المجموع شرح المهذب
أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي
(المتوفى: 676هـ) فقه شافعى
كتاب الصيام
352الى 358
(16)
عليه وسلم محرما في حجة الوادع سنة عشرة من الهجرة ولم يصحبه محرما قبل ذلك وكان الفتح سنة ثمان بلا شك فحديث ابن عباس بعد حديث شداد بسنتين وزيادة قال فحديث ابن عباس ناسخ قال البيهقي ويدل علي النسح أيضا قوله في حديث أنس السابق في قصة جعفر "ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة" هو حديث صحيح كما سبق قال وحديث أبي سعيد الخدري السابق أيضا فيه لفظ الترخيص وغالب ما يستعمل الترخيص بعد النهي (الجواب الثاني) أجاب به الشافعي أيضا
أن حديث ابن عباس أصح ويعضده أيضا القياس فوجب تقدبمه (الجواب الثالث) جواب الشافعي أيضا والخطابي وأصحابنا أن المراد بأفطر الحاجم والمحجوم أنهما كانا يغتابان في صومهما وروى البيهقي ذلك في بعض طرق حديث ثوبان قال الشافعي وعلى هذا التأويل يكون المراد بإفطارهما أنه ذهب أجرهما كما قال بعض الصحابة لمن تكلم في حال الخطبة لا جمعة لك أي ليس لك أجرها وإلا فهي صحيحة مجزئة عنه (الجواب الرابع) ذكره الخطابي أن معناه تعرضا للفطر (أما) المحجوم فلضعفه بخروج الدم فربما لحقه مشقة فعجز عن الصوم فأفطر بسببها (وأما) الحاجم فقد يصل جوفه شئ من الدم أو غيره إذا ضم شفتيه على قصب الملازم كما يقال للمتعرض للهلاك هلك فلان وإن كان باقيا سالما وكقوله صلى الله عليه وسلم "من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين" أي تعرض للذبح بغير سكين
(الخامس) ذكره الخطابي أيضا أنه مر بهما قريب المغرب فقال أفطرا أي حان فطرهما كما يقال أمسى الرجل إذا دخل في وقت المساء أو قاربه (السادس) أنه تغليظ ودعاء عليهما لارتكابهما ما يعرضهما لفساد صومهما (واعلم) أن أبا بكر بن خزيمة اعترض على الاستدلال بحديث ابن عباس فروى عنه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك أنه قال ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "أفطر الحاجم والمحجوم" فقال بعض من خالفنا في هذه المسألة وقال لا يفطر لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "احتجم وهو محرم صائم" ولا حجة له في هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما احتجم وهو محرم صائم في السفر لأنه لم يكن قط محرما مقيما ببلده والمسافر إذا نوى الصوم له الفطر بالأكل والشرب والحجامة وغيرها فلا يلزم من حجامته أنها لا تفطر فاحتجم وصار مفطرا وذلك جائز هذا كلام ابن خزيمة وحكاه الخطابي في معالم السنن ثم قال وهذا تأويل باطل لأنه قال احتجم وهو صائم فأثبت له الصيام مع الحجامة ولو بطل صومه بها لقال أفطر بالحجامة كما يقال أفطر الصائم بأكل الخبز ولا يقال أكله وهو صائم قلت ولأن السابق إلى الفهم من قول ابن عباس "احتجم وهو صائم" الإخبار بأن الحجامة لا تبطل الصوم ويؤيده باقى الاحاديث المذكروة والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله
*
{قال واكره له العلك لانه يجفف الفم ويعطش ولا يفطر لانه يدور في الفم ولا ينزل الي الجوف شئ فان تفرك وتفتت فوصل منه شئ الي الجوف بطل الصوم ويكره له أن يمضغ الخبز فان كان له ولد صغير ولم يكن له من يمضغ غيره لم يكره له ذلك}
