
09-05-2025, 04:09 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (311)
صـ 95 إلى صـ 104
البدع عند السلف والأئمة، وجمهور العلماء يعلمون أن أصولهم بدعة في الشريعة. لكن كثيرا من الناس يظن أنها صحيحة في العقل، وأما الحذاق من الأئمة ومن اتبعهم فيعلمون أنها باطلة في العقل، مبتدعة في الشرع، وأنها تناقض ما جاء به الرسول.
وحينئذ فإن كان الخطأ في المسائل العقلية التي يقال إنها أصول الدين، كفرا [1] ، فهؤلاء السالكون هذه الطرق الباطلة في العقل المبتدعة في الشرع هم الكفار لا من خالفهم، وإن لم يكن الخطأ فيها كفرا، فلا يكفر من خالفهم فيها فثبت أنه ليس كافرا في حكم الله ورسوله على التقديرين.
ولكن من شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالا يجعلونها واجبة في الدين، بل يجعلونها من الإيمان الذي لا بد منه ويكفرون من خالفهم فيها، ويستحلون دمه كفعل الخوارج والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم. وأهل السنة لا يبتدعون قولا ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفا لهم مكفرا لهم مستحلا لدمائهم، كما لم تكفر الصحابة الخوارج، مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما، واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم.
وكلام هؤلاء المتكلمين في هذه المسائل بالتصويب والتخطئة، والتأثيم ونفيه [2] ، والتكفير ونفيه، لكونهم بنوا على القولين المتقدمين: قول القدرية الذين يجعلون كل مستدل قادرا على معرفة الحق، فيعذب كل من
(1) ن: أصول الذين كفروا، وهو تحريف.
(2) ونفيه: ساقطة من (ن) ، (م) .
لم يعرفه، وقول الجهمية الجبرية الذين يقولون: لا قدرة للعبد على شيء أصلا، بل الله يعذب بمحض المشيئة، فيعذب من لم يفعل ذنبا قط، وينعم من كفر وفسق، وقد وافقهم على ذلك كثير من المتأخرين، وهؤلاء يقولون: يجوز أن يعذب الأطفال والمجانين وإن لم يفعلوا ذنبا قط، ثم منهم من يجزم بعذاب أطفال الكفار في الآخرة، ومنهم من يجوزه ويقول: لا أدري ما يقع، وهؤلاء يجوزون أن يغفر لأفسق أهل القبلة بلا سبب أصلا، ويعذب الرجل الصالح على السيئة الصغيرة، وإن كانت له حسنات أمثال الجبال بلا سبب أصلا، بل بمحض المشيئة.
وأصل الطائفتين أن القادر المختار يرجح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح. لكن هؤلاء الجهمية يقولون: إنه في كل حادث يرجح بلا مرجح، وأولئك القدرية والمعتزلة والكرامية، وطوائف غيرهم من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث وغيرهم يقولون: أصل الإحداث والإبداع كان ترجيحا بلا مرجح، وأما بعد ذلك فقد خلق أسبابا وحكما علق الحوادث بها.
واختلفت القدرية والجهمية الجبرية في الظلم. فقالت القدرية: الظلم في حقه هو ما نعرفه من ظلم الناس بعضهم بعضا. فإذا قيل: إنه خالق أفعال العباد وإنه مريد لكل ما وقع، وقيل مع ذلك: إنه يعذب العاصي، كان هذا ظلما كظلمنا، وسموا أنفسهم العدلية. وقالت الجهمية: الظلم في حقه هو ما يمتنع وجوده، فأما كل ما يمكن وجوده فليس بظلم ; فإن الظلم إما مخالفة أمر من تجب طاعته، وإما التصرف في ملك الغير بغير
إذنه؛ فالإنسان يوصف بالظلم لأنه مخالف لأمر ربه، ولأنه قد [1] يتصرف في ملك غيره بغير إذنه. والرب تعالى ليس فوقه آمر، ولا لغيره ملك، بل إنما يتصرف في ملكه، فكل ما يمكن فليس بظلم؛ بل إذا نعم فرعون وأبا جهل وأمثالهما ممن كفر به وعصاه، وعذب موسى ومحمدا ممن آمن به وأطاعه فهو مثل العكس، الجميع بالنسبة إليه سواء. ولكن لما أخبر أنه ينعم المطيعين وأنه يعذب العصاة صار ذلك معلوم الوقوع لخبره الصادق، لا لسبب اقتضى ذلك. والأعمال علامات على الثواب والعقاب، ليست أسبابا.
