عرض مشاركة واحدة
  #521  
قديم 25-02-2025, 04:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ ص
المجلد الرابع عشر
صـ 5081 الى صـ 5090
الحلقة (521)






القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 11]
جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب (11)
جند ما أي هم جند حقير هنالك مهزوم من الأحزاب أي الذين كانوا يتحزبون على الأنبياء قبلك. وأولئك قد قهروا وأهلكوا. وكذا هؤلاء. فلا تبال بما يقولون ولا تكترث لما به يهذون. وهنالك إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل هذا القول، فهو مجاز. وجوز أن يكون حقيقة، للإشارة إلى مكان قولهم وهو مكة. قال قتادة: وعده الله وهو بمكة يومئذ، أنه سيهزم جندا من المشركين. فجاء تأويلها يوم بدر. وقال ابن كثير: هذه الآية كقوله جلت عظمته أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر [القمر: 44- 45] .
وكان ذلك يوم بدر. وفي الآية أوجه من الإعراب أشار له السمين بقوله: جند يجوز فيه وجهان: أحدهما- وهو الظاهر- أنه خبر مبتدأ. أي هم جند. وما فيها وجهان، أحدهما- أنها مزيدة. والثاني أنها صفة ل (جند) على سبيل التعظيم، للهزء بهم، أو للتحقير. فإن (ما) إذا كانت صفة تستعمل لهذين المعنيين.
وهنالك يجوز فيه ثلاثة أوجه: أحدها- أن يكون خبرا ل (جند) و (ما) مزيدة ومهزوم نعت ل (جند) . الثاني- أن يكون صفة ل (جند) . الثالث- أن يكون منصوبا ب (مهزوم) . ومهزوم يجوز فيه أيضا وجهان: أحدهما- أنه خبر ثان لذلك المبتدأ المقدر، والثاني أنه صفة ل (جند) . وهنالك مشار به إلى موضع التقاول والمحاورة بالكلمات السابقة، وهو مكة. أي سيهزمون بمكة. وهو إخبار بالغيب. وقيل: مشار به إلى نصرة الإسلام. وقيل: إلى حفر الخندق، يعني إلى مكان ذلك. الثاني من الوجهين الأولين أن يكون (جند) مبتدأ و (ما) مزيدة وهنالك نعت ومهزوم خبره. وفيه بعد، لتفلته عن الكلام الذي قبله. انتهى.
فائدة:
روى ابن عباس في هذه الآية أنه لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل. فقالوا إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل. ويقول ويقول. فلو بعثت إليه فنهيته! فبعث إليه. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل. قال فخشي أبو جهل لعنه الله. إن جلس إلى جنب أبي طالب، أن يكون أرق له عليه. فوثب فجلس في ذلك المجلس. ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه. فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب: أي ابن أخي! ما بال قومك يشكونك! يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول. قال، وأكثروا عليه من القول.
وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها. تدين لهم بها العرب. وتؤدي إليهم بها العجم الجزية. ففزعوا لكلمته ولقوله. فقال القوم:
كلمة واحدة؟ نعم، وأبيك عشرا. فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالب: وأي كلمة هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله. فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون:
أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ونزلت الآية. رواه ابن جرير والإمام أحمد والنسائي، والترمذي
وحسنه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 12]
كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد (12)
كذبت قبلهم أي قبل قريش قوم نوح وعاد وهم قوم هود وفرعون ذو الأوتاد أي الملك الثابت. وأصله البيت المطنب، أي المربوطة أطنابه- أي حباله- بأوتاده. استعير للملك استعارة تصريحية. وصف به فرعون مبالغة بجعله عين ملكه. أو شبه فرعون في ثبات ملكه بذي بيت ثابت أقيم عموده وثبتت أوتاده. على
طريق الاستعارة المكنية. وأثبت له ما هو من خواصه تخييلا، وهو قوله: ذو الأوتاد فإنه لازم له. أو هو كناية. حيث أطلق اللازم وأريد الملزوم وهو الملك الثابت. وقد جاء هذا في قول الأسود من شعراء الجاهلية:
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ... في ظل ملك ثابت الأوتاد
أو المعنى: ذو الجموع الكثيرة. سموا بذلك لأن بعضهم يشد بعضا، كالوتد يشد البناء. فالاستعارة تصريحية في الأوتاد. أو هو مجاز مرسل للزوم الأوتاد للجند.
