حكم خلع الحامل بنفقة حملها
قال رحمه الله: [وإن خالعت حامل بنفقة عدتها صح] أي: وإن خالعت الحامل بنفقة عدتها، يعني: حال حملها؛ صح ذلك، وهذا قول جماهير العلماء رحمهم الله؛ لأن الحامل لها نفقة على الزوج، فلو أنها قالت: أخالعك بنفقة حملي قال: قبلت.
وعند الحنابلة أنه يجوز الخلع بكل ما يجوز أن يكون مهرا، ونفقة الحامل مال، فلو فرضنا أن نفقتها ثلاثة آلاف ريال، فكأنها خالعته بثلاثة آلاف ريال؛ لأنها لو مكثت وهي حامل ستة أشهر أو سبعة أشهر استحقت ثلاثة آلاف ريال أو أربعة آلاف ريال، ففي الحقيقة كأنها خالعته على الثلاثة أو الأربعة آلاف.
حكم المخالعة على مجهول
قال رحمه الله: [ويصح بالمجهول] ويصح الخلع بالمجهول، ولكنه يتعين بما ذكرناه، فيكون مجهولا في العقد ثم بعد ذلك تعينه، حتى ولو قالت له: أخالعك على دراهم، قال: قبلت؛ فإنه يلزمها أن تدفع له ثلاثة دراهم؛ لأن أقل الجمع ثلاثة، ولو قالت: أخالعك على دنانير؛ لزمها أن تدفع له ثلاثة دنانير؛ لأنها أقل الجمع، ولو قالت: أخالعك على ريالات، فهي مجهولة القدر؛ فإنه حينئذ ينظر إلى أقل الجمع، وهكذا لو قالت: أخالعك على مال وسكتت، فإنه يصح وتلزم بأقل ما يصدق عليه أنه مال؛ فهذا كله يعتبر في حكم المجهول، سواء مجهول القدر أو مجهول الوصف.
قال المصنف رحمه الله: [فإن خالعته على حمل شجرتها أو أمتها أو ما في يدها أو بيتها من درهم أو متاع أو على عبد صح، وله مع عدم الحمل والمتاع والعبد أقل مسماه، ومع عدم الدراهم ثلاثة] قوله: (فإن خالعته على حمل شجرتها) امرأة عندها بستان وأرادت أن تخالع زوجها وقالت له: أعطيك ثمرة بستاني هذا العام أو السنة القادمة، فقال: قبلت.
فحينئذ يصح؛ لأنهم يصححون الخلع على المجهول.
قوله: (أو أمتها) قالت له: أخالعك على ما في بطن أمتي، قال: قبلت.
وهذا بطبيعة الحال يكون أقل من المهر غالبا، فولدت أمتها جارية أو صبية، فحينئذ تكون ملكا له؛ لأنها عاوضته بهذه الأمة، كأنها باعت عليه هذه الأمة الأنثى، أو يكون حملها ذكرا؛ فحينئذ كأنها عاوضته بعبد ذكر.
قال رحمه الله: [أو ما في يدها] قالت له: خالعني على ما في يدي، فقال: قبلت.
ففتحت يدها، فلم يجد شيئا، في لو قالت: خالعني بما في يدي.
فبطبيعة الحال الذي في اليد مجهول لا يعرف، ولما كان الحنابلة رحمهم الله ذكروا جواز الخلع بالمجهول، يرد
السؤال إذا كان المجهول لا قيمة له، أو ظن أنه له قيمة وبان له كذلك، فلو قالت له: خالعني بما في يدي، فمعناه: أنه خالعها بعوض، وإذا قالت: بما في يدي، معناه: أن يدها فيها شيء، وعلى هذا يقع بأقل ما يصدق عليه أنه مال، ويلزمها أن تدفعه له؛ لأنه معلوم بدلالة الحال، فلما قالت له: بما في يدي، معناه: أن في يدها شيئا له قيمة وثمن، وأما لو قالت له: على دراهم أو دنانير، فحينئذ أقل الجمع ثلاثة، فتعطيه ثلاثة دراهم أو ثلاثة دنانير، وهكذا لو قالت على ريالات.
قال رحمه الله: (أو بيتها من دراهم أو متاع) (أو بيتها) أخالعك على ما في بيتي من متاع، فالذي في البيت من المتاع يأخذه؛ لأن له قيمة، فيكون عوضا عن خلعها.
