عرض مشاركة واحدة
  #524  
قديم 25-02-2025, 04:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,288
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ ص
المجلد الرابع عشر
صـ 5111 الى صـ 5120
الحلقة (524)








القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 46]
إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار (46)
إنا أخلصناهم أي صفيناهم عن شوب صفات النفوس وكدورة حظوظا.
وجعلناهم لنا خالصين بالمحبة الحقيقية بخالصة ذكرى الدار أي الباقية والمقر الأصلي، أي استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكرهم لعالم القدس، وإعراضهم عن معدن الرجس، مستشرفين لأنوارنا، لا التفات لهم إلى الدنيا وظلماتها أصلا.
لطيفة:
قال السمين: قرأ نافع وهشام: بخالصة ذكرى الدار بالإضافة. وفيها أوجه:
أحدها- أن يكون أضاف خالصة إلى ذكرى للبيان. لأن الخاصة قد تكون ذكرى وغير ذكرى. كما قوله: بشهاب قبس [النمل: 7] ، لأن الشهاب يكون قبسا وغيره.
الثاني- أن الخالصة مصدر بمعنى إخلاص، فيكون مصدرا مضافا لمفعوله، والفاعل
(1)
أخرجه في: الحدود، حديث رقم 34.

محذوف، أي بأن أخلصوا ذكر الدار وتناسوا عند ذكرها ذكر الدنيا. وقد جاء المصدر على (فاعلة) كالعاقبة. أو يكون المعنى بأن أخلصنا نحن لهم ذكرى الدار.
وقرأ الباقون بالتنوين وعدم الإضافة. وفيها أوجه: أحدها- أنها مصدر بمعنى الإخلاص، فيكون (ذكرى) منصوبا به، وأن يكون بمعنى الخلوص، فيكون (ذكرى) مرفوعا به، والمصدر يعمل منونا كما يعمل مضافا. أو يكون (خالصة) اسم فاعل على بابه. و (ذكرى) بدل أو بيان لها أو منصوب بإضمار (أعني) أو هو مرفوع على إضمار مبتدأ، و (الدار) يجوز أن يكون مفعولا به ب (ذكرى) وأن يكون ظرفا إما على الاتساع وإما على إسقاط الخافض. و (خالصة) إن كانت صفة، فهي صفة لمحذوف. أي بسبب خصلة خالصة. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : الآيات 47 الى 48]
وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (47) واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار (48)
وإنهم عندنا لمن المصطفين أي المختارين من أبناء جنسهم لقربنا الأخيار أي المنزهين عن شوائب الشرور. على أنه جمع (خير) مقابل (شر) الذي هو أفعل تفضيل. أو هو جمع (خير) المشدد أو المخفف منه واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار أي بالنبوة والرسالة، للهداية والإصلاح.
و (اليسع) خليفة إلياس وكان خادمه. ويقال له بالعبرانية (اليشاع) كما يسمى إلياس فيها (إيليا) ، وفي التوراة نبأ طويل عن اليسع ونبوته ومعجزاته صلوات الله عليه.
وتقدم علم أنباء هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، في سورة الأنبياء.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : الآيات 49 الى 50]
هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب (49) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب (50)
هذا ذكر أي شرف لهم. و (الذكر) يتجوز به عنه. قال الشهاب: لأن الشرف يلزمه الشهرة والذكر بين الناس، فتجوز به عنه بعلاقة اللزوم. فيكون المعنى:
أي في ذكر قصصهم وتنويه الله بهم شرف لهم. واختار الزمخشري أن المعنى: هذا نوع من الذكر وهو القرآن. أي فالتنوين للتنويع. والمراد بالذكر القرآن. فذكره إنما هو للانتقال من نوع من الكلام إلى آخر.
