
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (548)
صــ 221 إلى صــ 235
القول في تأويل قوله ( فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ( 30 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "فطوعت" فآتته وساعدته عليه .
وهو "فعلت" من "الطوع" ، من قول القائل : "طاعني هذا الأمر" ، إذا انقاد له .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويله .
فقال بعضهم ، معناه : فشجعت له نفسه قتل أخيه .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 221 ]
11742 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، ومحمد بن حميد قالا : حدثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عن ابن أبي ليلى ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : "فطوعت له نفسه" ، قال : شجعت .
11743 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "فطوعت له نفسه" قال : فشجعته .
11744 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "فطوعت له نفسه قتل أخيه" ، قال : شجعته على قتل أخيه .
وقال آخرون : معنى ذلك : زينت له .
ذكر من قال ذلك :
11745 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فطوعت له نفسه" ، قال : زينت له نفسه قتل أخيه فقتله .
ثم اختلفوا في صفة قتله إياه ، كيف كانت؟ والسبب الذي من أجله قتله .
فقال بعضهم : وجده نائما فشدخ رأسه بصخرة .
ذكر من قال ذلك :
11746 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي فيما ذكر ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس [ ص: 222 ] وعن مرة ، عن عبد الله وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فطوعت له نفسه قتل أخيه " فطلبه ليقتله ، فراغ الغلام منه في رءوس الجبال . وأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له في جبل ، وهو نائم ، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه ، فمات ، فتركه بالعراء .
وقال بعضهم ما : -
11747 - حدثني محمد بن عمر بن علي قال : سمعت أشعث السجستاني يقول : سمعت ابن جريج قال : ابن آدم الذي قتل صاحبه لم يدر كيف يقتله ؟ فتمثل إبليس له في هيئة طير ، فأخذ طيرا فقطع رأسه ، ثم وضعه بين حجرين فشدخ رأسه ، فعلمه القتل .
11748 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قتله حيث يرعى الغنم ، فأتاه فجعل لا يدري كيف يقتله؟ فلوى برقبته وأخذ برأسه ، فنزل إبليس وأخذ دابة أو طيرا ، فوضع رأسه على حجر ، ثم أخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه ، وابن آدم القاتل ينظر . فأخذ أخاه فوضع رأسه على حجر ، وأخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه .
11749 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا رجل سمع مجاهدا يقول ، فذكر نحوه .
11750 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما أكلت النار قربان ابن آدم الذي تقبل قربانه ، قال الآخر لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قربانا فتقبل منك ، ورد علي؟ والله لا تنظر الناس إلي وإليك وأنت خير [ ص: 223 ] مني! فقال : "لأقتلنك" ، فقال له أخوه : ما ذنبي؟" إنما يتقبل الله من المتقين " . فخوفه بالنار ، فلم ينته ولم ينزجر" فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين " .
11751 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم ، قال : أقبلت مع سعيد بن جبير أرمي الجمرة ، وهو متقنع متوكئ على يدي ، حتى إذا وازينا بمنزل سمرة الصواف ، وقف يحدثني عن ابن عباس قال : نهى أن ينكح المرأة أخوها تؤمها ، وينكحها غيره من إخوتها . وكان يولد في كل بطن رجل وامرأة . فولدت امرأة وسيمة ، وولدت امرأة دميمة قبيحة . فقال أخو الدميمة : أنكحني أختك وأنكحك أختي . قال : لا أنا أحق بأختي . فقربا قربانا ، فتقبل من صاحب الكبش ، ولم يتقبل من صاحب الزرع ، فقتله . فلم يزل ذلك الكبش محبوسا عند الله عز وجل حتى أخرجه في فداء إسحاق ، فذبحه على هذا الصفا في ثبير ، عند منزل سمرة الصواف ، وهو على يمينك حين ترمي الجمار قال ابن جريج ، وقال آخرون بمثل هذه القصة . قال : فلم يزل بنو آدم على ذلك حتى مضى أربعة آباء ، فنكح ابنة عمه ، وذهب نكاح الأخوات .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله عز ذكره قد أخبر عن القاتل أنه قتل أخاه ، ولا خبر عندنا يقطع العذر بصفة قتله إياه . وجائز أن يكون على نحو ما قد ذكر السدي في خبره وجائز أن يكون كان على [ ص: 224 ] ما ذكره مجاهد ، والله أعلم أي ذلك كان . غير أن القتل قد كان لا شك فيه .
