عرض مشاركة واحدة
  #542  
قديم 17-02-2025, 08:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (542)
صــ 131 إلى صــ 145









القول في تأويل قوله عز ذكره ( ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم )

قال أبو جعفر : يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولا تزال يا محمد تطلع من اليهود الذين أنبأتك نبأهم ، من نقضهم ميثاقي ، ونكثهم [ ص: 131 ] عهدي ، مع أيادي عندهم ، ونعمتي عليهم على مثل ذلك من الغدر والخيانة "إلا قليلا منهم" ، إلا قليلا منهم [ لم يخونوا ] .

و"الخائنة" في هذا الموضع : الخيانة ، وضع - وهو اسم - موضع المصدر ، كما قيل : "خاطئة" ، للخطيئة و"قائلة" للقيلولة .

وقوله : "إلا قليلا منهم" استثناء من "الهاء والميم" اللتين في قوله : "على خائنة منهم" .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

11589 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "ولا تزال تطلع على خائنة منهم" قال : على خيانة وكذب وفجور .

11590 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل وعز : " ولا تزال تطلع على خائنة منهم " قال : هم يهود ، مثل الذي هموا به من النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل حائطهم . [ ص: 132 ]

11591 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

11592 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد وعكرمة قوله : "ولا تزال تطلع على خائنة منهم" من يهود ، مثل الذي هموا بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل عليهم .

وقال بعض القائلين : معنى ذلك : ولا تزال تطلع على خائن منهم ، قال : والعرب تزيد "الهاء" في آخر المذكر كقولهم : "هو راوية للشعر" ، و"رجل علامة" ، وأنشد :


حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن للغدر خائنة مغل الإصبع


[ ص: 133 ] فقال : "خائنة" ، وهو يخاطب رجلا .

قال أبو جعفر : والصواب من التأويل في ذلك القول الذي رويناه عن أهل التأويل . لأن الله عنى بهذه الآية القوم من يهود بني النضير الذين هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، إذ أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية العامريين ، فأطلعه الله عز ذكره على ما قد هموا به . ثم قال جل ثناؤه بعد تعريفه أخبار أوائلهم ، وإعلامه منهج أسلافهم ، وأن آخرهم على منهاج أولهم في الغدر والخيانة ، لئلا يكبر فعلهم ذلك على نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقال جل ثناؤه : ولا تزال تطلع من اليهود على خيانة وغدر ونقض عهد ولم يرد أنه لا يزال يطلع على رجل منهم خائن . وذلك أن الخبر ابتدئ به عن جماعتهم فقيل : "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" ، ثم قيل : "ولا تزال تطلع على خائنة منهم" ، فإذ كان الابتداء عن الجماعة ، فالختم بالجماعة أولى .

[ ص: 134 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ( 13 ) )

قال أبو جعفر : وهذا أمر من الله عز ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالعفو عن هؤلاء القوم الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليه من اليهود . يقول الله جل وعز له : اعف ، يا محمد ، عن هؤلاء اليهود الذين هموا بما هموا به من بسط أيديهم إليك وإلى أصحابك بالقتل ، واصفح لهم عن جرمهم بترك التعرض لمكروههم ، فإني أحب من أحسن العفو والصفح إلى من أساء إليه .

وكان قتادة يقول : هذه منسوخة . ويقول : نسختها آية "براءة" : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية [ سورة التوبة : 29 ] .

11593 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "فاعف عنهم واصفح" ، قال : نسختها : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ) .

11594 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا همام ، عن قتادة : "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" ، ولم يؤمر يومئذ بقتالهم ، فأمره الله عز ذكره أن يعفو عنهم ويصفح . ثم نسخ ذلك في"براءة" فقال : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) [ سورة التوبة : 29 ] ، وهم أهل الكتاب ، فأمر الله [ ص: 135 ] جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقاتلهم حتى يسلموا أو يقروا بالجزية .