* {الشرح} قوله قال يعني الشافعي والعلك بكسر العين هو هذا المعروف ويجوز فتح العين ويكون المراد الفعل وهو مضغ العلك وإدارته وقوله يمضغ هو بفتح الصاد وضمها لغتان (أما) الأحكام ففيها مسألتان (إحداهما) قال الشافعي والأصحاب يكره للصائم العلك لأنه يجمع الريق ويورث العطش والقئ وروى البيهقي بإسناده عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت "لا يمضغ العلك الصائم" ولفظ الشافعي في مختصر المزني وأكره العلك لأنه يحلب الفم قال صاحب الحاوي رويت هذه اللفظة بالجيم وبالحاء فمن قال بالجيم فمعناه يجمع الريق فربما ابتلعه وذلك يبطل الصوم في أحد الوجهين ومكروه في الآخر قال وقد قيل معناه يطيب الفم ويزيل الخلوف قال ومن قاله بالحاء فمعناه يمتص الريق ويجهد الصائم فيورث العطش قال أصحابنا ولا يفطر بمجرد العلك ولا بنزول
الريق منه إلى جوفه فإن تفتت فوصل من جرمه شئ إلى جوفه عمدا وإن شك في ذلك لم يفطر ولو نزل طعمه في جوفه أو ريحه دون جرمه لم يفطر لأن ذلك الطعم بمجاورة الريق له هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى الدارمي وجها عن ابن القطان أنه إن ابتلع الريق وفيه طعمه أفطر وليس بشئ (الثانية) يكره له مضغ الخبز وغيره من غير عذر وكذا ذوق المرق والخل وغيرهما فإن مضغ أو ذاق ولم ينزل إلى جوفه شئ منه لم يفطر فإن احتاج إلى مضغه لولده أو غيره ولم يحصل الاستغناء عن مضغه لم يكره لأنه موضع ضرورة وروى البيهقي بإسناده الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال "لا بأس أن يتطاعم الصائم بالشئ" يعني المرقة ونحوها * قال المصنف رحمه الله
* ومن حركت القبلة شهوته كره له أن يقبل وهو صائم والكراهة كراهة تحريم وان لم تحرك شهوته قال الشافعي فلا بأس بها وتركها أولي والاصل في ذلك ماروت عائشة رضي الله عنها قالت "كان"
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لاربه "وعن ابن عباس انه ارخص فيها للشيخ وكرهها للشاب ولانه في حق احدهما لا يأمن ان ينزل فيفسد الصوم وفى الاخر يأمن ففرق بينهما"
* {الشرح} حديث عائشة رواه البخاري ومسلم بهذا اللفظ وفي رواية لمسلم "يقبل في رمضان وهو صائم" وعن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيقبل الصائم فقال سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال يارسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم والله إني أتقاكم لله وأخشاكم له" رواه مسلم وعمر بن أبي سلمة هذا هو الحميري هكذا جاء مبينا في رواية البيهقي وليس هو ابن أم سلمة وعن عمر رضي الله عنه "قال هششت يوما فقبلت وأنا صائم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إني صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم قلت لا بأس بذلك قال ففيم" رواه أبو داود قد سبق بيانه حيث ذكره المصنف ومما جاء في كراهتها للشاب ونحوه حديث ابن عباس قال "رخص للكبير الصائم في المباشرة وكره للشاب" رواه ابن ماجه هكذا وظاهره أنه مرفوع ورواه مالك والشافعي والبيهقي باسانيدهم الصحيحة عن عطاء بن يسار أن ابن عباس سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب هكذا رواه أبو داود موقوفا عن ابن عباس وعن أبي هريرة "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فنهاه هذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب" رواه أبو داود
