عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 19-02-2025, 05:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب النكاح
شرح سنن أبي داود [237]
الحلقة (268)



شرح سنن أبي داود [237]

لقد بيّن الشرع أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، وأن أحكام الرضاعة كأحكام النسب، فالمرضعة تصير أماً للرضيع، وزوجها -وهو صاحب اللبن- يصير أباً للرضيع، وأولادها يصيرون إخواناً للرضيع، وهكذا تنتشر المحرمية في الأصول والفروع.

يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب


شرح حديث: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)


قال رحمه الله تعالى: [ باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) ]. أورد أبو داود هنا باب [يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب] يعني: أن الرضاعة -وهي سبب من الأسباب- يحصل بها التحريم مثلما يحصل بالنسب، فإذا رضع طفل من امرأة خمس رضعات فأكثر فإنه يصير ابناً لها، وأخواتها خالات له، وأولادها إخواناً له، وهكذا، بل إن صاحب اللبن الذي هو الفحل يكون أباً له من الرضاع، وجميع أولاده من زوجات متعددة يكونون -أيضاً- إخواناً لهذا الرضيع، والتي أرضعته لو كان لها أولاد من أزواج متعددين فإنهم يكونون إخواناً له ولو كانوا من أزواج متعددين، وهو أيضاً أخ لأبناء صاحب اللبن ولو كانوا من زوجات متعددات. وأوراد أبو داود هنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها [ (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولاة) ].

تراجم رجال إسناد حديث: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذان الاثنان من فقهاء السبعة، وهنا يروي أحدهما عن الآخر. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث عرض أم حبيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج بأختها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها (أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! هل لك في أختي؟ قال: فأفعل ماذا؟ قالت: فتنكحها، قال: أختك؟! قالت: نعم، قال: أوتحبين ذاك؟! قالت: لست بمخلية بك، وأَحبُّ من شركني في خير أختي، قال: فإنها لا تحل لي، قالت: فوالله! لقد أُخبرتُ أنك تخطب درة أو ذرة -شك زهير - بنت أبي سلمة ، قال: بنت أم سلمة ؟! قالت: نعم، قال: أما والله! لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتنني وأباها ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن) ]. أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة أم حبيبة بنة أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وكل منهما من أمهات المؤمنين، و أم سلمة هي هند بنت أبي أمية ، و أم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عن الجميع، قالت أم حبيبة للرسول صلى الله عليه وسلم: [ (هل لك في أختي؟) ] أي: تعرض عليه أختها، قال: [ (فأفعل ماذا؟) ] يعني: هذا العرض ما هو المقصود منه؟ [ (قالت: فتنكحها، قال: أختك؟! قالت: نعم، قال: أو تحبين ذلك) ] يعني: أن تكون ضرة لك، [ (قالت: لست بمخلية بك) ] أي: ما أنا بمنفردة بك فغيري قد شاركني فيك، وأَحبُّ من شاركني في خير أختي، فما دام أني لست منفردة بك وأن المشاركة حاصلة فأحب من شاركني في خير أختي، فهي تحب لها الخير، وهو أن تكون أماً للمؤمنين، وتكون زوجة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (فإنها لا تحل لي) ]؛ لأن الجمع بين الأختين لا يجوز، فالله تعالى يقول: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ [النساء:23] عطفاً على قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23]. فلما قال لها ذلك قالت: [ (فوالله لقد أخبرت أنك تخطب درة -أو ذرة) ] تعني بنت أبي سلمة ، وهذا فيه أن الأخبار أحياناً قد تظهر وليس لها أساس ولا أصل، بل هي إشاعات فإن هذا لم يحصل ومع ذلك بلغها، وقد تكون هذه الإشاعة حصلت من المنافقين ومثل هذه الإشاعة التي ليس لها أساس ما حصل من الإشاعة بأن النبي طلق نساءه في قصة عمر المشهورة حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تأثر، فانتهر حفصة ، ثم سأل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبر عن مكانه، فذهب إليه وقال: يا رسول الله! أطلقت نساءك؟ فقال: لا، فكبر عمر ، أي: فرح لكون ذلك الخبراً ليس له أساس. وهنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بقوله: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري فإنها لا تحل لي من جهة أخرى، وهي جهة الأخوة من الرضاعة؛ لأن ثويبة مولاة أبي لهب أرضعتني وأباها، فهناك مانعان يمنعان من الزواج: أولاً: كونها ربيبة، والله تعالى يقول في ذكر المحرمات من النساء: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23]، ثانياً: الرضاع، فهي ابنة أخيه من الرضاع. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجه كلاماً إليهن وإلى غيرهن فقال: [ (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)]، وهذا يتعلق بالذي حصل الإخبار والإشاعة عنه، فأم حبيبة عرضت أختها، وذكرت أنه يريد أن يخبط ربيبته، فقال: (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن). وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تعرضن علي بناتكن) يدل على أن الربيبة وبنات الربيبة لا تجوز، فبنات الربيبة ربائب لا يجوز لزوج المرأة أن يتزوجهن؛ لأنهن داخلات تحت قوله: (بناتكن)؛ لأن بنت ابن الزوج بنت للزوجة، وبنت بنت الزوجة بنت لها، فالبنوة موجودة في الجميع، فليس الأمر مقصوراً على البنت المباشرة، بل أيضاً بنات البنات وبنات الأبناء كلهن ربائب، وهن داخلات في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تعرضن علي بناتكن). وأما القيد الوارد في قوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ [النساء:2] فهو قيد أغلبي؛ إذ الغالب كونها في حجر الزوج، وإلا فإن بنت الزوجة -سواء أكانت في حجر الزوج أم لم تكن- داخلة تحت الربائب المحرم الزواج بهن، وذكر الحجور إنما جاء بناءً على الغالب، فلا مفهوم له. وثويبة المذكورة في الحديث هي مولاة أبي لهب ، وقد جاء في عقب حديث في صحيح البخاري أنه يخفف عنه العذاب يوماً؛ لاعتاقه لها حين بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه أثر منقطع غير متصل.