وأما قوله : "فأصبح من الخاسرين" ، فإن تأويله : فأصبح القاتل أخاه من ابني آدم ، من حزب الخاسرين ، وهم الذين باعوا آخرتهم بدنياهم ، بإيثارهم إياها عليها ، فوكسوا في بيعهم ، وغبنوا فيه ، وخابوا في صفقتهم .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ( 31 ) )
قال أبو جعفر : وهذا أيضا أحد الأدلة على أن القول في أمر ابني آدم بخلاف ما رواه عمرو ، عن الحسن ، لأن الرجلين اللذين وصف الله صفتهما في هذه الآية ، لو كانا من بني إسرائيل لم يجهل القاتل دفن أخيه ومواراة سوأة أخيه ، ولكنهما كانا من ولد آدم لصلبه ، ولم يكن القاتل منهما أخاه علم سنة الله في عباده الموتى ، ولم يدر ما يصنع بأخيه المقتول . فذكر أنه كان يحمله على عاتقه حينا حتى أراحت جيفته ، فأحب الله تعريفه السنة في موتى خلقه ، فقيض له الغرابين اللذين وصف صفتهما في كتابه . [ ص: 225 ]
ذكر الأخبار عن أهل التأويل بالذي كان من فعل القاتل من ابني آدم بأخيه المقتول ، بعد قتله إياه .
11752 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا يحيى بن أبي روق الهمداني ، عن أبيه ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : مكث يحمل أخاه في جراب على رقبته سنة ، حتى بعث الله جل وعز الغرابين ، فرآهما يبحثان ، فقال : "أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب"؟ فدفن أخاه .
11753 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه " ، بعث الله جل وعز غرابا حيا ، إلى غراب ميت ، فجعل الغراب الحي يواري سوأة الغراب الميت ، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " الآية .
11754 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي فيما ذكر ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن عبد الله ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لما مات الغلام تركه بالعراء ، ولا يعلم كيف يدفن؟ فبعث الله جل وعز غرابين أخوين ، فاقتتلا ، فقتل أحدهما صاحبه ، فحفر له ، ثم حثا عليه . فلما رآه قال : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي " ، فهو قول الله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه " .
11755 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "يبحث" ، قال : بعث الله غرابا حتى [ ص: 226 ] حفر لآخر إلى جنبه ميت ، وابن آدم القاتل ينظر إليه ، ثم بحث عليه حتى غيبه .
11756 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "غرابا يبحث في الأرض" ، حتى حفر لآخر ميت إلى جنبه ، فغيبه ، وابن آدم القاتل ينظر إليه ، حيث يبحث عليه حتى غيبه ، فقال : "يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب" ، الآية .
11757 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قوله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض " ، قال : بعث الله غرابا إلى غراب ، فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ، فجعل يحثي عليه التراب ، فقال : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين " .
11758 - حدثني المثنى قال : حدثني عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض " ، قال : جاء غراب إلى غراب ميت ، فحثى عليه من التراب حتى واراه ، فقال الذي قتل أخاه : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " ، الآية .
11759 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية قال : لما قتله ندم ، فضمه إليه حتى أروح ، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر : متى يرمي به فتأكله ؟ .
11760 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 227 ] قوله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه " ، أنه بعثه الله عز ذكره يبحث في الأرض ، ذكر لنا أنهما غرابان اقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ، وذلك يعني ابن آدم ينظر ، وجعل الحي يحثي على الميت التراب ، فعند ذلك قال ما قال : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " الآية ، إلى قوله : "من النادمين" .
11761 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : أما قوله : " فبعث الله غرابا " ، قال : قتل غراب غرابا ، فجعل يحثو عليه ، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه حين رآه : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين " .
11762 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه " ، قال : وارى الغراب الغراب . قال : كان يحمله على عاتقه مائة سنة لا يدري ما يصنع به ، يحمله ويضعه إلى الأرض ، حتى رأى الغراب يدفن الغراب ، فقال : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين " .
11763 - حدثني المثنى قال : حدثنا معلى بن أسد قال : حدثنا خالد ، عن حصين ، عن أبي مالك في قول الله : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " ، قال : بعث الله عز وجل غرابا ، فجعل يبحث على غراب ميت التراب . قال : فقال عند ذلك : " أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين " .
11764 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض " ، بعث الله غرابا حيا إلى غراب ميت ، فجعل الغراب الحي يواري سوأة الغراب الميت ، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " ، الآية . [ ص: 228 ]
11765 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، فيما يذكر عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول ، قال : لما قتله سقط في يديه ، ولم يدر كيف يواريه . وذلك أنه كان ، فيما يزعمون أول قتيل من بني آدم وأول ميت [ قال ] : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي " الآية [ إلى قوله : " ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون " ، قال ] : ويزعم أهل التوراة أن قابيل حين قتل أخاه هابيل قال له جل ثناؤه : يا قابيل ، أين أخوك هابيل؟ قال : ما أدري ، ما كنت عليه رقيبا! فقال الله جل وعز له : إن صوت دم أخيك ليناديني من الأرض ، الآن أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها فبلعت دم أخيك من يدك . فإذا أنت عملت في الأرض ، فإنها لا تعود تعطيك حرثها حتى تكون فزعا تائها في الأرض . قال قابيل : عظمت خطيئتي من أن تغفرها! قد أخرجتني اليوم عن وجه الأرض ، وأتوارى من قدامك ، وأكون فزعا تائها في الأرض ، وكل من لقيني قتلني! فقال الله جل وعز : ليس ذلك كذلك ، ولا يكون كل من قتل قتيلا يجزى بواحد سبعة ، ولكن من قتل قابيل يجزى سبعة ، وجعل الله في قابيل آية لئلا يقتله كل من وجده ، وخرج قابيل من قدام الله عز وجل من شرقي عدن الجنة . [ ص: 229 ]
11766 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح قال : حدثنا الأعمش ، عن خيثمة قال : لما قتل ابن آدم أخاه نشفت الأرض دمه ، فلعنت فلم تنشف الأرض دما بعد .
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : فأثار الله للقاتل - إذ لم يدر ما يصنع بأخيه المقتول - " غرابا يبحث في الأرض " ، يقول : يحفر في الأرض ، فيثير ترابها "ليريه كيف يواري سوأة أخيه " ، يقول : ليريه كيف يواري جيفة أخيه .
وقد يحتمل أن يكون عني ب " السوأة " ، الفرج ، غير أن الأغلب من معناه ما ذكرت من الجيفة ، بذلك جاء تأويل أهل التأويل .
قال أبو جعفر : وفي ذلك محذوف ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر منه ، وهو : " فأراه بأن بحث في الأرض لغراب آخر ميت فواراه فيها " ، فقال القاتل أخاه حينئذ : " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب " ، الذي وارى الغراب الآخر الميت " فأواري سوأة أخي " ، فواراه حينئذ " فأصبح من النادمين " ، على ما فرط منه من معصية الله عز ذكره في قتله أخاه .
وكل ما ذكر الله عز وجل في هذه الآيات مثل ضربه الله عز ذكره لبني آدم ، وحرض به المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على استعمال العفو والصفح عن اليهود - الذين كانوا هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وقتلهم - من بني النضير ، إذ أتوهم يستعينونهم في دية قتيلي عمرو بن أمية الضمري ، [ ص: 230 ] وعرفهم جل وعز رداءة سجية أوائلهم ، وسوء استقامتهم على منهج الحق ، مع كثرة أياديه وآلائه عندهم . وضرب مثلهم في غدرهم ، ومثل المؤمنين في الوفاء لهم والعفو عنهم ، بابني آدم المقربين قرابينهما ، اللذين ذكرهما الله في هذه الآيات . ثم ذلك مثل لهم على التأسي بالفاضل منهما دون الطالح . وبذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
11767 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : قلت لبكر بن عبد الله ، أما بلغك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جل وعز ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا خيرهما ودعوا شرهما " ؟ قال : بلى .
11768 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ابني آدم ضربا مثلا لهذه الأمة ، فخذوا بالخير منهما .
11769 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم الأحول ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا من خيرهم ودعوا الشر .
[ ص: 231 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "من أجل ذلك" ، من جر ذلك وجريرته وجنايته . يقول : من جر القاتل أخاه من ابني آدم اللذين اقتصصنا قصتهما الجريرة التي جرها ، وجنايته التي جناها "كتبنا على بني إسرائيل" .