بإسناد جيد ولم يضعفه وعن ابن عمرو بن العاص قال "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال يارسول الله أقبل وأنا صائم فقال لا فجاء شيخ فقال أقبل وأنا صائم قال نعم" رواه أحمد بن حنبل بإسناد ضعيف من رواية ابن لهيعة (وأما) الحديث المروي عن ميمونة مولاة النبي صلي الله عليه قالت "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل قبل امرأته وهما صائمان فقال قد أفطرا" رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني باسناد ضعيف قال الدارقطني روايه مجهول قال ولا يثبت هذا وعن الأسود قال "قلت"
لعائشة أيباشر الصائم قالت لا قلت أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر قالت كان أملككم لإربه "رواه البيهقي بإسناد صحيح فهذه جملة من الأحاديث والآثار الواردة في القبلة (وقولها) لإربه بكسر الهمزة مع إسكان الراء وروى أيضا بفتحهما جميعا"
* (أما) حكم المسألة فهو كما قاله المصنف تكره القبلة على من حركت شهوته وهو صائم ولا تكره لغيره لكن الأولى تركها ولا فرق بين الشيخ والشاب في ذلك فالاعتبار بتحريك الشهوة وخوف الإنزال فإن حركت شهوة شاب أو شيخ قوي كرهت وإن لم تحركها لشيخ أو شاب ضعيف لم تكره والأولى تركها وسواء قبل الخد أو الفم أو غيرهما وهكذا المباشرة باليد والمعانقة لهما حكم القبلة ثم الكراهة في حق من حركت شهوته كراهة تحريم عند المنصف وشيخه القاضي أبى الطيب والعبد رى وغيرهم وقال آخرون كراهة تنزيه ما لم ينزل وصححه المتولي قال الرافعي وغيره الأصح كراهة تحريم وإذا قبل ولم ينزل لم يبطل صومه بلا خلاف عندنا سواء قلنا كراهة تحريم أو تنزيه
* {فرع} في مذاهب العلماء في القبلة للصائم
* ذكرنا أن مذهبنا كراهتها لمن حركت شهوته ولا تكره لغيره والأولى تركها فإن قبل من تحرك شهوته ولم ينزل لم يبطل صومه قال ابن المنذر رخص في القبلة عمر بن الخطاب وابن عباس وأبو هريرة وعائشة وعطاء والشعبي والحسن واحمد واسحق قال وكان سعد ابن أبي وقاص لا يرى بالمباشرة للصائم بأسا وكان ابن عمر ينهى عن ذلك وقال ابن مسعود يقضي يوما مكانه وكره مالك القبلة للشاب والشيخ في رمضان وأباحتها طائفة للشيخ دون الشاب ممن قاله ابن عباس وقال أبو ثور إن خاف المجاوزة من القبلة إلى غيرها لم يقبل هذا نقل ابن المنذر ومذهب أبي حنيفة كمذهبنا وحكى الخطابي عن سعيد بن المسيب أن من قبل في رمضان قضى يوما مكانه وحكاه الماورى عن محمد ابن الحنفية وعبد الله ابن شبرمة قال وقال سائر الفقهاء القبلة لا تفطر إلا أن يكون معها إنزال فإن أنزل معها أفطر ولزمه القضاء دون الكفارة ودلائل هذه المذاهب تعرف مما سبق في الاحاديث والله تعالى أعلم
* قال المصنف رحمه الله* {وينبعى للصائم أن ينزه صومه عن الغيبة والشم فان شوتم قال انى صائم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا كان احدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فان أمرؤ قاتله أو شاتمه فليقل انى صائم" }
* {الشرح} حديث أبي هريرة رواه البخاري ومسلم والرفث الفحش في الكلام ومعنى شاتمه شتمه متعرضا لمشاتمته (وقوله) صلى الله عليه وسلم فليقل اني صائم ذكر العلماء فيه تأويلين (احدهما) يقوله بلسانه ويسمعه لصاحبه ليزجره عن نفسه
(والثاني)
وبه جزم المتولي يقوله في قلبه لا بلسانه بل يحدث نفسه بذلك ويذكرها أنه صائم لا يليق به الجهل والمشاتمة والخوض مع الخائضين قال هذا القائل لأنه يخاف عليه الرياء إذا تلفظ به ومن قال بالأول يقصد زجره لا للرياء والتأويلان حسنان والأول أقوى ولو جمعهما كان حسنا (وقول) المصنف ينبغي للصائم أن ينز صومه عن الغليبة والشتم معناه يتأكد التنزه عن ذلك في حق الصائم أكثر من غيره للحديث وإلا فغير الصائم ينبغي له ذلك أيضا ويؤمر به في كل حال والتنزه التباعد فلو اغتاب في صومه عصى ولم يبطل صومه عندنا وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا الأوزاعي فقال يبطل الصوم بالغيبة ويجب قضاؤه
