
11-06-2025, 12:03 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة :
|
|
خطبة العيد بين التكبير والتحميد
خطبة العيد بين التكبير والتحميد
د. فهد بن ابراهيم الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله الذي خلق الخلق لعبادته، ووعد مَن أحسن منهم بواسع رحمته، وأعدَّ لمَن خاف مقامه واتَّقاه نُزُلًا في جنته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن العلماء اختلفوا فيما يبدأ به الخطيب خطبة العيد، هل يبدأ بالتحميد أم بالتكبير؟
ففي هذه الرسالة المختصرة سأنقل أقوال العلماء رحمهم الله تعالى في هذا الباب، مع ذكر الأدلة- إن وجدت- وكذلك بيان أقوال العلماء وخاصة أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة، مع بيان سبب اختيار هذا القول.
وكذلك سأُبيِّن بعض الأحكام المتعلقة بصلاة العيد.
فأقول مستعينًا بالله، ومتوكلًا عليه، ومفوضًا أمري إليه:
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى من قديم وحديث فيما يبدأ به الخطيب خطبة العيد، هل يبدأ بالتحميد أم بالتكبير؟
فمنهم مَن قال: يبدأ بالتكبير.
ومنهم مَن قال: يبدأ بالتحميد.
ومنهم مَن يرى أن الأمر واسع، فأيهما بدأ به الخطبة جاز ذلك.
وممن يرى أن خطبة العيد تبدأ بالتحميد ولا تبدأ بالتكبير طائفة من الشافعية، قال النووي رحمه الله: "نصَّ الشافعي وكثيرون من الأصحاب على أن هذه التكبيرات ليست من الخطبة، وإنما هي مقدِّمة لها، ومَن قال منهم: تُفتتح الخطبة بالتكبيرات يُحمَل كلامُه على موافقة النص الذي ذكرتُه؛ لأنَّ افتتاح الشيء قد يكون ببعض مقدِّماته التي ليست من نفسه، فاحفظ هذا؛ فإنه مهم خفي"؛ (انظر: روضة الطالبين) (2/ 74)، (ويُنظر: المجموع للنووي) (5/ 23)، (نهاية المحتاج للرملي) (2/ 392)، (فتح الباري لابن رجب) (5/ 485).
وقال الإمام الشافعي كما في الأم (1/ 397): "التكبير في الخطبة في العيدين: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله، عن إبراهيم بن عبدالله، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: السُّنَّة في التكبير يوم الأضحى والفطر على المنبر قبل الخطبة، أن يبتدئ الإمام قبل أن يخطب، وهو قائم على المنبر، بتسع تكبيرات تترى، لا يفصل بينها بكلام، ثم يخطب، ثم يجلس جلسة، ثم يقوم في الخطبة الثانية فيفتتحها بسبع تكبيرات تترى لا يفصل بينها بكلام، ثم يخطب.
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم قال: أخبرني إسماعيل بن أمية: أنه سمع أن التكبير في الأولى من الخطبتين تسع، وفي الآخرة سبع.
قال الشافعي: وبقول عبيدالله نقول: فنأمر الإمام إذا قام يخطب الأولى أن يكبر تسع تكبيرات تترى لا كلام بينهن، فإذا قام ليخطب الخطبة الثانية أن يكبر سبع تكبيرات تترى لا يفصل بينهن بكلام، يقول: الله أكبر الله أكبر حتى يوفي سبعًا، فإن أدخل بين التكبيرين الحمد والتهليل كان حسنًا، ولا ينقص من عدد التكبير شيئًا، ويفصل بين خطبتَيْه بتكبير.
قال الشافعي: أخبرني الثقة من أهل المدينة، أنه أثبت له كتاب عن أبي هريرة فيه تكبير الإمام في الخطبة الأولى يوم الفطر، ويوم الأضحى، إحدى أو ثلاثًا وخمسين تكبيرة في فصول الخطبة بين ظهراني الكلام.
قال الشافعي: أخبرني من أثق به من أهل العلم من أهل المدينة قال: أخبرني مَن سمع عمر بن عبدالعزيز وهو خليفة يوم فطر، فظهر على المنبر فسلم، ثم جلس، قال: إن شعار هذا اليوم التكبير والتحميد ثم كبَّر مرارًا: الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ثم تشهَّد للخطبة، ثم فصل بين التشهد بتكبيرة.
قال الشافعي: وإن ترك التكبير أو التسليم على المنبر، أو بعض ما أمرته به كرهته له، ولا إعادة عليه في شيء من هذا، إذا كان غير خطبة الجمعة"؛ ا هـ.
