عرض مشاركة واحدة
  #573  
قديم 20-05-2025, 12:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي



تعليق الطلاق بالخروج بغير إذن
قال رحمه الله تعالى: [فصل: إذا قال: إن خرجت بغير إذني أو إلا بإذني أو حتى آذن لك أو إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق، فخرجت مرة بإذنه ثم خرجت بغير إذنه أو أذن لها ولم تعلم أو خرجت تريد الحمام وغيره أو عدلت منه إلى غيره طلقت في الكل] .
عدم جواز خروج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها
أولا: لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، وهذا أمر لا إشكال فيه وأجمع عليه العلماء رحمهم الله، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فليأذن لها) ، فإذا كانت عند خروجها إلى بيت الله، وخروجها إلى طاعة الله، وخروجها إلى فريضة من فرائض الله عز وجل تستأذن، فمن باب أولى ما عدا ذلك، فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج من بيت الزوجية إلا بإذن زوجها، هذا الأصل، وإذا خرجت من دون إذن الزوج، وصارت تخرج بدون إذنه، فإن هذا نشوز، ويحكم بنشوزها وتسري عليها أحكام المرأة الناشزة؛ لأن من حق الزوج على زوجته: أن لا تخرج إلا بإذنه، وهذا حق القوامة الذي تقدم بيانه في الحقوق الزوجية؛ وخروجها بغير إذنه طعن في رجولة الرجل، وحرمان له من حقه في القيام على المرأة، والله يقول: {الرجال قوامون على النساء} [النساء:34] ، فجعل المرأة تحت قوامته؛ لأن أمور الزوجية لا تستقيم إلا بهذا، وإذا صارت المرأة تخرج بدون إذن فهذا نوع من الاسترجال، وقد (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسترجلات) واسترجال المرأة يكون بالكلام ويكون بالفعل، فإذا استرجلت المرأة وصارت تخرج من بيت زوجها بدون إذن زوجها فإنها -والعياذ بالله- يخشى عليها هذا الوعيد الشديد، وهو لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعنة الله عز وجل، ومن لعنه الله لم يبق شيء في الأرض ولا في السماء إلا لعنه: {أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} [البقرة:159] ، نسأل الله السلامة والعافية، فالأصل: أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت الزوجية إلا بإذن الزوج، وله أن يمنع زوجه بقوله: إن خرجت من البيت فأنت طالق، أو يقول لها: إن خرجت من هذه الغرفة فأنت طالق، إما أن يطلق اللفظ ويقول: إن خرجت، دون أن يقيد اللفظ بزمان ولا بوقت معين ولا بظرف معين، وإما أن يقيد ويقول: إن خرجت اليوم فأنت طالق، إن خرجت هذا الأسبوع، إن خرجت هذه الساعة، وهذا كله تقييد يتقيد به تعليق الطلاق.
الفرق بين الكل والجزء في تعليق الطلاق بالخروج
إذا قال لها: إن خرجت فأنت طالق؛ فوقع خروج من المرأة حكمنا بطلاقها، ويشترط أن يتحقق وصف الخروج، فلو أخرجت يدها، أو أخرجت رجلها؛ فلا طلاق، فإن خروج الجزء ليس كخروج الكل، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدني إلى عائشة رضي الله عنها رأسه وهو معتكف بالمسجد وهي في حجرتها، والمعتكف لا يجوز له الخروج من المسجد، فأخرج جزأه وهو الرأس ولم يحكم بانتقاض اعتكافه، قالت: (إن كان يدني إلي رأسه فأرجله) ، وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لـ عائشة وهو في المسجد: (ناوليني الخمرة، قالت: يا رسول الله: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك) ، لأنها ظنت أنها لو ناولته وأدخلت يدها أنه كدخولها كلها، وليس كما ظن بعضهم أن المعنى: حيضتك ليست في يدك، أي: لا تستطيعين رفع هذا العذر عنك، لأن هذا مجاز، والحديث على الحقيقة، واليد هي المعروفة، ولا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذر الحمل على الحقيقة، (إن حيضتك ليست في يدك) أي: أنك إذا ناولتيني باليد، فإنها جزء، والجزء لا يأخذ حكم الكل.
