عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 17-02-2025, 10:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (560)
صــ 421 إلى صــ 435









القول في تأويل قوله ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "أذلة على المؤمنين " ، أرقاء عليهم ، رحماء بهم .

من قول القائل : "ذل فلان لفلان" . إذا خضع له واستكان .

ويعني بقوله : " أعزة على الكافرين " ، أشداء عليهم ، غلظاء بهم .

من قول القائل : " قد عزني فلان " ، إذا أظهر العزة من نفسه له ، وأبدى له الجفوة والغلظة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

12203 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن هاشم [ ص: 422 ] قال ، أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي في قوله : " أذلة على المؤمنين " ، أهل رقة على أهل دينهم " أعزة على الكافرين " ، أهل غلظة على من خالفهم في دينهم .

12204 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " ، يعني بالأذلة : الرحماء .

12205 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج في قوله : " أذلة على المؤمنين " ، قال : رحماء بينهم " أعزة على الكافرين " ، قال : أشداء عليهم .

12206 - حدثنا الحارث بن محمد قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، قال سفيان : سمعت الأعمش يقول في قوله : " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " ، ضعفاء عن المؤمنين .

القول في تأويل قوله ( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ( 54 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يجاهدون في سبيل الله " ، هؤلاء المؤمنين الذين وعد الله المؤمنين أن يأتيهم بهم إن ارتد منهم مرتد بدلا منهم ، [ ص: 423 ] يجاهدون في قتال أعداء الله على النحو الذي أمر الله بقتالهم ، والوجه الذي أذن لهم به ، ويجاهدون عدوهم . فذلك مجاهدتهم في سبيل الله " ولا يخافون لومة لائم " ، يقول : ولا يخافون في ذات الله أحدا ، ولا يصدهم عن العمل بما أمرهم الله به من قتال عدوهم لومة لائم لهم في ذلك .

وأما قوله : " ذلك فضل الله " ، فإنه يعني هذا النعت الذي نعتهم به تعالى ذكره من أنهم أذلة على المؤمنين ، أعزة على الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم ، فضل الله الذي تفضل به عليهم ، والله يؤتي فضله من يشاء من خلقه منة عليه وتطولا "والله واسع " ، يقول : والله جواد بفضله على من جاد به عليه ، لا يخاف نفاد خزائنه فتتلف في عطائه "عليم " ، بموضع جوده وعطائه ، فلا يبذله إلا لمن استحقه ، ولا يبذل لمن استحقه إلا على قدر المصلحة ، لعلمه بموضع صلاحه له من موضع ضره .

[ ص: 424 ] القول في تأويل قوله ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ( 55 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " ، ليس لكم ، أيها المؤمنون ، ناصر إلا الله ورسوله ، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره . فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من ولايتهم ، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء ، فليسوا لكم أولياء لا نصراء ، بل بعضهم أولياء بعض ، ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا .

وقيل إن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت ، في تبرئه من ولاية يهود بني قينقاع وحلفهم ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .

ذكر من قال ذلك :

12207 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا ابن إسحاق قال ، حدثني والدي إسحاق بن يسار ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج فخلعهم إلى رسول الله ، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم ، وقال : أتولى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم! ففيه نزلت : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " لقول عبادة : "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا " ، وتبرئه من بني قينقاع وولايتهم إلى [ ص: 425 ] قوله : " فإن حزب الله هم الغالبون " .

12208 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي ، عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه .

12209 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " ، يعني : أنه من أسلم تولى الله ورسوله .

وأما قوله : " والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به .

فقال بعضهم : عني به علي بن أبي طالب .

وقال بعضهم : عني به جميع المؤمنين .

ذكر من قال ذلك :

12210 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ، هؤلاء جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتمه .

12211 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا عبدة ، عن عبد الملك ، عن أبي جعفر قال : سألته عن هذه الآية : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " [ ص: 426 ] ، قلت : من الذين آمنوا؟ قال : الذين آمنوا! قلنا : بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب ! قال : علي من الذين آمنوا .

12212 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن عبد الملك قال : سألت أبا جعفر عن قول الله : " إنما وليكم الله ورسوله " ، وذكر نحو حديث هناد ، عن عبدة .

12213 - حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال ، حدثنا أيوب بن سويد قال ، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " ، قال : علي بن أبي طالب .

12214 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا غالب بن عبيد الله قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : " إنما وليكم الله ورسوله " ، الآية ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدق وهو راكع .