قوله: (أو على عبد صح) فإن أعطته عبدا أو دراهم أو متاعا على أنه يخالعها صح؛ لأنها أشياء لها قيمة، فإن عدمت ولم يوجد شيء ينظر إلى أقل ما يصدق عليه المسمى كما ذكر.
قوله: (وله مع عدم الحمل والمتاع والعبد أقل مسماه) يأخذ أقل المسمى في الحمل والمتاع، فينظر إلى أقل شيء يمكن أن يصدق عليه أنه متاع، فمثلا: لو قالت له: أخالعك على ما في بطن أمتي، فطبعا سيظن أن في بطنها حملا، ولكن تبين أن ما في بطنها هو ورم، وانتفاخ، ولم يكن شيئا؛ حينئذ يكون على أقل ما يصدق عليه وصف الحمل، فيعاوض وينقل إلى المثل، وكذلك أيضا لو قالت له: أخالعك على ما في بيتي من متاع، وجاء إلى البيت ولم يجد متاعا، فنقول: أقل ما يسمى متاعا ما هو؟ فقالوا -مثلا-: فراش من نوع كذا، سواء كان من فرش الأرض أو فرش الأسرة، نقول له: هذا الذي لك، ويرجع في هذا إلى أهل الخبرة ويقدرونه.
كل هذه الأمثلة -كما ذكرنا- العلماء يقصدون منها إذا وقعت الحيلة من الزوجة على زوجها، أو خالعت على شيء تظنه مالا وبان أنه غير مال، سواء كان متاعا أو غيره كما ذكرنا، المهم هو القاعدة فإذا خالعته على شيء ظن أنه موجود وتبين أنه غير موجود نلزمها بلفظها، فلفظها متاع، نقول: يلزمها أقل ما يصدق عليه أنه متاع، وإن قالت: الحمل؛ فأقل ما يصدق عليه الحمل، وإن قالت: ثمرة بستاني؛ نفس الحكم.
فإذا نؤاخذها باللفظ الذي اتفق عليه الطرفان، وهما اتفقا على خلع بعوض، فإن لم يكن العوض موجودا نظر إلى أقل المسمى، أي أقل ما يصدق عليه أنه متاع وأنه حمل إلى آخر ما ذكروه.
قوله: (ومع عدم الدراهم) لو قالت: أخالعك على دراهم، أو على الدراهم التي في يدي ففتحت يدها ولم يوجد شيء؛ لأنه بطبيعة الحال، إذا قالت: على دراهم، فقد ذكرت في اللفظ الجمع، فمعناه أن الرجل لما قال: خالعتك، كأنه يقول: رضيت بالدراهم، وأقل شيء يصدق عليه أنه دراهم معناه أنه راض به، فالعرب تسمي الثلاثة فأكثر جمعا، وتقول: دراهم، فإذا قال: رضيت، وخالع، فمعنى ذلك أنه رضي بثلاثة دراهم فأكثر، فإن لم يوجد الأكثر، قلنا: ليس لك إلا أقل ما يصدق عليه هذا الجمع الذي رضيت به بالخطاب، فيأخذ الثلاثة الدراهم ولا يزداد.
أحكام الخلع المعلق
قال رحمه الله تعالى: [فصل: وإذا قال: متى أو إذا أو إن أعطيتني ألفا فأنت طالق؛ طلقت بعطيته وإن تراخى] في الحقيقة قبل أن ندخل في التفصيلات -وستأتينا أكثر في الطلاق، وستأتي الجمل المعلقة وألفاظ التعليق وألفاظ الشرط-.
قد يمل طالب العلم أحيانا، لكن ثقوا يا إخوان أنه حينما تأتي مشاكل الناس وأسئلتهم ستبحث في هذه المسائل بدقة، وتحتاج إلى دراستها بدقة أكثر، وكنا نقرؤها على مشايخنا رحمة الله عليهم، قد يحدث شيء من الطول والتعب، لكن لن تجد قيمة هذه المسائل وحلاوتها إلا بأسئلة الناس.