إذا ثبت هذا: فالخروج الذي يعلق عليه الطلاق لا بد وأن يقع كاملا، فلو خرج بعضها لم يحكم بطلاقها على التفصيل السابق.
حالات وقوع الطلاق عند تعليقه بالخروج بغير إذن
إذا خرجت حكم بطلاقها، إلا إذا قيد فقال: إن خرجت بدون إذني فأنت طالق، فخرجت بدون إذنه نقول: تطلق؛ لأنه إما أن يطلق فيقول: إن خرجت فأنت طالق، وإما أن يقيد فيقول: إن خرجت اليوم، فهذا مقيد بزمان، أو إن خرجت بإذني، فهذا مقيد بصفة، فقوله: إن خرجت بدون إذني فأنت طالق، معناه: إن خرجت بالإذن فلا طلاق.
(إذا قال: إن خرجت بغير إذني).
رتب الطلاق على الصفة، وهي: أن لا يوجد الإذن.
(أو إلا بإذني).
إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق؛ فما بعد (إلا) يخالف ما قبلها في الحكم، فهو يقول لها: أنت طالق إن خرجت إلا أن تخرجي بإذني، هذا أصل التقدير، فمعنى ذلك: أنها إذا استأذنت لا تطلق، فقوله: إن خرجت بغير إذني أو: إن خرجت إلا بإذني، المعنى واحد، وهو انتفاء الإذن.
(أو حتى آذن لك) إذا قال لها: حتى آذن لك فمعناه: أنك ممنوعة من الخروج إلا أن آذن لك وإلا تكوني طالقا إن خرجت بدون إذني، أي: إن خرجت فأنت طالق حتى آذن لك؛ هذا التقدير، واللفظة الأخيرة: إن خرجت فأنت طالق حتى آذن لك، يعني: حتى آذن لك بالخروج.
(أو إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق).
(إن خرجت إلى غير الحمام) في هذه الحالة تصبح إما أن يقصد أن خروجها إلى الحمام موجب للطلاق، أو يقصد أنها إن خرجت إلى أي شيء طالق إلا أن تخرج إلى الحمام فلا طلاق، فيقول: إن خرجت إلى الحمام فأنت طالق، فالمعنى: أنها لو خرجت لشراء حوائجها أو لصلة رحمها أو لبر والديها لا تطلق؛ لأنه قيد طلاقها بالخروج إلى الحمام.
وإن قال لها: إن خرجت لغير الحمام فأنت طالق، معناه: أنها إذا خرجت إلى الحمام لا تطلق، وإن خرجت إلى صلة رحمها أو بر والديها أو غير ذلك حكم بطلاقها، وهذا كله ترويض للأفهام لفهم الألفاظ التي يذكرها الناس، والمعنى: أنه يرتب طلاقها ويعلقه على شيء لم يأذن لها به.
(فخرجت مرة بإذنه).
إن قال لها: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، فقالت له: يا أبا فلان أريد أن أذهب إلى أبي، قال لها: اذهبي، هذه المرة الأولى، ثم خرجت المرة الثانية بدون إذن، فإن الطلاق يقع بالمرة الثانية لا بالأولى.
(ثم خرجت بغير إذنه) خرجت في الأولى بإذنه وخرجت في الثانية بدون إذنه.
(أو أذن لها ولم تعلم) يقول لها: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، ثم جلس مع أصحابه أو جلس مع والديها، فندم، وقال: أذنت لها، ولكنها لم تعلم، فخرجت بدون إذنه، فهنا نعلم أنه في الأصل ترتب الطلاق على الخروج بدون إذن، ومعنى نشوز المرأة وخروجها من بيت الزوجية بدون إذن موجود، حتى ولو أذن لها، مثلا: وقع الإذن الساعة الثانية ظهرا، ووقع خروجها الساعة الثالثة عصرا، ولم تعلم بإذن الزوج، فحينئذ المعنى الذي يقصده من نشوزها عليه وعصيانها لأمره قد تحقق، وكونه أذن بدون علمها لا يؤثر، ولذلك يحكم بطلاقها.