[ ص: 427 ] القول في تأويل قوله ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ( 56 ) )

قال أبو جعفر : وهذا إعلام من الله تعالى ذكره عباده جميعا الذين تبرأوا من حلف اليهود وخلعوهم رضى بولاية الله ورسوله والمؤمنين ، والذين تمسكوا بحلفهم وخافوا دوائر السوء تدور عليهم ، فسارعوا إلى موالاتهم أن من وثق بالله وتولى الله ورسوله والمؤمنين ، ومن كان على مثل حاله من أولياء الله من المؤمنين ، لهم الغلبة والدوائر والدولة على من عاداهم وحادهم ، لأنهم حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، دون حزب الشيطان ، كما : -

12215 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أخبرهم يعني الرب تعالى ذكره من الغالب ، فقال : لا تخافوا الدولة ولا الدائرة ، فقال : " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " ، و"الحزب " هم الأنصار .

[ ص: 428 ] ويعني بقوله : " فإن حزب الله " ، فإن أنصار الله ، ومنه قول الراجز :


وكيف أضوى وبلال حزبي
!

يعني بقوله : "أضوى " ، أستضعف وأضام من الشيء"الضاوي" . ويعني بقوله : "وبلال حزبي " ، يعني : ناصري .

القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( 57 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الذين آمنوا " ، أي : صدقوا الله ورسوله " لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، يعني اليهود والنصارى الذين [ ص: 429 ] جاءتهم الرسل والأنبياء ، وأنزلت عليهم الكتب من قبل بعث نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومن قبل نزول كتابنا " أولياء " ، يقول : لا تتخذوهم ، أيها المؤمنون ، أنصارا أو إخوانا أو حلفاء ، فإنهم لا يألونكم خبالا وإن أظهروا لكم مودة وصداقة .

وكان اتخاذ هؤلاء اليهود الذين أخبر الله عنهم المؤمنين أنهم اتخذوا دينهم هزوا ولعبا بالدين على ما وصفهم به ربنا تعالى ذكره ، أن أحدهم كان يظهر للمؤمنين الإيمان وهو على كفره مقيم ، ثم يراجع الكفر بعد يسير من المدة بإظهار ذلك بلسانه قولا بعد أن كان يبدي بلسانه الإيمان قولا وهو للكفر مستبطن تلعبا بالدين واستهزاء به ، كما أخبر تعالى ذكره عن فعل بعضهم ذلك بقوله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) [ سورة البقرة : 14 ، 15 ] .

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن ابن عباس .

12216 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا : حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثني ابن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما ، فأنزل الله فيهما : " هم الغالبون ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء " إلى قوله " والله أعلم بما كانوا يكتمون " .

فقد أبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا ، من أن اتخاذ من اتخذ دين الله هزوا ولعبا من أهل الكتاب الذين ذكرهم الله في هذه الآية ، إنما كان بالنفاق منهم وإظهارهم للمؤمنين الإيمان ، واستبطانهم الكفر ، وقيلهم لشياطينهم من اليهود إذا خلوا بهم : "إنا معكم " ، فنهى الله عن موادتهم ومخالتهم ، والتمسك بحلفهم ، والاعتداد بهم أولياء ، وأعلمهم أنهم لا يألونهم خبالا وفي دينهم طعنا ، وعليه إزراء .

وأما " الكفار " الذين ذكرهم الله تعالى ذكره في قوله : "من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء " ، فإنهم المشركون من عبدة الأوثان . نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من أهل الكتاب ومن عبدة الأوثان وسائر أهل الكفر أولياء دون المؤمنين .

وكان ابن مسعود فيما : -

12217 - حدثني به أحمد بن يوسف قال ، حدثنا القاسم بن سلام قال ، حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن ابن مسعود يقرأ : ( من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا ) .

ففي هذا بيان صحة التأويل الذي تأولناه في ذلك . [ ص: 431 ]

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته جماعة من أهل الحجاز والبصرة والكوفة : ( والكفار أولياء ) بخفض"الكفار " ، بمعنى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، ومن الكفار ، أولياء .

وكذلك ذلك في قراءة أبي بن كعب فيما بلغنا : ( من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار أولياء ) .