11595 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عبدة بن سليمان قال : قرأت على ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، نحوه .

قال أبو جعفر : والذي قاله قتادة غير مدفوع إمكانه ، غير أن الناسخ الذي لا شك فيه من الأمر ، هو ما كان نافيا كل معاني خلافه الذي كان قبله ، فأما ما كان غير ناف جميعه ، فلا سبيل إلى العلم بأنه ناسخ إلا بخبر من الله جل وعز أو من رسوله صلى الله عليه وسلم . وليس في قوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) دلالة على الأمر بنفي معاني الصفح والعفو عن اليهود .

وإذ كان ذلك كذلك ، وكان جائزا ، مع إقرارهم بالصغار ، وأدائهم الجزية بعد القتال ، الأمر بالعفو عنهم في غدرة هموا بها ، أو نكثة عزموا عليها ، ما لم ينصبوا حربا دون أداء الجزية ، ويمتنعوا من الأحكام اللازمتهم لم يكن واجبا أن يحكم لقوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية ، بأنه ناسخ قوله : "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به )

قال أبو جعفر : يقول عز ذكره : وأخذنا من النصارى الميثاق على طاعتي وأداء فرائضي ، واتباع رسلي ، والتصديق بهم ، فسلكوا في ميثاقي الذي أخذته عليهم منهاج الأمة الضالة من اليهود ، فبدلوا كذلك دينهم ، ونقضوه نقضهم ، وتركوا حظهم من ميثاقي الذي أخذته عليهم بالوفاء بعهدي ، وضيعوا أمري ، كما : -

11596 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به" ، نسوا كتاب الله بين أظهرهم ، وعهد الله الذي عهده إليهم ، وأمر الله الذي أمرهم به .

11597 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : قالت النصارى مثل ما قالت اليهود ، ونسوا حظا مما ذكروا به . [ ص: 136 ]

القول في تأويل قوله عز ذكره ( فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فأغرينا بينهم" حرشنا بينهم وألقينا ، كما تغري الشيء بالشيء .

يقول جل ثناؤه : لما ترك هؤلاء النصارى ، الذين أخذت ميثاقهم بالوفاء بعهدي ، حظهم مما عهدت إليهم من أمري ونهيي ، أغريت بينهم العداوة والبغضاء .

ثم اختلف أهل التأويل في صفة "إغراء الله عز ذكره بينهم العداوة ، والبغضاء " . [ ص: 137 ]

فقال بعضهم : كان إغراؤه بينهم بالأهواء التي حدثت بينهم .

ذكر من قال ذلك :

11598 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن إبراهيم النخعي في قوله : "فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" ، قال : هذه الأهواء المختلفة والتباغض ، فهو الإغراء .

11599 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن العوام بن حوشب قال : سمعت النخعي يقول : "فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" ، قال : أغرى بعضهم ببعض بخصومات بالجدال في الدين .

11600 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني هشيم قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن إبراهيم النخعي والتيمي ، قوله : "فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" ، قال : ما أرى "الإغراء" في هذه الآية إلا الأهواء المختلفة وقال معاوية بن قرة : الخصومات في الدين تحبط الأعمال .

وقال آخرون : بل ذلك هو العداوة التي بينهم والبغضاء .

ذكر من قال ذلك :

11601 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة " الآية ، إن القوم لما تركوا كتاب الله ، وعصوا رسله ، وضيعوا فرائضه ، وعطلوا حدوده ، ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة بأعمالهم أعمال السوء ، ولو أخذ القوم كتاب الله وأمره ، ما افترقوا ولا تباغضوا .

قال أبو جعفر : وأولى التأولين في ذلك عندنا بالحق تأويل من قال : "أغرى بينهم بالأهواء التي حدثت بينهم" ، كما قال إبراهيم النخعي ، لأن عداوة النصارى [ ص: 138 ] بينهم ، إنما هي باختلافهم في قولهم في المسيح ، وذلك أهواء ، لا وحي من الله .