فهذا قول جهم وأصحابه، ومن وافقه كالأشعري ومن وافقه من أتباع الفقهاء الأربعة والصوفية وغيرهم. ولهذا جوز هؤلاء أن يعذب العاجز عن معرفة الحق ولو اجتهد، فليس عندهم في نفس الأمر أسباب للحوادث ولا حكم، ولا في الأفعال صفات لأجلها كانت مأمورا بها ومنهيا عنها، بل عندهم يمتنع أن يكون في خلقه وأمره (لام كي) .
وأما القدرية فيثبتون له شريعة فيما يجب عليه ويحرم عليه بالقياس على عباده. وقد تكلمنا على قول الفريقين في مواضع، وذكرنا فصلا في ذلك في هذا الكتاب فيما تقدم، لما تكلمنا على ما نسبه هذا الرافضي إلى جميع [2] أهل السنة من قول هؤلاء الجهمية الجبرية، وبينا أن هذه المسألة لا تتعلق بمسألة الإمامة والتفضيل، بل من الشيعة من يقول بالجبر والقدر، وفي أهل السنة من يقول بهذا وبهذا.
(1) قد: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(2) جميع: ساقطة من (ن) ، (م) .
والمقصود هنا أن نبين أن الكلام في تصويب المتنازعين: مصيبين أو مخطئين، مثابين أو معاقبين، مؤمنين أو كفارا - هو فرع عن هذا الأصل العام الشامل لهذه المسائل وغيرها.
وبهذا يظهر القول الثالث في هذا الأصل، وهو أنه ليس كل من اجتهد واستدل يتمكن من معرفة الحق، ولا يستحق الوعيد إلا من ترك مأمورا به [1] أو فعل محظورا. وهذا هو قول [2] الفقهاء والأئمة، وهو القول المعروف عن سلف الأمة، وقول جمهور المسلمين.
وهذا القول يجمع الصواب من القولين، فالصواب من القول الأول قول الجهمية الذين وافقوا فيه السلف والجمهور وهو أنه ليس كل من طلب واجتهد واستدل على الشيء يتمكن من معرفة الحق فيه، بل استطاعة الناس في ذلك متفاوتة.
والقدرية يقولون [3] : إن الله تعالى سوى بين المكلفين في القدرة، ولم يخص المؤمنين بما فضلهم به على الكفار حتى آمنوا، ولا خص المطيعين بما فضلهم به على العصاة حتى أطاعوا.
وهذا من أقوال [4] القدرية والمعتزلة وغيرهم التي خالفوا بها الكتاب والسنة وإجماع السلف، والعقل الصريح، كما بسط في موضعه. ولهذا قالوا: إن كل مستدل فمعه قدرة تامة يتوصل بها إلى معرفة الحق.
(1) به: زيادة في (ن) ، (م) .
(2) ن، م: وهذا من قول.
(3) يقولون: كذا في (أ) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: يجعلون.
(4) ن، م: من قول
ومعلوم أن الناس إذا اشتبهت عليهم القبلة في السفر [1] فكلهم مأمورون بالاجتهاد والاستدلال على جهة القبلة، ثم بعضهم يتمكن من معرفة جهتها، وبعضهم يعجز عن ذلك فيغلط، فيظن في بعض الجهات أنها جهتها، ولا يكون مصيبا في ذلك. لكن هو مطيع لله ولا إثم عليه في صلاته إليها، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فعجزه عن العلم بها كعجزه عن التوجه إليها [كالمقيد والخائف والمحبوس والمريض الذي لا يمكنه التوجه إليها] [2] .
ولهذا كان الصواب في الأصل الثاني: قول من يقول: إن الله لا يعذب في الآخرة إلا من عصاه بترك المأمور أو فعل المحظور. والمعتزلة في هذا وافقوا الجماعة، بخلاف الجهمية ومن اتبعهم من الأشعرية وغيرهم ; فإنهم قالوا: بل يعذب من لا ذنب له، أو نحو ذلك.