(أو خرجت تريد الحمام وغيره) قال لها: إن خرجت إلى الحمام فأنت طالق، فخرجت إلى الحمام والبقالة، فإنها تطلق.
وقد كانت هناك حمامات خاصة بالنساء كانت في القديم؛ لأن البيوت كان يصعب فيها وجود الماء، فكان من الصعوبة أن المرأة تتنظف في بيتها، فكان هناك نوع من الحمامات للرجال وللنساء، وهو مكان للتنظيف بالبخار، وهو موجود إلى الآن في بعض المناطق الإسلامية، وكان موجودا في المدينة إلى عهد قريب.
فإن قال لها: إن خرجت إلى الحمام فأنت طالق، فقالت: أريد أن أخرج إلى الحمام وإلى البقالة، فأشتري ما أريد، فوقع خروجها لأمرين، الحمام الذي منعت منه، والبقالة التي لم تمنع منها، ففي هذه الحالة يرد
السؤال -
والعلماء يقصدون الصور والمعاني والضوابط أكثر مما يقصدون اللفظ نفسه والاسم نفسه- هل إذا جمعت بين المحظور وغيره، وبين المأذون به وغير المأذون به، هل يكون الحكم كما لو انفردت بمحظور غير مأذون به؟

الجواب نعم، سواء خرجت إلى الحمام قصدا أو خرجت إلى الحمام مع غيره، وعلى هذا: يحكم بطلاقها؛ لأن الصفة -وهي خروجها إلى الحمام- قد تحققت بذهابها إليه، سواء ذهبت إلى غيره أو لم تذهب، وسواء ذهبت إلى غيره قبل، أو ذهبت إلى غيره بعد، فالصفة المعتبرة للحكم بالطلاق موجودة ... ) أو عدلت منه إلى غيره طلقت في الكل) خرجت إلى الحمام ثم عدلت أثناء الطريق إلى غيره، فالأمر الذي من أجله تركبت الصيغة -وهو نشوزها وخروجها من البيت- تحقق، فهي إذا خرجت إلى الحمام فبمجرد ما تخطو خطوة واحدة من البيت خارجة إلى الحمام فقد تحقق خروجها، بخلاف ما إذا قال لها: إذا دخلت الحمام -لا حظ الفرق، وهذا هو الذي يقصده الفقهاء بهذه العبارات، الدقة في الحكم على الشيء- لو قال لها: إذا دخلت الحمام بغير إذني فأنت طالق، وخرجت تريد دخول الحمام، لكنها في الطريق عدلت، لم تطلق؛ لأنه ركب الشيء على وجود شيء معين وهو صفة الدخول، لكن إذا قال لها: إن خرجت إلى الحمام من غير إذني، فننظر أول خروجها من البيت لما خطت الخطوة الأولى خارج البيت فإنها قصدت أن تخرج إلى الحمام بدون إذنه فيحكم بطلاقها.
حالات عدم وقوع الطلاق عند تعليقه بالخروج بغير إذن
قال المصنف رحمه الله: [لا إن أذن فيه كلما شاءت] .
