
17-02-2025, 09:55 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (555)
صــ 336 إلى صــ 355
القول في تأويل قوله ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ( 43 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : وكيف يحكمك هؤلاء اليهود ، يا محمد ، بينهم ، فيرضون بك حكما بينهم"وعندهم التوراة " التي أنزلتها على موسى ، التي يقرون بها أنها حق ، وأنها كتابي الذي أنزلته إلى نبيي ، وأن ما فيه من حكم فمن حكمي ، يعلمون ذلك لا يتناكرونه ، ولا يتدافعونه ، ويعلمون أن حكمي فيها على الزاني المحصن الرجم ، وهم مع علمهم بذلك"يتولون " ، يقول : يتركون الحكم به ، بعد العلم بحكمي فيه ، جراءة علي وعصيانا لي .
وهذا ، وإن كان من الله تعالى ذكره خطابا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فإنه تقريع منه لليهود الذين نزلت فيهم هذه الآية . يقول لهم تعالى ذكره : كيف تقرون ، أيها اليهود ، بحكم نبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، مع جحودكم نبوته وتكذيبكم إياه ، وأنتم تتركون حكمي الذي تقرون به أنه حق عليكم واجب ، جاءكم به موسى من عند الله؟ يقول : فإذ كنتم تتركون حكمي الذي جاءكم به موسى الذي تقرون [ ص: 337 ] بنبوته في كتابي ، فأنتم بترك حكمي الذي يخبركم به نبيي محمد أنه حكمي - أحرى ، مع جحودكم نبوته .
ثم قال تعالى ذكره مخبرا عن حال هؤلاء اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآية عنده ، وحال نظرائهم من الجائرين عن حكمه ، الزائلين عن محجة الحق"وما أولئك بالمؤمنين " ، يقول : ليس من فعل هذا الفعل - أي : من تولى عن حكم الله الذي حكم به في كتابه الذي أنزله على نبيه في خلقه بالذي صدق الله ورسوله فأقر بتوحيده ونبوة نبيه صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك ليس من فعل أهل الإيمان .
وأصل " التولي عن الشيء " ، الانصراف عنه ، كما : -
12002 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير : " ثم يتولون من بعد ذلك " ، قال : "توليهم " ، ما تركوا من كتاب الله .
12003 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله " ، يعني : حدود الله ، فأخبر الله بحكمه في التوراة .
12004 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وعندهم التوراة فيها حكم الله " ، أي : بيان الله ما تشاجروا فيه من شأن قتيلهم " ثم يتولون من بعد ذلك " ، الآية .
12005 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال ، قال يعني الرب تعالى ذكره يعيرهم : " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله " ، يقول : الرجم .
[ ص: 338 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إنا أنزلنا التوراة فيها بيان ما سألك هؤلاء اليهود عنه من حكم الزانيين المحصنين
"ونور " ، يقول : فيها جلاء ما أظلم عليهم ، وضياء ما التبس من الحكم "يحكم " بها النبيون الذين أسلموا " ، يقول : يحكم بحكم التوراة في ذلك ، أي : فيما احتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه من أمر الزانيين"النبيون الذين أسلموا " ، وهم الذين أذعنوا لحكم الله وأقروا به .
وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ، في حكمه على الزانيين المحصنين من اليهود بالرجم ، وفي تسويته بين دم قتلى النضير وقريظة في القصاص والدية ، ومن قبل محمد من الأنبياء يحكم بما فيها من حكم الله ، كما : -
12006 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم .
12007 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لما أنزلت هذه الآية : نحن نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان .
12008 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال ، حدثنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب ، [ ص: 339 ] عن أبي هريرة قال : زنى رجل من اليهود وامرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي ، فإنه نبي بعث بتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا : "فتيا نبي من أنبيائك"!! قال : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه ، فقالوا : يا أبا القاسم ، ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة ، حتى أتى بيت مدراسهم ، فقام على الباب فقال : أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا : يحمم ويجبه ويجلد " والتجبيه " ، أن يحمل الزانيان على حمار ، تقابل أقفيتهما ، ويطاف بهما وسكت شاب [ منهم ] ، فلما رآه سكت ، ألظ به النشدة ، فقال : اللهم إذ نشدتنا ، فإنا نجد في التوراة الرجم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ قال : زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا ، فأخر عنه الرجم . ثم زنى رجل [ ص: 340 ] في أسوة من الناس ، فأراد رجمه ، فحال قومه دونه وقالوا : لا ترجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه! فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإني أحكم بما في التوراة! فأمر بهما فرجما قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، فكان النبي منهم .
12009 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله : " يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء ، يحكمون بما فيها من الحق . [ ص: 341 ]
12010 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : " يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم"للذين هادوا " ، يعني اليهود ، فاحكم بينهم ولا تخشهم .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ويحكم بالتوراة وأحكامها التي أنزل الله فيها في كل زمان - على ما أمر بالحكم به فيها - مع النبيين الذين أسلموا"الربانيون والأحبار" .
و"الربانيون " جمع " رباني " ، وهم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس ، وتدبير أمورهم ، والقيام بمصالحهم و"الأحبار " ، هم العلماء .
وقد بينا معنى"الربانيين " فيما مضى بشواهده ، وأقوال أهل التأويل فيه .
وأما " الأحبار " ، فإنهم جمع " حبر " ، وهو العالم المحكم للشيء ، ومنه قيل لكعب : " كعب الأحبار " .
وكان الفراء يقول : أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد"الأحبار " ، " حبر " بكسر " الحاء " .
[ ص: 342 ] وكان بعض أهل التأويل يقول : عني ب"الربانيين والأحبار " في هذا الموضع : ابنا صوريا اللذان أقرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله تعالى ذكره في التوراة على الزانيين المحصنين .
ذكر من قال ذلك :
12011 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كان رجلان من اليهود أخوان ، يقال لهما ابنا صوريا ، وقد اتبعا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلما ، وأعطياه عهدا أن لا يسألهما عن شيء في التوراة إلا أخبراه به . وكان أحدهما ربيا ، والآخر حبرا . وإنما اتبعا النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمان منه . فدعاهما ، فسألهما ، فأخبراه الأمر كيف كان حين زنى الشريف وزنى المسكين ، وكيف غيروه ، فأنزل الله : " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم " والربانيون والأحبار " ، هما ابنا صوريا ، للذين هادوا . ثم ذكر ابني صوريا فقال : " والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن التوراة يحكم بها مسلمو الأنبياء لليهود ، والربانيون من خلقه والأحبار . وقد يجوز أن يكون عني بذلك ابنا صوريا وغيرهما ، غير أنه قد دخل في ظاهر التنزيل مسلمو الأنبياء وكل رباني وحبر . ولا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه معني به خاص من الربانيين والأحبار ، ولا قامت بذلك حجة يجب التسليم لها . فكل رباني وحبر داخل في الآية بظاهر التنزيل .
وبمثل الذي قلنا في تأويل " الأحبار " ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 343 ] 12012 - حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك : "الربانيون " و " الأحبار " ، قراؤهم وفقهاؤهم .
12013 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص ، عن أشعث ، عن الحسن : " الربانيون والأحبار " ، الفقهاء والعلماء .
12014 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "الربانيون " ، العلماء الفقهاء ، وهم فوق"الأحبار" .
12015 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "الربانيون " ، فقهاء اليهود "والأحبار " ، علماؤهم .
12016 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا سنيد بن داود قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : " والربانيون والأحبار " ، كلهم يحكم بما فيها من الحق .
12017 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد "الربانيون " ، الولاة ، "والأحبار " ، العلماء .
وأما قوله : "بما استحفظوا من كتاب الله " ، فإن معناه : يحكم النبيون الذين أسلموا بحكم التوراة ، والربانيون والأحبار يعني العلماء بما استودعوا علمه من كتاب الله الذي هو التوراة .
و"الباء " في قوله : "بما استحفظوا " ، من صلة " الأحبار " .
