عرض مشاركة واحدة
  #538  
قديم 15-05-2025, 06:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,355
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي




الحكم فيما لو حصل التفريق في نكاح فاسد بعد الدخول
قال المصنف: [وإن افترقا في الفاسد قبل الدخول والخلوة فلا مهر وبعد أحدهما يجب المسمى] .
(وبعد أحدهما) لو أن رجلا نكح امرأة بمهر ثم تبين فساد هذا النكاح، كأن ينكحها بدون ولي، وفرض لها مهرا خمسة آلاف ودخل عليها، فلها المهر بما استحل من فرجها، قال صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها) فحكم ببطلان النكاح، وأثبت لها المهر بالدخول (فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها) .
ثم ننظر، فإن وقع الاتفاق على مهر معين فقد رضيت لنفسها أن يصيبها، وتنازلت عن حقها بهذا المسمى، فيكون لها المسمى، فيفرض لها المسمى الذي اتفق عليه.
حكم المهر لمن وطئت بشبهة أو إكراه
قال رحمه الله: [ويجب مهر المثل لمن وطئت بشبهة أو زنا كرها] .
(ويجب مهر المثل لمن وطئت) الموطوءة بالزنا كرها أو الموطوءة بالشبهة الأصل أن وطأها لا يجوز، ولكن وجود العذر من الإكراه على الزنا أوجب لها مهر البكر كاملا إن كانت بكرا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها) ، فهي مغلوبة على أمرها، وحينئذ يكون لها مهر مثلها؛ لأنه فوت عليها هذا الحق، ويدرأ عنها الحد لوجود الإكراه على الصحيح من أقوال العلماء، وسيأتينا -إن شاء الله- في باب الجنايات أنه يدرأ عنها الحد ولا يقام عليها إذا أكرهت؛ لأن الله أسقط بالإكراه الردة، فمن باب أولى الزنا الذي هو دون الردة، ويكون لها مهر المثل يفرضه عليه الحاكم.
وكذلك نكاح الشبهة، شبهة عقد، أو شبهة اعتقاد، أو شبهة ملك، هذه ثلاثة أنواع من الشبهة تؤثر في النكاح، شبهة عقد بأن يعقد على امرأة يظن أنها تحل له بهذا العقد، مثلما يقع في عقد نكاح الشغار، مثلا: لو أن رجلا زوج ابنته لآخر على أن يزوجه الآخر ابنته بنكاح الشغار، ولم يعلما حكم الشغار، وحصل الوطء، هذا وطئ ابنة هذا وهذا وطئ ابنة هذا، فحينئذ يصبح هذا وطء شبهة، أي: عنده شبهة، وهي شبهة العقد، حيث يظن أن هذا العقد عقد نكاح صحيح، وتكون كذلك شبهة العقد فيما لو أن رجلا عقد على امرأة وهو لا يعلم أنها متزوجة ويظن أنها خلو، وعقد بها عقدا شرعيا، ودخل بها، ثم تبين أنها خدعته وأن أولياءها خدعوه.
وكذلك يدخل في شبهة العقد ما إذا غاب رجل غيبة، وانقطع عن زوجته، فحكم الحاكم بانتقالها عن زوجها فطلقها، فتزوجت بزوج ثان، فإن هذا العقد يبيحها له ويحلها له، فلو رجع الغائب، فمن يقول: إنها على عقد الأول، يرى أن وطء الثاني وطء شبهة عقد؛ لأنها في الأصل تابعة للأول، وعلى هذا يكون من شبهة العقد.
شبهة الملك، مثل: شبهة أنها مملوكة له، مثلما يقع في ملك اليمين، كما لو اشترى أمة ووطئها بملك اليمين، ثم تبين أنها حرة وبيعت مغصوبة، فإنه كان يطؤها على أنها ملك يمين له، ثم تبين أن هذه الشبهة غير صحيحة.