أذن لها بعد ذلك، وقال لها: كلما شئت اذهبي إلى الحمام، فهذا ناقض لما قبله، ولاحظ: هناك فرق بين أن يأذن لها مرة وبين أن يقول لها: متى ما شئت فاذهبي، متى ما شئت فزوري والدك، ولا شك أن قوله: إذا ذهبت إلى والدك، إذا زرت والدك فأنت طالق، لا يجوز؛ لأن هذا من العقوق، ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من برها لوالديها، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما السمع والطاعة بالمعروف، فالمرأة لا تطيع زوجها إذا قال لها: لا تكلمي أباك ولا تكلمي أمك، فلا سمع له -ولا كرامة- ولا طاعة له في هذا، لكن المشكلة إذا علق الطلاق على هذا، ففي هذه الحالة إذا قال لها: إذا ذهبت إلى أبيك، إذا زرت أباك، وقصد ظرفا معينا في حال الخصومة أو علم أن والدتها تفسدها في هذا الوقت وهذا الظرف، فقال لها: إن خرجت إلى والدتك فأنت طالق، ووقعت بهذا الظرف المعين، فقال: إن شئت، قال لها في الأول: إن ذهبت إلى أمك بغير إذني فأنت طالق، وهو يقصد أنها إذا ذهبت لابد أن يكون معها حتى لا تفسدها أمها وحتى لا تدخل بينه وبينها، فاستأذنت، فقال لها: اذهبي متى شئت، هذا إذن عام، فلو ذهبت المرة الأولى ثم ذهبت بعدها مرة ثانية لم تطلق، بخلاف الذي ذكرناه أولا، فيما لو أذن لها مرة واحدة، فبين المصنف -رحمه الله- الفرق بين الإذن العام والإذن الخاص، فإن أذن لها إذنا خاصا، تقيد الحكم به ولا طلاق في ذلك المأذون به، ويقع الطلاق في غيره، فلو استأذنته يوم السبت أن تذهب إلى أمها فأذن لها، ثم خرجت الأحد بدون استئذان، وقع الطلاق في خروجها يوم الأحد، وإن استأذنته يوم الاثنين لخروجها إلى أمها، فقال لها: اذهبي متى شئت، وزوري أمك متى أردت، فإنه حينئذ لا تطلق بزيارتها بعد ذلك؛ لأنه قد أذن لها وارتفع الحلف.
قال المصنف رحمه الله: [أو قال: إلا بإذن زيد، فمات زيد ثم خرجت] .
قال: أنت طالق إن خرجت من البيت إلا بإذن زيد، وزيد أخوها مثلا، زوجها أراد أن يسافر، فقال لها: أنت طالق إن خرجت من البيت إلا بإذن زيد، ففي هذه الحالة، علق الأمر على إذن زيد، فلو مات زيد فما الحكم؟ مثل ما ذكرنا هناك أنه إذا أذن لها إذنا عاما ارتفع تعليقه، كذلك هنا: إن مات من علق الطلاق على عدم إذنه؛ ارتفع تعليقه في هذه الحالة، وانتهى الأمر، ويرتفع التعليق؛ لأن التعليق مقيد بوجوده فإذا توفي ارتفع بوفاته.
الأسئلة



معنى قولهم: تطلق قضاء

السؤال أشكلت علي عبارة: تطلق قضاء، ولا تطلق بينه وبين الله عز وجل؟
الجواب باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد: فعند العلماء: القضاء والديانة، والحكم والديانة، الديانة: فيما بينك وبين الله عز وجل، مثلا: قال رجل لامرأته: أنت طالق، وقصد من حبل، والله يشهد عليه بقرارة قلبه أنه ما قصد الطلاق، إنما قصد أنها طالق من وثاق، أو طالق من حبل، فسألته وقالت له: أنا طالق؟ قال: قصدت أنك طالق من حبل، إذا صدقته وتعرف فيه الصدق وسكتت؛ فحينئذ هي زوجة له وتعمل على ظاهر هذا، ولا إشكال لأنه ديانة فيما بينه وبين الله ينفعه ذلك، وهي إذا صدقته بقيا على ما هما عليه، ولو كان جالسا مع أصحابه فقال: امرأتي طالق، وكانت امرأته مربوطة، أو كانت مسحورة، وقصد أنها طالق من سحرها، أو أطلقها الله من سحرها، أو انحل عنها بلاؤها، وقصد هذا، ولم تعلم زوجه، ولم يرفع ذلك إلى القاضي، حكم بالظاهر وأنها زوجته ونفعه فيما بينه وبين الله، لكن لو رفع إلى القاضي، فإن القاضي يحكم بأنه مطلق لزوجته على الأصل، فيقول له القاضي: هل قلت: امرأتي طالق؟ قال: قلت امرأتي طالق، يقول القاضي: هذا اللفظ لفظ طلاق، وعندي أن هذا اللفظ إذا صدر من زوج مكلف وتوفرت فيه شروط الطلاق فإنني أحكم بطلاقه قضاء؛ لأنه لو فتح الباب للناس لتجرأ الفساق والفجار؛ فيطلق أحدهم امرأته ويقول: قصدت أنها طالق من حبل، فيتلاعب الناس بالشرع، وهذا الذي جعل الشريعة تحكم بأن الطلاق جده جد وهزله جد، فهذا يدل على أن الطلاق فيه ديانة فيما بين العبد وبين الله، وفيه قضاء في حكم الحكام والقضاة.
وبهذا يحكم على الظالم، وهذا المعنى له نظائر -ليس في القضاء فقط- فلو أن شخصا ادعى أن له على فلان عشرة آلاف ريال وجاء بشاهدي زور -والعياذ بالله- وزكي الشاهدان، فالقاضي يحكم على الظاهر، بأن له عشرة آلاف ريال، القضاء ينفذ، ويلزم المظلوم بدفع العشرة آلاف، لكن هذا قضاء، وأما ديانة بينه وبين الله فالظالم هذا يعتبر آثما، وآكلا للمال بالباطل مع أنه حكم له بالقضاء، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله: (إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار) ، يعني: ما ينفعه حكم القضاء، ولذلك لو قال لامرأته: أنت طالق، وقصد الحبل، ونفذ عليه حكم القاضي بأنها طلقة، وكانت آخر طلقة، فهي زوجته فيما بينه وبين الله، ولكنها ليست زوجة له فيما بينه وبين الناس، فهذا الحكم الظاهر والحكم الباطن، فلو أنها تعلم أنه صادق فيما يقول، فيجوز لها أن تمكنه من نفسها إذا صدقته ووثقت بقوله، وإن حكم القاضي على الظاهر بالطلاق، لكن لو اطلع القاضي على الجماع، وثبت عنده بإقرار أنه جامعها بعد حكم القضاء فإنه في حكم الزاني، هذا حكم القضاء وحكم الديانة، ولذلك لا يحكم في القضاء إلا بالظاهر، بناء على الأصول المعتبرة لإثبات الأحكام والدعاوى.
وعلى هذا: فالحكم بالطلاق قد يحكم به ديانة وقضاء، وقد يحكم به ديانة لا قضاء، وقد يحكم به قضاء لا ديانة.
يحكم به ديانة وقضاء: لو أن شخصا قال لامرأته: أنت طالق، وفيما بينه وبين الله: أنه مطلق لها، فثبت عند القاضي لفظه فحكم بالطلاق قضاء، والحكم ديانة أنه مطلق لزوجته.
ويحكم به ديانة لا قضاء: لو أنه -مثلا- قال لامرأته: الحقي بأهلك، وقصد الطلاق، وهذه كناية طلاق، فقيل له: ماذا قصدت؟ قال: قصدت أن تلحق بأهلها وما قصدت الطلاق، ففي هذه الحالة لا ينفذ الطلاق قضاء، ويحكم بأنها كناية طلاق يشترط فيها النية -كما تقدم معنا- لكنه فيما بينه وبين الله نوى الطلاق فتطلق عليه ديانة ولا تطلق عليه قضاء.
وتطلق عليه قضاء لا ديانة: مثل: أن يأتي بلفظ ظاهره الطلاق ويتقيد بالنية، ولم يقصد به الطلاق، فيحكم بالطلاق على ظاهره، مع أنه في الحقيقة والباطن غير مطلق لزوجته.
والله تعالى أعلم.