وأما قوله : "وكانوا عليه شهداء " ، فإنه يعني : أن الربانيين والأحبار بما استودعوا من كتاب الله ، يحكمون بالتوراة مع النبيين الذين أسلموا للذين هادوا ، وكانوا على حكم النبيين الذين أسلموا للذين هادوا شهداء أنهم قضوا عليهم بكتاب الله الذي أنزله على نبيه موسى وقضائه عليهم ، كما : -
[ ص: 344 ] 12018 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وكانوا عليه شهداء " ، يعني الربانيين والأحبار ، هم الشهداء لمحمد صلى الله عليه وسلم بما قال ، أنه حق جاء من عند الله ، فهو نبي الله محمد ، أتته اليهود . فقضى بينهم بالحق .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لعلماء اليهود وأحبارهم : لا تخشوا الناس في تنفيذ حكمي الذي حكمت به على عبادي ، وإمضائه عليهم على ما أمرت ، فإنهم لا يقدرون لكم على ضر ولا نفع إلا بإذني ، ولا تكتموا الرجم الذي جعلته حكما في التوراة على الزانيين المحصنين ، ولكن اخشوني دون كل أحد من خلقي ، فإن النفع والضر بيدي ، وخافوا عقابي في كتمانكم ما استحفظتم من كتابي . كما : -
12019 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " فلا تخشوا الناس واخشون " ، يقول : لا تخشوا الناس فتكتموا ما أنزلت .
وأما قوله : " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " يقول : ولا تأخذوا بترك الحكم بآيات كتابي الذي أنزلته على موسى أيها الأحبار عوضا خسيسا وذلك هو " الثمن القليل " .
[ ص: 345 ] وإنما أراد تعالى ذكره ، نهيهم عن أكل السحت على تحريفهم كتاب الله ، وتغييرهم حكمه عما حكم به في الزانيين المحصنين ، وغير ذلك من الأحكام التي بدلوها طلبا منهم للرشى ، كما : -
12020 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " ، قال : لا تأكلوا السحت على كتابي ، وقال مرة أخرى ، قال قال ابن زيد في قوله : "ولا تشتروا بآياتي ثمنا " قال : لا تأخذوا به رشوة .
12021 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " ، ولا تأخذوا طمعا قليلا على أن تكتموا ما أنزلت .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( 44 ) )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ومن كتم حكم الله الذي أنزله في كتابه وجعله حكما بين عباده ، فأخفاه وحكم بغيره ، كحكم اليهود في الزانيين المحصنين بالتجبيه والتحميم ، وكتمانهم الرجم ، وكقضائهم في بعض قتلاهم بدية كاملة وفي بعض بنصف الدية ، وفي الأشراف بالقصاص ، وفي الأدنياء بالدية ، وقد سوى الله بين جميعهم في الحكم عليهم في التوراة "فأولئك هم الكافرون " ، يقول : [ ص: 346 ] هؤلاء الذين لم يحكموا بما أنزل الله في كتابه ، ولكن بدلوا وغيروا حكمه ، وكتموا الحق الذي أنزله في كتابه "هم الكافرون " ، يقول : هم الذين ستروا الحق الذي كان عليهم كشفه وتبيينه ، وغطوه عن الناس ، وأظهروا لهم غيره ، وقضوا به ، لسحت أخذوه منهم عليه .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل " الكفر " في هذا الموضع .
فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك ، من أنه عنى به اليهود الذين حرفوا كتاب الله وبدلوا حكمه .
ذكر من قال ذلك :
12022 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) [ سورة المائدة : 45 ] ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) [ سورة المائدة : 47 ] ، في الكافرين كلها .
12023 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا محمد بن القاسم قال ، حدثنا أبو حيان ، عن أبي صالح قال : الثلاث الآيات التي في"المائدة " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ( فأولئك هم الظالمون ) ، ( فأولئك هم الفاسقون ) ، ليس في أهل الإسلام منها شيء ، هي في الكفار .
[ ص: 347 ] 12024 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي حيان ، عن الضحاك : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، و"الظالمون " و"الفاسقون " ، قال : نزلت هؤلاء الآيات في أهل الكتاب .