فمثل هذه المسائل يكون فيها المهر للمرأة، فيجب عليه المهر على التفصيل الذي ذكرناه، ويرجع على من غشه ويطالبه بالضمان، وحينئذ يضمن الذي غشه، والحاكم (القاضي) يعزر هذا الذي اقتات وظلم المرأة ببيعها وهي حرة.
فالشاهد أنها إذا وطئت بشبهة أو بزنا لكن بشرط الإكراه فلها المهر، فلو كان الزنا -والعياذ بالله- برضا من المرأة لم يكن لها حق، فلا مهر لبغي، ولذلك (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم وحلوان الكاهن ومهر البغي) فالبغي لا مهر لها؛ لأنها رضيت -والعياذ بالله- بإسقاط حقها، وأتت ما حرم الله عز وجل بطيبة نفس منها، فيضيع حقها وليس لها المهر بسبب ذلك.
قال رحمه الله: [ولا يجب معه أرش بكارة] .
(ولا يجب معه) أي: مع مهر المثل (أرش البكارة) وبعض العلماء يسمونه: العقر، ويحكم بالعقر في بعض المسائل في الشبهات، ولكن اختار المصنف هنا ما ذكرناه من أن لها مهر المثل.
ضوابط تسليم المرأة نفسها في الصداق المعجل والمؤجل


امتناع المرأة من التسليم حتى تقبض صداقها المعجل
قال رحمه الله: [وللمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال] إذا اتفقا على كون الصداق معجلا وحالا فإن من حقها أن تقول: أنا لا أمكنك من نفسي ولا تدخل علي حتى تدفع لي مهري، هذا من حقها؛ لأن الله يقول: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} [النساء:24] فأثبت المهر لها.
فإن اتفق معها على أنه يعقد عليها بصداق معجل يدفعه قبل الدخول، فإن من حقها أن تمتنع من تمكينه من الدخول؛ لأنه يستند في التمكين من الدخول إلى العقد، والعقد معلق على شرط، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) .
حكم امتناع المرأة إذا كان الصداق مؤجلا
قال رحمه الله: [فإن كان مؤجلا أو حل قبل التسليم أو سلمت نفسها تبرعا فليس لها منعها] .
قال رحمه الله: (فإن كان مؤجلا) إن كان الصداق مؤجلا، بأن يكونا قد اتفقا على أنه يعطيها الصداق بعد خمس سنوات وأنه يدخل بها متى شاء، فجاءها وقال: أريد أن أدخل بك، فقالت: لا تدخل حتى تعجل لي الصداق، فإنه يفرض عليها الحاكم أن تمكنه من الدخول بها؛ لأنها رضيت بتأخير الصداق، فليس من حقها أن تمنع نفسها منه إن رضيت بتأجيله؛ لأنها أسقطت حقها في التعجيل.
حكم امتناع المرأة إذا كان الصداق مؤجلا وقد حل وقت أدائه
قوله رحمه الله: (أو حل قبل التسليم) .
أي أنها اتفقت معه على أن الصداق مؤجل، فحل أجله قبل التسليم، فمن حقه أن يدخل بها قبل أن يعطيها.
توضيح ذلك: مثلا لو أنها اتفقت معه على دفعه لها بعد سنتين أو ثلاث سنوات، فقد رضيت بتأجيله، فحينئذ لا يتوقف الدخول على دفع المهر، فلو حل هذا الصداق وجاء أجله والزوج ماطل وتأخر فمن حقه أن يدخل بالزوجة، ثم هي تقيم دعوى على مطالبته بحقوقها، فإن كان غنيا أعطاها حقها، لكن لا تمنعه من حق وطئها كزوج، وهذا من انفصال الجهة، إذ هو له حق الوطء والاستمتاع، وهي لها حق المطالبة بالمهر، ثم المهر يتعجل ويتأجل على ما يتفقان عليه، فإن هي رضيت به مؤجلا لم يكن من حقها أن تمنع الدخول بتأجيله؛ لأنها رضيت به مؤجلا، والعكس كذلك.
