِيُّ) ، ك (الْحَاكِمُ) ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ "، وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ:" ضَعِيفٌ جِدًّا "وَذَكَرَهُ التِّبْرِيزِيُّ فِي" مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ "3/243 - 244"
أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ ; فَإِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ مَنْ شَاءَ [1] مِنْ خَلْقِهِ بِدُونِ هَذَا. وَإِنَّمَا رُوِيَ هُبُوطُهُمَا يَوْمَ بَدْرٍ لِلْقِتَالِ، وَفِي مِثْلِ تِلْكَ الْأُمُورِ [2] الْعِظَامِ، وَلَوْ نَزَلَا لِحِفْظِ وَاحِدٍ [3] مِنَ النَّاسِ لَنَزَلَا لِحِفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَدِيقِهِ، اللَّذَيْنِ كَانَ الْأَعْدَاءُ يَطْلُبُونَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ بَذَلُوا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَتَهُ، وَهُمْ عَلَيْهِمَا غِلَاظٌ شِدَادٌ سُودُ الْأَكْبَادِ. السَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ، لَمْ تَنْزِلْ وَقْتَ هِجْرَتِهِ [4] . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا هَاجَرَ صُهَيْبٌ وَطَلَبَهُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَعْطَاهُمْ مَالَهُ، وَأَتَى الْمَدِينَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى" . وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ فِي التَّفْسِيرِ، نَقَلَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ [5] . وَهَذَا مُمْكِنٌ ; فَإِنَّ صُهَيْبًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ [6] : "اخْتَلَفَ [7] أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [فِيهِ] [8] ، وَمَنْ عُنِيَ بِهَا"
(1) س، ب: مَنْ يَشَاءُ.
(2) س: وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ الْأُمُورِ، ب: وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ.
(3) م: أَحَدٍ.
(4) ن: بَعْدَ هِجْرَتِهِ، س، ب: قَبْلَ هِجْرَتِهِ.
(5) الْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 3/398 وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَنَسَبَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ هَذَا الْكَلَامَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي صُهَيْبٍ ; وَكَذَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَسَاقَ بِسَنَدِهِ وَذَكَرَ خَبَرَ هِجْرَةِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنْ قَالَ: حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَبِحَ صُهَيْبٌ مَرَّتَيْنِ، وَانْظُرْ: "زَادُ الْمَسِيرِ" لِابْنِ الْجَوْزِيِّ.
(6) فِي تَفْسِيرِه ط. الْمَعَارِفِ 4/247 - 248
(7) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: ثُمَّ اخْتَلَفَ.
(8) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ن (م) ، (س)
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَعُنِيَ بِهَا الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ هَذَا الْقَوْلَ [1]" وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ [2] "وَرَوَى عَنِ" الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ [3] ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ [4] ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ [5] ، عَنْ عِكْرِمَةَ [6] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي صُهَيْبٍ وَأَبِي ذَرٍّ جُنْدَبٍ [7] ، أَخَذَ أَهْلُ أَبِي ذَرٍّ [أَبَا ذَرٍّ] [8] فَانْفَلَتَ [9] مِنْهُمْ، فَقَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا رَجَعَ مُهَاجِرًا عَرَضُوا لَهُ، وَكَانُوا [10] بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَانْفَلَتَ [11] أَيْضًا حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ [12] ، وَأَمَّا صُهَيْبٌ فَأَخَذَ أَهْلَهُ، فَافْتَدَى مِنْهُمْ بِمَالِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مُهَاجِرًا فَأَدْرَكَهُ قُنْفُذُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ جُدْعَانَ [13] ،
(1) انْظُرْ 4/247
(2) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: نَزَلَتْ فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِأَعْيُنِهِمْ.
(3) ن، م، س: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ.
(4) م، س، ب: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ.
(5) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
(6) بَعْدَ عِكْرِمَةَ أَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ الْآيَةَ.
(7) ن، م، س: فِي صُهَيْبٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَجُنْدَبٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: فِي صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ جُنْدَبِ بْنِ السَّكَنِ.
(8) أَبَا ذَرٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س)
(9) م، س: فَانْقَلَبَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(10) ن، م، س: وَكَانَ.
(11) 11) م، س: فَانْقَلَبَ.