أو هو على حقيقته والمراد المباني العظيمة والهياكل الثابتة الفخيمة. واللفظ صادق في الكل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 13]
وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب (13)
وثمود وهم قوم صالح وقوم لوط وأصحاب الأيكة أي الغيضة، وهم قوم شعيب أولئك الأحزاب أي الكفار المتحزبون على رسلهم، الذين جعل الجند المهزوم منهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 14]
إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب (14)
إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب أي فوجبت عليهم عقوبتي. قال الشهاب: إن نافية وكل محذوف الخبر. والتفريغ من أعم العام. أي ما كل أحد مخبر عنه بشيء، إلا مخبر عنه بأنه كذب جميع الرسل، لأن الرسل يصدق كل منهم الكل. فتكذيب واحد منه تكذيب للكل. أو على أنه من مقابلة الجمع بالجمع. فيكون كل كذب رسوله. أو الحصر مبالغة. كأن سائر أوصافهم بالنظر إليه، بمنزلة العدم. فهم غالون فيه. انتهى.
وقال الزمخشري: وفي تكرير التكذيب وإيضاحه بعد إبهامه، والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أولا، والاستثنائية ثانيا. وما في الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد والتخصيص- أنواع من المبالغة المسجلة عليهم باستحقاق أشد العقاب وأبلغه.
وزاد الناصر فائدة أخرى للتكرير. وهي أن الكلام لما طال بتعديد آحاد
المكذبين، ثم أريد ذكر ما حاق بهم من العذاب جزاء لتكذيبهم، كرر ذلك مصحوبا بالزيادة المذكورة، ليلى قوله تعالى: فحق عقاب على سبيل التطرية المعتادة عند طول الكلام. وهو كما قدمته في قوله: وكذب موسى [الحج: 44] ، حيث كرر الفعل ليقترن بقوله: فأمليت للكافرين [الحج: 44] . انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 15]
وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق (15)
وما ينظر هؤلاء أي أهل مكة إلا صيحة واحدة أي أخذة واحدة بعذاب بئيس. يقال: صاح الزمان بهم، إذا هلكوا. كما قال:
صاح الزمان بآل برمك صيحة ... خروا لشدتها على الأذقان
وأصله من الغارة إذا عافصت القوم فوقعت الصيحة فيهم ما لها من فواق أي من توقف مقدار فواق. وهو ما بين الحلبتين. أو رجوع وترداد. فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع ف (فواق) إما بحذف مضافين أو مجاز مرسل بذكر الملزوم وإرادة لازمه.
وقرئ بالضم. وهما لغتان. وقيل: المفتوح اسم مصدر من (أفاق المريض) إفاقة وفاقة، إذا رجع إلى الصحة. والمضموم اسم ساعة رجوع اللبن للضرع.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 16]
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب (16)
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا أي نصيبنا من العذاب الذي وعدته. كقوله تعالى:
ويستعجلونك بالعذاب [الحج: 47] و [العنكبوت: 53 و 54] ، قبل يوم الحساب أي الجزاء. وقولهم ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية. كما قص عنهم نظائره في عدة آيات.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 17]
اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب (17)
اصبر على ما يقولون أي فقد وعدت بالنصر والظفر والملك والتأييد، كما أوتي داود عليه السلام، مما سارت به الأمثال ولذا قال تعالى: واذكر عبدنا داود ذا الأيد أي: القوة. أي: الاجتهاد في أداء الأمانة والتشدد في القيام بالدعوة ومجانبة إظهار الضعف والوهن إنه أواب أي رجاع إليه تعالى بالإنابة والخشية والعبادة والصيام.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : الآيات 18 الى 19]
إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق (18) والطير محشورة كل له أواب (19)
إنا سخرنا الجبال معه يسبحن أي تبعا لتسبيحه بالعشي والإشراق والطير محشورة أي مجموعة عنده يسبحن معه كل له أي لله تعالى أواب أي مطيع منقاد. يرجع بتسبيحه وتقديسه إليه.