دلائل طلب العبد لرضوان الله
السؤال ما دلائل طلب العبد لرضوان الله تعالى؟
الجواب ما أعطى الله عبدا بعد الإيمان به وتوحيده شيئا أحب ولا أكرم عليه من طلبه لرضوان الله سبحانه عنه؛ ولذلك عظم الله رضوانه، وأخبر أنه أكبر من كل شيء، فذكر نعيم الجنة وما أعد لأوليائه فيها ثم قال: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة:72] ، وفي الحديث الصحيح: (أن الله تعالى إذا أدخل أهل الجنة ورأوا ما فيها من النعيم وما فيها من الفضل والتكريم، قال الله تعالى: هل أزيدكم؟ أحل عليكم رضائي فلا أسخط عليكم أبدا) ، فأعظم النعم وأجل المنن -بعد نعمة الإيمان- أن يكون العبد مرضيا عنه، وإذا رضي الله عن العبد أرضاه، وإذا أرضى ربك عبده أسعده في الدنيا والآخرة، فما ظنك بولي الله الصالح الذي قرت عينه بمرضاة ربه عليه، فلن يسلك سبيلا إلا سهله الله له، ولن يقرع بابا من الخير والبر إلا فتحه الله في وجهه، وبارك له فيه، وتأذن له بحبه، رضوان الله جل جلاله هو الغاية العظيمة والأمنية الجليلة الكريمة التي من أجلها بكت عيون الخاشعين، وتقرحت قلوب الصالحين، ومن أجله انتفضت الأقدام في جوف الليل بين يدي الله من المتهجدين الراكعين الساجدين، ومن أجلها سالت دماء الشهداء، طلبا لمرضاة الله جل جلاله، فبيعت الأنفس من أجل أن يشتري العبد مرضاة ربه، باع نفسه وربح البيع وربحت التجارة مع ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، رضوان الله هو الأمنية العظيمة التي يتمناها العبد السعيد من ربه.
وهناك دلائل تبشر العبد بأنه يطلب مرضاة الله، أول هذه الدلائل: سر بينك وبين الله جل جلاله، فأول ما يدل على أن العبد يريد وجه الله أن يمتلأ قلبه بتوحيد الله والإيمان به سبحانه، فتصبح جميع أموره وجميع شئونه لله لا لأحد سواه، أول دلائل وبشائر الطلب الصادق لمحبة الله ورضوانه أن يكون الإنسان مخلصا لله وحده لا شريك له: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام:162 - 163] ، هذا الإخلاص وهذا التوجه الذي يجعل العبد في جميع أموره يريد وجه الله ولا يريد شيئا سواه، والذي يريد مرضاة الله لا يتكلم إلا لربه، ولا يعمل إلا لربه، ليله ونهاره وصبحه ومساؤه كله لله وحده لا شريك له، فليس في قوله رياء ولا سمعة، وأكره ما يكره أن يطلع عبد على طاعة بينه وبين الله سبحانه؛ لأنه يعلم أن ربه يحب منه أن يخفي عبادته، ويحب منه أن يقصد وجهه ولا يقصد أحدا سواه، فأول الدلائل وأول الأمارات: الإخلاص لوجه الله جل جلاله في جميع شئونه وأحواله، منذ أن يلتزم ويسير على منهج الله ليس له وجه يتوجه إليه ويقصده إلا وجه الله سبحانه وتعالى، عند ذلك يطيب قوله، ويطيب عمله، فلم تطب الأقوال والأعمال إلا بالإخلاص لذي العزة والجلال.