12025 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، سمعت عمران بن حدير قال ، أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس ، فقالوا : يا أبا مجلز ، أرأيت قول الله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، أحق هو؟ قال : نعم ! قالوا : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) ، أحق هو ؟ قال : نعم ! قالوا : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) ، أحق هو؟ قال : نعم! قال فقالوا : يا أبا مجلز ، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله ؟ قال : هو دينهم الذي يدينون به ، وبه يقولون ، وإليه يدعون ، فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا ! فقالوا : لا والله ، ولكنك تفرق ! قال : أنتم أولى بهذا مني! لا أرى ، وإنكم أنتم ترون هذا ولا تحرجون ، ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك أو نحوا من هذا .
12026 - حدثني المثنى قال ، حدثنا حجاج قال ، حدثنا حماد ، عن عمران بن حدير قال : قعد إلى أبي مجلز نفر من الإباضية ، قال فقالوا له : يقول الله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، "فأولئك هم الظالمون " ، "فأولئك هم الفاسقون"! قال أبو مجلز : إنهم يعملون بما يعلمون يعني الأمراء ويعلمون أنه ذنب! قال : وإنما أنزلت هذه الآية في اليهود ! والنصارى قالوا : [ ص: 348 ] أما والله إنك لتعلم مثل ما نعلم ، ولكنك تخشاهم! قال : أنتم أحق بذلك منا! أما نحن فلا نعرف ما تعرفون! [ قالوا ] : ولكنكم تعرفونه ، ولكن يمنعكم أن تمضوا أمركم من خشيتهم!
[ ص: 349 ] 12027 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري ، عن حذيفة في قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كانت لكم كل حلوة ، ولهم كل مرة!! ولتسلكن طريقهم قدى الشراك .
[ ص: 350 ] 12028 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي حيان ، عن الضحاك : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، و"الظالمون " و"الفاسقون " ، قال : نزلت هؤلاء الآيات في أهل الكتاب .
12029 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري قال : قيل لحذيفة : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، ثم ذكر نحو حديث ابن بشار ، عن عبد الرحمن .
12030 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري قال : سأل رجل حذيفة عن هؤلاء الآيات : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، "فأولئك هم الظالمون" " فأولئك هم الفاسقون " ، قال فقيل : ذلك في بني إسرائيل؟ قال : نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كانت لهم كل مرة ، ولكم كل حلوة ! كلا والله ، لتسلكن طريقهم قدى الشراك .
[ ص: 351 ] 12031 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن عكرمة قال : هؤلاء الآيات في أهل الكتاب .
12032 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، ذكر لنا أن هؤلاء الآيات أنزلت في قتيل اليهود الذي كان منهم .
12033 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، و"الظالمون " ، و"الفاسقون " ، لأهل الكتاب كلهم ، لما تركوا من كتاب الله .
12034 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن البراء بن عازب قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود ، فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد من زنى؟ قالوا : نعم ! فدعا رجلا من علمائهم فقال : أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال : لا ، ولولا أنك أنشدتني بهذا لم أخبرك ، نجد حده في كتابنا الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد ، فقلنا : تعالوا فلنجتمع جميعا على التحميم والجلد مكان الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه! فأمر به فرجم ، فأنزل الله : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " إلى قوله : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، يعني اليهود : " فأولئك هم الظالمون " ، يعني اليهود : " فأولئك هم الفاسقون " ، للكفار كلها .
[ ص: 352 ] 12035 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : من حكم بكتابه الذي كتب بيده ، وترك كتاب الله ، وزعم أن كتابه هذا من عند الله ، فقد كفر .
12036 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو حديث القاسم ، عن الحسن ، غير أن هنادا قال في حديثه : فقلنا : تعالوا فلنجتمع في شيء نقيمه على الشريف والضعيف ، فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم - وسائر الحديث نحو حديث القاسم .
