عرض مشاركة واحدة
  #384  
قديم 24-06-2025, 08:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,448
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد السادس
الحلقة (384)
صـ 306 إلى صـ 316





وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْوُعَّاظِ، وَكَانُوا يَدْعُونَ بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ فِي صَحِيفَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا كَذِبًا عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالشَّهْرَسْتَانِيُّ يُظْهِرُ الْمَيْلَ إِلَى الشِّيعَةِ، إِمَّا بِبَاطِنِهِ وَإِمَّا مُدَاهَنَةً لَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا الْكِتَابَ - كِتَابَ "الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ" صَنَّفَهُ لِرَئِيسٍ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، وَكَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ دِيوَانَيْهِ. وَكَانَ لِلشَّهْرَسْتَانِيِّ مَقْصُودٌ فِي اسْتِعْطَافِهِ لَهُ. وَكَذَلِكَ [1] صَنَّفَ لَهُ كِتَابَ "الْمُصَارَعَةِ" بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ سِينَا [2] ، لِمَيْلِهِ إِلَى التَّشَيُّعِ وَالْفَلْسَفَةِ. وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الشِّيعَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، أَعْنِي الْمُصَنِّفَ لَهُ. وَلِهَذَا تَحَامَلَ فِيهِ لِلشِّيعَةِ [3] تَحَامُلًا بَيِّنًا.
(1)
ن: وَلِذَلِكَ.

(2)
وَهُوَ كِتَابُ "مُصَارَعَةِ الْفَلَاسِفَةِ" ، الَّذِي حَقَّقَتْهُ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ مُحَمَّدْ مُخْتَارْ ط. الْقَاهِرَةِ، 1396 1976 وَجَاءَ فِي أَوَّلِهِ ص 13 أَنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ أَلَّفَهُ لِأَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُوسَوِيِّ، وَذَكَرَتِ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ أَنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ أَلَّفَ كِتَابَ "الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ" أَيْضًا لَهُ، وَلَيْسَ لِلْوَزِيرِ نَصِيرِ الدِّينِ، الَّذِي كَانَ يَتَوَلَّى وَزَارَةَ السُّلْطَانِ سِنْجِرْ عَامَ 521 كَمَا ذَكَرَ الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ بْنُ فَتْحِ اللَّهِ بَدْرَانُ فِي الطَّبْعَةِ الْأُولَى مِنْ كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/3 - 5 وَنَقَلَتِ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ الْمُصَارَعَةِ (ص 29) عَنْ صَدْرِ الدِّينِ الشِّيرَازِيِّ فِي كِتَابِهِ الْأَسْفَارِ الْأَرْبَعَةِ 2/275 قَوْلَهُ: وَقَدْ أَلَّفَ هَذَا الْكِتَابَ لِمَجْدِ الدِّينِ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُوسَوِيِّ، وَهُوَ ضِدُّ ابْنِ سِينَا فِي حَوَالَيْ عَامِ 540 وَلَمْ أَجِدْ تَرْجَمَةً لِعَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ مَرَاجِعَ، وَذَكَرَتِ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ وَيَمْتَدُّ نَسَبُهُ إِلَى مُوسَى الْكَاظِمِ، وَقَدْ تَوَلَّى عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ حُكْمَ تِرْمِذَ، وَدَعَا الْعُلَمَاءُ إِلَيْهِ مِنْ شَتَّى مُدُنِ إِقْلِيمِ خُرَاسَانَ وَمِنْهُمُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ الَّذِي أَلَّفَ لَهُ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ ثُمَّ مُصَارَعَةَ الْفَلَاسِفَةِ.

(3)
فِي م: الشِّيعَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.






وَإِذَا كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِ يُبْطِلُ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَاهَنَةِ لَهُمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِأَجْلِ مَنْ صَنَّفَهُ لَهُ.
وَأَيْضًا فَهَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي حَكَاهَا الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ "الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ" عَنْ إِبْلِيسَ فِي مُنَاظَرَتِهِ لِلْمَلَائِكَةِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّقْلِ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا، بَلْ لَا إِسْنَادَ لَهَا أَصْلًا. فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ تُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورِينَ، وَلَا هِيَ أَيْضًا مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ [1] .
وَهَذِهِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمَقَالَاتِ وَبَعْضِ كُتُبِ النَّصَارَى.
وَالشَّهْرَسْتَانِيُّ أَكْثَرُ مَا يَنْقُلُهُ مِنَ الْمَقَالَاتِ مِنْ كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ. فَيُشْبِهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ وَضَعَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ لِيَجْعَلَهَا حُجَّةً عَلَى الْمُثْبِتِينِ لِلْقَدَرِ، كَمَا يَضَعُونَ شِعْرًا عَلَى لِسَانِ يَهُودِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنَ الْقَدَرِيَّةِ يَضَعُونَ عَلَى لِسَانِ الْكُفَّارِ مَا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ،
(1)
انْظُرْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/23 - 25 وَقَالَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي أَوَّلِهَا (ص 24) قَالَ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ: إِنِّي سَلَّمْتُ أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى إِلَهِي وَإِلَهَ الْخَلْقِ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهُ مَهْمَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ، وَهُوَ حَكِيمٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى مَسَاقِ حِكْمَتِهِ أَسْئِلَةٌ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا هِيَ؟ وَكَمْ هِيَ؟ قَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ: سَبْعٌ. ثُمَّ أَوْرَدَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ سَبْعَةَ أَسْئِلَةٍ عَلَى لِسَانِ إِبْلِيسَ (ص 24 - 25) وَذَكَرَ فِي آخِرِهَا (ص 25) : قَالَ شَارِحُ الْإِنْجِيلِ: فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ: قُولُوا لَهُ: إِنَّكَ فِي تَسْلِيمِكَ الْأَوَّلِ. . . . إِلَخْ.