* واحتج بحديث أبي هريرة المذكور وبحديثه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري وعنه أيضا قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر" رواه النسائي وابن ماجه في سننهما ورواه الحاكم في المستدرك قال وهو صحيح على شرط البخاري وعنه أيضا قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الصيام من الأكل والشرب فقط الصيام من اللغو والرفث" رواه البيهقي ورواه الحاكم في المستدرك وقال هو صحيح على شرط مسلم وبالحديث الآخر "خمس يفطرن الصائم الغيبة والنميمة والكذب والقبلة واليمين الفاجرة" وأجاب أصحابنا عن هذه الأحاديث سوى الأخير بأن المراد أن كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام الردئ لا أن الصوم يبطل به (وأما) الحديث الأخير "خمس يفطرن الصائم" فحديث باطل لا يحتج به وأجاب عنه الماوردي والمتولي وغيرهما بأن المراد بطلان الثواب لا نفس الصوم
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* ويكره الوصال في الصوم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إياكم والوصال إياكم والوصال قالوا إنك تواصل يارسول الله قال إني لست كهيئتكم إني أبيت"
عند ربي يطعمنى ويسقيني "وهل هو كراهة تحريم أو كراهة تنزيه فيه وجهان"
(أحدهما)
أنه كراهة تحريم لان النهي يقتضي التحريم
(والثانى)
أنه كراهة تنزيه لانه إنما نهى عنه حتي لا يضعف عن الصوم وذلك أمر غير محقق فلم يتعلق به أثم فان واصل لم يبطل صومه لان النهي لا يرجح إلى الصوم فلا يوجب بطلانه
* {الشرح} حديث أبي هريرة رواه البخاري ومسلم والوصال بكسر الواو ويطعمني بضم الياء ويسقيي بضم الياء وفتحها والفتح أفصح وأشهر (وقوله) لأنه إنما نهى عنه بضم النون وفتحها
* أما حكم الوصال فهو مكروه بلا خلاف عندنا وهل هي كراهة تحريم أم تنزيه فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران ودليلهما في الكتاب (أصحهما) عند أصحابنا وهو ظاهر نص الشافعي كراهة تحريم لأن الشافعي رضي الله قال في المختصر فرق الله تعالى بين رسوله وبين خلقه في أمور أباحها له وحظرها عليهم وذكر منها الوصال وممن صرح به من أصحابنا بتصحيح تحريمه صاحب العدة والرافعي وآخرون وقطع به جماعة من أصحابنا منهم القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد والخطابى في المعالم وسليم الدارى في الكفاية وإمام الحرمين في النهاية والبغوي والروياني في الحلية والشيخ نصر في كتابه الكافي وآخرون كلهم صرحوا بتحريمه من غير خلاف قال أصحابنا وحقيقة الوصال المنهي عنه أن يصوم يومين فصاعدا ولا يتناول في الليل شيئا لا ماء ولا مأكولا فإن أكل شيئا يسيرا أو شرب فليس وصالا وكذا إن أخر الأكل إلى السحر لمقصود صحيح أو غيره فليس بوصال وممن صرح بأن الوصال أن لا يأكل ولا يشرب ويزول الوصال بأكل أو شرب وإن قل صاحب الحاوي وسليم الرازي والقاضي أبو الطيب وإمام الحرمين والشيخ نصر والمتولي وصاحب العدة وصاحب البيان وخلائق لا يحصون من أصحابنا وأما قول المحاملي في المجموع وأبي علي بن الحسن بن عمر البندنيجي