12037 - حدثنا الربيع قال ، حدثنا ابن وهب قال ، حدثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه قال : كنا عند عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، فذكر رجل عنده : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ، فقال عبيد الله : أما والله إن كثيرا من الناس يتأولون هؤلاء الآيات على ما لم ينزلن عليه ، وما أنزلن إلا في حيين من يهود . ثم قال : هم قريظة والنضير ، وذلك أن إحدى الطائفتين كانت قد غزت الأخرى وقهرتها قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة ، فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة ، فديته مائة وسق . فأعطوهم فرقا وضيما . فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك ، فذلت الطائفتان بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يظهر عليهما . فبينا هما على [ ص: 353 ] ذلك ، أصابت الذليلة من العزيزة قتيلا فقالت العزيزة : أعطونا مائة وسق ! فقالت الذليلة : وهل كان هذا قط في حيين دينهما واحد ، وبلدهما واحد ، دية بعضهم ضعف دية بعض ! إنما أعطيناكم هذا فرقا منكم وضيما ، فاجعلوا بيننا وبينكم محمدا صلى الله عليه وسلم . فتراضيا على أن يجعلوا النبي صلى الله عليه وسلم بينهم . ثم إن العزيزة تذاكرت بينها ، فخشيت أن لا يعطيها النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابها ضعف ما تعطي أصحابها منها ، فدسوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إخوانهم من المنافقين ، فقالوا لهم : اخبروا لنا رأي محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن أعطانا ما نريد حكمناه ، وإن لم يعطنا حذرناه ولم نحكمه ! فذهب المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعلم الله تعالى ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ما أرادوا من ذلك الأمر كله قال عبيد الله : فأنزل الله تعالى ذكره فيهم : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " ، هؤلاء الآيات كلهن ، حتى بلغ : " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه " إلى"الفاسقون " قرأ عبيد الله ذلك آية آية ، وفسرها على ما أنزل ، حتى فرغ [ من ] تفسير ذلك لهم في الآيات . ثم قال : إنما عنى بذلك يهود ، وفيهم أنزلت هذه الصفة .
وقال بعضهم : عنى ب"الكافرين " ، أهل الإسلام ، وب "الظالمين " اليهود ، وب "الفاسقين " النصارى .
ذكر من قال ذلك :
12038 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن زكريا ، عن عامر قال : نزلت "الكافرون " في المسلمين ، و"الظالمون " في اليهود ، و"الفاسقون " في النصارى .
[ ص: 354 ] 12039 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن أبي السفر ، عن الشعبي ، قال : "الكافرون " ، في المسلمين ، و"الظالمون " في اليهود ، و"الفاسقون " ، في النصارى .
12040 - حدثنا ابن وكيع وأبو السائب وواصل بن عبد الأعلى قالوا : حدثنا ابن فضيل ، عن ابن شبرمة ، عن الشعبي قال : آية فينا ، وآيتان في أهل الكتاب : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " فينا ، وفيهم : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " ، و"الفاسقون " في أهل الكتاب .
12041 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر ، مثل حديث زكريا عنه .
12042 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا شعبة ، عن ابن أبي السفر ، عن الشعبي : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : هذا في المسلمين " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ، قال : النصارى .
12043 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي قال ، في هؤلاء الآيات التي في"المائدة" : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : فينا أهل الإسلام " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " ، قال : في اليهود " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ، قال : في النصارى .
12044 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي في قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : نزلت الأولى في المسلمين ، والثانية في اليهود ، والثالثة في النصارى .
[ ص: 355 ] 12045 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن زكريا ، عن الشعبي ، بنحوه .
12046 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يعلى ، عن زكريا ، عن عامر ، بنحوه .
وقال آخرون : بل عنى بذلك : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .
ذكر من قال ذلك :
12047 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ، قال : كفر دون كفر ، وفسق دون فسق ، وظلم دون ظلم .
12048 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن عطاء ، مثله .
12049 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد ، عن أيوب بن أبي تميمة ، عن عطاء بن أبي رباح ، بنحوه .
12050 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، بنحوه .
12051 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، بنحوه .
12052 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن سعيد المكي ، عن طاوس : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : ليس بكفر ينقل عن الملة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|