عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 17-02-2025, 08:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,880
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (547)
صــ 206 إلى صــ 220








11714 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول : أن آدم أمر ابنه قابيل أن ينكح أخته تؤمه هابيل ، وأمر هابيل أن ينكح أخته تؤمه قابيل ، فسلم لذلك هابيل ورضي ، وأبى قابيل [ ص: 206 ] ذلك وكره ، تكرما عن أخت هابيل ، ورغب بأخته عن هابيل ، وقال : نحن ولادة الجنة ، وهما من ولادة الأرض ، وأنا أحق بأختي! ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأول : كانت أخت قابيل من أحسن الناس ، فضن بها عن أخيه وأرادها لنفسه . فالله أعلم أي ذلك كان فقال له أبوه : يا بني إنها لا تحل لك! فأبى قابيل أن يقبل ذلك من قول أبيه ، فقال له أبوه : يا بني فقرب قربانا ، ويقرب أخوك هابيل قربانا ، فأيكما قبل الله قربانه فهو أحق بها . وكان قابيل على بذر الأرض ، وكان هابيل على رعاية الماشية ، فقرب قابيل قمحا وقرب هابيل أبكارا من أبكار غنمه وبعضهم يقول : قرب بقرة فأرسل الله جل وعز نارا بيضاء فأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قابيل ، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله .

11715 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي فيما ذكر ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : وكان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية ، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر . حتى ولد له ابنان يقال لهما : قابيل ، وهابيل . وكان قابيل صاحب زرع ، وكان [ ص: 207 ] هابيل صاحب ضرع . وكان قابيل أكبرهما ، وكان له أخت أحسن من أخت هابيل . وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل ، فأبى عليه وقال : هي أختي ، ولدت معي ، وهي أحسن من أختك ، وأنا أحق أن أتزوجها! فأمره أبوه أن يزوجها هابيل ، فأبى . وإنهما قربا قربانا إلى الله أيهما أحق بالجارية ، كان آدم يومئذ قد غاب عنهما إلى مكة ينظر إليها ، قال الله عز ذكره لآدم : يا آدم ، هل تعلم أن لي بيتا في الأرض؟ قال : اللهم لا! قال : فإن لي بيتا بمكة فأته . فقال آدم للسماء : "احفظي ولدي بالأمانة" ، فأبت . وقال للأرض ، فأبت . وقال للجبال فأبت . وقال لقابيل ، فقال : نعم ، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك . فلما انطلق آدم ، قربا قربانا ، وكان قابيل يفخر عليه فقال : أنا أحق بها منك ، هي أختي ، وأنا أكبر منك ، وأنا وصي والدي! فلما قربا ، قرب هابيل جذعة سمينة ، وقرب قابيل حزمة سنبل ، فوجد فيها سنبلة عظيمة ، ففركها فأكلها . فنزلت النار فأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قابيل ، فغضب وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي! فقال هابيل : إنما يتقبل الله من المتقين .

11716 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " ، ذكر لنا أنهما هابيل ، وقابيل . فأما هابيل ، فكان صاحب ماشية ، فعمد إلى خير ماشيته فتقرب بها ، فنزلت عليه نار فأكلته ، وكان القربان إذا تقبل منهم ، نزلت عليه نار فأكلته . وإذا رد عليهم أكلته الطير والسباع وأما قابيل ، فكان صاحب زرع ، فعمد إلى أردإ زرعه فتقرب به ، فلم تنزل عليه النار ، فحسد أخاه عند ذلك فقال : لأقتلنك! قال : إنما يتقبل الله من المتقين .

11717 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 208 ] معمر ، عن قتادة في قوله : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " ، قال : هما هابيل ، وقابيل ، قال : كان أحدهما صاحب زرع ، والآخر صاحب ماشية ، فجاء أحدهما بخير ماله ، وجاء الآخر بشر ماله . فجاءت النار فأكلت قربان أحدهما ، وهو هابيل ، وتركت قربان الآخر ، فحسده فقال : لأقتلنك!

11718 - حدثنا سفيان قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : " إذ قربا قربانا " ، قال : قرب هذا زرعا ، وذا عناقا ، فتركت النار الزرع وأكلت العناق .

وقال آخرون : اللذان قربا قربانا ، وقص الله عز ذكره قصصهما في هذه الآية : رجلان من بني إسرائيل ، لا من ولد آدم لصلبه .