فسيأتيك الشخص الذي يتلفظ بهذه الألفاظ فلا تحس أنك في شيء غريب، خاصة إذا كنت طالب علم تدرس مادة علمية ستسأل عنها، فالسائل لا مذهب له، ولا يأتيك بكتاب معين ولا بسؤال محدود، بل يأتيك بما وقع له وبما قال.
فهنا بعد أن فرغ رحمه الله من الخلع المنجز؛ شرع في الخلع المعلق، والخلع المعلق: أن يأتي بشرط، فيقول: إن فعلت، أو إذا، أو متى، فيكون معلقا على شيء، فنحتاج إلى دراسة المعلق كما درسنا المنجز.
وهناك ألفاظ يقع بها الخلع بصيغة الشرط، فيحتاج طالب العلم أن يعرف ما هو الحكم لو قال لها هذا القول.
وأول مشكلة في الخلع المعلق من حيث اللفظ، فما هي الألفاظ التي يكون بها التعليق؟ وثانيا: أنه قد يعلق ويفعل، أو يقع الشيء الذي اشترط بعد فترة فهل يشترط في المعلق أن يكون منجزا أو يمكن أن يقع على التراخي؟ فلو قال لها: متى أعطيتيني ألفا أو متى فعلت كذا وكذا -من الشرط المطلق الذي لا قيد فيه- وبعد سنة أو سنتين أو خمس سنوات أو سبع سنوات جاءت بهذا الشيء الذي علق الخلع عليه، فهل التعليق مقيد أو مطلق؟ كذلك أيضا لو أنه قال: متى، أو إذا، أو إن، ثم طلق المرأة ولم تفعل شيئا مما اشترط، وبعد أن طلقها وبانت منه فعلت الشيء الذي قاله وعلق الخلع عليه؛ ثم تزوجها بعد ذلك، فهل يقع الخلع أو لا؟ ولو أنه قال لها ذلك، ثم طلقها، ولم تفعله أثناء البينونة، ولكن خرجت من عدتها، ونكحها بعقد جديد، ثم فعلته في العقد الثاني! فكلها مسائل تحتاج إلى بحث.
وحتى في الطلاق أيضا ربما يقول لها -على القول بالتعليق في الطلاق-: إن دخلت الدار فأنت طالق.
فما دخلت اليوم، وإنما دخلت بعد سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات إن زرت فلانة فأنت طالق، وزارتها بعد سنة أو سنتين.
أو أنه قال لها: إن زرت فلانة فأنت طالق، ثم طلقها غير الطلاق الذي علق عليه، ثم لما طلقها وبانت منه زارت هذه المرأة، ثم رجعت له بعقد بعد ذلك؛ فهل يبقى التعليق كما هو أم أن فعلها للمعلق أثناء خروجها عن عصمته يؤثر ويسقط ذلك المعلق بفعله ولو مرة؟ ثم بعد ذلك لما رجعت له بالعقد الجديد ذهبت وزارتها؛ فهل يقع الطلاق ويبقى التعليق الأول كما هو أم ماذا؟ هذه أمور لا بد من بحثها، ولذلك نقول: قراءة الفقه منفصلا عن ثمرته وحال الناس في سؤالهم، لا يستطيع طالب العلم أن يتصل بمسائله بالشكل المطلوب، فقد يمل طالب العلم: متى وإذا وإن، فيدخل في تفصيلات الشروط وألفاظ الشروط ويمل، لكن أقولها لما وقع لنا: في البداية قد تجد مللا، لكن سيأتي اليوم الذي تجد من يقول هذا القول لامرأته، ويسألك عن حكمه.
أو تجد مسألة مفرعة على هذا الأصل، وهل النكاح يهدم أو لا يهدم؟ وكلها مسائل ذكرها العلماء واعتنوا بها.
وإنما أراد المصنف رحمه الله بذكرها هنا اكتمال مادة الخلع.
لزوم الوفاء بشرط الخلع عند حصول المخالفة
قوله رحمه الله: [وإذا قال: متى أو إذا أو إن أعطيتني ألفا فأنت طالق] إذا قال: متى أعطيتني ألفا، أو إذا أعطيتني ألفا، أو إن أعطيتني ألفا، فقد اشترط، وبينه وبين الله عز وجل أنها إن فعلت هذا الشرط أنها تطلق، والله عز وجل أعطاه الطلاق منجزا ومعلقا، فقال: {وإذا طلقتم النساء} [البقرة:231] {وإن طلقتموهن} [البقرة:237] ، ولم يفرق بين المعلق وبين المنجز، فهو كما أنه يطلق ويقع طلاقه منجزا، فإنه إن علقه على شيء يقع عليه الطلاق إذا وقع ذلك الشيء؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن لك على ربك ما اشترطت) .