ثم هؤلاء يحتجون على المعتزلة في نفس الإيجاب والتحريم العقلي بقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [سورة الإسراء: 15] وهو حجة عليهم أيضا في نفي العذاب مطلقا إلا بعد إرسال الرسل، وهم يجوزون التعذيب قبل إرسال الرسل، فأولئك يقولون: يعذب من لم يبعث إليه رسولا لأنه فعل القبائح العقلية، وهؤلاء يقولون: بل يعذب من لم يفعل قبيحا قط كالأطفال.
وهذا مخالف للكتاب والسنة والعقل أيضا. قال تعالى:
(1) في السفر: ساقطة من (ن) ، (م) .
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [سورة الإسراء 15] وقال تعالى عن النار: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير} قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير [سورة الملك 8 - 9] . فقد أخبر سبحانه وتعالى بصيغة العموم أنه كلما ألقي فيها فوج سألهم الخزنة: هل جاءهم [1] نذير فيعترفون بأنهم قد جاءهم نذير فلم يبق فوج يدخل النار إلا وقد جاءهم نذير، فمن لم يأته نذير لم يدخل النار.
وقال تعالى لإبليس: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [سورة ص: 85] فقد أقسم سبحانه أنه يملؤها من إبليس وأتباعه، وإنما أتباعه من أطاعه، فمن لم يعمل ذنبا لم يطعه، فلا يكون ممن تملأ [2] به النار، وإذا ملئت بأتباعه لم يكن لغيرهم فيها موضع.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "«لا يزال يلقى في النار وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه وفي رواية فيضع قدمه عليها فتقول: قط قط، وينزوي بعضها إلى بعض" [3] أي تقول: حسبي
(1) ن، م: جاءكم.
(2) ن، ر، ح، و، ي: تمتلئ.
(3) الحديث مع اختلاف في الألفاظ عن أبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهما في البخاري 6/138 كتاب التفسير (سورة ق، قوله تعالى: وتقول هل من مزيد) وعن أنس فيه 8/134 - 135 كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بعزة الله وصفاته وكماله، وعنه أيضا 9/116 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وهو العزيز الحكيم، وعن أبي هريرة فيه 9/134 كتاب التوحيد، باب ما جاء في قوله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) وجاء الحديث أيضا في مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهم 4/2186 - 2188 كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، وفي المسند عن أبي هريرة ط. المعارف 17/13 - 14 ط. الحلبي 2/507
حسبي. وأما الجنة فيبقى فيها فضل، فينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضول الجنة.» [1] . هكذا روي في الصحاح من غير وجه، ووقع في بعض طرق البخاري غلط قال فيه: "«وأما النار فيبقى فيها فضل»" [2] والبخاري رواه في سائر المواضع على الصواب ليبين غلط هذا الراوي، كما جرت عادته بمثل ذلك إذا وقع من بعض الرواة غلط في لفظ، ذكر ألفاظ سائر الرواة التي يعلم بها الصواب، وما علمت وقع فيه غلط إلا
(1) هذا جزء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: (وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا) في البخاري 6/138 - 139 الموضع السابق ; مسلم 4/2186 - 2187 الموضع السابق. وفي مسلم 6/2188 عن أنس رضي الله عنه: (يبقى من الجنة ما شاء الله أن يبقى، ثم ينشئ الله تعالى لها خلقا مما يشاء) وعن أنس رضي الله عنه رواية أخرى جاء فيها: (ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة) وهي في البخاري 9/117 الموضع السابق وفي مسلم 4/2188 (الموضع السابق) .
