عرض مشاركة واحدة
  #537  
قديم 17-02-2025, 08:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء العاشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (537)
صــ 51 إلى صــ 65







وقال آخرون : لا يجزئ مسح الرأس بأقل من ثلاث أصابع . وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد . [ ص: 51 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن الله جل ثناؤه أمر بالمسح برأسه القائم إلى صلاته مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه ، ولم يحد ذلك بحد لا يجوز التقصير عنه ولا يجاوزه . وإذ كان ذلك كذلك ، فما مسح به المتوضئ من رأسه فاستحق بمسحه ذلك أن يقال : "مسح برأسه" ، فقد أدى ما فرض الله عليه من مسح ذلك لدخوله فيما لزمه اسم "ماسح برأسه" إذا قام إلى صلاته .

فإن قال لنا قائل : فإن الله قد قال في التيمم : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) [ سورة النساء : 43 ] أفيجزئ المسح ببعض الوجه واليدين في التيمم ؟

قيل له : كل ما مسح من ذلك بالتراب فيما تنازعت فيه العلماء فقال بعضهم : "يجزيه ذلك من التيمم" ، وقال بعضهم : "لا يجزيه" فهو مجزئه ، لدخوله في اسم"الماسحين به" .

وما كان من ذلك مجمعا على أنه غير مجزئه ، فمسلم لما جاءت به الحجة نقلا عن نبيها صلى الله عليه وسلم . ولا حجة لأحد علينا في ذلك ، إذ كان من قولنا : إن ما جاء في آي الكتاب عاما في معنى ، فالواجب الحكم أنه على عمومه ،

حتى يخصه ما يجب التسليم له ، فإذا خص منه شيء ، كان ما خص منه خارجا من ظاهره ، وحكم سائره على العموم .

وقد بينا العلة الموجبة صحة القول بذلك في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

و"الرأس" الذي أمر الله جل وعز بالمسح به بقوله : "وامسحوا برءوسكم [ ص: 52 ] وأرجلكم إلى الكعبين " هو منابت شعر الرأس دون ما جاوز ذلك إلى القفا مما استدبر ، ودون ما انحدر عن ذلك مما استقبل من قبل وجه إلى الجبهة .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( وأرجلكم إلى الكعبين )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه جماعة من قرأة الحجاز والعراق : ( وأرجلكم إلى الكعبين ) ، نصبا ، فتأويله : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين ، وامسحوا برءوسكم . وإذا قرئ كذلك ، كان من المؤخر الذي معناه التقديم ، وتكون "الأرجل" منصوبة عطفا على"الأيدي" . وتأول قارئو ذلك كذلك ، أن الله جل ثناؤه : إنما أمر عباده بغسل الأرجل دون المسح بها .

ذكر من قال : عنى الله بقوله : "وأرجلكم إلى الكعبين" الغسل .

11447 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة أن رجلا صلى وعلى ظهر قدمه موضع ظفر ، فلما قضى صلاته ، قال له عمر : أعد وضوءك وصلاتك .

11448 - حدثنا حميد قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا إسرائيل قال : حدثنا عبد الله بن حسن قال : حدثنا هزيل بن شرحبيل ، عن ابن مسعود قال : خللوا الأصابع بالماء ، لا تخللها النار . [ ص: 53 ]

11449 - حدثنا عبد الله بن الصباح العطار قال : حدثنا حفص بن عمر الحوضي ، قال : حدثنا مرجى يعني : ابن رجاء اليشكري قال : حدثنا أبو روح عمارة بن أبي حفصة ، عن المغيرة بن حنين : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتوضأ وهو يغسل رجليه ، فقال : بهذا أمرت .

11450 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن واقد مولى زيد بن خليدة ، قال : سمعت مصعب بن سعد يقول : رأى عمر بن الخطاب قوما يتوضئون فقال : خللوا .

11451 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : سمعت يحيى قال : سمعت القاسم قال : كان ابن عمر يخلع خفيه ، ثم يتوضأ فيغسل رجليه ، ثم يخلل أصابعه .

11452 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، [ ص: 54 ] عن الزبير بن عدي ، عن إبراهيم قال : قلت للأسود : رأيت عمر يغسل قدميه غسلا؟ قال : نعم .