في كتابه الجامع والغزالي في الوسيط والبغوى في التهذيب الوصال أن لا يأكل شيئا في الليل وخصوه بالأكل فضعيف بل هو متأول على موافقة الأصحاب ويكون مرادهم لا يأكل ولا يشرب كما قاله الجماهير واكتفوا بذكر أحد القرينين كقوله تعالى (سرابيل تقيكم الحر) أي والبرد ونظائره معروفة وقد بالغ إمام الحرمين فقال في النهاية في بيان ما يزول به الوصال فقيل يزول الوصال بقطرة يتعاطاها كل ليلة ولا يكفي اعتقاده أن من جن عليه الليل فقد أفطر هذا لفظه بحروفه (واعلم) أن الجمهور قد أطلقوا في بيان حقيقة الوصال أنه صوم يومين فأكثر من غير أكل ولا شرب في الليل وقال الروياني في الحلية الوصال أن يصل صوم الليل بصوم النهار قصدا فلو ترك الأكل بالليل لا على قصد الوصال والتقرب إلى الله به لم يحرم
وقال البغوي العصيان في الوصال لقصده إليه وإلا فالفطر حاصل بدخول الليل كالحائض إذا صلت عصت وإن لم يكن لها صلاة وهذا الذي قالاه خلاف إطلاق الجمهور وخلاف ما صرح به إمام الحرمين كما سبق قريبا وقد قال المحاملي في المجموع الوصال ترك الأكل بالليل دون نية الفطر لأن الفطر يحصل بالليل سواء نوى الإفطار أم لا هذا كلامه وظاهره مخالف لقول الروياني والبغوي والله أعلم فالصواب أن الوصال ترك الأكل والشرب في الليل بين الصومين عمدا بلا عذر
* {فرع} اتفق أصحابنا وغيرهم على أن الوصال لا يبطل الصوم سواء حرمناه أو كرهناه لما ذكره المصنف أن النهي لا يعود إلى الصوم والله أعلم
* {فرع} اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن الوصال من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مكروه في حقنا (إما) كراهة تحريم على الصحيح (وإما) تنزيه ومباح له صلى الله عليه وسلم كذا قاله الشافعي والجمهور وقال إمام الحرمين هو قربة في حقه وقد نبه صلى الله عليه وسلم على الفرق بيننا وبينه في ذلك بقوله "إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" واختلف أصحابنا في تأويل هذا الحديث على وجهين مشهورين في الحاوي ومنهاج القاضي أبي الطيب والمعالم للخطابي والعدة والبيان وغيرها
(أحدهما)
وهو الأصح أن معناه أعطي قوة الطاعم الشارب وليس المراد الأكل حقيقة إذ لو أكل حقيقة لم يبق وصال ولقال ما أنا مواصل ويؤيد هذا التأويل ما سنذكره إن شاء الله تعالى
قريبا في فرع بيان الأحاديث في حديث أنس وقوله صلى الله عليه وسلم "إني أظل يطعمني ربي ويسقيني" ولا يقال ظل إلا في النهار فدل على أنه لم يأكل
(والثاني)
أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من الجنة كرامة له لا تشاركه فيها الأمة وذكر صاحب العدة والبيان تأويلا ثالثا مع هذين قالا وقيل معناه أن محبة الله تشغلني عن الطعام والشراب والحب البالغ يشغل عنهما
* {فرع} قال أصحابنا الحكمة في النهي عن الوصال لئلا يضعف عن الصيام والصلاة وسائر الطاعات أو يملها ويسأم منها لضعفه بالوصال أو يتضرر بدنه أو بعض حواسه وغير ذلك من أنواع الضرر
* {فرع} في مذاهب العلماء في الوصال
* ذكرنا أن مذهبنا أنه منهي عنه وبه قال الجمهور وقال العبدرى هو قول العلماء كافة إلا ابن الزبير فإنه كان يواصل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن المنذر كان ابن الزبير وابن أبي نعيم يواصلان وذكر الماوردي في الحاوي أن عبد الله بن الزبير واصل سبعة عشر يوما ثم أفطر على سمن ولبن وصبر قال وتأول في السمن أنه يلين الأمعاء واللبن ألطف غذاء والصبر يقوي الأعضاء
* دليلنا الحديث السابق وما سنذكره من الأحاديث إن شاء الله تعالى
* {فرع} في بيان جملة من أحاديث الوصال
* عن ابن عمر قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن"