عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 17-02-2025, 09:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,603
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (548)
صــ 221 إلى صــ 235







القول في تأويل قوله ( فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ( 30 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "فطوعت" فآتته وساعدته عليه .

وهو "فعلت" من "الطوع" ، من قول القائل : "طاعني هذا الأمر" ، إذا انقاد له .

وقد اختلف أهل التأويل في تأويله .

فقال بعضهم ، معناه : فشجعت له نفسه قتل أخيه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 221 ]

11742 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، ومحمد بن حميد قالا : حدثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عن ابن أبي ليلى ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : "فطوعت له نفسه" ، قال : شجعت .

11743 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "فطوعت له نفسه" قال : فشجعته .

11744 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "فطوعت له نفسه قتل أخيه" ، قال : شجعته على قتل أخيه .

وقال آخرون : معنى ذلك : زينت له .

ذكر من قال ذلك :

11745 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فطوعت له نفسه" ، قال : زينت له نفسه قتل أخيه فقتله .

ثم اختلفوا في صفة قتله إياه ، كيف كانت؟ والسبب الذي من أجله قتله .

فقال بعضهم : وجده نائما فشدخ رأسه بصخرة .

ذكر من قال ذلك :

11746 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي فيما ذكر ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس [ ص: 222 ] وعن مرة ، عن عبد الله وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فطوعت له نفسه قتل أخيه " فطلبه ليقتله ، فراغ الغلام منه في رءوس الجبال . وأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له في جبل ، وهو نائم ، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه ، فمات ، فتركه بالعراء .

وقال بعضهم ما : -

11747 - حدثني محمد بن عمر بن علي قال : سمعت أشعث السجستاني يقول : سمعت ابن جريج قال : ابن آدم الذي قتل صاحبه لم يدر كيف يقتله ؟ فتمثل إبليس له في هيئة طير ، فأخذ طيرا فقطع رأسه ، ثم وضعه بين حجرين فشدخ رأسه ، فعلمه القتل .

11748 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قتله حيث يرعى الغنم ، فأتاه فجعل لا يدري كيف يقتله؟ فلوى برقبته وأخذ برأسه ، فنزل إبليس وأخذ دابة أو طيرا ، فوضع رأسه على حجر ، ثم أخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه ، وابن آدم القاتل ينظر . فأخذ أخاه فوضع رأسه على حجر ، وأخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه .

11749 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا رجل سمع مجاهدا يقول ، فذكر نحوه .

11750 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما أكلت النار قربان ابن آدم الذي تقبل قربانه ، قال الآخر لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قربانا فتقبل منك ، ورد علي؟ والله لا تنظر الناس إلي وإليك وأنت خير [ ص: 223 ] مني! فقال : "لأقتلنك" ، فقال له أخوه : ما ذنبي؟" إنما يتقبل الله من المتقين " . فخوفه بالنار ، فلم ينته ولم ينزجر" فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين " .

11751 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم ، قال : أقبلت مع سعيد بن جبير أرمي الجمرة ، وهو متقنع متوكئ على يدي ، حتى إذا وازينا بمنزل سمرة الصواف ، وقف يحدثني عن ابن عباس قال : نهى أن ينكح المرأة أخوها تؤمها ، وينكحها غيره من إخوتها . وكان يولد في كل بطن رجل وامرأة . فولدت امرأة وسيمة ، وولدت امرأة دميمة قبيحة . فقال أخو الدميمة : أنكحني أختك وأنكحك أختي . قال : لا أنا أحق بأختي . فقربا قربانا ، فتقبل من صاحب الكبش ، ولم يتقبل من صاحب الزرع ، فقتله . فلم يزل ذلك الكبش محبوسا عند الله عز وجل حتى أخرجه في فداء إسحاق ، فذبحه على هذا الصفا في ثبير ، عند منزل سمرة الصواف ، وهو على يمينك حين ترمي الجمار قال ابن جريج ، وقال آخرون بمثل هذه القصة . قال : فلم يزل بنو آدم على ذلك حتى مضى أربعة آباء ، فنكح ابنة عمه ، وذهب نكاح الأخوات .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله عز ذكره قد أخبر عن القاتل أنه قتل أخاه ، ولا خبر عندنا يقطع العذر بصفة قتله إياه . وجائز أن يكون على نحو ما قد ذكر السدي في خبره وجائز أن يكون كان على [ ص: 224 ] ما ذكره مجاهد ، والله أعلم أي ذلك كان . غير أن القتل قد كان لا شك فيه .