قال الزمخشري: لما أجرى ذكر الأنبياء وأتمه، وهو باب من أبواب التنزيل،
ونوع من أنواعه، وأراد أن يذكر على عقبه بابا آخر، وهو ذكر الجنة وأهلها، قال هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن أي إقامة وخلود مفتحة لهم الأبواب أي متى جاءوها يرونها في انتظارهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 51]
متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب (51)
متكئين فيها أي على الأرائك يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب أي مهما طلبوا وجدوا، وأحضر كما أرادوا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 52]
وعندهم قاصرات الطرف أتراب (52)
وعندهم قاصرات الطرف أي لا ينظرن إلى غير أزواجهن. أو يمنعن طرف الأزواج أن تنظر للغير، لشدة الحسن. وهو أبلغ. أو بمعنى حور الطرف جمع (أحور) والثوب المقصور يشبه بالحواري في بياضه ونصاعته أتراب أي متساوية في السن والرتب، لا عجوز بينهن. جمع (ترب) بكسر فسكون. وهو من يولد معه في وقت واحد. كأنهما وقعا على التراب في زمان واحد. ف (ترب) فعل بمعنى مفاعل ومتارب. وكمثل بمعنى، مماثل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 53]
هذا ما توعدون ليوم الحساب (53)
هذا ما توعدون ليوم الحساب أي لوقت جزائه. واللام تعليلية. فإن ما وعده لأجل طاعتهم وأعمالهم الصالحة. وهي تظهر بالحساب وتقع بعده. فجعل كأنه علة لتوقف إنجاز الوعد عليه. فالنسبة لليوم والحساب مجازية. ولو جعلت اللام بمعنى (بعد) كما في (كتب لخمس) سلم مما ذكر. أفاده الشهاب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 54]
إن هذا لرزقنا ما له من نفاد (54)
إن هذا لرزقنا ما له من نفاد أي انقطاع.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : الآيات 55 الى 56]
هذا وإن للطاغين لشر مآب (55) جهنم يصلونها فبئس المهاد (56)
هذا أي باب في وصف الجنة وأهلها. فهو مبتدأ خبر مقدر. أو الأمر هذا.
فهو خبر لمحذوف. أو مفعول لمحذوف وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد أي الفراش. مستعار من فراش النائم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 57]
هذا فليذوقوه حميم وغساق (57)
هذا فليذوقوه حميم وغساق وهو ما يغسق من صديد أهل النار. أي يسيل وجملة فليذوقوه معترضة بين المبتدأ وخبره.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 58]
وآخر من شكله أزواج (58)
وآخر أي ومذوق، أو عذاب آخر من شكله أي هذا المذوق أو العذاب في الشدة والهوان أزواج أي أجناس وأصناف. ثم بين ما يقال للرؤساء الطاغين، إذا أدخلوا النار.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 59]
هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار (59)
هذا فوج مقتحم معكم أي هذا جمع من أتباعكم وأشباهكم، أهل طبائع السوء والرذائل المختلفة، مقتحم معكم في مضايق المذلة ومداخل الهوان.
والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها. وقوله لا مرحبا بهم دعاء من الرؤساء على أتباعهم. أو صفة ل (فوج) . أو حال. أي مقولا فيهم لا مرحبا بهم أي ما أتوا ربهم رحبا وسعة، لشدة عذابهم وكونهم في الضيق والضنك، واستيحاش بعضهم من بعض، لقبح المناظر وسوء المخابر إنهم صالوا النار أي داخلوها بأعمالهم مثلنا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 60]
قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار (60)
قالوا أي الأتباع للرؤساء بل أنتم لا مرحبا بكم أي بل أنتم أحق بما
قلتم، لتضاعف عذابكم بضلالكم وإضلالكم أنتم قدمتموه لنا أي قدمتم العذاب بإضلالنا وإغوائنا.