وَأَنَّ مَنْ صَدَّقَ بِهِ فَقَدْ جَعَلَ لِلْخَلْقِ حُجَّةً عَلَى الْخَالِقِ، كَمَا وَجَدْنَا كَثِيرًا مِنَ الشِّيعَةِ يَضَعُ حُجَجًا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الْيَهُودِ، لِيُقَالَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ: أَجِيبُوا هَذَا الْيَهُودِيَّ، وَيُخَاطِبُ بِذَلِكَ مَنْ لَا يُحْسِنُ أَنْ يُبَيِّنَ فَسَادَ تِلْكَ الْحُجَّةِ مِنْ جُهَّالِ الْعَامَّةِ.
[الرد على زعم الرافضي عن الاختلاف الواقع في مرض النبي صلى الله عليه وسلم]
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: "إِنَّ مَثَارَ الْفَسَادِ بَعْدَ شُبْهَةِ إِبْلِيسَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" .
فَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ [الْكَذِبِ] [1] الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ قَصْدُهُ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ ذَنْبٍ أُذْنِبَ، فَهَذَا بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ.
وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ اخْتِلَافٍ وَقَعَ بَعْدَ تِلْكَ الشُّبْهَةِ، فَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ شُبْهَةَ إِبْلِيسَ لَمْ تُوقِعْ خِلَافًا بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا سَمِعَهَا الْآدَمِيُّونَ مِنْهُ حَتَّى يُوقِعَ بَيْنَهُمْ خِلَافًا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْخِلَافَ مَا زَالَ بَيْنَ بَنِي آدَمَ مِنْ زَمَنِ نُوحٍ، وَاخْتِلَافِ النَّاسِ قَبْلَ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ اخْتِلَافِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 213] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "كَانَ بَيْنَ آدَمَ"
(1)
الْكَذِبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .





وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ "[1] ."
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [سُورَةُ يُونُسَ: 19] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 118، 119] .
وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30] .
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ابْنَيْ آدَمَ قَتَلَ أَحَدُهُمَا أَخَاهُ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ»" [2] .
وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 253] .
(1)
ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/275، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُودْ شَاكِرْ فِي تَعْلِيقِهِ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 2/546 - 547 وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَسَبَقَ وُرُودُ هَذَا الْأَثَرِ مِنْ قَبْلُ فِيمَا مَضَى 5/257

(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/351





وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 105] .
فَهَذِهِ نُصُوصُ الْقُرْآنِ تُخْبِرُ بِالِاخْتِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ الَّذِي كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً" [1] .
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِ عَادٍ وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنَ لِأَنْبِيَائِهِمْ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»" [2] .
وَقَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَنَا: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 64] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 14] .
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا مِنَ الِاخْتِلَافِ
(1)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/249

(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَوَّلُهُ: دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ. . . . .، فِيمَا مَضَى 1/551