فالشاهد: أنها إذا أوجبته عليه معجلا كان من حقها أن تمنعه من الدخول حتى يعطيها حقها، فكلا الطرفين له حقه، فإن قالت المرأة: رضيت بمهري مؤجلا بعد خمس سنوات أو ست سوات فقد رضيت بتأجيله، فحق الزوج أن يدخل عليها حتى قبل أن يعطيها؛ لأنها رضيت بالتأجيل، فيدخل بها، وإذا امتنعت فإنه يوجب عليها الحاكم الطاعة لزوجها.
هذه فائدة الخلاف: أنها إذا امتنعت يفرض عليها الحاكم وعلى أوليائها أن يسلموها لزوجها؛ لأنه من حق الزوج أن يستمتع بزوجته، فإذا ماطلت وامتنعت فرض عليها ذلك بحكم العقد، ولو أن الزوج وافق أن يعطيها صداقها قبل الدخول فقال لها: ما عندي الآن وأريدك كزوجة لا تمنعيني من نفسك، فقالت: لا تدخل علي حتى تدفع المهر، واختصموا، فالقاضي يقضي على أنه لا يدخل بها حتى يعطيها مهرها.
فإذا: عندنا حق للزوج في الدخول، وحق للزوجة من جهة المهر، فإن اتفقا على التأجيل جاز الدخول قبل حصول الأجل، وإن اتفقا على التعجيل فمن حقها أن تمتنع حتى يعطيها حقها، وإذا تنازلت عن حقها فالأمر إليها.
حكم إعسار الزوج بالمهر الحال
[فإن أعسر بالمهر الحال فلها الفسخ ولو بعد الدخول ولا يفسخه إلا حاكم] .
(فإن أعسر) أي: الزوج، مثلا: رجل عقد على امرأة بعشرة آلاف ريال، ثم أصبح فقيرا معسرا والمهر حال عليه، فالمرأة لما رأته معسرا قبل الدخول رفعت أمرها إلى القاضي، وقالت: أريد أن تفسخ نكاحي من فلان ما دام معسرا، فأنا لا أريد أن أعرض نفسي لضرر الفقر، وأخشى على نفسي إن كنت عند رجل فقير أن أتعرض للحرام، أو أتعرض لأذية أقاربي.
إلخ المهم أنها لم ترض هذا الزوج بإعساره، فحينئذ من حقها ذلك ويفسخ النكاح؛ لأن النكاح مبني على المقابلة والمعاوضة، فإذا ماطل الزوج في حقها واشتكت إلى القاضي، فللقاضي أن يفسخ النكاح، وحينئذ يفرق بينهما.
(ولو بعد الدخول) كذلك بعد أن يدخل بها إن أعسر بمهرها فلها ذلك، لأن النكاح مبني على المعاوضة، وحينئذ من حقها أن تفسخ النكاح، وهذا يسمى خيار الإعسار، ويكون تارة إعسارا من جهة الزوج في نفقته على زوجته، ويكون تارة من جهة الزوج في مهر زوجته، هاتان صورتان ذكرهما العلماء رحمهم الله في الإعسار.
الرجوع في قضايا الفسخ بالإعسار إلى الحاكم
[ولا يفسخه إلا حاكم] .
ولا يفسخ هذا النوع من الأنكحة إلا حاكم، وهو القاضي الذي له حق النظر في هذه الخصومات، فلا يأتي طالب علم فيفتي في هذه المسائل، لأن مسائل الخلاف بين الناس تحتاج إلى القضاة، والقاضي ينصف الخصمين بأصول الشريعة، والضوابط الشرعية في القضاء أنصفت كلا الخصمين.