وقال الشيرازي في المهذب (1/ 221): "والمستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع؛ لما روي عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أنه قال: هو من السنة: ويأتي ببقية الخطبة على ما ذكرناه في الجمعة"؛ ا هـ.
وقال النووي في المجموع (5/ 28): "اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب أن يكبر في أول الخطبة الأولى تسع تكبيرات نسقًا، وفي أول الثانية سبعًا، قال الشافعي والأصحاب: ولو أدخل بين هذه التكبيرات الحمد والتهليل والثناء جاز. وذكر الرافعي وجهًا أن صفة هذه التكبيرات كصفة التكبيرات المرسلة والمقيدة.
واعلم: أن هذه التكبيرات ليست من نفس الخطبة، وإنما هي مقدمة لها. وقد نصَّ الشافعي وكثيرون من الأصحاب على أنهن لسن من نفس الخطبة، بل مقدمة لها، قال البندنيجي: يكبر قبل الأولى تسع تكبيرات وقبل الثانية سبعًا، قال الشيخ أبو حامد: هو ظاهر نص الشافعي. ولا يغتر بقول المصنف وجماعة: يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، فإن كلامهم متأوَّل على أن معناه يفتتح الكلام قبل الخطبة بهذه التكبيرات، لأن افتتاح الشيء قد يكون ببعض مقدماته التي ليست من نفسه، فاحفظ هذا فإنه مهم خفي"؛ ا هـ.
وفي الإقناع للشربيني (1/ 187): "(ويكبر) ندبًا (في) افتتاح الخطبة (الأولى تسعًا) بتقديم المثناة على السين، (و) يكبر (في) افتتاح (الثانية سبعًا) بتقديم السين على الموحدة ولاء إفرادًا في الجميع"؛ اهـ.
وفي مغني المحتاج (1/ 312): "ويفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات ولاء إفرادًا والخطبة الثانية بسبع ولاء إفرادًا تشبيهًا للخطبتين بصلاة العيد، فإن الركعة الأولى تشتمل على تسع تكبيرات فإن فيها سبع تكبيرات وتكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع والركعة الثانية على سبع تكبيرات فإن فيها خمس تكبيرات وتكبيرة القيام وتكبيرة الركوع والولاء سنة في التكبيرات وكذا الإفراد"؛ ا هـ.
وكذلك طائفة من الحنابلة، قال ابنُ رجب: "ذكَر بعضُ أئمَّة الشافعية: أن الخُطب كلها تُستفتح بالحمد بغير خلافٍ، وإنما التكبير في العيد يكون قبلَ الخُطبة، وليس منها، وأنَّ ذلك نصُّ الشافعي، وكذا ذكر طائفةٌ من أصحابنا: أنَّ ظاهر كلام أحمد أنَّه يُكبِّر إذا جلَس على المنبر قبل الخُطبة، وأنه ليس من الخُطبة، فإذا قام استفتح الخُطبة بالحمد"؛ (فتح الباري) (5/ 485).
وهو اختيار ابن تيمية، قال ابنُ تيميَّة: "خطبة الجمعة تُفتتح بالحمد، بالسُّنة المتواترة واتِّفاق العلماء، وأما خطبة الاستسقاء، ففيها ثلاثةُ أقوال في مذهب أحمد وغيره، أحدها: أنها تُفتتح بالحمد لله كالجمعة، والثاني: بالتكبير كالعيد. والثالث: بالاستغفار؛ لأنه أخص بالاستسقاء، وخطبة العيد قد ذَكَر عبدالله بن عُقبة: أنها تُفتتح بالتكبير، وأخَذ بذلك مَن أخذ به من الفقهاء؛ لكن لم يَنقُل أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتَتَح خُطبتَه بغير الحمد، لا خُطبة عيد، ولا استسقاء، ولا غير ذلك"؛ انتهى من (مجموع الفتاوى) (22/ 393، 394، 24/ 225)، (ويُنظر: زاد المعاد لابن القيم) (1/ 448).
واختيار ابن القيم، قال ابنُ القيِّم: "كان يَفتتح خُطَبه كلَّها بالحمد لله، ولم يُحفظ عنه في حديث واحد، أنَّه كان يَفتتح خُطبتي العيدين بالتكبير، وقد اختلف الناسُ في افتتاح خُطبة العيدين والاستسقاء، فقيل: يُفتتحان بالتكبير، وقيل: تُفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وقيل: يُفتتحان بالحمد؛ قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة: وهو الصَّوابُ"؛ (انظر: زاد المعاد) (1/ 447، 448).