وَالنِّزَاعِ. وَالْخِلَافُ الْوَاقِعُ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَلِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي أَهْلِ الْمِلَلِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ إِلَى مُتَابَعَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَقْرَبُ، كَانَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ أَقَلَّ.
فَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ عَنْ فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَأَمْثَالِهِمْ أَمْرٌ لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ، وَبَعْدَهُ الْخِلَافُ عَنْ أَعْظَمِ الْمِلَلِ ابْتِدَاعًا كَالرَّافِضَةِ فِينَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ الْخِلَافُ الَّذِي بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُ الْفِرَقِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْجَمَاعَةِ، كَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ [1] اخْتِلَافُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُمْ أَقَلُّ الطَّوَائِفِ اخْتِلَافًا فِي أُصُولِهِمْ، لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مِنَ النُّبُوَّةِ أَعْظَمُ مِنْ مِيرَاثِ غَيْرِهِمْ فَعَصَمَهُمْ حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي اعْتَصَمُوا بِهِ فَقَالَ [2] {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] .
فَكَيْفَ يُقَالُ مَعَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا: إِنَّ مَثَارَ الْفَسَادِ بَعْدَ شُبْهَةِ إِبْلِيسَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَكَمْ قَدْ [3] وَقَعَ مِنَ الْفَسَادِ وَالِاخْتِلَافِ قَبْلَ هَذَا؟ .
وَالتَّحْدِيدُ بِشُبْهَةِ إِبْلِيسَ وَالِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِي الْمَرَضِ بَاطِلٌ. فَأَمَّا شُبْهَةُ إِبْلِيسَ فَلَا يُعْرَفُ لَهَا أَثَرُ إِسْنَادٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْكَذِبُ ظَاهِرٌ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَدْ كَانَ يَقَعُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَقَدْ وَقَعَ قِتَالٌ بَيْنَ أَهْلِ قُبَاءَ حَتَّى خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ.
(1)
ن: وَنَحْوِهِمْ وَلَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ، م: وَنَحْوِهِمْ هَؤُلَاءِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ.

(2)
م: حَيْثُ قَالَ.

(3)
قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .





وَقَدْ تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْأَنْفَالِ، فَقَالَ الْآخِذُونَ: هِيَ لَنَا، وَقَالَ الذَّاهِبُونَ خَلْفَ الْعَدُوِّ: هِيَ لَنَا. وَقَالَ الْحَافِظُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ لَنَا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 1] .
وَقَدْ كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ خِلَافٌ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ، حَتَّى هَمَّ الْحَيَّانِ بِالِاقْتِتَالِ، فَسَكَّنَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَخْصٍ هَلْ يَجُوزُ قَتْلُهُ أَمْ لَا يَجُوزُ؟ .
وَقَدْ وَقَعَ نِزَاعٌ بَيْنَ الْأَنْصَارِ مَرَّةً بِسَبَبِ يَهُودِيٍّ كَانَ يُذَكِّرُهُمْ حُرُوبَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، حَتَّى اخْتَصَمُوا وَهَمُّوا بِالْقِتَالِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 100، 101] .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ فَاقْتَتَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانِيكُمْ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»" [1] .
(1)
الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ 6/153 - 154، 154 - 155 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ الْمُنَافِقُونَ) ، (مُسْلِمٍ 4/1998 - 1999 (كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابِ نَصْرِ الْأَخِ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا) . سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/90 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ الْمُنَافِقُونَ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/338 - 385، 392 - 393





وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَنَازَعُونَ فِي مُرَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ" فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُصَلِّي وَلَا نَتْرُكُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَصَلُّوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَمَا عَنَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا مِنْهُمْ» [1] .
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدُ تَمِيمٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ [2] . وَقَالَ عُمَرُ: أَمِّرِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ. فَقَالَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. فَقَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 2] فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدِّثُهُ إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ [3] .
(1)
سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/411

(2)
ن، م: بْنِ حَكِيمٍ، ب: بْنِ حَكَمٍ، وَكُلُّهُ خَطَأٌ. وَهُوَ الْقَعْقَاعُ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ زَيْدٍ التَّمِيمِيُّ الدَّارِمِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، تَرْجَمَتُهُ فِي الْإِصَابَةِ 3/230 - 231، الِاسْتِيعَابِ بِهَامِشِ الْإِصَابَةِ 3/251 - 252، أُسْدِ الْغَابَةِ 4/409

(3)
انْظُرْ تَفْسِيرَ آيَةِ 2 مِنْ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ 7/346 وَقَوْلَهُ: وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ. حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ هَذَا وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنْ قَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِ ذَلِكَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِدُونِ الْعِبَارَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْبُخَارِيِّ 6/137 - 138 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ الْحُجُرَاتِ، وَأَخِي السِّرَارِ: الصَّوْتِ الْمُنْخَفِضِ أَوِ الْهَمْسِ.





وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِشَيْءٍ أَوْ يَأْذَنُ فِيهِ، فَيُرَاجَعُ فِيهِ، فَيَنْسَخُ اللَّهُ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ. «كَمَا أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِكَسْرِ الْأَوَانِي الَّتِي فِيهَا لُحُومُ الْحُمُرِ قَالُوا: أَلَا نُرِيقُهَا؟ قَالَ: أَرِيقُوهَا [1] .
وَلَمَّا كَانُوا فِي سَفَرٍ اسْتَأْذَنُوهُ [2] فِي نَحْرِ ظُهُورِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ. حَتَّى جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَذِنْتَ فِي ذَلِكَ نَفِدَ ظَهْرُهُمْ، وَلَكِنِ اجْمَعْ مَا مَعَهُمْ، وَادْعُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» [3] .
وَمِنْ ذَلِكَ «حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَغْلَتَهُ، وَقَالَ: "اذْهَبْ فَمَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقَالَ، فَضَرَبَهُ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: ارْجِعْ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -."
وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَلَا تَفْعَلْ ; فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَخَلِّهِمْ
(1)
لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَنَّ الْقُدُورَ الَّتِي فِيهَا لُحُومُهَا أُكْفِئَتْ، انْظُرِ: الْبُخَارِيَّ 7/95 - 96 (كِتَابَ الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ، بَابَ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) ، مُسْلِمٍ 3/1537 - 1540 (كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ، بَابِ تَحْرِيمِ أَكْلِ لَحْمِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) .