واختلف أهل التأويل في المعني ب"الهاء والميم" اللتين في قوله : "فأغرينا بينهم" .

فقال بعضهم : عنى بذلك اليهود والنصارى . فمعنى الكلام على قولهم وتأويلهم : فأغرينا بين اليهود والنصارى ، لنسيانهم حظا مما ذكروا به .

ذكر من قال ذلك :

11602 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وقال في النصارى أيضا : "فنسوا حظا مما ذكروا به" ، فلما فعلوا ذلك ، أغرى الله عز وجل بينهم وبين اليهود العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة .

11603 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة " ، قال : هم اليهود والنصارى . قال ابن زيد : كما تغري بين اثنين من البهائم .

11604 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" ، قال : اليهود والنصارى .

11605 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

11606 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة قال : هم اليهود والنصارى ، أغرى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة .

وقال آخرون : بل عنى الله بذلك النصارى وحدها . وقالوا : معنى ذلك : فأغرينا بين النصارى ، عقوبة لها بنسيانها حظا مما ذكرت به . قالوا : وعليها عادت [ ص: 139 ] "الهاء والميم" في"بينهم" ، دون اليهود .

ذكر من قال ذلك :

11607 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : إن الله عز ذكره تقدم إلى بني إسرائيل : أن لا تشتروا بآيات الله ثمنا قليلا وعلموا الحكمة ، ولا تأخذوا عليها أجرا ، فلم يفعل ذلك إلا قليل منهم ، فأخذوا الرشوة في الحكم ، وجاوزوا الحدود ، فقال في اليهود حيث حكموا بغير ما أمر الله : ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) [ سورة المائدة : 64 ] ، وقال في النصارى : "فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة" .

قال أبو جعفر : وأولى التأولين بالآية عندي ما قاله الربيع بن أنس ، وهو أن المعني بالإغراء بينهم النصارى ، في هذه الآية خاصة ، وأن "الهاء والميم" عائدتان على النصارى دون اليهود ، لأن ذكر "الإغراء" في خبر الله عن النصارى ، بعد تقضي خبره عن اليهود ، وبعد ابتدائه خبره عن النصارى ، فلأن يكون ذلك معنيا به النصارى خاصة أولى من أن يكون معنيا به الحزبان جميعا ، لما ذكرنا .

فإن قال قائل : وما العداوة التي بين النصارى ، فتكون مخصوصة بمعنى ذلك؟ [ ص: 140 ] قيل : ذلك عداوة النسطورية واليعقوبية ، الملكية ، والملكية النسطورية واليعقوبية . وليس الذي قاله من قال : "معني بذلك إغراء الله بين اليهود والنصارى " ببعيد ، غير أن هذا أقرب عندي ، وأشبه بتأويل الآية ، لما ذكرنا .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ( 14 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : اعف عن هؤلاء الذين هموا ببسط أيديهم إليك وإلى أصحابك واصفح ، فإن الله عز وجل من وراء الانتقام منهم ، وسينبئهم الله عند ورودهم عليه في معادهم بما كانوا في الدنيا يصنعون من نقضهم ميثاقه ، ونكثهم عهده ، وتبديلهم كتابه ، وتحريفهم أمره ونهيه ، فيعاقبهم على ذلك حسب استحقاقهم .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير )

قال أبو جعفر : يقول عز ذكره لجماعة أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا أهل الكتاب" من اليهود والنصارى "قد جاءكم رسولنا" ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، كما : - [ ص: 141 ]

11608 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا " ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله : " يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب " ، يقول : يبين لكم محمد رسولنا كثيرا مما كنتم تكتمونه الناس ولا تبينونه لهم مما في كتابكم . وكان مما يخفونه من كتابهم فبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس رجم الزانيين المحصنين .

وقيل : إن هذه الآية نزلت في تبيين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك للناس من إخفائهم ذلك من كتابهم .