واختيار ابن رجب، قال ابنُ رجب: "قد رُوي عن أبي موسى الأشعريِّ، أنه استَفتح خُطبتي العيدين بالحمد، ثم كبَّر بعد الحمد. وهو الأظهر"؛ (فتح الباري) (5/ 485).
واختيار ابن باز، قال ابنُ باز: "المشروعُ في العيد خُطبتان كالجُمُعة، والمشروع أنْ تبدأ كلُّ خُطبة بالحمد، بالحمد لله والثناء عليه، والصَّلاة على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، والشَّهادتين؛ شهادة أنْ لا إله إلَّا الله محمَّد رسولُ الله، في الجمعة وفي العيدين، كلُّها تبدأ بحمد الله والثناء عليه، والشهادة لله بالوحدانيَّة، وللنبيِّ بالرسالة، والصلاةِ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وعْظِ الناس وتذكيرهم، في الجمعة وفي العيد"؛ (فتاوى نور على الدرب) (13/ 362).
وقال ابن قدامة في المغني (2/ 239): "فإن صفة الخطبتين كصفة خطبتي الجمعة إلا أنه يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات، والثانية بسبع متواليات، قال القاضي: وإن أدخل بينهما تهليلًا أو ذكرًا فحسن، وقال سعيد: حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن عن أبيه عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات، ويستحب أن يكثر التكبير في أضعاف خطبته.
وروى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبتي العيدين؛ رواه ابن ماجه. فإذا كبر في أثناء الخطبة كبر الناس بتكبيره، وقد روي عن أبي موسى أنه كان يكبر يوم العيد على المنبر اثنتين وأربعين تكبيرة"؛ ا هـ.
وقال ابن مفلح في الفروع (2/ 112): "ويسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات نسقًا، وظاهر كلامه: جالسًا، وقيل: قائمًا، فلا جلسة ليستريح إذا صعد؛ لعدم الأذان هنا بخلاف الجمعة، والثانية بسبع.
وعنه بعد فراغها اختاره القاضي، قال أحمد قال عبيدالله بن عبدالله بن عتبة: إنه من السنة، وقيل: التكبيرات شرط.
واختار شيخنا يفتتحها بالحمد؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة بغيره، وقال: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم"؛ ا هـ.
وقال المرداوي في الإنصاف (2/ 430): "قوله: (يستفتح الأولى بتسع تكبيرات) الصحيح من المذهب: أن افتتاحها يكون بالتكبير. وتكون التكبيرات متوالية نسقًا، على الصحيح من المذهب. وقال القاضي: إن هلَّل بينهما أو ذكر فحسن، والنسق أولى، وقال في الرعاية: جاز.
قال في الفروع: وظاهر كلام أحمد تكون التكبيرات وهو جالس، وهو أحد الوجهين، وهو ظاهر ما قدَّمه في الفروع. والوجه الثاني: يقولها وهو قائم.
قلت: وهو الصواب، والعمل عليه، وهو ظاهر كلام المصنف هنا وغيره؛ حيث جعل التكبير من الخطبة.
قال في الفروع- بعد ذكر هذا الوجه- فلا جلسة ليستريح إذا صعد، لعدم الأذان هنا، بخلاف الجمعة، وأطلقهما في الرعاية والفائق، ومجمع البحرين، وابن تميم.
واختار الشيخ تقي الدين افتتاح خطبة العيد بالحمد. قال: لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة بغيره. وقال صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم"؛ ا هـ.
قوله: (والثانية بتسع) الصحيح من المذهب: أن محل التكبير في الخطبة الثانية في أولها، وعليه جمهور الأصحاب، وعنه محله في آخرها، اختاره القاضي؛ ا هـ.
وذلك للآتي:
أولًا: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح خطبة العيد أو غيرها بالتكبير؛ (انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية) (22/ 393، 394، 24/ 225)، (زاد المعاد لابن القيم) (1/ 448)، (السيل الجرار للشوكاني) (ص195)، (نيل الأوطار للشوكاني) (3/ 363).
ثانيًا: أن الاستفتاح بالحمد هو شأن خطب النبي صلى الله عليه وسلم.
أما مَن يرى أن خطبة العيد تبدأ بالتكبير فهم طائفة من الأحناف، قال ابن نجيم في (البحر الرائق) (2/ 175): "في المجتبى: ويبدأ بالتحميد في خطبة الجمعة وخطبة الاستسقاء وخطبة النكاح، ويبدأ بالتكبيرات في خطبة العيدين، ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات تترى، والثانية بسبع، قال عبدالله بن عتبة بن مسعود: هو من السُّنَّة"؛ ا هـ.