ذكر من قال ذلك :

11719 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن قال : كان الرجلان اللذان في القرآن ، اللذان قال الله : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " ، من بني إسرائيل ، ولم يكونا ابني آدم لصلبه ، وإنما كان القربان في بني إسرائيل ، وكان آدم أول من مات .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب أن اللذين قربا القربان كانا ابني آدم لصلبه ، لا من ذريته من بني إسرائيل . وذلك أن الله عز وجل يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة ، والمخاطبون بهذه الآية كانوا عالمين أن تقريب القربان لله لم يكن إلا في ولد آدم ، دون الملائكة والشياطين [ ص: 209 ] وسائر الخلق غيرهم . فإذ كان معلوما ذلك عندهم ، فمعقول أنه لو لم يكن معنيا ب"ابني آدم" اللذين ذكرهما الله في كتابه ابناه لصلبه لم يفدهم بذكره جل جلاله إياهما فائدة لم تكن عندهم . وإذ كان غير جائز أن يخاطبهم خطابا لا يفيدهم به معنى ، فمعلوم أنه عنى ب"ابني آدم" ، [ ابني آدم لصلبه ] ، لا بني بنيه الذين بعد منه نسبهم ، مع إجماع أهل الأخبار والسير والعلم بالتأويل على أنهما كانا ابني آدم لصلبه ، وفي عهد آدم وزمانه ، وكفى بذلك شاهدا .

وقد ذكرنا كثيرا ممن نص عنه القول بذلك ، وسنذكر كثيرا ممن لم يذكر إن شاء الله .

11720 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا حسام بن المصك ، عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد قال : لما قتل ابن آدم أخاه مكث آدم مائة سنة حزينا لا يضحك ، ثم أتي فقيل له : حياك الله وبياك! فقال : "بياك" ، أضحكك .

11721 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي إسحاق الهمداني قال : قال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه : لما قتل ابن آدم أخاه بكى آدم ، فقال :


تغيرت البلاد ومن عليها فلون الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي لون وطعم
وقل بشاشة الوجه المليح
[ ص: 210 ]

فأجيب آدم عليه السلام :


أبا هابيل قد قتلا جميعا وصار الحي كالميت الذبيح
وجاء بشرة قد كان منها على خوف فجاء بها يصيح


قال أبو جعفر : وأما القول في تقريبهما ما قربا ، فإن الصواب فيه من القول أن يقال : إن الله عز ذكره أخبر عباده عنهما أنهما قد قربا ، ولم يخبر أن تقريبهما ما قربا كان عن أمر الله إياهما به ، ولا عن غير أمره . وجائز أن يكون كان عن أمر الله إياهما بذلك وجائز أن يكون عن غير أمره . غير أنه أي ذلك كان ، فلم يقربا ذلك إلا طلب قربة إلى الله إن شاء الله .

وأما تأويل قوله : "قال لأقتلنك" ، فإن معناه : قال الذي لم يتقبل منه قربانه ، للذي تقبل منه قربانه : "لأقتلنك" ، فترك ذكر "المتقبل قربانه" ، و"المردود عليه قربانه" استغناء بما قد جرى من ذكرهما عن إعادته . وكذلك ترك ذكر "المتقبل قربانه" مع قوله : " قال إنما يتقبل الله من المتقين " .

وبنحو ما قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس .

11722 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "قال لأقتلنك" ، فقال له أخوه : ما ذنبي؟ إنما يتقبل الله من المتقين . [ ص: 211 ]

11723 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " إنما يتقبل الله من المتقين " ، قال يقول : إنك لو اتقيت الله في قربانك تقبل منك ، جئت بقربان مغشوش بأشر ما عندك ، وجئت أنا بقربان طيب بخير ما عندي . قال : وكان قال : يتقبل الله منك ولا يتقبل مني!

ويعني بقوله : "من المتقين" ، من الذين اتقوا الله وخافوه بأداء ما كلفهم من فرائضه ، واجتناب ما نهاهم عنه من معصيته .

وقد قال جماعة من أهل التأويل : "المتقون" في هذا الموضع الذين اتقوا الشرك .

ذكر من قال ذلك :

11724 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قوله : " إنما يتقبل الله من المتقين " ، الذين يتقون الشرك .

وقد بينا معنى "القربان" فيما مضى وأنه "الفعلان" من قول القائل : "قرب" ، كما "الفرقان" "الفعلان" من "فرق" ، و"العدوان" من "عدا" .

وكانت قرابين الأمم الماضية قبل أمتنا كالصدقات ، والزكوات فينا غير أن قرابينهم كان يعلم المتقبل منها وغير المتقبل فيما ذكر بأكل النار ما تقبل منها ، وترك النار ما لم يتقبل منها . و"القربان" في أمتنا الأعمال الصالحة من الصلاة ، والصيام ، والصدقة على أهل المسكنة ، وأداء الزكاة المفروضة . ولا سبيل [ ص: 212 ] لها إلى العلم في عاجل بالمتقبل منها والمردود .