ذكر من قال ذلك :

11609 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : من كفر بالرجم ، فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب . قوله : " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب " ، فكان الرجم مما أخفوا . .

11610 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه ، أخبرنا علي بن الحسن قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله . . [ ص: 142 ]

11611 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة في قوله : " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم " ، إلى قوله : "صراط مستقيم" ، قال : إن نبي الله أتاه اليهود يسألونه عن الرجم ، واجتمعوا في بيت ، قال : أيكم أعلم؟ فأشاروا إلى ابن صوريا ، فقال : أنت أعلمهم؟ قال : سل عما شئت ، قال ، "أنت أعلمهم؟" قال : إنهم ليزعمون ذلك! قال : فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى ، والذي رفع الطور ، وناشده بالمواثيق التي أخذت عليهم ، حتى أخذه أفكل ، فقال : إن نساءنا نساء حسان ، فكثر فينا القتل ، فاختصرنا أخصورة ، فجلدنا مائة ، وحلقنا الرءوس ، وخالفنا بين الرءوس إلى الدواب . أحسبه قال الإبل ، قال : فحكم عليهم بالرجم ، فأنزل الله فيهم : "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم" ، الآية وهذه الآية : ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) [ ص: 143 ] [ سورة البقرة : 76 ] .

وقوله : "ويعفو عن كثير" يعني بقوله : "ويعفو" ، ويترك أخذكم بكثير مما كنتم تخفون من كتابكم الذي أنزله الله إليكم ، وهو التوراة ، فلا تعملون به حتى يأمره الله بأخذكم به . .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ( 15 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب : "قد جاءكم" ، يا أهل التوراة والإنجيل"من الله نور" ، يعني بالنور ، محمدا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحق ، وأظهر به الإسلام ، ومحق به الشرك ، فهو نور لمن استنار به يبين الحق . ومن إنارته الحق تبيينه لليهود كثيرا مما كانوا يخفون من الكتاب .

وقوله : "وكتاب مبين" ، يقول : جل ثناؤه : قد جاءكم من الله تعالى النور الذي أنار لكم به معالم الحق ، "وكتاب مبين" ، يعني كتابا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم : من توحيد الله ، وحلاله وحرامه ، وشرائع دينه ، وهو القرآن الذي أنزله [ ص: 144 ] على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يبين للناس جميع ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم ، ويوضحه لهم ، حتى يعرفوا حقه من باطله .

القول في تأويل قوله عز ذكره ( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام )

قال أبو جعفر : يعني عز ذكره : يهدي بهذا الكتاب المبين الذي جاء من الله جل جلاله ويعني بقوله : "يهدي به الله" يرشد به الله ويسدد به ، و"الهاء" في قوله : "به" عائدة على"الكتاب" "من اتبع رضوانه" ، يقول : من اتبع رضى الله .

واختلف في معنى"الرضى" من الله جل وعز .

فقال بعضهم : الرضى منه بالشيء" القبول له والمدح والثناء . قالوا : فهو قابل الإيمان ، ومزك له ، ومثن على المؤمن بالإيمان ، وواصف الإيمان بأنه نور وهدى وفصل .

وقال آخرون : معنى"الرضى" من الله جل وعز معنى مفهوم ، هو [ ص: 145 ] خلاف السخط ، وهو صفة من صفاته على ما يعقل من معاني : "الرضى" الذي هو خلاف السخط ، وليس ذلك بالمدح ، لأن المدح والثناء قول ، وإنما يثنى ويمدح ما قد رضي . قالوا : فالرضى معنى ، و"الثناء" و"المدح" معنى ليس به .

ويعني بقوله : "سبل السلام" ، طرق السلام و"السلام" ، هو الله عز ذكره .

11612 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "من اتبع رضوانه سبل السلام" ، سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه ، وابتعث به رسله ، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملا إلا به ، لا اليهودية ، ولا النصرانية ، ولا المجوسية .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]