فكما أن الإنسان يستحق بالشرط، وله أخذ ما شرط، كذلك أيضا يلزم بالشرط ويؤاخذ به.
فقال رحمه الله: (إن أعطيتني ألفا فأنت طالق) فهنا عوض، وهذه المعاوضة عن تطليق.
وعلى هذا؛ فإنها لو أعطته الألف في نفس اليوم، أي: بعد حديثه مباشرة أو فصل بينه وبين حديثه فاصل، تركته ساعة أو ساعتين أو ذهبت وأحضرت الألف وجاءت فقال: لا، أنا قلت: إن أعطيتني ألفا وأقصد في المجلس، نقول: ما قلت في المجلس ولم تشترط المجلس، فحينئذ إن أعطتك الألف في المجلس أو خارج المجلس أو بعد المجلس فهذا شرط ليس فيه قيد، فلو أنها جاءت بالألف في اليوم الثاني، أو جاءت بالألف بعد سنة، متى أعطته الألف فإنه حينئذ كأنها خالعته بهذه الألف، فأدخلوا هذه المسألة تبعا للخلع؛ لوجود المعاوضة.
قوله: (طلقت المرأة بعطيته) إن أعطته الألف، وقوله: (وإن تراخى) تراخت العطية وتأخرت؛ لأن العبرة أنه متى ما وقع الشرط وقع المشروط، فهو اشترط فيما بينه وبين الله عز وجل أن عصمة امرأته تنحل وترفع بهذا الشرط إن وقع، وقد وقع الشرط فيؤاخذ به.
قال المصنف رحمه الله: [وإن قالت: اخلعني على ألف أو بألف أو لك ألف ففعل؛ بانت واستحقها] .
قوله: (اخلعني على ألف) ففعل، فحينئذ تخلع منه، وتطلق على قول الجمهور.
فهي اشترطت عليه، قالت: اخلعني بألف، فقال: خالعتك، فلما قال: خالعتك، معناه: خالعتك بألف، وهكذا لو قالت: اخلعني بألفين، قال: خالعتك، فحينئذ إذا فعل ذلك فإنه يستحق ذلك المبلغ عليها ويلزمها دفعه.
كما أنها تستحق عليه المخالعة والطلاق، كذلك هو يستحق العوض إن اشترطت عوضا على الطلاق والخلع، فالحق بينهما متقابل، كما أنك تلزم الرجل كذلك تلزم أيضا المرأة.
قوله: [أو بألف أو لك ألف] كل هذه حروف: على ألف أو بألف.
قوله: (ففعل بانت واستحقها) استحق الألف، فحينئذ لا تبين هكذا، لأنها رتبت على اشتراط والتزام، فهي إذا قالت له: خالعني بألف، -لا بد أن تعرف مضمون اللفظ حتى تؤاخذ به- أي: لك علي ألف وفي ذمتي لك ألف إن وقع منك الخلع، وهذا عقد واتفاق بين الطرفين، والله يقول: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:1] ، فهو إذا تلفظ بالخلع استحق الألف، وإذا تلفظ بالخلع ألزمناها الألف، فهي التي التزمت واشترطت على نفسها أنه إذا خالعها وأنه إذا وقع هذا الشرط الذي ذكرته من كونه مخالعا أعطته ألفا، فإذا قال: خالعتك؛ وكان منه لفظ الخلع، فقال: خالعتك؛ فحينئذ عليها ما التزمت به.
حكم الزيادة على ما اشترط في الخلع
قال رحمه الله: [وطلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحقها] القاعدة في مسألة الاشتراط: أن الإنسان إذا التزم شيئا بالشرط يوفي بذلك، والحقوق بين المسلمين تضمن بالشروط، كما قال عمر رضي الله عنه: (مقاطع الحقوق عند الشروط) ، وهي مأخوذة من النصوص الصحيحة في قوله عليه الصلاة والسلام: (المسلمون على شروطهم) ، فقوله: (مقاطع الحقوق عند الشروط) ، يعني: لما تأتي تقطع القطع التي يعرف فيها حق كل ذي حق، ويفصل فيها في الحقوق، فإنك تفصل الخصومة والنزاع، وتعطي كل ذي حق حقه بالشرط.