وقد ذكر عن عامر بن عبد الله العنبري ، أنه حين حضرته الوفاة بكى ، فقيل له : ما يبكيك؟ فقد كنت وكنت! فقال : يبكيني أني أسمع الله يقول : " إنما يتقبل الله من المتقين " .

11725 - حدثني بذلك محمد بن عمر المقدمي قال : حدثني سعيد بن عامر ، عن همام ، عمن ذكره ، عن عامر .

وقد قال بعضهم : قربان المتقين الصلاة .

11726 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن عمران بن سليمان ، عن عدي بن ثابت قال : كان قربان المتقين الصلاة .
[ ص: 213 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ( 28 ) )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن المقتول من ابني آدم أنه قال لأخيه لما قال له أخوه القاتل : لأقتلنك : والله" لئن بسطت إلي يدك " ، يقول : مددت إلي يدك " لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك " ، يقول : ما أنا بماد يدي إليك " لأقتلك " .

وقد اختلف في السبب الذي من أجله قال المقتول ذلك لأخيه ، ولم يمانعه ما فعل به . فقال بعضهم : قال ذلك إعلاما منه لأخيه القاتل أنه لا يستحل قتله ، ولا بسط يده إليه بما لم يأذن الله جل وعز له به .

ذكر من قال ذلك :

11727 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا عوف ، عن أبي المغيرة ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال : وايم الله ، إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكن منعه التحرج أن يبسط إلى أخيه .

11728 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك " ، ما أنا بمنتصر ، ولأمسكن يدي عنك . [ ص: 214 ]

وقال آخرون : لم يمنعه مما أراد من قتله ، وقال ما قال له مما قص الله في كتابه : [ إلا ] أن الله عز ذكره فرض عليهم أن لا يمتنع من أريد قتله ممن أراد ذلك منه .

ذكر من قال ذلك :

11729 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا رجل سمع مجاهدا يقول في قوله : " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك " ، قال مجاهد : كان كتب عليهم ، إذا أراد الرجل أن يقتل رجلا تركه ولا يمتنع منه .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله عز ذكره قد كان حرم عليهم قتل نفس بغير نفس ظلما ، وأن المقتول قال لأخيه : " ما أنا بباسط يدي إليك إن بسطت إلي يدك " ، لأنه كان حراما عليه من قتل أخيه مثل الذي كان حراما على أخيه القاتل من قتله . فأما الامتناع من قتله حين أراد قتله فلا دلالة على أن القاتل حين أراد قتله وعزم عليه ، كان المقتول عالما بما هو عليه عازم منه ومحاول من قتله ، فترك دفعه عن نفسه . بل قد ذكر جماعة من أهل العلم أنه قتله غيلة ، اغتاله وهو نائم ، فشدخ رأسه بصخرة . فإذ كان ذلك ممكنا ، ولم يكن في الآية دلالة على أنه كان مأمورا بترك منع أخيه من قتله ، يكن جائزا ادعاء ما ليس في الآية ، إلا ببرهان يجب تسليمه .

وأما تأويل قوله : " إني أخاف الله رب العالمين " فإنه : إني أخاف الله في بسط يدي إليك إن بسطتها لقتلك " رب العالمين " ، يعني : مالك الخلائق كلها أن يعاقبني على بسط يدي إليك .

[ ص: 215 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ( 29 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معناه : إني أريد أن تبوء بإثمي من قتلك إياي ، وإثمك في معصيتك الله ، وغير ذلك من معاصيك .

ذكر من قال ذلك :

11730 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في حديثه ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس وعن مرة ، عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، يقول : إثم قتلي ، إلى إثمك الذي في عنقك" فتكون من أصحاب النار " .

11731 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، يقول : بقتلك إياي ، وإثمك قبل ذلك .

11732 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، قال : بإثم قتلي وإثمك .

11733 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " يقول : إني أريد أن يكون عليك خطيئتك ودمي ، تبوء بهما جميعا .

11734 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز ، عن سفيان ، عن [ ص: 216 ] منصور ، عن مجاهد : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، يقول : إني أريد أن تبوء بقتلك إياي "وإثمك" ، قال : بما كان منك قبل ذلك .

11735 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال : حدثني عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قوله : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، قال : أما "إثمك" ، فهو الإثم الذي عمل قبل قتل النفس يعني أخاه ، وأما "إثمه" ، فقتله أخاه .

وكأن قائلي هذه المقالة وجهوا تأويل قوله : "إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، إلى : إني أريد أن تبوء بإثم قتلي ، فحذف " القتل " ، واكتفى بذكر " الإثم " ، إذ كان مفهوما معناه عند المخاطبين به .

