21-قصَّة موسى في القرآن الكريم
بقلم : مجـْـد مكَّي
المباراة بين موسى والسحرة
-21-
استشارة فرعون كبراء قومه:
لقد جدَّ الجد، وحاق الخطر بفرعون وممارساته، ووجد من يقف في وجهه يريد تقويض كبريائه؛ ولذا لجأ فرعون للاستشارة؛ لأنه محتاج إليها، فالأمر أخطر من أن يستبدَّ به وحده، فأشاروا عليه بأن يؤجِّل مناقشة موسى وجداله إلى وقت إحضار من يستطيع مقارعته وهم السحرة؛ لأنهم ظنوا أن ما جاء به موسى عليه السلام من قبيل السحر، ولا سيما أن السحر كان منتشرا في ممالكهم آنذاك ﴿قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾ [الأعراف:111-112].
أي: اجعل لموسى وأخيه هارون أجلاً نقيم فيه مباراة بين موسى وبين سحَرة مصر، تشهدها الجماهير في مكان جامع، وأرسل في المدائن المصريَّة، يجمعون ويسوقون إليك من فيها من السَّحرة، يأتوك من أقاصي البلاد بكل ساحر ماهر بصناعة السحر. وهذا يدل على أنهم أهل سياسة ونظر، كما يدل على أن دعوة موسى قد ظهرت في الناس، وأن الإشارة بقتله أو سجنه بعد ظهور حجته ستضعف عبوديَّة الناس لفرعون، فلا بد من كسر الحجة قبل معاقبة صاحبها بالقتل أو السجن، وقد كانوا يظنون أن السَّحَرة لكثرتهم وبراعتهم واستباقهم للتقرب من فرعون قادرون على كسر حجة موسى عليه السلام، وإلا لما غامروا في هذا الشأن العظيم.
وأخذ فرعون بمشورة ملئه، وقال فرعون لموسى مُهدِّداً ومتوعداً: ﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى﴾ [طه:57-58].أي :حدِّد بوعد منك مكان المباراة التي سنجريها بينك وبين سحَرتنا، وحدِّد زمانها، لا تجاوزه نحن ولا أنت، واختر مكانا عدلا في وسط المدينة، بحيث يستطيع جميع سكانها الحضور؛ ليعاينوا عن قرب نتائج هذا التحدي، ويكون فيه فريقا المباراة متعادليْن في كل شيء.
زمان إجراء المباراة:
وكان من إلهام الله تعالى لموسى عليه السلام أن واعدهم في يوم عيدهم حيث اجتماع الناس وكثرتهم؛ لتظهر حجته فيكون ذلك أدعى لإيمان الناس بربهم سبحانه وتعالى، ولا شك أن في هذا مخاطرة عظيمة من موسى عليه السلام سواء غلب هو السحرة أم غلبوه، فإن هم غلبوه حقت عليه العقوبة أمام هذا الجمع الكبير، والعقوبة أمام الناس أشد من ألم العقوبة ذاتها، وإن غلب هو السحرة فلا يأمن غضب فرعون وفتكه به، وهو الذي ألَّه نفسه، ولم يجد من يعارضه في كبريائه فضلا عن أن يهزمه ويدحض حجته أمام جموع كثيرة من الناس، ولكن الأنبياء عليهم السلام يضحون بكل غال ونفيس في ذات الله تعالى، ويحرصون على هداية الناس ولو كان في ذلك قتلهم، فسلام الله تعالى على موسى وسائر النبيين، وجزاهم عن عباده المؤمنين خير الجزاء :﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه:59].
وافق موسى على اقتراح فرعون، واتفق الطرفان على أن يكون موعد إجراء المباراة بينهما يوم العيد، الذي يخرجون فيه من مساكنهم متزيِّنين، ويلتقون في مكان واسع جامع حيث يكون الناس في فراغ من العمل، ويكون حضورهم أوفى وأيسر. وأن يجمع الناس في ذلك المكان وقت الضحوة نهارا جهارا.