(12) 12) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: حَتَّى قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
(13) 13) ن، م، س: سَعْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جُدْعَانَ، ب: مُنْقِذُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ جُدْعَانَ، وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُود مُحَمَّد شَاكِر فِي تَعْلِيقِهِ 4/248 ت [0 - 9] : أَنَّ الْمَطْبُوعَةَ كَانَتْ مُحَرَّفَةً إِلَى: مُنْقِذِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَتَكَلَّمَ عَلَى قُنْفُذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فَخَرَجَ لَهُ مِمَّا [1] بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَخَلَّى [2] سَبِيلُهُ [3] » . وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ [4] [بِذَلِكَ] [5] كُلَّ شَارٍ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ [6] وَجِهَادٍ [7] فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمْرٍ [8] بِمَعْرُوفٍ ". وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى عُمَرَ بَلْ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنْ صُهَيْبًا كَانَ سَبَبَ النُّزُولِ [9] . الثَّامِنُ: أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ مُطْلَقٌ، لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ. فَكُلٌّ مَنْ بَاعَ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَقَدْ دَخَلَ فِيهَا. وَأَحَقُّ مَنْ دَخَلَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَدِيقُهُ فَإِنَّهُمَا شَرَيَا نَفْسَهُمَا [10] ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ، وَهَاجَرَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْعَدُوُّ يَطْلُبُهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. التَّاسِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ:" هَذِهِ فَضِيلَةٌ لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِهِ [فَدَلَّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ] [11] فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ "[12] ."
(1) ن، م، س: بِمَا.
(2) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: وَخَلَّى
(3) تَرَكَ ابْنُ تَيْمِيَةَ تِسْعَةَ أَسْطُرٍ مِنْ تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ بَعْدَ كَلِمَةِ "سَبِيلُهُ" .
(4) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: بَلْ عُنِيَ
(5) م: عُنِيَ بِهَا، وَسَقَطَتْ "بِذَلِكَ" مِنْ (ن) ، (س)
(6) ن، س: فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
(7) س، ب: وَجَاهَدَ.
(8) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: أَوْ أَمْرٍ.
(9) انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 4/250 - 251
(10) م: أَنْفُسَهُمَا.
(11) عِبَارَةُ "فَدَلَّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ" فِي (م) فَقَطْ، وَسَبَقَ كَلَامُ الرَّافِضِيِّ (ص 112) ، وَفِيهِ: تَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ عَلِيٍّ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ.
(12) عِبَارَةُ "فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
فَيُقَالُ [1] : لَا رَيْبَ أَنَّ الْفَضِيلَةَ الَّتِي حَصَلَتْ لِأَبِي بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ ثَابِتَةً لَهُ دُونَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ. فَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ الصِّدْقُ الَّذِي لَا كَذِبَ فِيهِ. يَقُولُ اللَّهُ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . وَمِثْلُ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِ أَبِي بَكْرٍ قَطْعًا، بِخِلَافِ الْوِقَايَةِ بِالنَّفْسِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ. وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، لَيْسَ مِنَ الْفَضَائِلِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأَكَابِرِ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَالْأَفْضَلِيَّةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِالْخَصَائِصِ لَا بِالْمُشْتَرِكَاتِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّ عَلِيًّا أُوذِيَ فِي مَبِيتِهِ [2] عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ، وَقَدْ أُوذِيَ غَيْرُهُ فِي وِقَايَتِهِمُ [3] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَارَةً بِالضَّرْبِ، وَتَارَةً بِالْجَرْحِ، وَتَارَةً بِالْقَتْلِ. فَمَنْ فَدَاهُ وَأُوذِيَ أَعْظَمُ مِمَّنْ فَدَاهُ وَلَمْ يُؤْذِ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَا صَحَّ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ، شَارَكَهُ فِيهَا غَيْرُهُ، بِخِلَافِ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ فَضَائِلِهِ - وَأَكْثَرِهَا - خَصَائِصٌ لَهُ، لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ. وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ [4] .
(1) ن: الْعَاشِرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2) م: فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3) ب: وِقَايَتِهِ.
