ملخص من شرح كتاب الحج (12)
يحيى بن إبراهيم الشيخي
باب الفوات والإحصار
الفوات لغة: "مصدر فاته يفوته فواتًا؛ أي: ذهب عنه، وخرج وقت فعله"[1].
الفوات اصطلاحًا: خروج العمل المطلوب شرعًا عن وقته المحدد له شرعًا[2].
أما الإحصار: لغة: المنع والحبس[3].
الإحصار اصطلاحًا: هو منع المُحرم من إتمام أركان الحج أو العمرة[4].
والإحصار قد يكون بسبب صدِّ العدو، أو بقطع الطريق، أو بالحبس بسبب دَين أو ضياع النفقة، أو بعائق صحيٍّ مثل مرض أو حادث، وقد يكون المانع بسبب عدم وجود تصريح للحج، وما شابه ذلك.
أمثلة على كلٍّ من الفوات والإحصار:
مثال الفوات:
رجل خرج محرمًا للحج، فتساهل في طريقه بالوقت بكثرة الوقوف والجلوس للراحة، فلم يصل إلى عرفاتٍ إلا فجر اليوم التالي صباح العاشر، فهذا هو الفوات؛ أي فاته الوقوف بعرفة لخروج وقته؛ لقوله صلى الله عليه وسل: ((الحج عرفة))[5]، ولحديث عبدالرحمن بن يعمر الديلي: ((أن ناسًا من أهل نجد أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فسألوه، فأمر مناديًا فنادى: الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر، فقد أدرك الحج))[6]، ومفهوم الحديث أن من جاء بعد الفجر لم يدرك الحج.
جزاء من فاته الحج:
فمن فاته الوقوف بعرفة، فاته الحج، ويلزمه عدةُ أمور:
أولًا: عليه القضاء وجوبًا للعام القابل إن استطاع، ولو كان نفلًا؛ لعموم حديث الحجَّاج بن عمر الأنصاري مرفوعًا: ((من كُسر، أو مرِض أو عرَج، فقد حلَّ، وعليه حجة أخرى من قابلٍ))[7].
ثانيًا: يتحلل بعمرة.
ثالثًا: عليه هَدْيٌ، إن لم يكن اشترط عند إحرامه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة: 196]، فإن اشترط فلا شيء عليه؛ لحديث ضباعة بنت الزبير لما أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها تريد الحج وهي وجِعة؛ قال لها صلى الله عليه وسلم: ((حجِّي واشترطي وقولي: اللهم محلي حيث حبستني))[8]، أما من لم يشترط، فيلزمه الهدي؛ ففي الأثر عن ابن عمر أنه قال: "من لم يدرك عرفةَ حتى طلع الفجر، فقد فاته الحج، فليأتِ البيت فليطُف به سبعًا، وليطُف بين الصفا والمروة سبعًا، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي، فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه، فليحلق أو يقصر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابلٍ، فليحجُجْ إن استطاع، وليُهدِ في حجِّه، فإن لم يجد هديًا، فليصُم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله))[9].
رابعًا: من عجز عن الهدي، صام عشرة أيام؛ ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
مثال الإحصار:
رجل خرج مُحرمًا وقبل أن يصل، حصل له حادث مروري منعه من مواصلة سفره، فهذا مُحصَر، أو حبسه رجال الأمن بسبب مخالفة الأنظمة فهذا محصر، أو منعه من المواصلة سيول وأمطار فهذا محصر.
جزاء من أُحصر عن الحج:
أولًا: إن مُنع عن البيت ولم يشترط عند إحرامه فقال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإن عليه الهديَ، ثم يحلق أو يقصر ويحل، كما فعل النبي وأصحابه عندما أُحصروا؛ فقد أُحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، حتى اعتمر عامًا قابلًا، وإن فقد الهدي صام عشرة أيام ويحلق ثم يحل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة: 196].
تم بتوفيق من الله الانتهاء من مختصر "فقه الحج والعمرة".
[1] لسان العرب لابن منظور (2/ 69، 70)، القاموس المحيط للفيروزآبادي (1/ 157).
[2] موسوعة الفقه الكويتية (32/ 211).
[3] لسان العرب لابن منظور (4/ 195).
[4] نهاية المحتاج للرملي (3/ 362).
[5] صحيح، أخرجه النسائي (3016)، و(3044)، والترمذي (889)، وابن ماجه (3015).
[6] صحيح، أخرجه الترمذي (889) بلفظه، وأبو داود (1949)، والنسائي (3044) باختلاف يسير.
[7] صححه الألباني، صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 6521.
[8] متفق عليه.
[9] أخرجه الشافعي في الأم (3/ 416)، والبيهقي (5/ 174) (10104)، صحح إسناده النووي في المجموع (8/ 290)، وصححه موقوفًا ابن حجر في الدراية (2/ 47).