ومن دلائل طلب مرضاة الله عز وجل: أن يسعى العبد في أحب الأشياء إلى الله فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس، فلا يسمع بكلمة تقربه من ربه أو ترضي ربه عنه إلا تكلم بها، ولو رأى الموت بين عينيه، ولا يعلم بعمل يقربه من ربه ويرضي ربه عنه إلا سعى في تحقيقه، وسعى في طلبه غاية جهده، كذلك أيضا يسعى فيما بينه وبين الناس في كل شيء يقربه إلى الله جل جلاله، ويبدأ أول ما يبدأ بوالديه، ثم بأولاده، ثم بزوجته، وأدناه أدناه من الأقربين، يطلب رضى ربه عنه فيما بينه وبين والديه، وفيما بينه وبين رحمه، ولن تجد أحدا رضي الله عنه إلا وجدته بارا بوالديه، فرضي الله عمن أرضى والديه، يشتري مرضاة الله بابتسامة والده، يشتري مرضاة الله في أب وقف على آخر أعتاب هذه الدنيا، يلتمس مرضاة الله في ابتسامة يجدها من هذا الأب أو في سرور يدخله عليه، أو في كربة ينفسها عنه، أو في حاجة يقضيها له، أو في ضيق يوسعه عنه بإذن الله جل جلاله، يشتري مرضاة الله ويضحي ويبذل كل ما يستطيع بذله من نفسه وماله طلبا لهذه المرضاة، لأنه سمع رسول الأمة صلى الله عليه وسلم يقول: (رضا الله من رضا الوالدين) ، فينتظر هذا الرضا بفارغ الصبر، فلا تشرق عليه شمس يوم إلا جعل والديه بين عينيه، في كلامه، فلا يقول إلا الكلمة التي ترضي الله، وفي فعله، فلا يفعل إلا ما يرضيه، ثم ينطلق رضيا راضيا مرضيا عنه في ذوي رحمه وقرابته، ويبدأ بأولاده، يدخل السرور عليهم، ويعلم أن الله يرضى عنه عندما يكون رحيما بأولاده، قائما بحقوقهم، مؤديا الواجبات إليهم، يرعاهم في دينهم، ويتفقدهم في شئونهم، ويأمرهم بما أمرهم الله به، وينهاهم عما نهاهم الله عنه، ويعلمهم ويرشدهم، ولا يدخر عنهم شيئا من الخير من أمر دينهم أو دنياهم أو آخرتهم، فإذا أرضى الله في أهله وولده رضي الله عنه، ولذلك تجد الرجل الموفق السعيد محافظا على أولاده، محافظا على فلذة كبده وذريته، يتفقدهم في أوامر الله، نشأهم منذ نعومة أظفارهم على الطاعة والصلاة، فيعرفون بيوت الله، ويعرفون فريضة الله، ويؤدون الصلاة على أتم وجه وأكمله، ويرى ذلك عزيمة وفريضة عليه، فرضوان الله لا يكون بالتشهي ولا بالتمني ولا بالدعوى ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
كذلك من أسباب رضوان الله عز وجل عن العبد: أن يبدأ بقلبه، فينقي هذا القلب من الغل والحسد وكراهية المسلمين وسوء الظن بهم، يبدأ بقلبه هذا فيغسله بماء الإيمان، ويعرضه على قوارع التنزيل، وأوامر العظيم الجليل، التي تأمره أن يكون أخا صادقا مع إخوانه، ويتذكر دائما كلما رأى مسلما قول الله عز وجل: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات:10] ، يحس أنه أخوه، وفي بعض الأحيان ربما تكون أخوة الإيمان في القلب أعظم من أخوة الحسب والنسب، فكما أنه يحب لأخيه من حسبه ونسبه ما يحب لنفسه؛ فإنه يحب لإخوانه في الدين ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، لا يفرق بين غنيهم وفقيرهم، ولا رفيعهم ووضيعهم، ولا جليلهم وحقيرهم، فكلهم إخوان له في الله، والله يشهد أنه في قرارة قلبه كذلك، يظهر على لسانه الكلام الطيب وفي قرارة قلبه ما هو أزكى منه وأجمل، ما عنده نفاق، وما يلقى الناس بوجه يضحك لهم وقلبه -والعياذ بالله- مكفهر، مليء بسوء الظنون، وبالحسد، والكراهية، خاصة إذا كان من طلاب العلم، وخاصة إذا كان من الصالحين، فالأمر -والله- أشد ويعلم أن الله مطلع على سريرته، وسيحاسبه يوم القيامة من هو شهيد على العبد بما في الضمير، قال الله جل جلاله: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور} [العاديات:9 - 10] ، الله يوم القيامة لا ينظر للابتسامات المكذوبة، والكلمات المعسولة، إنما ينظر إلى ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالله جل جلاله لا ينطلي عليه الكذب ولا يخادع سبحانه وتعالى: {يخادعون الله وهو خادعهم} [النساء:142] ، فالذي يلتمس مرضاة الله بصدق بهذا الصفاء والنقاء والمودة والإخاء والأخوة الإسلامية المبنية على نصوص الكتاب والسنة لا يتلاعب بها، وليست عنده موازين مختلفة أبدا، فهو مسلم حقا، وجه وجهه لله فعلا، يلتمس مرضاة الله، وإذا جلس مع أفقر الناس فهو كما لو جلس مع أغنى الناس، يبتسم لهذا ويبتسم لهذا، وكان بعض علماء السلف -رحمهم الله- يعظمون الفقراء في بعض الأحيان أكثر من الأغنياء، ولذلك قيلت الكلمة المشهورة: (ما أعز من الفقراء في مجلس سفيان الثوري رحمه الله) لأنه كان يطلب مرضاة الله بصدق، لا بالنفاق ولا بالكذب ولا بالدعاوى العريضة ولا بالخداع للمسلمين، الذي يلتمس مرضاة الله عبد صادق يحب الصدق ويوالي بصدق.