وفي البحر الرائق أيضًا (2/ 360): "...وأراد بالمناسك الخروج إلى منى وإلى عرفة، والصلاة فيها، والوقوف والإفاضة، وهذه أول الخطب الثلاث التي في الحج، ويبدأ في الكل بالتكبير، ثم بالتلبية، ثم بالتحميد؛ كابتدائه في خطبة العيدين، ويبدأ بالتحميد في ثلاث خطب؛ وهي: خطبة الجمع، والاستسقاء، والنكاح"؛ ا هـ.
وفي شرح الحصكفي (2/ 175): "(ويخطب بعدها خطبتين) وهما سنة (فلو خطب قبلها صح وأساء) لترك السنة، وما يسن في الجمعة ويكره يسن فيها ويكره، والخطب ثمان بل عشر (يبدأ بالتحميد في) ثلاث (خطبة) جمعة (واستسقاء ونكاح) وينبغي أن تكون خطبة الكسوف وختم القرآن كذلك ولم أره "ويبدأ بالتكبير في خمس (خطبة العيدين) وثلاث خطب الحج إلا أن التي بمكة وعرفة يبدأ فيها بالتكبير ثم بالتلبية ثم بالخطبة؛ كذا في خزانة أبي الليث (ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات تترى)؛ أي: متتابعات (والثانية بسبع) هو السنة"؛ ا هـ.
وأيضًا ممن يرى أن خطبة العيد تبدأ بالتكبير طائفة من المالكية، ففي الثمر الداني (1/ 249) ونحوه في الفواكه الدواني (1/ 272): "ثم يرقى؛ أي: بعد الفراغ من السلام، يرقى بفتح الياء (المنبر ويخطب ويجلس في أول خطبته ووسطها) أخذ من كلامه أن الخطبة تكون بعد الصلاة، فليست خطبة العيد كخطبة الجمعة، لا من حيث الوقت؛ فإن هذه بعد الصلاة، وتلك قبل الصلاة، ولا من حيث الافتتاح؛ فإن هذه تفتتح بالتكبير وتلك بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت مثلها من حيث إن كلًّا منهما باللفظ العربي، ومن حيث الجهر فإنه يطلب في كل منهم"؛ ا هـ.
وقال القرافي في الذخيرة (3/ 254): "ثم يغدون إذا بزغت الشمس إلى عرفة، قال ابن المواز: ولا يجلس في وسط هذه الخطبة، قال مطرف: يجلس ويفتتحها بالتكبير؛ كخطبة العيد، ويكبر في خلالها، وكذلك خطب الحج كلها، وهو موافق للمدونة"؛ ا هـ.
وفي الفواكه الدواني (1/ 360): ""تنبيه" لم يتكلم المصنف على ما يفعله في السابع من ذي الحجة قبل خروجه لمنى، والذي يستحب له إتيان المسجد الحرام، فإذا دخل وقت الظهر صلَّاها بالناس، ثم صعد المنبر وخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كالعيد، ويخللها به، ويذكر فيها فضل الحج"؛ ا هـ.
واستدل مَنْ قال بهذا القول ببعض الأحاديث التي لا تخلو من ضعف.
ومما استدلوا به ما أخرجه عبدالرزاق (6573) وغيره من طريق عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: "السُّنَّةُ التَّكْبِيرُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْعِيدِ، يَبْدَأُ خُطْبَتَهُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ، وَيَبْدَأُ الْآخِرَةَ بِسَبْعٍ".
وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث مرسل، ولا يصحُّ إسناده، وقد ضعَّفه النووي في خلاصة الأحكام بقوله: ضَعِيف الْإِسْنَاد، غير مُتَّصِل.
وروى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبتي العيدين"؛ رواه ابن ماجه (1287) وغيره، وفي سنده عبدالرحمن بن سعد ضعيف وأبوه مجهول، وضعَّفه الألباني رحمه الله.
وصحَّ عن بعض السلف القول به.
قال ابن المنذر في الأوسط (328/ 4): ذكر التكبير في الخطبة.
روينا عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، أنه قال: "التكبير في الخطبة يوم العيد تسعًا في الأولى، وسبعًا في الآخرة".
وروي عن الأشعري أنه قال: "يكبر يوم العيد على المنبر ثنتين وأربعين تكبيرة".
حدثنا محمد بن علي، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا أبو محمد، مولي قريش، قال: سمعت أبا كنانة الهجيمي، يحدث عن الأشعري: "أنه كان يكبر يوم العيد على المنبر ثنتين وأربعين تكبيرة".