(2)
ن، م: اسْتَأْذَنَهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(3)
الْحَدِيثُ عَنْ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ 3/137 - 138 (كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ، الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَأَوَّلُهُ: نَادِ فِي النَّاسِ فَيَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ (. وَجَاءَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 18/123 رَقْمِ 9447





يَعْمَلُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَخَلِّهِمْ»" [1] . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي مَرَضِهِ كَانَ مِنْ أَهْوَنِ الْأَشْيَاءِ وَأَبْيَنِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي مَرَضِهِ: "«ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي" . ثُمَّ قَالَ: "يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ»" [2] فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ هَمَّ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا، فَقَالَ عُمَرُ: "مَالَهُ أَهَجَرَ؟ [3]" فَشَكَّ عُمَرُ هَلْ هَذَا الْقَوْلُ مَنْ هُجْرِ الْحُمَّى أَوْ هُوَ مِمَّا يَقُولُ عَلَى عَادَتِهِ فَخَافَ عُمَرُ أَنَّ يَكُونَ مِنْ هُجْرِ الْحُمَّى، أَوْ هَذَا مِمَّا خَفِيَ عَلَى عُمَرَ كَمَا خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ أَنْكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ هَاتُوا كِتَابًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَأْتُوا بِكِتَابٍ. فَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْكِتَابَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ فَائِدَةٌ، لِأَنَّهُمْ يَشُكُّونَ: هَلْ أَمْلَاهُ مَعَ تَغَيُّرِهِ بِالْمَرَضِ؟ أَمْ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ ذَلِكَ؟ فَلَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ فَتَرَكَهُ.
وَلَمْ تَكُنْ كِتَابَةُ الْكِتَابِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَهُ أَوْ يُبَلِّغَهُ فِي ذَلِكَ
(1)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، فِي مُسْلِمٍ 1/59 - 61 (كِتَابِ الْإِيمَانِ، بَابِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا) .

(2)
سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/492، 2/51 - 52

(3)
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ 4/240: أَهَجَرَ: أَيِ: اخْتَلَفَ كَلَامُهُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ: هَلْ تَغَيَّرَ كَلَامُهُ وَاخْتَلَطَ لِأَجْلِ مَا بِهِ مِنَ الْمَرَضِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِيهِ، وَلَا يُجْعَلُ إِخْبَارًا فَيَكُونُ إِمَّا مِنَ الْفُحْشِ أَوِ الْهَذَيَانِ، وَالْقَائِلُ كَانَ عُمَرُ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ.
الْوَقْتِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَرَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ مِمَّا رَآهُ مَصْلَحَةً لِدَفْعِ النِّزَاعِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَرَأَى أَنَّ الْخِلَافَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ. وَقَدْ سَأَلَ رَبَّهُ لِأُمَّتِهِ ثَلَاثًا، فَأَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَهُ وَاحِدَةً. سَأَلَهُ أَنْ لَا يُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَسَأَلَهُ أَنْ لَا يُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَ [1] سَأَلَهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَهُ إِيَّاهَا [2] .
وَهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "الرَّزِيَّةُ كُلُّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ" [3] .
فَإِنَّهَا رَزِيَّةٌ، أَيْ مُصِيبَةٌ فِي حَقِّ الَّذِينَ شَكُّوا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَطَعَنُوا فِيهَا.
وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَنَحْوِهِمْ. وَإِلَّا فَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ يُفْتِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
(1)
جَاءَتْ فِي (ب) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَفِي (ن) ، (م) فَمُنِعَهَا، وَالْحَدِيثُ سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ (ص 230)

(2)
جَاءَتْ فِي (ب) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَفِي (ن) ، (م) فَمُنِعَهَا، وَالْحَدِيثُ سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ (ص 230)

(3)
الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا 1/30 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ، وَنَصُّهُ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعُهُ قَالَ: ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: هَلُمَّ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا، فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ، فَقَالَ: قُومُوا عَنِّي لَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلُّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ كِتَابِهِ. وَسَبَقَ الْحَدِيثُ وَبَيَّنْتُ مَوَاضِعَ وُرُودِهِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ (ص 25)




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.49 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]