فالمفتي في هذه المسائل لا يتدخل، وطالب العلم لا يفتي في هذه المسائل، إنما يحيلهم على القاضي؛ لأنها مسائل يحصل فيها الخلاف، فالإعسار يحتاج إلى إثبات، والإثبات يحتاج إلى نظر ورجوع إلى أهل الخبرة، فليس كل من هب ودب يفتي في هذه المسائل أو يتكلم، فيها وإنما ترد إلى القضاة.
ومن هنا في هذه الأزمنة جرت العادة في مسائل الطلاق أن لا يفتي فيها كل أحد، من كثرة مشاكل الناس والكذب.
فالمسائل التي فيها خلاف ويحدث فيها تلاعب ترد إلى القضاة وترد إلى ولاة الأمر؛ لأن الناس بغير ذلك يصبحون في فوضى.
ففي زماننا مثلا يأتيك الرجل -وهذا قد حدث وسمعناه ورأيناه- ويقول لك: قلت كذا وكذا، فتأتي المرأة تقول: لا، بل قال: كذا وكذا، ويأتي الرجل ويقول لك: قلت كذا وكذا، ويترك كلمة أو لفظه أو حالة للمرأة، والمرأة أيضا تقول شيئا غير الذي يقوله الرجل، فعندما تربط هذه المسائل بالقضاء وتربط بكبار العلماء يعرف الناس خطر الطلاق، ويعرف الناس خطورة هذا الباب، فما كل واحد يطلق، فإنه حينما يتعنى ويتعب، ويظل يتصل بأشخاص معينين وبعلماء معينين، ويجد نوعا من التعب والعنت، فيهاب هذا الباب، ويصبح من مصالح الناس وعامة الناس أن يربطوا بكبار العلماء أو يربطوا بالقضاة، حتى يشعروا بخطر الطلاق، ولا يتلاعب بالطلاق.
وهذا يقع، خاصة عند فساد الأزمنة، تجد الرجل -نسأل الله السلامة والعافية- في بعض الأحيان لا يخاف الله ولا يتقيه، فربما يأتي ويقول لك: قلت: أنت طالق، وهو قد يكون قال لها: أنت طالق بالثلاث، وقد يقول: قلت لها: أنت طالق طالق طالق، فيسمع أنه إذا قال: أنت طالق طالق طالق، تحتمل المرة، فيصرف في الألفاظ ويحرف في الألفاظ على ضوء ما يسمع من الفتاوى، ويأتي إلى شيخ جليل معروف موثوق به، أو يقول لأولياء المرأة: نذهب إلى فلان نقبل فتواه، فيأتيه بالعبارة التي سمع أنها لا تؤثر، وهذا من أبلغ ما يكون في انتهاك حدود الله -نسأل الله السلامة والعافية- فإنه لو غير لفظة أو كلمة يريد أن يحتال بها على الله وعلى دين الله فلن ينفعه؛ لأن فتوى المفتي وقضاء القاضي لا يحل الحرام، ويصبح هو وامرأته على الزنا -والعياذ بالله- لو كانت حراما عليه.
فالأمر في هذا جد خطير، ولذلك العلماء قالوا: الفسخ عند الحاكم [ولا يفسخه إلا حاكم] أي: في مسائل الخلاف، وفي عصورنا الآن جرت العادة أن ترد مسائل الطلاق لكبار العلماء؛ لوجود الخلاف بين الناس ووجود التلاعب بين الناس.
واقتضت الحكمة أن مثل هذه المسائل لا يفتح فيها الباب لكل من هب ودب أن يفتي، حتى لا يصبح الناس فوضى، هذا يقول: حلال، وهذا يقول: حرام، وهذا يقول بالتفصيل، فيضيع الناس، ولا يدرون أين يذهبون.
فالفتاوى في مثل هذه المسائل، والبت والحكم في هذه المسائل يرجع فيه إلى من له حق النظر فيها، حتى يكون أبلغ في إقامة الناس على السنن.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.72 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]