قال القاشاني: وهذه المقاولات قد تكون بلسان المقال وقد تكون بلسان الحال. أي لأن الوضع لا يختص بالحقيقة. إلا أن الأظهر الأول. ويؤيده قوله تعالى بعد إن ذلك لحق تخاصم أهل النار فبئس القرار أي المستقر جهنم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 61]
قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار (61)
قالوا أي الأتباع أيضا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار كقوله تعالى: ربنا آتهم ضعفين من العذاب [الأحزاب: 68] .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 62]
وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار (62)
وقالوا أي الطاغون أو الأتباع ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار يعنون فقراء المسلمين الذين يسترذلونهم ويسخرون بهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 63]
أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار (63)
أتخذناهم سخريا قرئ بلفظ الإخبار على أنه صفة ل (رجالا) . وبهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم. وقوله تعالى: أم زاغت عنهم الأبصار أي مالت عنهم كبرا، وتنحت عنهم أنفة. والمعنى أي الفعلين فعلنا بهم، السخرية منهم أم الإزراء بهم، على معنى إنكار الأمرين على أنفسهم، تحسرا وندامة على ما فعلوا، وعلى ما حاق بهم وحدهم من سوء العذاب، وقيل (أم) بمعنى (بل) أي بل زاغت عنهم أبصارنا لخفاء مكانهم علينا في النار.
كأنهم يسلون أنفسهم بالمحال، يقولون: أو لعلهم معنا في جهنم ولكن لم يقع بصرنا عليهم. فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات وهو قوله عز وجل ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم، فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين [الأعراف: 44] ، إلى قوله: ادخلوا الجنة [الأعراف: 49] ، الآية. وقيل: (أم)
بمعنى (بل) أيضا، أي بل زاغت عنهم أبصارنا لكونهم في دار أخرى وهي دار النعيم. وقرئ (سخريا) بضم السين وكسرها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 64]
إن ذلك لحق تخاصم أهل النار (64)
إن ذلك أي الذي حكي عنهم لحق تخاصم أهل النار أي لواقع وثابت.
وتخاصم بدل من (حق) أو خبر لمحذوف. وقرئ بالنصب على البدل من ذلك قال الزمخشري: فإن قلت: لم سمي ذلك تخاصما؟ قلت: شبه تقاولهم وما يجري بينهم من السؤال والجواب، بما يجري بين المتخاصمين من نحو ذلك. ولأن قول الرؤساء لا مرحبا بهم وقول أتباعهم بل أنتم لا مرحبا بكم من باب الخصومة. فسمي التقاول كله تخاصما، لأجل اشتماله على ذلك. انتهى.
فكتب الناصر عليه: هذا يحقق ما تقدم من أن قوله: لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار من قول المتكبرين الكفار. وقوله تعالى: بل أنتم لا مرحبا بكم من قول الأتباع. فالخصومة على هذا التأويل حصلت من الجهتين. فيتحقق التخاصم.
خلافا لمن قال إن الأول من كلام خزنة جهنم والثاني من كلام الأتباع. فإنه على هذا التقدير، إنما تكون الخصومة من أحد الفريقين. فالتفسير الأول أمكن وأثبت. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 65]
قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار (65)
قل إنما أنا منذر أي رسول مخوف وما من إله إلا الله الواحد أي بلا ولد ولا شريك القهار أي الغالب على خلقه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 66]
رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار (66)
رب السماوات والأرض وما بينهما أي من الخلق والعجائب العزيز أي الذي لا يغلب إذا عاقب العصاة الغفار أي لمن تاب وأناب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 67]
قل هو نبأ عظيم (67)
قل هو أي الذي أنذرتكم به من التوحيد ومن البعثة به نبأ عظيم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 68]
أنتم عنه معرضون (68)
أنتم عنه معرضون لتمادي غفلتكم. فإن العاقل لا يعرض عن مثله. كيف وقد قامت عليه الحجج الواضحة. أما على التوحيد، فما مر من آثار قدرته وصنعه البديع. أما على بعثته صلى الله عليه وسلم به، فقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 69]
ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون (69)
ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون أي فإن إخباره عن محاورة الملائكة وما جرى بينهم، على ما ورد في الكتب المتقدمة، من غير سماع ومطالعة كتاب، لا يتصور إلا بالوحي.
قال القاشاني: وفرق بين اختصام الملأ الأعلى واختصام أهل النار بقوله في تخاصم أهل النار إن ذلك لحق وفي اختصام الملأ الأعلى إذ يختصمون لأن ذلك حقيقي لا ينتهي إلى الوفاق أبدا. وهذا عارضي نشأ من عدم اطلاعهم على كمال آدم عليه السلام، الذي هو فوق كمالاتهم. وانتهى إلى الوفاق عند قولهم سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا [البقرة: 32] ، وقوله تعالى: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض [البقرة: 33] ، على ما ذكر في البقرة عند تأويل هذه القصة. انتهى.