يقال منه : "أجلت هذا الأمر" ، أي : جررته إليه وكسبته ، "آجله له أجلا" ، كقولك : "أخذته أخذا" ، ومن ذلك قول الشاعر :
وأهل خباء صالح ذات بينهم قد احتربوا في عاجل أنا آجله
[ ص: 232 ] يعني بقوله : "أنا آجله" ، أنا الجار ذلك عليه والجاني .
فمعنى الكلام : من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلما ، حكمنا على بني إسرائيل أنه من قتل منهم نفسا ظلما ، بغير نفس قتلت ، فقتل بها قصاصا ، " أو فساد في الأرض " ، يقول : أو قتل منهم نفسا بغير فساد كان منها في الأرض ، فاستحقت بذلك قتلها . وفسادها في الأرض إنما يكون بالحرب لله ولرسوله ، وإخافة السبيل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
11770 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثني عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل " ، يقول : من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلما .
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله جل ثناؤه : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " .
فقال بعضهم : معنى ذلك : ومن قتل نبيا أو إمام عدل ، فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن شد على عضد نبي أو إمام عدل ، فكأنما أحيا الناس جميعا .
ذكر من قال ذلك :
11771 - حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المروزي قال : حدثنا الفضل [ ص: 233 ] بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : من شد على عضد نبي أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس جميعا ، ومن قتل نبيا أو إمام عدل ، فكأنما قتل الناس جميعا .
11772 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، يقول : من قتل نفسا واحدة حرمتها ، فهو مثل من قتل الناس جميعا ، " ومن أحياها " ، يقول : من ترك قتل نفس واحدة حرمتها مخافتي ، واستحياها أن يقتلها ، فهو مثل استحياء الناس جميعا يعني بذلك الأنبياء .
وقال آخرون : "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، عند المقتول في الإثم " ومن أحياها " ، فاستنقذها من هلكة " فكأنما أحيا الناس جميعا " ، عند المستنقذ .
ذكر من قال ذلك :
11773 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، فيما ذكر عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن عبد الله ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل [ ص: 234 ] الناس جميعا " ، عند المقتول ، يقول : في الإثم " ومن أحياها " ، فاستنقذها من هلكة " فكأنما أحيا الناس جميعا " ، عند المستنقذ .
وقال آخرون : معنى ذلك : إن قاتل النفس المحرم قتلها ، يصلى النار كما يصلاها لو قتل الناس جميعا "ومن أحياها" ، من سلم من قتلها ، فقد سلم من قتل الناس جميعا .
ذكر من قال ذلك :
11774 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : " من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، قال : من كف عن قتلها فقد أحياها "ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا " ، قال : ومن أوبقها .
11775 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد قال : من أوبق نفسا فكما لو قتل الناس جميعا ، ومن أحياها وسلم من ظلمها فلم يقتلها ، فقد سلم من قتل الناس جميعا .
11776 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد : "فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " ، لم يقتلها ، وقد سلم منه الناس جميعا ، لم يقتل أحدا .
11777 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الأوزاعي قال : أخبرنا عبدة بن أبي لبابة قال : سألت مجاهدا أو : سمعته يسأل عن قوله : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، قال : لو قتل الناس جميعا ، كان جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب [ ص: 235 ] الله عليه ولعنه ، وأعد له عذابا عظيما .
11778 - حدثني المثنى قال : حدثنا ، سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قراءة ، عن الأعرج ، عن مجاهد في قوله : " فكأنما قتل الناس جميعا " ، قال : الذي يقتل النفس المؤمنة متعمدا ، جعل الله جزاءه جهنم ، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما . يقول : لو قتل الناس جميعا لم يزد على مثل ذلك من العذاب قال ابن جريج ، قال مجاهد : " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " قال : من لم يقتل أحدا ، فقد استراح الناس منه .
11779 - حدثنا سفيان قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد قال : أوبق نفسه .
11780 - حدثنا سفيان قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قال : في الإثم .
11780 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ، وقوله : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) [ سورة النساء : 93 ] قال : يصير إلى جهنم بقتل المؤمن ، كما أنه لو قتل الناس جميعا لصار إلى جهنم .