تراجم رجال إسناد حديث عرض أم حبيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج بأختها


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة عن زينب بنت أم سلمة ]. عروة مر ذكره، وزينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
لبن الفحل


شرح حديث عائشة في جواز دخول عمها من الرضاعة عليها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في لبن الفحل. حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخل علي أفلح بن أبي القعيس فاستترت منه، قال: تستترين مني وأنا عمك! قالت: قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي. قالت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل! فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدثته فقال: (إنه عمك، فليلج عليك) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى [ باب في لبن الفحل ] يعني أنه ينشر الحرمة من جهة الرجل كما تنشر الحرمة من جهة المرأة المرضعة، فالمرضعة هي التي تحلل اللبن منها، وأما الرجل فلأنه هو السبب في وجود اللبن، لذا جاء الحكم الشرعي بأن التحريم يكون من جهة المرضعة ويكون -أيضاً- من جهة صاحب اللبن، فإذا رضع طفل من امرأة صار ابناً لها وأخاً لجميع أولادها ولو كانوا من أزواج متعددين، وأيضاً هو أخ لأولاد زوجها ولو كانوا من زوجات متعددات؛ لأن لبن الفحل معتبر. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن أفلح بن أبي القعيس -أو أخا أبي القعيس كما جاء في الصحيحين وفي غيرهما- دخل على عائشة فاستترت منه، يعني: احتجبت منه وامتنعت منه، فقال: تفعلين ذلك وأنا عمك! قالت: من أين؟ قال: إن امرأة أخي أرضعتك، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ليلج عليك) يعني: ليدخل عليك فإنه محرم من محارمك، فدل هذا على اعتبار لبن الفحل، وأن الحرمة لا تكون مقصورة على جهة المرضعة وهي الزوجة، بل كذلك الزوج الذي هو السبب في وجود اللبن فإنه معتبر، وعلى هذا تكون الأخوة من الرضاعة كالأخوة من النسب، فيكون الرضيع أخاً شقيقاً من الرضاع، وأخاً لأب من الرضاع، وأخاً لأم من الرضاع.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في جواز دخول عمها من الرضاعة عليها

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة ]. قد مر ذكرهم جميعاً.