(4) س، ب: فِي مَوْضِعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فصل البرهان التاسع "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ" والجواب عليه]
فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 61] . نَقَلَ الْجُمْهُورُ كَافَّةً أَنَّ" أَبْنَاءَنَا "إِشَارَةٌ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَ" نِسَاءَنَا "إِشَارَةٌ إِلَى فَاطِمَةَ. وَ" أَنْفُسَنَا "إِشَارَةٌ إِلَى عَلِيٍّ [2] . وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ [3] عَلَى ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ لِعَلِيٍّ لِأَنَّهُ تَعَالَى \ قَدْ جَعَلَ نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالِاتِّحَادُ مُحَالٌ، فَيَبْقَى الْمُرَادُ بِالْمُسَاوَاةِ لَهُ الْوِلَايَةُ [4] . وَأَيْضًا لَوْ كَانَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مُسَاوِيًا لَهُمْ وَأَفْضَلَ [5] مِنْهُمْ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ لِأَمْرِهِ تَعَالَى بِأَخْذِهِمْ مَعَهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ، وَإِذَا كَانُوا هُمُ الْأَفْضَلُ تَعَيَّنَتِ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ [6] . وَهَلْ تَخْفَى دَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ إِلَّا [عَلَى] [7] مَنِ اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِمَجَامِعِ"
(1) فِي (ك) ص 154 (م) .
(2) ك: إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
(3) ك: أَدَلُّ دَلِيلٍ.
(4) ك: فَيَبْقَى الْمُرَادُ: الْمُسَاوِي، وَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ، فَكَذَا الْمُسَاوِيَةُ.
(5) ك: أَوْ أَفْضَلَ.
(6) ك: فِيهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
(7) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س)
قَلْبِهِ، وَحُبِّبَتْ إِلَيْهِ الدُّنْيَا [1] الَّتِي لَا يَنَالُهَا إِلَّا بِمَنْعِ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ [2] حَقِّهِمْ؟ ". وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ:" أَمَّا أَخْذُهُ عَلِيًّا [وَفَاطِمَةَ] [3] وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فِي الْمُبَاهَلَةِ فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ [4] : «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 61] [5] دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي» . وَلَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامَةِ وَلَا عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ. وَقَوْلُهُ:" قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالِاتِّحَادُ مُحَالٌ، فَبَقَى الْمُسَاوَاةُ لَهُ [6] ، وَلَهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ، فَكَذَا الْمُسَاوِيَةُ "[7] . قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُسَاوَاةُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُسَاوِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا عَلِيًّا [8] وَلَا غَيْرَهُ"
(1) ك: وَخُيِّلَ لَهُ حُبُّ الدُّنْيَا.
(2) ك: عَنْ.
(3) وَفَاطِمَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .
(4) الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1871 "كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ أَوَّلُهُ: "أَمَّرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟" الْحَدِيثَ، وَالْكَلَامُ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ.
(5) فِي "مُسْلِمٍ" ذَكَرَ جُزْءً مِنَ الْآيَةِ حَتَّى قَوْلِهِ "وَأَبْنَاءَكُمْ" فَقَطْ.
(6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(7) م، س: فَكَذَا الْمُسَاوَاةُ، ن: فَكَذَا الْمُسَاوِيَةُ.
(8) ن، م، س: لَا عَلِيٌّ.
وَهَذَا اللَّفْظُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ. قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ مُتَسَاوِينَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 54] ، أَيْ: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا مُتَسَاوِينَ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ مُسَاوِيًا لِمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ. وَكَذَلِكَ قَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 29] أَيْ: لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُتَسَاوِينَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 11] : أَيْ لَا يَلْمِزُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ; فَيَطْعَنُ عَلَيْهِ وَيَعِيبُهُ. وَهَذَا نَهْيٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْ لَا يَفْعَلَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ هَذَا الطَّعْنَ وَالْعَيْبَ، مَعَ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُتَسَاوِينَ لَا فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا فِي الْفَضِيلَةِ وَلَا الظَّالِمُ كَالْمَظْلُومِ، وَلَا الْإِمَامُ كَالْمَأْمُومِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 85] : أَيْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} كَاللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 11] ، {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] وَنَحْوَ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ التَّسَاوِيَ هُنَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ مُمْتَنِعٍ، فَكَذَلِكَ هُنَاكَ وَأَشَدُّ. بَلْ هَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الْمُجَانَسَةِ وَالْمُشَابَهَةِ. وَالتَّجَانُسُ وَالْمُشَابَهَةُ يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ
فِي [بَعْضِ الْأُمُورِ، كَالِاشْتِرَاكِ فِي] الْإِيمَانِ [1] ، فَالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فِي الْإِيمَانِ، وَهْوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] ، وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 11] . وَقَدْ يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الدِّينِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمُ الْمُنَافِقُ، كَاشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِسْلَامِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ فِي النَّسَبِ فَهُوَ أَوْكَدُ. وَقَوْمُ مُوسَى كَانُوا أَنْفُسَنَا [2] بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 61] أَيْ رِجَالَنَا وَرِجَالَكُمْ، أَيِ الرِّجَالُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جِنْسِنَا فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ، وَالرِّجَالُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جِنْسِكُمْ. أَوِ الْمُرَادُ [3] التَّجَانُسُ فِي الْقَرَابَةِ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ قَالَ: {أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} فَذَكَرَ الْأَوْلَادَ وَذَكَرَ [النِّسَاءَ] [4] وَالرِّجَالَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَقْرَبِينَ إِلَيْنَا مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْعَصَبَةِ. وَلِهَذَا دَعَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنَ الْأَبْنَاءِ، وَدَعَا فَاطِمَةَ مِنَ النِّسَاءِ، وَدَعَا عَلِيًّا مِنْ رِجَالِهِ [5] ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَحَدٌ أَقْرَبُ إِلَيْهِ نَسَبًا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَدَارَ عَلَيْهِمُ الْكِسَاءَ. وَالْمُبَاهَلَةُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالْأَقْرَبِينَ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَوْ بَاهَلَهُمْ بِالْأَبْعَدِينَ فِي
(1) ن، س: يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي جَمِيعِ الْإِيمَانِ، ب: يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْإِيمَانِ، م: يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، فَالِاشْتِرَاكُ فِي الْإِيمَانِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.
(2) م: وَأَنْفُسًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3) س، ب: وَالْمُرَادُ.
(4) النِّسَاءَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .
(5) م: مِنْ رِجَالٍ.
النَّسَبِ، وَإِنْ كَانُوا أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ، لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ ; فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ الْأَقْرَبِينَ، كَمَا يَدْعُو هُوَ [1] الْأَقْرَبَ إِلَيْهِ. وَالنُّفُوسُ تَحْنُو عَلَى أَقَارِبِهَا مَا لَا تَحْنُو عَلَى غَيْرِهِمْ، وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ إِنْ بَاهَلُوهُ نَزَلَتِ الْبَهْلَةُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَقَارِبِهِمْ، وَاجْتَمَعَ خَوْفُهُمْ [2] عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَقَارِبِهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي امْتِنَاعِهِمْ، وَإِلَّا فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَخْتَارُ أَنْ يَهْلَكَ وَيَحْيَا ابْنُهُ، وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ قَدْ يَخْتَارُ الْمَوْتَ إِذَا بَقِيَ أَقَارِبُهُ فِي نِعْمَةٍ وَمَالٍ. وَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرٌ. فَطَلَبَ مِنْهُمُ الْمُبَاهَلَةَ بِالْأَبْنَاءِ وَالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَالْأَقْرَبِينَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَلِهَذَا دَعَا هَؤُلَاءِ. وَآيَةُ الْمُبَاهَلَةِ نَزَلَتْ سَنَةَ عَشْرٍ ; لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَقِيَ مِنْ أَعْمَامِهِ إِلَّا الْعَبَّاسُ، وَالْعَبَّاسُ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَلَا كَانَ لَهُ بِهِ اخْتِصَاصٌ كَعَلِيٍّ. وَأَمَّا بَنُو عَمِّهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِثْلُ عَلِيٍّ، وَكَانَ جَعْفَرُ قَدْ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَإِنَّ الْمُبَاهَلَةَ كَانَتْ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ، وَجَعْفَرُ قُتِلَ بِمُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، فَتَعَيَّنَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَكَوْنُهُ تَعَيَّنَ لِلْمُبَاهَلَةِ ; إِذْ لَيْسَ فِي الْأَقَارِبِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، بَلْ وَلَا أَنْ يَكُونَ [3] أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا، بَلْ لَهُ بِالْمُبَاهَلَةِ نَوْعُ فَضِيلَةٍ،
(1) ن، س: هَؤُلَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ.
(2) ن، س، ب: فَاجْتَمَعَ الْخَوْفُ.
(3) س، ب: بَلْ وَلَا يَكُونُ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|