وقال آخرون : معنى ذلك : إني أريد أن تبوء بخطيئتي ، فتتحمل وزرها ، وإثمك في قتلك إياي . وهذا قول وجدته عن مجاهد ، وأخشى أن يكون غلطا ، لأن الصحيح من الرواية عنه ما قد ذكرنا قبل .

ذكر من قال ذلك :

11736 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، يقول : إني أريد أن تكون عليك خطيئتي ودمي ، فتبوء بهما جميعا .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن تأويله : إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي وذلك هو معنى قوله : " إني [ ص: 217 ] أريد أن تبوء بإثمي " وأما معنى : " وإثمك " فهو إثمه بغير قتله ، وذلك معصيته الله جل ثناؤه في أعمال سواه .

وإنما قلنا ذلك هو الصواب ، لإجماع أهل التأويل عليه . لأن الله عز ذكره قد أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه . وإذا كان ذلك حكمه في خلقه ، فغير جائز أن يكون آثام المقتول مأخوذا بها القاتل ، وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثام معاصيه التي ارتكبها بنفسه ، دون ما ركبه قتيله .

فإن قال قائل : أو ليس قتل المقتول من بني آدم كان معصية لله من القاتل؟ قيل : بلى ، وأعظم بها معصية!

فإن قال : فإذا كان لله جل وعز معصية ، فكيف جاز أن يريد ذلك منه المقتول ، ويقول : " إني أريد أن تبوء بإثمي " ، وقد ذكرت أن تأويل ذلك : إني أريد أن تبوء بإثم قتلي؟ [ قيل ] معناه : إني أريد أن تبوء بإثم قتلي إن قتلتني ، لأني لا أقتلك ، فإن أنت قتلتني ، فإني مريد أن تبوء بإثم معصيتك الله في قتلك إياي . وهو إذا قتله فهو لا محالة باء به في حكم الله ، فإرادته ذلك غير موجبة له الدخول في الخطإ .

ويعني بقوله : " فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين " ، يقول : فتكون بقتلك إياي من سكان الجحيم ، ووقود النار المخلدين فيها " وذلك جزاء الظالمين " ، يقول : والنار ثواب التاركين طريق الحق ، الزائلين عن قصد [ ص: 218 ] السبيل ، المتعدين ما جعل لهم إلى ما لم يجعل لهم .

وهذا يدل على أن الله عز ذكره قد كان أمر ونهى آدم بعد أن أهبطه إلى الأرض ، ووعد وأوعد . ولولا ذلك ما قال المقتول للقاتل : "فتكون من أصحاب النار" بقتلك إياي ، ولا أخبره أن ذلك جزاء الظالمين . فكان مجاهد يقول : علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه في الشمس حيثما دارت دار ، عليه في الصيف حظيرة من نار ، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج .

11737 - حدثنا بذلك القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قال مجاهد ذلك قال : وقال عبد الله بن عمرو : وإنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب ، عليه شطر عذابهم .

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحو ما روي عن عبد الله بن عمرو ، خبر .

11738 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، وحدثنا سفيان قال : حدثنا جرير ، وأبو معاوية ح ، وحدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ، ووكيع جميعا ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها ، ذلك بأنه أول من سن القتل .

11739 - حدثنا سفيان قال : حدثنا أبي ح ، وحدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن جميعا ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه . [ ص: 219 ]

11740 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن حسن بن صالح ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم النخعي قال : ما من مقتول يقتل ظلما ، إلا كان على ابن آدم الأول والشيطان كفل منه .

11741 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن حكيم بن حكيم ، أنه حدث عن عبد الله بن عمرو : أنه كان يقول : إن أشقى الناس رجلا لابن آدم الذي قتل أخاه ، ما سفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلا لحق به منه شيء ، وذلك أنه أول من سن القتل .

قال أبو جعفر : وهذا الخبر الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مبين عن أن القول الذي قاله الحسن في ابني آدم اللذين ذكرهما الله في هذا الموضع أنهما ليسا بابني آدم لصلبه ، ولكنهما رجلان من بني إسرائيل وأن القول الذي حكي عنه أن أول من مات آدم ، وأن القربان الذي كانت [ ص: 220 ] النار تأكله لم يكن إلا في بني إسرائيل خطأ ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن هذا القاتل الذي قتل أخاه : أنه أول من سن القتل . وقد كان لا شك القتل قبل إسرائيل ، فكيف قبل ذريته؟! فخطأ من القول أن يقال : أول من سن القتل رجل من بني إسرائيل .

وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الصحيح من القول هو قول من قال : "هو ابن آدم لصلبه" ، لأنه أول من سن القتل ، فأوجب الله له من العقوبة ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]