(2) لم أجد هذه الألفاظ في البخاري مع طول البحث ولكني وجدت حديثا فيه 9/134 كتاب التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) . عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: (وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها: قال: فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا وإنه ينشئ للنار من يشاء فيلقون فيها فتقول: هل من مزيد؟ ثلاثا، حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها إلى بعض وتقول: قط قط قط) وذكر ابن حجر في شرحه للحديث فتح الباري 13/436 - 437: وقال أبو الحسن القابسي: المعروف في هذا الموضع أن الله ينشئ للجنة خلقا، وأما النار فيضع فيها قدمه، قال: ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقا إلا هذا. انتهى، وقد قال جماعة من الأئمة: إن هذا الوضع مقلوب، وجزم ابن القيم بأنه غلط، واحتج بأن الله تعالى أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه، وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني واحتج بقوله: (ولا يظلم ربك أحدا) ثم قال: وحمله على أحجار تلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يعذب بغير ذنب. انتهى. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على الحديث 11/434: جزم ابن القيم بأن هذا غلط من الراوي، صوابه: (ينشئ للجنة) كما تقدم برقم 4850 حديث أبي هريرة في تفسير سورة ق: قوله تعالى: (وتقول هل من مزيد) وكما في رقم 7384 حديث أنس في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وهو العزيز الحكيم) من طريق قتادة عن أنس، فتبين منهما أن الراوي هنا سبق لفظه من الجنة إلى النار، ويسمونه في مصطلح الحديث المنقلب. ووجدت كلام ابن القيم المشار إليه في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص 385 ط. المدني 1398
وقد بين فيه [1] الصواب، بخلاف مسلم فإنه وقع في صحيحه عدة أحاديث غلط، أنكرها جماعة من الحفاظ على مسلم. والبخاري قد أنكر عليه بعض الناس تخريج أحاديث، لكن الصواب فيها مع البخاري، والذي أنكر على الشيخين أحاديث قليلة جدا، وأما سائر متونهما فمما اتفق علماء المحدثين على صحتها وتصديقها وتلقيها بالقبول لا يستريبون في ذلك.
وقد قال تعالى: {يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين - ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} [سورة الأنعام 130 - 131]
(1) ر، ح: فيها.
فقد خاطب الجن والإنس، واعترف المخاطبون بأنهم جاءتهم رسل يقصون عليهم آياته وينذرونهم لقاء يوم القيامة. ثم قال: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} أي هذا بهذا السبب؛ فعلم أنه لا يعذب من كان غافلا ما لم يأته نذير، فكيف الطفل الذي لا عقل له؟ .
ودل أيضا على أن ذلك ظلم تنزه سبحانه عنه، وإلا فلو كان الظلم هو الممتنع لم يتصور أن يهلكهم بظلم، بل كيفما أهلكهم فإنه ليس بظلم عند الجهمية الجبرية.
وقد قال تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} [سورة القصص: 59] . وقال تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} [سورة هود: 117] . وقال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} [سورة طه 112] قال المفسرون: الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره، والهضم أن ينقص من حسناته، فجعل سبحانه عقوبته بذنب غيره ظلما ونزه نفسه عنه.
ومثل هذا كثير كقوله: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [سورة البقرة 286] وقوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [سورة الأنعام: 164] ، وكذلك قوله: {لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد - ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} [سورة ق 28 - 29] فبين سبحانه أنه قدم
بالوعيد وأنه ليس بظلام للعبيد [1] ، كما قال في الآية الأخرى: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد - وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب} [سورة هود: 100 - 101] فهو سبحانه نزه نفسه عن ظلمهم وبين أنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بشركهم فمن لم يكن ظالما لنفسه تكون عقوبته ظلما تنزه الله عنه.
وقال في الآية الأخرى: {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون - لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون - وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} [سورة الزخرف 74 - 76] .
وهذا الظلم الذي نزه نفسه عنه: إن كان هو الممتنع الذي لا يمكن فعله فأي فائدة في هذا؟ وهل أحد يخاف أن يفعل به ذلك؟ وأي تنزيه في هذا؟ وإذا قيل: هو لا يفعل إلا ما يقدر عليه. قيل: هذا معلوم لكل أحد، وكل أحد لا يفعل إلا ما يقدر عليه. فأي مدح في هذا مما يتميز به الرب سبحانه عن العالمين؟ [2] .
(* فعلم أن من الأمور الممكنة ما هو ظلم تنزه الله سبحانه عنه مع قدرته عليه، وبذلك يحمد ويثنى عليه ; فإن الحمد والثناء يقع بالأمور الاختيارية من فعل وترك، كعامة ما في القرآن من الحمد، والشكر أخص
(1) للعبيد كذا في (ن) ، (م) ، (ي) : وفي سائر النسخ: لهم.
(2) ح، ر: عن العالمين الظالمين و، أ: عن الظالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|