فهو إذا اشترط وهي إذا اشترطت ألزمناه بشرطها، وألزمناها بشرطه، فهو يقول: خالعتك، وهي قد قالت: إن وقع منك هذا القول؛ أعطيك ألفا.
بعد أن قررنا هذه القاعدة -وهي تأثير الشرط- يبقى
السؤال ذكر المصنف متى أو إذا أو إن، وعلى ألف أو بألف.
هذه كلها يستوي فيها المطلوب فعله، ويرتب المال أو المدفوع على وجود هذا المطلوب، فإذا قالت له: إن طلقتني فلك ألف، خالعني ولك ألف، فليس في هذا إشكال، لكن الإشكال إن طلبت منه شيئا ففعل أكثر منه، أو طلبت منه شيئا ففعل أقل منه.
فالقسمة العقلية تقتضي ثلاث حالات ينبغي أن ينتبه لها طالب العلم، الحالة الأولى: أن يكون الفعل الصادر أو القول الصادر على حسب المطلوب، قالت: خالعني وأعطيك ألفا، قال: خالعتك، بطبيعة الحال إذا قضيت في هذا تقول: الشرط الذي التزمت به المرأة أن تعطيه الألف إن تلفظ بالخلع، وقد تلفظ بنفس الشيء الذي طلب منه، وهنا المساواة واضحة، لم يقل شيئا زائدا عما طلب منه ولا أقل مما طلب منه، فمن ناحية فقهية بعد أن تبين المساواة تنتقل إلى الزيادة أو إلى النقص، لكي تعرف الأصول وتحفظ وتلم بطريقة الفقهاء رحمهم الله.
فبعد أن بين حال المساواة شرع في الحالة التي يزيد فيها الرجل عن الشرط، والحالة التي ينقص فيها عن الشرط.
الحالة الثانية: إذا قالت له: إن طلقتني واحدة أعطيك ألفا، فقال: أنت طالق بالثلاث، فليست واحدة بل ثلاثا، والشرط طلقة واحدة، وأعطاها ثلاثا، فإنه قد زاد على الذي وقع الشرط عليه، فهل نقول: إنه أساء إليها بالثلاث وهي طلبت الواحدة، والثلاث غير الواحدة، وحينئذ لا يستحق؟ وهذا مذهب ضعيف، أو نقول: إن الشرط بينه وبينها إن وقع طلاق بواحدة أنها تلزم بدفع ما اشترطت على نفسها، والزيادة -وهي الطلقتان- كانت من نفسه، كما لو طلقها واحدة ثم أردفها طلقتين بعد؟ وهذا هو الصحيح على ما اختاره المصنف، فحينئذ إن زاد فإنه يستحق الألف.
امرأة قالت لزوجها: إن طلقتني واحدة أعطيك ألفا، فقال لها: أنت طالق بالثلاث، قالت: لا أعطيك شيئا؛ لأنني أريد أن أرجع إليك، فامتنعت من الإعطاء، فاختصما إلى القاضي، فالقاضي يعلم أنه شرط زاد فيه الزوج، فنقول: إنه إذا وقع الشرط وزيادة فإنه يستحق؛ لأن الطلقة التي وقع الشرط عليها قد وقعت.
قال رحمه الله: [وعكسه بعكسه إلا في واحدة بقيت] ، وهذه هي الحالة الثالثة، إذا قالت له: طلقني ثلاثا، فطلقها واحدة فإنه لا يستحق الألف؛ لأنها اشترطت الثلاث، والواحدة جزء من الثلاث، والجزء ليس كالكل، ولا يأخذ حكم الكل، كما لو قلت لرجل: إن جئتني بخمسة رجال أعطيك كذا، فجاءك برجل فلا يستحق، إنما يستحق إذا جاءك بالخمسة، فهم يرون هذا من باب الجعل، ومندرج تحت أحكام الجعل.