شرح حديث: ( انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في رضاعة الكبير. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة . ح: وحدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها -المعنى واحد- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها وعندها رجل -قال حفص : فشق ذلك عليه وتغير وجهه، ثم اتفقا- قالت: يا رسول الله! إنه أخي من الرضاعة! فقال: (انظرن من إخوانكن؛ فإنما الرضاعة من المجاعة) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها رجل فتغير؛ لأنه لا يعرف بالصلة والقرابة لها، فقالت: (إنه أخي من الرضاعة! فقال: انظرن من إخوانكن من الرضاعة) ] يعني: تحققن من هذه القرابة، فليس كل رضاعة تؤثر، فإنما الرضاعة من المجاعة، وهذا يدل على أن الرضاع الذي يحرم هو ما كان في الحولين، والذي يكون به تغذية الطفل وبناء جسمه، وأما إذا كان كبيراً لا يتغذى باللبن فإنه لا يحصل التحريم. فإذاً الذي يفهم من قوله: [ (فإنما الرضاعة من المجاعة) ] أن رضاع الكبير لا يعتبر، وإنما الذي يعتبر هو رضاع الصغير الذي ينفعه الرضاع ويغذيه، أما من يتغذى باللحم والتمر وبالطعام وما إلى ذلك فهذا لا يكون غذاؤه اللبن الذي يكون من المرأة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالاحتياط في تحقق هذه القرابة وثبوت هذه القرابة، وأنه ليس كل قرابة تكون معتبرة، بل إنه سيأتي أنه ليس كل رضاعة معتبرة، بل لابد من وصول إلى عدد معين، وهو خمس رضعات فأكثر، وإذا نقص عن ذلك فإنه لا يحرم يعني، حتى في الحولين إذا كان الرضاع أقل من خمس فلا يعتبر، ورضاع الكبير قل أو كثر لا يعتبر، وإنما الذي يعتبر أن يكون في زمن الحولين ومن المجاعة وبرضعات خمس فأكثر.

تراجم رجال إسناد حديث: ( انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة )


قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن أشعث بن سليم ]. هو أشعث بن سليم بن أبي الشعثاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله تعالى عنها قد مر ذكرها.

شرح حديث ابن مسعود: ( لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر أن سليمان بن المغيرة حدثهم عن أبي موسى عن أبيه عن ابن لعبد الله بن مسعود عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم. فقال أبو موسى : لا تسألونا وهذا الحبر فيكم ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [ لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم ]، ومعنى (شد العظم): أي: قواه وحصلت به قوته، والمراد أن الرضاع يحصل به الغذاء، وذلك إنما يكون في الحولين، فهو مطابق لما تقدم من جهة أن الرضاعة من المجاعة، وهذا إنما يكون في الصغر، وأما في حال الكبر فالتغذي إنما يكون بغير حليب ولبن المرأة. وهذا أثر موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه، وقد جاء من طريق أخرى ذكرها المصنف بعد هذا، وهي مرفوعة ولكنها غير صحيحة؛ لأن فيها مجهولاً، وأما الطريق الأولى ففيها ما في الثانية، إلا أنه جاء من طريق أخرى عند البيهقي شاهد موقوف على ابن مسعود ، فيكون الأثر قد صح موقوفاً على عبد الله بن مسعود ولم يصح مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيخ الألباني ذكر الطريق الثانية وبين أنها ضعيفة من جهة أنها مرفوعة، وأثبت الطريق الأولى، وقد ذكر ذلك وأوضحه في (إرواء الغليل)، فقد ذكر الطريق التي تشهد للطريق الموقوفة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: ( لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم )


قوله: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر ]. عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ أن سليمان بن المغيرة ]. سليمان بن المغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى ]. هو الهلالي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. ذكروا أنه مجهول وأن ابنه مجهول، وكذلك ابن عبد الله بن مسعود الذي يروي عنه أيضاً مجهول؛ لأنه غير مسمى وغير معروف. [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود ، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ فقال أبو موسى : لا تسألونا وهذا الحبر فيكم ]. أبو موسى ليس الذي في الإسناد، وهو أبو موسى الأشعري. وهذا والحديث فيه اختصار، وأصله -كما ذكر الشيخ الألباني في بعض الطرق- أن رجلاً كان عنده طفل لم يرضع، فمص أبوه من ثدي الأم ليرضعه فوجد طعمه في حلقه، فجاء إلى أبي موسى الأشعري فقال: حرمت عليك، ثم ذهب إلى ابن مسعود فقال: [ لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم ]، فقال أبو موسى : [ لا تسألونا وهذا الحبر فيكم ]. فالأثر هنا فيه اختصار مخل؛ لأنه يوهم أن أبا موسى الأشعري هو الذي في الإسناد، مع أن أبا موسى الذي في الإسناد متأخر؛ فيكون الإسناد على هذا ثلاثياً؛ لأنه هو الثالث في الإسناد.