قال ابن كثير: أي أنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار. كما قال عز وجل: يا جبال أوبي معه والطير [سبأ: 10] ، وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه، إذا مر به الطير وهو سابح في الهواء، فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب. بل يقف في الهواء ويسبح معه وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه، وتسبح تبعا له. انتهى. أي بأن خلق فيها حياة ونطقا.
أو كان له عليه السلام من شدة صوته الحسن دوي في الجبال. وحنين من الطيور إليه، وترجيع. وقد عهد من الطير القمري أنه ينتظر سكتة المصوت والقارئ بصوت حسن أو المنشد، فيجيبه، والله أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 20]
وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب (20)
وشددنا ملكه أي قويناه بوفرة العدد والعدد ونفوذ السلطة وإمداده بالتأييد والنصر وآتيناه الحكمة أي النبوة أو الكلام المحكم المتضمن للمواعظ والأمثال والحض على الآداب ومكارم الأخلاق. وكان زبوره عليه السلام، كله حكما غررا وفصل الخطاب أي فصل الخصام بتمييز الحق من الباطل، ورفع الشبه، وإقامة الدلائل. وكان يقيم بذلك العدل الجالب محبة الخلائق، ولا يخالفه أحد من أقاربه ولا من الأجانب. ثم ذكر تعالى من حكمته عليه السلام وقضائه الفصل، وشدة خوفه وخشيته مع ذلك، ما قصه بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 21]
وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب (21)
وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب أي ولجوه. و (المحراب) مقدم كل بيت وأشرفه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 22]
إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط (22)
إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف أي منا. فلسنا فاتكين وإنما نحن خصمان أي شخصان متخاصمان تحاكمنا إليك بغى بعضنا على بعض أي تعدى فاحكم بيننا بالحق أي بما يطابق أمر الله ولا تشطط أي ولا تبعد عن الحق أو تجاوزه واهدنا إلى سواء الصراط أي بحيث لا تميل عن الحق أصلا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : آية 23]
إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب (23)
إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أي أنثى من الضأن ولي نعجة واحدة أي فلم ينظر إلى غناه عنها، ولا إلى افتقاري إليها، بل أراد التغلب علي فقال أكفلنيها أي: ملكنيها. بمعنى اجعلني كافلها كما أكفل ما تحت يدي. أو بمعنى اجعلها كفلي أي نصيبي: وعزني في الخطاب أي غلبني في المكالمة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ص (38) : الآيات 24 الى 25]
قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب (24) فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب (25)
قال أي داود لقد ظلمك بسؤال نعجتك أي طلب نعجتك التي أنت أحوج إليها ليضمها إلى نعاجه أي مع استغنائه عن هذا الضم وإن كثيرا من الخلطاء أي الإخوان الأصدقاء المتخالطين في شؤونهم ليبغي بعضهم على بعض أي بغي الأعداء. مع أن واجب حقهم النصفة على الأقل. إن لم يقوموا بفضيلة الإيثار إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي فإنهم لا يبغون وقليل ما هم أي وهم قليل. و (ما) مزيدة للإبهام والتعجيب من قلتهم.
قال الشهاب: فيه مبالغة من وجوه: وصفهم بالقلة، وتنكير (قليل) وزيادة (ما) الإبهامية. والشيء إذا بولغ فيه كان مظنة للتعجب منه. فكأنه قيل: ما أقلهم.