وباب الجعل -كما سيأتينا إن شاء الله- أنك إذا رتبت ثمنا أو مبلغا أو مالا أو شيئا على شيء معين، وجاء ببعضه فإنه لا يستحق الجعل حتى يأتي بذلك الشيء كاملا، فلو قلت: من جاءني بسيارتي الضائعتين أعطيه عشرة آلاف ريال، فجاء بسيارة منهما لم يستحقه، حتى يأتي بكلا السيارتين، فلا يتجزأ المقابل والعوض بتجزؤ العمل.
كذلك هنا لا يتجزأ الاستحقاق الذي هو الألف بتجزؤ الطلقات، إنما يستحق الألف إذا وقعت الثلاث، فإن وقعت واحدة لم يستحق، لكن لو أنه طلقها قبل ذلك طلقتين ولم يخبرها بالطلقتين، فقالت له: طلقني ثلاثا أعطك ألفا، فقال لها: أنت طالق، فهذه الطلقة مكملة للثلاث، فحينئذ وقع الشرط، فإن هذه الواحدة وإن كانت واحدة لكنها في الحقيقة متممة للثلاث ومحققة لمقصود المرأة من البينونة فحينئذ يستحق؛ لأن المقصود حصل.
حكم مخالعة الأب لابنه الصغير أو ابنته بشيء من مالها
قال المصنف رحمه الله: [وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير ولا طلاقها ولا خلع ابنته بشيء من مالها] قوله رحمه الله: (وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير) فيقول: خالعتك، يخاطب زوجة ابنه؛ فإن زوجة ابنه إذا سأل وليها الخلع وقال: أعطيك ألفا وتخالعها، ليس له ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) ، فجعل الفراق وحل العصمة في النكاح لمن ملك، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا طلاق فيما لا يملك، فإذا ثبت أن حل العصمة والفراق يكون لمن بيده تلك العصمة وذلك الفراق وهو الزوج؛ فإنه يسري ذلك على الخلع، ويلتحق الخلع بالطلاق، ومن هنا قالوا: لا يطلق، وعلى هذا لا يخالع، فليس له أن يخالع، لا خلع طلاق ولا خلعا مجردا.
قوله: (ولا طلاقها) كذلك.
قوله: (ولا خلع ابنته بشيء من مالها) كذلك أيضا، لو أنه خالع ابنته بشيء من مالها، ففرقوا بين البنت وبين الابن، فقالوا في البنت: له أن يخالع لأنه يرى الضرر، ومن حقه أن يخالع عن ابنته إذا كان من ماله، لا من مالها، وجعلوا المنع هنا من جهة أن الأب يكون قائما على مال ابنته الصغيرة، وهذا معلوم في باب الحجر: أن الصغير والصغيرة لا يملكان التصرف في ماليهما، فإذا جاء الأب يخالع من مالها فإنها محجور عليها فلا تستطيع، وقد بينا في أول الخلع أن الخلع لا يصح من صغيرة ولا من مجنونة ولا من محجور عليها؛ لوجود المعاوضة فيه، ومثلها ممنوع من التصرف، وفي هذه الحالة قالوا: ليس له الحق أن يخالع من مالها؛ لكن له الحق أن يخالع من ماله، وهذا مفهوم قوله: (من مالها) .
إسقاط الخلع لغيره من الحقوق
قال رحمه الله: (ولا يسقط الخلع غيره من الحقوق) ، كالنفقات.
هنا بيان أثر الخلع، فلو أن رجلا خالع امرأته وله منها أولاد، فإنه إذا خالعها وتم الخلع يلزم بنفقة الأولاد، ولا يقول: إن الخلع مسقط للنفقة، فالخلع لا يسقط الحقوق، فيبقى حق النفقة ونحوه من الحقوق التي تترتب على عقد النكاح باقية ويلزم بها.
الطلاق المعلق على صفة إذا وجدت بعد إبانة المرأة ثم مراجعتها
قال المصنف رحمه الله: [وإن علق طلاقها بصفة ثم أبانها فوجدت ثم نكحها فوجدت بعده طلقت كعتق وإلا فلا] هذه المسألة تكلم عليها أئمة السلف رحمهم الله، وهي مسألة قديمة، وقول جماهير العلماء رحمهم الله حتى حكي الإجماع: أن الرجل إذا علق الخلع أو الطلاق على صفة، وقال: إذا دخلت الدار أو إن فعلت كذا وكذا، وذكر شيئا معينا إن وجد فالطلاق حاصل، أو الخلع واقع.