ومن دلائل رضوان الله على العبد: أن تظهر عليه أمارات في تصرفاته مع إخوانه المسلمين عموما، وخاصة مع العلماء والأئمة، وبالأخص سلف هذه الأمة، فلا يذكرهم إلا بكل خير، يترحم على أمواتهم، ويحسن المخرج لهم إن كان عندهم خطأ وزلل، ويعذرهم إن كان لهم عذر، وينشر ما كان منهم من الجميل، ويستر ما كان منهم من القبيح، تأسيا بقوله عليه الصلاة والسلام: (اذكروا محاسن موتاكم) ، فيكون مع أصلح خلق الله -وهم العلماء- كأحسن ما يكون، فالمؤمن يوالي المؤمن على أتم الوجوه، وأولى الناس بالموالاة والمحبة والصفاء والنقاء هم أهل العلم.
واعلم أن الله أعلم بخلقه: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام:124] ، فهؤلاء الصفوة اختارهم الله -جل جلاله- من فوق سبع سماوات حملة لدينه، وأمناء على شرعه، إن كنت تلتمس مرضاة الله فكن كأحسن ما يكون مع علماء الأمة وسلفها، فاعتقد فضلهم وادع لهم وانشر محاسنهم، فإن العبد الذي يشتري مرضاة الله عز وجل يشتريها بمحبة الصالحين: (فمن أحب قوما حشر معهم) كما قال صلى الله عليه وسلم.
كذلك من دلائل مرضاة الله عز جل على العبد: أن يبارك له في وقته وفي عمره، فإذا التزم بهذا الدين وجدته لا تمضي عليه ساعة ولا لحظة إلا في خير وبر، وكذلك كان نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم، والعلماء العاملون؛ لا تضيع أوقاتهم هدرا، وإذا أردت أن ترى العلامة الصادقة على محبة الله للعبد فانظر كيف يبارك له في عمره، فإما أن يكون في مصلحة الدين فيما بينه وبين الله أو فيما بينه وبين الناس، يحرص من يشتري مرضاة الله على أن لا تمضي عليه ساعة إلا في ذكر الله وشكره، ويتقطع حرقة على كل ساعة مضت في غير ذكر الله أو شكره وطاعته، فإن (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله أو عالما أو متعلما) ، فإذا بورك للإنسان في وقته وأصبحت كل أوقاته في طاعة الله؛ تجده يجلس في بيته إما أن يقرأ كتابا ينتفع به، أو يسمع من والديه موعظة أو ذكرى أو عظة يتعظ بها أو قصة مؤثرة، أو يجلس مع أولاده يأمرهم بطاعة الله عز وجل ومرضاة الله، ويدلهم على كل خير، وهذه عمارة الأوقات، ومن أفضل ما تمضى به: ذكر الله جل جلاله، فالعبد الذ





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.66%)]