وأما قوله : "فأصبح من الخاسرين" ، فإن تأويله : فأصبح القاتل أخاه من ابني آدم ، من حزب الخاسرين ، وهم الذين باعوا آخرتهم بدنياهم ، بإيثارهم إياها عليها ، فوكسوا في بيعهم ، وغبنوا فيه ، وخابوا في صفقتهم .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ( 31 ) )

قال أبو جعفر : وهذا أيضا أحد الأدلة على أن القول في أمر ابني آدم بخلاف ما رواه عمرو ، عن الحسن ، لأن الرجلين اللذين وصف الله صفتهما في هذه الآية ، لو كانا من بني إسرائيل لم يجهل القاتل دفن أخيه ومواراة سوأة أخيه ، ولكنهما كانا من ولد آدم لصلبه ، ولم يكن القاتل منهما أخاه علم سنة الله في عباده الموتى ، ولم يدر ما يصنع بأخيه المقتول . فذكر أنه كان يحمله على عاتقه حينا حتى أراحت جيفته ، فأحب الله تعريفه السنة في موتى خلقه ، فقيض له الغرابين اللذين وصف صفتهما في كتابه . [ ص: 225 ]

ذكر الأخبار عن أهل التأويل بالذي كان من فعل القاتل من ابني آدم بأخيه المقتول ، بعد قتله إياه .

11752 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا يحيى بن أبي روق الهمداني ، عن أبيه ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : مكث يحمل أخاه في جراب على رقبته سنة ، حتى بعث الله جل وعز الغرابين ، فرآهما يبحثان ، فقال : "أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب"؟ فدفن أخاه .

11753 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه " ، بعث الله جل وعز غرابا حيا ، إلى غراب ميت ، فجعل الغراب الحي يواري سوأة الغراب الميت ، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " الآية .

11754 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي فيما ذكر ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن عبد الله ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لما مات الغلام تركه بالعراء ، ولا يعلم كيف يدفن؟ فبعث الله جل وعز غرابين أخوين ، فاقتتلا ، فقتل أحدهما صاحبه ، فحفر له ، ثم حثا عليه . فلما رآه قال : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي " ، فهو قول الله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه " .

11755 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "يبحث" ، قال : بعث الله غرابا حتى [ ص: 226 ] حفر لآخر إلى جنبه ميت ، وابن آدم القاتل ينظر إليه ، ثم بحث عليه حتى غيبه .

11756 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "غرابا يبحث في الأرض" ، حتى حفر لآخر ميت إلى جنبه ، فغيبه ، وابن آدم القاتل ينظر إليه ، حيث يبحث عليه حتى غيبه ، فقال : "يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب" ، الآية .

11757 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قوله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض " ، قال : بعث الله غرابا إلى غراب ، فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ، فجعل يحثي عليه التراب ، فقال : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين " .

11758 - حدثني المثنى قال : حدثني عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض " ، قال : جاء غراب إلى غراب ميت ، فحثى عليه من التراب حتى واراه ، فقال الذي قتل أخاه : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " ، الآية .

11759 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية قال : لما قتله ندم ، فضمه إليه حتى أروح ، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر : متى يرمي به فتأكله ؟ .

11760 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 227 ] قوله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه " ، أنه بعثه الله عز ذكره يبحث في الأرض ، ذكر لنا أنهما غرابان اقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ، وذلك يعني ابن آدم ينظر ، وجعل الحي يحثي على الميت التراب ، فعند ذلك قال ما قال : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " الآية ، إلى قوله : "من النادمين" .

11761 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : أما قوله : " فبعث الله غرابا " ، قال : قتل غراب غرابا ، فجعل يحثو عليه ، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه حين رآه : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين " .

11762 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه " ، قال : وارى الغراب الغراب . قال : كان يحمله على عاتقه مائة سنة لا يدري ما يصنع به ، يحمله ويضعه إلى الأرض ، حتى رأى الغراب يدفن الغراب ، فقال : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين " .

11763 - حدثني المثنى قال : حدثنا معلى بن أسد قال : حدثنا خالد ، عن حصين ، عن أبي مالك في قول الله : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " ، قال : بعث الله عز وجل غرابا ، فجعل يبحث على غراب ميت التراب . قال : فقال عند ذلك : " أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين " .

11764 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض " ، بعث الله غرابا حيا إلى غراب ميت ، فجعل الغراب الحي يواري سوأة الغراب الميت ، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " ، الآية . [ ص: 228 ]

11765 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، فيما يذكر عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول ، قال : لما قتله سقط في يديه ، ولم يدر كيف يواريه . وذلك أنه كان ، فيما يزعمون أول قتيل من بني آدم وأول ميت [ قال ] : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي " الآية [ إلى قوله : " ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون " ، قال ] : ويزعم أهل التوراة أن قابيل حين قتل أخاه هابيل قال له جل ثناؤه : يا قابيل ، أين أخوك هابيل؟ قال : ما أدري ، ما كنت عليه رقيبا! فقال الله جل وعز له : إن صوت دم أخيك ليناديني من الأرض ، الآن أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها فبلعت دم أخيك من يدك . فإذا أنت عملت في الأرض ، فإنها لا تعود تعطيك حرثها حتى تكون فزعا تائها في الأرض . قال قابيل : عظمت خطيئتي من أن تغفرها! قد أخرجتني اليوم عن وجه الأرض ، وأتوارى من قدامك ، وأكون فزعا تائها في الأرض ، وكل من لقيني قتلني! فقال الله جل وعز : ليس ذلك كذلك ، ولا يكون كل من قتل قتيلا يجزى بواحد سبعة ، ولكن من قتل قابيل يجزى سبعة ، وجعل الله في قابيل آية لئلا يقتله كل من وجده ، وخرج قابيل من قدام الله عز وجل من شرقي عدن الجنة . [ ص: 229 ]

11766 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح قال : حدثنا الأعمش ، عن خيثمة قال : لما قتل ابن آدم أخاه نشفت الأرض دمه ، فلعنت فلم تنشف الأرض دما بعد .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : فأثار الله للقاتل - إذ لم يدر ما يصنع بأخيه المقتول - " غرابا يبحث في الأرض " ، يقول : يحفر في الأرض ، فيثير ترابها "ليريه كيف يواري سوأة أخيه " ، يقول : ليريه كيف يواري جيفة أخيه .

وقد يحتمل أن يكون عني ب " السوأة " ، الفرج ، غير أن الأغلب من معناه ما ذكرت من الجيفة ، بذلك جاء تأويل أهل التأويل .

قال أبو جعفر : وفي ذلك محذوف ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر منه ، وهو : " فأراه بأن بحث في الأرض لغراب آخر ميت فواراه فيها " ، فقال القاتل أخاه حينئذ : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " ، الذي وارى الغراب الآخر الميت " فأواري سوأة أخي " ، فواراه حينئذ " فأصبح من النادمين " ، على ما فرط منه من معصية الله عز ذكره في قتله أخاه .

وكل ما ذكر الله عز وجل في هذه الآيات مثل ضربه الله عز ذكره لبني آدم ، وحرض به المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على استعمال العفو والصفح عن اليهود - الذين كانوا هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وقتلهم - من بني النضير ، إذ أتوهم يستعينونهم في دية قتيلي عمرو بن أمية الضمري ، [ ص: 230 ] وعرفهم جل وعز رداءة سجية أوائلهم ، وسوء استقامتهم على منهج الحق ، مع كثرة أياديه وآلائه عندهم . وضرب مثلهم في غدرهم ، ومثل المؤمنين في الوفاء لهم والعفو عنهم ، بابني آدم المقربين قرابينهما ، اللذين ذكرهما الله في هذه الآيات . ثم ذلك مثل لهم على التأسي بالفاضل منهما دون الطالح . وبذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

11767 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : قلت لبكر بن عبد الله ، أما بلغك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جل وعز ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا خيرهما ودعوا شرهما " ؟ قال : بلى .

11768 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ابني آدم ضربا مثلا لهذه الأمة ، فخذوا بالخير منهما .

11769 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم الأحول ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا من خيرهم ودعوا الشر .

[ ص: 231 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "من أجل ذلك" ، من جر ذلك وجريرته وجنايته . يقول : من جر القاتل أخاه من ابني آدم اللذين اقتصصنا قصتهما الجريرة التي جرها ، وجنايته التي جناها "كتبنا على بني إسرائيل" .