وروينا عن الشعبي أنه قال: يكبِّر الإمام على المنبر يوم العيد سبعًا وعشرين تكبيرةً، وروينا عن الحسن أنه قال: يُكبِّر الإمام على المنبر يوم العيد أربع عشرة تكبيرة، وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه كبَّر على المنبر في العيدين إذا رقي سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين تسبيح وتحميد وتهليل، ثم يفتتح الخطبة بعد سبع تكبيرات.
وقال مالك: من السُّنَّة أن يُكبِّر الإمام في خطبة العيدين تكبيرًا كثيرًا في الخطبة الأولى، ثم الثانية أكثر من التكبير في الأولى، وقال الشافعي: نأمر الإمام إذا قام ليخطب الأولى أن يكبر تسع تكبيرات تترى لا كلام بينهن، وإذا قام ليخطب الخطبة الثانية أن يكبر سبع تكبيرات تترى، لا يفصل بينهن بكلام يقول: الله أكبر الله أكبر حتى يوفي سبعًا.
قال أبو بكر: ليس في عدد التكبير على المنبر سنة يجب أن تستعمل فما كبر الإمام فهو يجزي، ولو ترك التكبير وخطب لم يكن عليه في ذلك شيء؛ ا هـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/ 148): قوله: "يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع"، يعني: يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات متتابعات والخطبة الثانية بسبع تكبيرات متتابعات.
والدليل على ذلك ما يلي:
1- روي في هذا حديث، لكنه أُعلَّ بالانقطاع أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع"، وصارت الأولى أكثر؛ لأنها أطول، وخُصَّت بالتسع والسبع؛ من أجل القطع على وتر.
2- أن الوقت وقت تكبير؛ ولهذا زيدت الصلاة بتكبيرات ليست معهودة، وكان هذا اليوم يوم تكبير، فمن أجل هذا شُرع أن يبدأ الخطبتين بالتكبير، فصار لهذا الحكم دليل وتعليل.
وقال بعض العلماء: إنه يبتدئ بالحمد كسائر الخطب، وكما هي العادة في خطب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يبدأ خطبه بحمد الله، ويثني عليه.
وعلى هذا فيقول: الحمد لله كثيرا، والله أكبر كبيرًا، فيجمع بين التكبير والحمد؛ ا هـ.
ومن العلماء مَن يرى أن الأمر في ذلك واسع، فإذا بدأ خطبة العيد بالتكبير: جاز، وإذا بدأ الخطبة بالتحميد: جاز.
فقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يبتدئ الخطيب خطبة العيد بالاستغفار أو بالتكبير أو بماذا يبدأ؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب: "أما الاستغفار فلا تستفتح به، ولا أعلم أحدًا قال به.
وأما التحميد، أو التكبير فالعلماء مختلفون في هذا: فمنهم مَن قال: تبدأ بالتكبير.
ومنهم مَن قال: تبدأ بالتحميد.
والأمر في هذا واسع، فهو إذا قال: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. فقد ابتدأ بالتحميد. فالجملة كأنها جملة واحدة، وإنْ قال الحمد لله، والله أكبر، ولا إله إلا الله، فقد بدأ بالتحميد أيضًا فالأمر في هذا واسع"؛ (انظر: مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين) (16/ 248 ، 249)..
أقول:
ولا يمنع أن تتميز خطبة العيد بالتكبير؛ لأن التكبير شعار العيد، ومشروع قوله ونحن نمشي في الطرقات وعقب الصلوات، والتكبير ما دام تمجيدًا لله وتعظيمًا؛ فينبغي الإكثار منه، ولا يعد ابتداعًا، ولو بدأ بالحمد فهو أولى وأحسن؛ لأن كتاب الله تعالى بُدئ بالحمد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح خطبه بحمد الله والثناء عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر". وقد حسَّن هذا الحديث أو صحَّحه جمْعٌ من أهل العلم، فقد حسَّنه النووي وابن حجر، وصحَّحه ابن دقيق العيد وابن الملقن.
وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله فقال: "جاء هذا الحديث من طريقين أو أكثر عند ابن حبان وغيره، وقد ضعَّفه بعض أهل العلم، والأقرب أنه من باب الحسن لغيره"؛ ا هـ. (مجموع فتاوى ابن باز) (25/ 135).