وبالجملة، فالاختصام المذكور في الآية، هو المشار إليه في قوله تعالى: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة [البقرة: 30] ، قال الرازي: وهو أحسن ما قيل فيه.
ثم قال: ولو قيل: كيف جازت مخاصمة الملائكة معه تعالى؟ قلنا: لا شك أنه جرى هناك سؤال وجواب. وذلك يشابه المخاصمة والمناظرة. والمشابهة علة لجواز المجاز. فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه. انتهى.
وملخصه: أن يختصمون استعارة تبعية ل (يتقاولون) . وقيل: معنى الآية نفي علم الغيب عنه صلى الله عليه وسلم ورد اقتراحهم عليه أن يخبرهم بما يحدث في الملأ الأعلى من التخاصم، كقوله تعالى: قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب
[الأنعام: 50] ، وقوله تعالى: قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين [الملك: 26] ، ولذا قال بعد:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 70]
إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين (70)
إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين وقرئ إنما بالكسر على الحكاية.
تنبيهات:
الأول- قال الرازي: واعلم أن قوله أنتم عنه معرضون ترغيب في النظر والاستدلال، ومنع من التقليد. لأن هذه المطالب مطالب شريفة عالية، فإن بتقدير أن يكون الإنسان فيها على الحق، يفوز بأعظم أبواب السعادة، وبتقدير أن يكون الإنسان فيها على الباطل، وقع في أعظم أبواب الشقاوة. فكانت هذه المباحث أنباء عظيمة ومطالب عالية بهية. وصريح العقل يوجب على الإنسان أن يأتي فيها بالاحتياط التام، وأن لا يكتفي بالمساهلة والمسامحة.
الثاني- قدمنا أن أكثر المفسرين على تأويل الاختصام بالتقاول في شأن آدم عليه السلام مع الملائكة. وقيل: مخاصمتهم مناظرتهم بينهم في استنباط العلم.
كما تجري المناظرة بين أهل العلم في الأرض. حكاه الكرماني في (عجائبه) .
وذهب ابن كثير إلى أنه عنى به ما كان في شأن آدم عليه السلام، وامتناع إبليس من السجود له، ومحاجته ربه في تفضيله عليه. وإن قوله تعالى بعد وإذ قال ربك [البقرة: 30] ، تفسير له. ولم أره مأثورا عن أحد. بل المأثور عن ابن عباس وغيره ما تقدم، من أنه في شأن آدم والملائكة. وهذا كله على إثبات علم التخاصم بالوحي.
بتقدير (ما كان لي من علم لولا الوحي) ولا تنس القول الآخر. والنظم الكريم يصدق على الكل بلا تناف. والله أعلم.
وقد جاء ذكر تخاصم الملأ الأعلى في
حديث أخرجه الإمام أحمد «1» عن معاذ رضي الله عنه قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح. حتى كدنا أن نتراءى قرن الشمس. فخرج صلى الله عليه وسلم سريعا. فثوب بالصلاة. فصلى وتجوز في صلاته. فلما سلم قال صلى الله عليه وسلم: كما أنتم. ثم أقبل إلينا فقال: إني قمت من الليل
(1)
أخرجه في المسند 5/ 243.

فصليت ما قدر لي. فنعست في صلاتي حتى استيقظت. فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة. فقال: يا محمد! أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، يا رب! أعادها ثلاثا. فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري:
فتجلى لي كل شيء وعرفت. فقال: يا محمد! فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات. قال: وما الكفارات؟ قلت: نقل الأقدام إلي الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء عند الكريهات. قال: وما الدرجات؟ قلت:
إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام. قال: سل. قلت: اللهم! إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني. وإذا أردت فتنة بقوم، فتوفني غير مفتون. وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها حق فادرسوها وتعلموها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 54.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 53.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.16%)]