شرح حديث ابن مسعود من طريق ثانية وتراجم رجاله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن سليمان بن المغيرة عن أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، وقال: (أنشز العظم) ]. أورد أبو داود الأثر من طريق أخرى، ولكنه هنا مرفوع، وقال بدل قوله: (شد العظم) قال: (أنشز العظم)، وهو بمعناه. قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن المغيرة عن أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود ]. وقد مر ذكرهم.
من رأى التحريم برضاع الكبير


شرح حديث رضاع سالم مولى أبي حذيفة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من حرم به. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثني يونس عن ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم و أم سلمة رضي الله عنها أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنى سالماً رضي الله عنهما وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيداً ، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه، حتى أنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ إلى قوله: فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5]، فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولىً وأخاً في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة ، فقالت: يا رسول الله! إنا كنا نرى سالماً ولداً، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلى، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أرضعيه)، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيراً خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً من الناس حتى يرضع في المهد، وقلن لعائشة : والله! ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسالم دون الناس ]. أورد أبو داود [باب من حرم به] يعني: برضاع الكبير؛ لأن الضمير يرجع إلى ما جاء في الترجمة السابقة: [باب في رضاعة الكبير]، ثم قال بعد ذلك: [باب من حرم به] أي: برضاع الكبير، فرضاعة الكبير عنده يحصل بها التحريم إذا كانت بخمس رضعات فأكثر. وأورد أبو داود حديث عائشة و أم سلمة في ذلك، وهو أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالماً، وهو مولى لامرأة من الأنصار، وكان يقال له: مولى أبي حذيفة لا لأنه أعتقه، ولكن لكونه تبناه وكان يسكن معه، فقيل له: مولاه، وكان قبل ذلك ينسب إليه، وزوجه ابنة أخيه، ولما نزلت الآيات فيما يتعلق بمن يتبنون، وأن الأمر قد اختلف عما كان عليه من قبل، ونسخ ما كانوا يحصل من التبني ونسبة الرجل إلى من تبناه، وكذلك كونه يحصل توارث، وجاء الحكم بنسخ ذلك قالت سهلة بنت سهيل بن عمرو -وهي زوجة أبي حذيفة - كنا نرى سالماً ولداً لنا، وإنه كان يأوي معي ومع أبي حذيفة ، وإنه يراني فضلى فماذا ترى؟ قال: [ (أرضعيه) ]، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاع؛ لأنه رضع منها خمس رضعات، فكانت عائشة رضي الله عنها ترى أن الحكم عام، وأنه لا يختص بقصة سالم ، وكانت تأمر من تريد أن يدخل عليها أن يرضع من قريباتها ولو كان كبيراً، فتكون خالته من الرضاع إذا رضع من أخواتها، أو من أحد من أقربائها بحيث تكون هي من محارمه بسبب تلك الرضاعة، وأبى ذلك سائر أمهات المؤمنين، وقلن: إن هذا خاص بسالم مولى أبي حذيفة، وأبين أن يدخلن عليهن أحد بمثل هذه الرضاعة. وأما عائشة رضي الله تعالى عنها فقد روت هذا الحديث وروت الحديث السابق في كون الرضاعة من المجاعة، ولكنها أخذت بأحد الحديثين دون الآخر. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة -أي: في رضاع الكبير- فمنهم من أجازه استناداً إلى ما جاء في هذه المسألة، ومنهم من منعه استناداً إلى ما جاء في الأحاديث السابقة: (إنما الرضاعة من المجاعة)، ومن العلماء من قال: من كانت حاله كحالة سالم مولى أبي حذيفة فإنه يرضع، ويحصل التحريم بذلك، ومن ليس كذلك فالأمر على ما هو عليه من أنّ التحريم إنما يكون في زمن الحولين الذي فيه المجاعة والاستفادة. والذي يظهر -والله أعلم- أن رضاع الكبير لا يعتبر ولا يعول عليه، وأنّ الرضاع إنما يكون في الصغر، وما حصل في قصة سالم فإنه يكون قصة عين خاصة به لا تتعداه إلى غيره. ثم إن القول برضاع الكبير وكونه يسوغ ويكون عاماً يترتب عليه مفاسد وأمور خطيرة، وذلك لأن المرأة إذا أرادت التخلص من زوجها فإنها تحلب من ثديها في كأس وتسقيه عدة مرات، وبعد ذلك تقول: أنت ابني من الرضاع وتتخلص منه، فرضاع الكبير لا يعتبر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.75 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]