وأشير إلى مسألة أخرى وهي:
كم عدد تكبيرات صلاة العيد؟
أقول: اختلف الفقهاء في عدد التكبيرات التي تكون في صلاة العيد، على الأقوال الآتية:
الحنفية: يرون أن صلاة العيد ركعتان؛ في الركعة الأولى ثلاثُ تكبيرات يؤديها المصلي بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح، وتكون قبل قراءة الفاتحة، والركعة الثانية فيها أيضًا ثلاث تكبيرات باستثناء تكبيرة الركوع، وتكون هذه التكبيرات بعد القراءة، ويسكت بين التكبيرات بقدر تسبيح ثلاث تسبيحات، ويرفع يديه عند كل تكبيرة سواء كان إمامًا أو مأمومًا، ويستحب أن يقرأ بعد الفاتحة بسورة الأعلى، أما في الركعة الثانية فيؤديها كما الأولى؛ إذ يأتي بتكبيرات ثلاث لكنها تكون بعد القراءة، ويستحب له أن يقرأ بعد الفاتحة بسورة الغاشية، ومن ثمَّ فإن عدد التكبيرات الزوائد في كلا الركعتين ست تكبيرات.
المالكية والحنابلة: يرون عدد تكبيرات صلاة العيد في الركعة الأولى ستة سوى تكبيرة الإحرام، يؤديها المصلِّي بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح وقبل القراءة، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات عدا تكبيرة القيام من السجود، والتكبيرات في الركعتين تكون قبل القراءة.
واستدلوا بما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُكَبِّرُ في الفطرِ والأضحى في الأولى سبعَ تكبيراتٍ وفي الثانيةِ خمسًا)؛ رواه أبو داود (1149).
وتعتبر كل تكبيرة سنة، ويرفع المصلي يديه مع كل واحدة منها قائلًا: "الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، وصلوات الله على محمد النبي وآله وسلم تسليمًا كثيرًا".
الشافعية: يرون أن صلاة العيد ركعتان؛ يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات، يُؤديها المصلي بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح، رافعًا يديه إلى محاذاة كتفيه عند كل تكبيرة، ويفصل بين كل تكبيرة وأخرى زمن يسير كزمن قراءة آية معتدلة، ويُسن له أن يقول في زمن الفصل: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، ثم يتعوَّذ ويقرأ الفاتحة وما تيسَّر من القرآن الكريم، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الانتقال قبل البدء بالقراءة، واستدلوا بفِعْل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عن عوف المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كبَّر في العيدينِ: في الأولى سبعًا قبلَ القراءةِ، وفي الآخرةِ خمسًا قبلَ القراءةِ)؛ صححه الألباني في صحيح الترمذي (536).
مسألة:
حكم من نسيَ تكبيرات صلاة العيد:
اختلف الفقهاء في حكم مَن نسي تكبيرات صلاة العيد على ثلاثة أقوال، وهي كما يأتي:
الحنفية: بيَّنوا أن نسيان الإمام لتكبيرات صلاة العيد وتذكُّره إيَّاها في حال القيام لا يمنع من الإتيان بها، كما أن المسبوق إن أدرك الإمام في الركوع من صلاة العيد فإنَّه يكبِّر للصلاة ويأتي بالتكبيرات حال ركوعه، أما مَن نسي التكبيرات ولم يأتِ بها فإنه يسجد للسهو.
المالكية: بيَّنوا أن مَن نسي تكبيرات صلاة العيد كلها أو بعضها إمامًا أو مأمومًا وابتدأ في القراءة فتذكرها أثناء أو بعد ذلك، فإنه يأتي بها ما لم يركع، ويعيد القراءة استحبابًا؛ لأنه يندب الافتتاح بالتكبير، وليس عليه رفع يديه مع كل تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام بحيث يكون التكبير متواليًا لا فصل فيه، إلا أنَّ الإمام يفصل ساكتًا بقدر تكبيرة المأموم، ولأنه زاد في القراءة فإنه يسجد للسهو بعد السلام، وإن تذكَّر المصلِّي التكبيرات بعد ركوعه فلا يرجع للإتيان بها، فإن فعل ذلك بطلت صلاته، كما يسجد للسهو في حال أنقص عدد التكبيرات ويسجد له قبل السلام، إلا في حال كونه مأمومًا فلا يسجد؛ لأن إمامه يتحَمَّل النقص عنه، وإذا لم يسمع المأموم تكبير الإمام فإنه يتتبَّع تكبيره ويُكبِّر.