وفي قضائه عليه السلام هذا، من الحكمة وفصل الخطاب ما يهيج الأفئدة ويقر عين المغبون. ذلك أنه صدع بالحق أبلغ صدع. فجهر بظلم خصمه وبغيه جهرا لا محاباة فيه ولا مواربة فأقر عين المظلوم. وعرف الباغي ظلمه وحيفه، وأن سيف العدل والإنصاف فوقه. ثم نفس عن قلب المظلوم البائس. وروح عن صدره بذكر ما عليه الأكثر من هذه الخلة- خلة البغي وعدم الإنصاف- مع الخلطة والخلة، ليتأسى ويتسلى كما قيل (إن التأسي روح كل حزين) ثم أكد الأمر بقلة القائمين بحقوق الأخوة، ممن آمن وعمل صالحا، فكيف بغيرهم؟. وكلها حكم وغرر ودرر، حقائق تنطبق على أكثر هذا السواد الأعظم من الناس، الذين يدعون المحبة، والصداقة. ولعظم شأن حقوق المحبة أسهب في آدابها علماء الأخلاق، إسهابا نوعوا فيه الأبواب، ولونوا فيه الفصول، ومع ذلك لا تزال الشكوى عامة. وقد امتلأت من منظومها ومنثورها كتب الأدب، كما لا يخفى على من له إلمام به. وبالله التوفيق وظن داود أنما فتناه أي ابتليناه بتلك الحكومة فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك أي ما استغفر منه وإن له عندنا لزلفى أي لقربا وحسن مآب أي مرجعا حسنا وكرامة، في الآخرة.
تنبيهات:
الأول- للمفسرين في هذا النبأ أقوال عديدة ووجوه متنوعة. مرجعها إلى مذهبين: مذهب من يرى أنها تشير تعريضا إلى وزر ألم به داود عليه السلام ثم غفر له، ومذهب من يرى أنها حكومة في خصمين لا إشعار لها بذلك. فممن ذهب إلى الأول ابن جرير. فإنه قال: هذا مثل ضربه الخصم المتسورون على داود محرابه.
وذلك أن داود كانت له، فيما قيل، تسع وتسعون امرأة. وكانت للرجل الذي أغزاه حتى قتل امرأة واحدة، فلما قتل نكح، فيما ذكر، داود امرأته، ثم لما قضى للخصمين بما قضى، علم أنه ابتلي. فسأل غفران ذنبه وخر ساجدا لله وأناب إلى رضا ربه، وتاب من خطيئته. هذا ما قاله ابن جرير. ثم أسند قصته مطولة من روايات عن ابن عباس والسدي وعطاء والحسن وقتادة ووهب ومجاهد. ومن طريق عن أنس مرفوعا. ويشبه سياق بعضها ما ذكر في التوراة المتداولة الآن قال السيوطي في (الإكليل) : القصة التي يحكونها في شأن المرأة، وأنها أعجبته، وأنه أرسل زوجها مع البعث حتى قتل، أخرجها ابن أبي حاتم من حديث أنس مرفوعا. وفي إسناده ابن لهيعة، وحاله معروف، عن ابن صخر عن يزيد الرقاشي وهو ضعيف. وأخرجها من حديث ابن عباس موقوفا. انتهى.
أقول: أما المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فلم يأت من طريق صحيح، وأما الموقوف من ذلك على الصحب والأتباع رضي الله عنهم، فمعولهم في ذلك ما ذكر في التوراة من هذا النبأ، أو الثقة بمن حكى عنها. وينبني على ذلك ذهابهم إلى تجويز مثل هذا على الأنبياء. وقد ذهبت طائفة إلى تجويز ما عدا الكذب في التبليغ.
كما فصل في مطولات الكلام.
قال ابن حزم رحمه الله: وهو قول الكرامية من المرجئة. وابن الطيب الباقلاني من الأشعرية، ومن اتبعه. وهو قول اليهود والنصارى. ثم رد هذا القول، رحمه الله، ردا متينا.