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة : ( والكفار أولياء ) بالنصب ، بمعنى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا والكفار عطفا ب"الكفار " على"الذين اتخذوا" .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان متفقتا المعنى ، صحيحتا المخرج ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرأة ، فبأي ذلك قرأ القارئ فقد أصاب . لأن النهي عن اتخاذ ولي من الكفار ، نهي عن اتخاذ جميعهم أولياء . والنهي عن اتخاذ جميعهم أولياء ، نهي عن اتخاذ بعضهم وليا . وذلك أنه غير مشكل على أحد من أهل الإسلام أن الله تعالى ذكره إذا حرم اتخاذ ولي من المشركين على المؤمنين ، أنه لم يبح لهم اتخاذ جميعهم أولياء ولا إذا حرم اتخاذ جميعهم أولياء ، أنه لم يخصص إباحة اتخاذ بعضهم وليا ، فيجب من أجل إشكال ذلك عليهم ، طلب الدليل على أولى القراءتين في ذلك بالصواب . وإذ كان ذلك كذلك ، فسواء قرأ القارئ بالخفض أو بالنصب ، لما ذكرنا من العلة .

وأما قوله : " واتقوا الله إن كنتم مؤمنين " ، فإنه يعني : وخافوا الله ، أيها المؤمنون ، [ ص: 432 ] في هؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار ، أن تتخذوهم أولياء ونصراء ، وارهبوا عقوبته في فعل ذلك إن فعلتموه بعد تقدمه إليكم بالنهي عنه ، إن كنتم تؤمنون بالله وتصدقونه على وعيده على معصيته .
القول في تأويل قوله ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( 58 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإذا أذن مؤذنكم ، أيها المؤمنون بالصلاة ، سخر من دعوتكم إليها هؤلاء الكفار مناليهود والنصارى والمشركين ، ولعبوا من ذلك "ذلك بأنهم قوم لا يعقلون " ، يعني تعالى ذكره بقوله : "ذلك " ، فعلهم الذي يفعلونه ، وهو هزؤهم ولعبهم من الدعاء إلى الصلاة ، إنما يفعلونه بجهلهم بربهم ، وأنهم لا يعقلون ما لهم في إجابتهم إن أجابوا إلى الصلاة ، وما عليهم في استهزائهم ولعبهم بالدعوة إليها ، ولو عقلوا ما لمن فعل ذلك منهم عند الله من العقاب ، ما فعلوه .

وقد ذكر عن السدي في تأويله ما : -

12218 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا " ، كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي : "أشهد أن محمدا رسول الله " ، قال : "حرق الكاذب"! فدخلت خادمه ذات ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت ، فاحترق هو وأهله .

[ ص: 433 ] القول في تأويل قوله ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ( 59 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد ، لأهل الكتاب من اليهود والنصارى : يا أهل الكتاب ، هل تكرهون منا أو تجدون علينا في شيء إذ تستهزئون بديننا ، وإذ أنتم إذا نادينا إلى الصلاة اتخذتم نداءنا ذلك هزوا ولعبا "إلا أن آمنا بالله " ، يقول : إلا أن صدقنا وأقررنا بالله فوحدناه ، وبما أنزل إلينا من عند الله من الكتاب ، وما أنزل إلى أنبياء الله من الكتب من قبل كتابنا " وأن أكثركم فاسقون " ، يقول : وإلا أن أكثركم مخالفون أمر الله ، خارجون عن طاعته ، تكذبون عليه .

والعرب تقول : "نقمت عليك كذا أنقم " وبه قرأه القرأة من أهل الحجاز والعراق وغيرهم و"نقمت أنقم " ، لغتان ، ولا نعلم قارئا قرأ بهما بمعنى وجدت وكرهت ، ومنه قول عبد الله بن قيس الرقيات :


ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا


[ ص: 434 ] وقد ذكر أن هذه الآية نزلت بسبب قوم من اليهود .

ذكر من قال ذلك :

12219 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا محمد بن إسحاق ، قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ، ورافع بن أبي رافع ، وعازر ، وزيد ، وخالد ، وأزار بن أبي أزار ، وأشيع ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال : أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون . فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا : لا نؤمن بمن آمن به ! فأنزل الله فيهم : " قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون " .

[ ص: 435 ] عطفا بها على"أن " التي في قوله : "إلا أن آمنا بالله " ، لأن معنى الكلام : هل تنقمون منا إلا إيماننا بالله وفسقكم .

القول في تأويل قوله ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : "قل " ، يا محمد ، لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار "هل أنبئكم " ، يا معشر أهل الكتاب ، بشر من ثواب ما تنقمون منا من إيماننا بالله وما أنزل إلينا من كتاب الله ، وما أنزل من قبلنا من كتبه؟

[ و"مثوبة " ، تقديرها مفعولة" ] ، غير أن عين الفعل لما سقطت نقلت حركتها إلى"الفاء " ، وهي"الثاء " من"مثوبة " ، فخرجت مخرج "مقولة " ، و"محورة " ، و"مضوفة " ،


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]