يقال منه : "أجلت هذا الأمر" ، أي : جررته إليه وكسبته ، "آجله له أجلا" ، كقولك : "أخذته أخذا" ، ومن ذلك قول الشاعر :


وأهل خباء صالح ذات بينهم قد احتربوا في عاجل أنا آجله


[ ص: 232 ] يعني بقوله : "أنا آجله" ، أنا الجار ذلك عليه والجاني .

فمعنى الكلام : من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلما ، حكمنا على بني إسرائيل أنه من قتل منهم نفسا ظلما ، بغير نفس قتلت ، فقتل بها قصاصا ، " أو فساد في الأرض " ، يقول : أو قتل منهم نفسا بغير فساد كان منها في الأرض ، فاستحقت بذلك قتلها . وفسادها في الأرض إنما يكون بالحرب لله ولرسوله ، وإخافة السبيل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :

ذكر من قال ذلك :

11770 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثني عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل " ، يقول : من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلما .

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله جل ثناؤه : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " .

فقال بعضهم : معنى ذلك : ومن قتل نبيا أو إمام عدل ، فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن شد على عضد نبي أو إمام عدل ، فكأنما أحيا الناس جميعا .

ذكر من قال ذلك :

11771 - حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي قال : حدثنا الفضل [ ص: 233 ] بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : من شد على عضد نبي أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس جميعا ، ومن قتل نبيا أو إمام عدل ، فكأنما قتل الناس جميعا .

11772 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، يقول : من قتل نفسا واحدة حرمتها ، فهو مثل من قتل الناس جميعا ، " ومن أحياها " ، يقول : من ترك قتل نفس واحدة حرمتها مخافتي ، واستحياها أن يقتلها ، فهو مثل استحياء الناس جميعا يعني بذلك الأنبياء .

وقال آخرون : "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، عند المقتول في الإثم " ومن أحياها " ، فاستنقذها من هلكة " فكأنما أحيا الناس جميعا " ، عند المستنقذ .

ذكر من قال ذلك :

11773 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، فيما ذكر عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن عبد الله ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل [ ص: 234 ] الناس جميعا " ، عند المقتول ، يقول : في الإثم " ومن أحياها " ، فاستنقذها من هلكة " فكأنما أحيا الناس جميعا " ، عند المستنقذ .

وقال آخرون : معنى ذلك : إن قاتل النفس المحرم قتلها ، يصلى النار كما يصلاها لو قتل الناس جميعا "ومن أحياها" ، من سلم من قتلها ، فقد سلم من قتل الناس جميعا .

ذكر من قال ذلك :

11774 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : " من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : من كف عن قتلها فقد أحياها "ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا " ، قال : ومن أوبقها .

11775 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد قال : من أوبق نفسا فكما لو قتل الناس جميعا ، ومن أحياها وسلم من ظلمها فلم يقتلها ، فقد سلم من قتل الناس جميعا .

11776 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد : "فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، لم يقتلها ، وقد سلم منه الناس جميعا ، لم يقتل أحدا .

11777 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الأوزاعي قال : أخبرنا عبدة بن أبي لبابة قال : سألت مجاهدا أو : سمعته يسأل عن قوله : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، قال : لو قتل الناس جميعا ، كان جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب [ ص: 235 ] الله عليه ولعنه ، وأعد له عذابا عظيما .

11778 - حدثني المثنى قال : حدثنا ، سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قراءة ، عن الأعرج ، عن مجاهد في قوله : " فكأنما قتل الناس جميعا " ، قال : الذي يقتل النفس المؤمنة متعمدا ، جعل الله جزاءه جهنم ، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما . يقول : لو قتل الناس جميعا لم يزد على مثل ذلك من العذاب قال ابن جريج ، قال مجاهد : " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " قال : من لم يقتل أحدا ، فقد استراح الناس منه .

11779 - حدثنا سفيان قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد قال : أوبق نفسه .

11780 - حدثنا سفيان قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قال : في الإثم .

11780 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، وقوله : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) [ سورة النساء : 93 ] قال : يصير إلى جهنم بقتل المؤمن ، كما أنه لو قتل الناس جميعا لصار إلى جهنم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]