وأما المذهب الثاني، فهو ما جزم به ابن حزم في (الفصل) وعبارته: ما حكاه تعالى عن داود عليه السلام قوله صادق صحيح، لا يدل على شيء مما قاله المستهزئون الكاذبون المتعلقون بخرافات ولدها اليهود. وإنما كان ذلك الخصم قوما من بني آدم، بلا شك، مختصمين في نعاج من الغنم على الحقيقة بينهم. بغى أحدهما على الآخر على نص الآية. ومن قال إنهم كانوا ملائكة معرضين بأمر النساء، فقد كذب على الله عز وجل، وقوله ما لم يقل، وزاد في القرآن ما ليس فيه، وكذب الله عز وجل وأقر على نفسه الخبيثة، أنه كذب الملائكة. لأن الله تعالى يقول:
وهل أتاك نبأ الخصم فقال هو: لم يكونوا قط خصمين، ولا بغى بعضهم على بعض، ولا كان قط لأحدهما تسع وتسعون نعجة، ولا كان للآخر نعجة واحدة، ولا قال له أكفلنيها فاعجبوا. لم يقحمون فيه الباطل أنفسهم؟ ونعوذ بالله من الخذلان، ثم كل ذلك بلا دليل، بل الدعوى المجردة. وتالله! إن كل امرئ منا ليصون نفسه وجاره المستور عن أن يتعشق امرأة جاره، ثم يعرض زوجها للقتل عمدا، ليتزوجها.
وعن أن يترك صلاته لطائر يراه. هذه أفعال السفهاء المتهوكين الفساق المتمردين. لا أفعال أهل البر والتقوى. فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوحى إليه كتابه وأجرى على لسانه كلامه؟ لقد نزهه الله عز وجل عن أن يمر مثل هذا الفحش بباله. فكيف أن يستضيف إلى أفعاله؟ وأما استغفاره وخروره ساجدا، ومغفرة الله له، فالأنبياء عليهم السلام أولى الناس بهذه الأفعال الكريمة. والاستغفار فعل خير لا ينكر من ملك ولا من نبي. ولا من مذنب ولا من غير مذنب. فالنبي يستغفر الله لمذنبي أهل الأرض.
والملائكة كما قال الله تعالى: ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم [غافر: 7] .
وأما قوله تعالى عن داود عليه السلام وظن داود أنما فتناه وقوله تعالى: فغفرنا
له ذلك
فقد ظن داود عليه السلام أن يكون ما آتاه الله عز وجل من سعة الملك العظيم فتنة. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» يدعو في أن يثبت الله قلبه على دينه، فاستغفر الله تعالى من هذا الظن، فغفر الله تعالى له هذا الظن. إذ لم يكن ما آتاه الله من ذلك فتنة. انتهى كلام ابن حزم، وهو وقوف على ظاهر الآية، مجردا عن إشارة وإيماء.
وقال البرهان البقاعي في (تفسيره) : وتلك القصة وأمثالها من كذب اليهود.
ثم قال: وأخبرني بعض من أسلم منهم أنهم يتعمدون ذلك في حق داود عليه السلام. لأن عيسى عليه السلام من ذريته، ليجدوا سبيلا إلى الطعن فيه. انتهى.
ثم قال: وقوله تعالى: فغفرنا له ذلك أي الوقوع في الحديث عن إسناد الظلم إلى أحد بدون سماع لكلامه. وهذه الدعوى تدريب لداود عليه السلام في الأحكام. وذكرها للنبي صلى الله عليه وسلم تدريب له في الأناة في جميع أموره على الدوام. ولما ذكر هذا، ربما أوهم شيئا في مقامه صلى الله عليه وسلم، فدفعه بقوله تعالى: وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب. فالقصة لم يجر ذكرها إلا للترقية في رتب الكمال. وأول دليل على ما ذكرته، أن هذه الفتنة إنما هي بالتدريب في الحكم، لا بامرأة ولا غيرها. وأن ما ذكروه من قصة المرأة باطل وإن اشتهر. فكم من باطل مشهور، ومذكور، هو عين الزور. انتهى.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]