أما المسبوق فإن أدرك الإمام بالتكبير يُكبِّر معه ما بقي منه ولا يكمل ما فاته إلا بعد فراغ الإمام من التكبير، فإن أدركه حال كونه يقرأ وعلم أي الركعتين يصلي يُسَنُّ له أن يأتي بست تكبيرات إن كانت الركعة الأولى، وخمس تكبيرات إن كانت الركعة الثانية، وذلك من غير تكبيرة الإحرام، وإن لم يعلم أي الركعتين يصلي فإنه يكبر ستًّا عدا تكبيرة الإحرام، وإن تبين له أنها الركعة الثانية، فإنه يقوم ليقضي الركعة الأولى بعد تسليم الإمام بحيث يكبِّر فيها ستًّا عدا تكبيرة القيام.
الشافعية والحنابلة: بيَّنوا أنَّ مَن نسي تكبيرات صلاة العيد وبدأ في القراءة لا يعود إليها؛ لأنها سُنَّة وقد فات محلها بالقراءة، وصلاته صحيحة، وكذلك المسبوق بالتكبير كله أو بعضه فلا يقضي منه شيئًا، أما المسبوق الذي أدرك إمامه في التشهُّد فإنه يقوم بعد تسليم الإمام ويصلي ركعتين يُكبِّر فيهما، وإن لم يدركه إلا في الخطبة استمع لها وقضى الصلاة إن أحبَّ ذلك بحيث تكون صفة قضائه وفقًا لإحدى حالات ثلاث:
أولها: قضاء الصلاة على صفتها كغيرها.
وثانيها: أن يصلي أربع ركعات بتسليمة واحدة أو بتسليمتين.
وثالثها: التخيير بين صلاة ركعتين أو أربع؛ لأنها تطوعُ نهارٍ؛ كصلاة الضحى.
الحكمة من التكبير في صلاة العيد:
التكبير لغةً هو تعظيم الله وإجلاله، وقوله تعالى: ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ [المدثر: 3]؛ أي: عظِّم ربَّك.
واعتقاد أن يكون الله تعالى أكبر من كل شيء، وأعز من كل شيء.
ولِكون التوقيف هو الأصل في العبادات فإنه يتحتم على المسلم اتِّباع أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم سواء استطاع أن يُدرك الحكمة في ذلك أم لا، لا سيَّما فيما يتعلق بكيفية الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي"؛ رواه البخاري (6008).
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم"؛ لذا فإن التكبير الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين هو أمرٌ تَعَبُّدي ليس للمسلم فيه إلا التسليم والطاعة.
حُكم تكبيرات صلاة العيد:
اختلفت أقوال الفقهاء في حكم التكبيرات في صلاة العيد؛ فذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أنها سُنَّة، في حين يرى الحنفية أنها واجبة، وفصَّل المالكية فقالوا بأنها سُنَّة مؤكَّدة، وحكم فِعْلها قبل قراءة القرآن في الصلاة مندوب.
أحكام مُتعلِّقة بتكبيرات صلاة العيد:
أولًا: وقت تكبيرات صلاة العيد:
فصَّل الفقهاء في وقت تكبيرات صلاة العيد كما يأتي:
الركعة الأولى: اختلف الفقهاء في وقت التكبير في الركعة الأُولى، وذلك على النحو الآتي:
ذهب الحنفية، والشافعية، والإمام أحمد في روايةٍ عنه، ومن المعاصرين: الشيخ ابن باز، والشيخ الفوزان، واللجنة الدائمة للإفتاء إلى أن وقتها يكون بعد قراءة دعاء الاستفتاح وقبل البدء بالقِراءة، واستدلوا بأن دعاء الاستفتاح شُرِع لافتتاح الصلاة فيكون أولًا، ثم تأتي بعده التكبيرات، ثم القراءة.
وذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أنها تكون بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة دعاء الاستفتاح.
وذهب الإمام أحمد بن حنبل في رواية رواها المرداوي عنه إلى أن للمُصلِّي الخيار في أن يُكبِّر قبل دعاء الاستفتاح، أو بعده.
وذهب الإمام مالك إلى أنها تكون قبل قراءة الفاتحة.
الركعة الثانية: اختلف الفقهاء في وقت التكبير في الركعة الثانية؛ فذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة إلى أنها تكون بعد الرفع من السجود وقبل قراءة الفاتحة.
بينما يرى الحنفية أنَّها تكون بعد القراءة، ويجوز له أن يأتي بها قبل القراءة.
حُكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة العيد:
اختلف الفقهاء في حُكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة العيد على قولين:
القول الأول:يرفع المُصلِّي يدَيه مع كُلِّ تكبيرة، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، ورواية عن الإمام مالك، وقال بذلك من المعاصرين: ابن باز، وابن عثيمين، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير في كل صلاة، وهذا نصٌّ عام يشمل التكبير كله، ومنه التكبير في صلاة العيد، كما استدلوا بفِعل الصحابة؛ إذ إنهم كانوا يرفعون أيديهم مع كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة، والعيد.