فهذا التعليق على وجود الصفة إن كان النكاح باقيا ذكرناه في حكم الشرط، وسيأتي -إن شاء الله- بيانه وبيان كلام العلماء عليه -إن شاء الله- في تعليق الطلاق بالشرط.
لكن هنا مسألتنا أنه يعلق ثم يطلقها وتخرج من عدتها فتبين منه، وتفعل هذا الشيء أو توجد هذه الصفة حال بينونتها، أي: لما بانت وانحلت من العصمة وفرق بينهما وفارقته وقع هذا الشيء الذي علق الطلاق عليه، وطبعا هي أجنبية، فلا يقع حال كونها أجنبية، فبعد أن وقع أو وجدت الصفة نكحها مرة ثانية؛ فهل يبقى المعلق في النكاح الأول كما هو أو يلغى؟ هذه مسألة واقعة في الطلاق، وفي العتاق (في عتق العبيد) يقول لعبده: إن جاء أبي من السفر فأنت حر، فعلق العتق على مجيء أبيه، فقبل مجيء أبيه باع العبد، واشتراه زيد من الناس؛ ثم جلس عند زيد -مثلا- نصف سنة، ثم اشتراه من زيد، فإن رجع الأب وهو عند زيد أو رجع بعد رجوعه إلى صاحبه الأول؛ فهل يسري الحكم في كلتا الصورتين؟ ففي الحالة الأولى يقول: إن جاء أبي فأنت حر، ثم باعه قبل مجيء أبيه فاشتراه زيد فجاء أبوه وهو ملك لزيد، ثم اشتراه بعد ذلك من زيد فهل يعتق؟ قال جماهير العلماء: إنه يعتق؛ لأنه فيما بينه وبين الله عز وجل جعل عتق عبده إذا كان مملوكا له بمجيء والده، فإذا جاء والده، سواء كان مجيئه والعبد في ملكه أو قبل أن يملكه فإنه يقول: متى جاء والدي فسأعتقك، فلما امتنع لوجود الملكية المخالفة وهي ملكية زيد حينئذ يمنع ما دام ملكا لزيد، فإن رجع إليه رجع بشرطه فيما بينه وبين الله، فيلزمه عتقه ويعتق عليه، هذا في العتاق.
ويوجد تداخل بين كل من العتاق والطلاق والنذور، خاصة في مسائل الشروط والتعليق والحقائق.
هذه نص عليها جماهير العلماء رحمهم الله، وحكى ابن المنذر أن الكافة يقولون: إنه يعتق عليه.
ففي الطلاق نفس الحكم، فإن علق طلاقها على صفة ووجدت الصفة حال كونها في عصمة غيره أو بعد مجيئها في عقد ثان أخذ نفس الحكم.
مثلا: قال لها: إن جاء والدي من السفر فأنت طالق، فطلقها قبل أن يجيء والده، وبانت منه قبل أن يجيء والده، أو خالعته قبل أن يجيء والده، فأصبحت بائنا منه، ثم جاء والده وهي بائن، سواء كانت مزوجة بغيره أو في حال كونها أيما لا زوج لها، ثم نكحها مرة ثانية بعد مجيء والده؛ فحينئذ تأخذ نفس الحكم، فهذا الذي قصده المصنف رحمه الله، وتدخل هذه المسألة في مسائل الشروط تبعا.
قوله: [فوجدت ثم نكحها فوجدت بعده طلقت كعتق وإلا فلا] قوله: (فوجدت بعده) بعضهم يقول: تطلق ويعتق العبد برجوعه إلى الملكية؛ لوجود الصفة كما ذكرنا، وبعضهم يقول: لا تطلق إلا إذا كانت الصفة موجودة أثناء الرجوع، فلو أن والده سافر مرة ثانية وتوفي في هذا السفر ولم يعد، فلا تطلق عليه، فيجعلونه باقيا بالسريان الذي ذكرناه، بحيث إنها عندما ترجع إلى عصمته يكون الوالد قد جاء من السفر، أما إذا بقي على سفره وعلى وصف السفر، فإنه لا يصدق عليه أنه رجع.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.