القول الثاني: لا يرفع المُصلِّي يديه في التكبير في صلاة العيد، وهو قول الإمام مالك، واستدل على ذلك بالعدم؛ أي: إن الأصل عدم الرفع، وبأنه لم يثبت دليل صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بفِعل ذلك.
ما يُقال بين تكبيرات صلاة العيد:
اختلف الفقهاء فيما يُقال بين التكبيرات في صلاة العيد، كما يأتي:
الحنفية: ذهبوا إلى أن المُصلِّي يسكت بين كل تكبيرتين بمقدار ثلاث تكبيرات، ولا يسن له قول شيء بينهما، ويجوز له أن يقول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
المالكية: ذهبوا إلى أن تكبيرات العيد تكون متتابعة، ولا يُفصَل بينها بفاصل، باستثناء الإمام، فإنه يسن له السكوت قليلًا؛ لينتظر تكبير المصلين خلفه، ويُكرَه له قول أي شيء في سكوته، حتى وإن كان من الأذكار.
الشافعية: ذهبوا إلى الندب بالقول بين تكبيرات العيد بالباقيات الصالحات الواردة في قوله تعالى: ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]، وهي: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، كما ذكر ذلك ابن عباس وجماعة من الفقهاء، ويجوز له أن يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، ويجوز له أن يقول غير ذلك من الأذكار بشرط عدم الإطالة فيه.
الحنابلة: ذهبوا إلى أن المُصلِّي يقول بين تكبيرات صلاة العيد: "اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا"؛ وذلك لقول ابن مسعود رضي الله عنه عندما سُئِل عما يقوله المُصلّي بين تكبيرات العيد، فقال: "تحميد الله، والثناء عليه، والصلاة على النبي"، ويجوز للمُصلِّي أن يذكر الله بغير ذلك؛ لأن المقصود ذِكر الله بأي ذِكر كان، ولا يُشترَط ذِكرٌ مُعيَّن؛ لعدم ورود نص في ذلك، ولا يقول شيئًا بعد التكبيرة الأخيرة؛ لأن محل الذكر يكون بين التكبيرات فقط.
حُكم من فاتَته تكبيرات صلاة العيد:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أن مَن فاتته تكبيرات صلاة العيد، فإنه لا يعود إليها؛ لأنها سنة فات محلها.
وذهب الشافعية، والحنابلة إلى أن التكبيرات تفوت بفوات محلها، وهو بين الاستفتاح والتعوذ، فمن نَسِيها، أو أدرك الإمام وهو يقرأ الفاتحة، فإنه يدخل معه في الصلاة، ولا يُكبِّر تكبيرات صلاة العيد.
أما المالكية فقد فصَّلوا في ترك المُصلِّي للتكبيرات وتذكُّرها قبل الركوع، أو بعده؛ فلو تذكَّر أثناء القراءة، أو بعدها، وقبل الركوع، فيستحب له أن يأتي بالتكبيرات، ثم يُعيد القراءة، أما إن تذكَّرها بعد الركوع، فإنه لا يرجع لأجل التكبيرات، وإن رجع بطلت صلاته؛ لأنه لا يجوز الرجوع من فرضٍ لأجل نافلة.
بينما رأى الحنفية أن الإمام إذا نَسِي تكبيرات صلاة العيد وكان في الركوع؛ فإنه يعود ويُكبِّر، وعليه إعادة الركوع، ولا يُعيد القراءة، أما المأموم الذي يأتي والإمام قد بدأ في الصلاة وكان قبل أن يبدأ بالتكبير، فإنه يُتابعه بأفعال الصلاة، وإن أدركه بعد التكبيرات وكان الإمام قد شرع في القراءة، فإنه يُشرَع في حقه أن يُكبِّر تكبيرة الإحرام، ثم يأتي بالتكبيرات وحده؛ لأنه مسبوق، بينما إن جاء والإمام في الركوع فإنه يُكبِّر تكبيرة الإحرام، ثم يأتي بالتكبيرات وحده إلا إن خشي رفع الإمام من الركوع، فإن خشي ذلك فإنه يُكبِّر تكبيرة الإحرام، ثم يُكبِّر للركوع، وقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه يُكبِّر التكبيرات في الركوع؛ لأن الركوع له حكم القيام، أما أبو يوسف فقد ذهب إلى أنه لا يُكبِّر؛ لفوات محلها؛ وهو القيام، وتفوت التكبيرات عندهم إذا رفع الإمام رأسه من الركوع.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|