11453 - حدثني محمد بن خلف قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : حدثنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن عمر بن عبد العزيز : أنه قال لابن أبي سويد : بلغنا عن ثلاثة كلهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يغسل قدميه غسلا أدناهم ابن عمك المغيرة .

11454 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الصباح ، عن محمد وهو ابن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال : اغسلوا الأقدام إلى الكعبين .

11455 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن أبي قلابة : أن عمر بن الخطاب رأى رجلا قد ترك على ظهر قدمه مثل الظفر ، فأمره أن يعيد وضوءه وصلاته .

11456 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، عن شيبة بن نصاح قال : صحبت القاسم بن محمد إلى مكة ، فرأيته إذا توضأ للصلاة يدخل أصابع رجليه يصب عليها الماء ، قلت : يا أبا محمد ، لم تصنع هذا؟ قال : رأيت ابن عمر يصنعه .

11457 - حدثنا أبو كريب ، وابن وكيع قالا : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي ، عن حماد ، عن إبراهيم في قوله : "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" قال : عاد الأمر إلى الغسل .

11458 - حدثني الحسين بن علي الصدائي ، قال : حدثنا أبي ، عن حفص [ ص: 55 ] الغاضري ، عن عامر بن كليب ، عن أبي عبد الرحمن قال : قرأ علي الحسن والحسين رضوان الله عليهما ، فقرآ : ( وأرجلكم إلى الكعبين ) فسمع علي رضي الله عنه ذلك وكان يقضي بين الناس فقال : "وأرجلكم" ، هذا من المقدم والمؤخر من الكلام .

11459 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبد الوهاب بن عبد الأعلى ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه قرأها : ( فامسحوا برءوسكم وأرجلكم ) بالنصب ، وقال : عاد الأمر إلى الغسل .

11460 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبدة وأبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قرأها : ( وأرجلكم ) وقال : عاد الأمر إلى الغسل .

11461 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن المبارك ، عن قيس ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله : أنه كان يقرأ : ( وأرجلكم ) بالنصب .

11462 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : [ ص: 56 ] حدثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" ، فيقول : اغسلوا وجوهكم ، واغسلوا أرجلكم ، وامسحوا برءوسكم . فهذا من التقديم والتأخير .

11463 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حسين بن علي ، عن شيبان ، قال : أثبت لي عن علي أنه قرأ : ( وأرجلكم ) .

11464 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : ( وأرجلكم ) رجع الأمر إلى الغسل .

11465 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خالد ، عن عكرمة ، مثله .

11466 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن الأعمش قال : كان أصحاب عبد الله يقرءونها : ( وأرجلكم ) فيغسلون .

11467 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال : اغسل القدمين إلى الكعبين .

11468 - حدثني عبد الله بن محمد الزهري قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي السوداء ، عن ابن عبد خير ، عن أبيه قال : رأيت عليا توضأ ، فغسل ظاهر قدميه ، وقال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ظننت أن بطن القدم أحق من ظاهرها . [ ص: 57 ]

11469 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان قال : حدثنا عبد الملك ، عن عطاء قال : لم أر أحدا يمسح على القدمين .

11470 - حدثني المثنى قال : حدثني الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد أنه قرأ : ( وأرجلكم إلى الكعبين ) فنصبها ، وقال : رجع إلى الغسل .

11471 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح قال : سمعت الأعمش يقرأ : ( وأرجلكم ) بالنصب .

11472 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا أشهب قال : سئل مالك عن قول الله : "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" أهي : "أرجلكم" أو "أرجلكم"؟ فقال : إنما هو الغسل وليس بالمسح ، لا تمسح الأرجل ، إنما تغسل . قيل له : أفرأيت من مسح أيجزيه ذلك؟ قال : لا .

11473 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سلمة ، عن الضحاك : "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم" قال : اغسلوها غسلا .

وقرأ ذلك آخرون من قراء الحجاز والعراق : ( وامسحوا برءوسكم وأرجلكم ) بخفض "الأرجل" . وتأول قارئو ذلك كذلك : أن الله إنما أمر عباده بمسح الأرجل [ ص: 58 ] في الوضوء دون غسلها ، وجعلوا "الأرجل" عطفا على"الرأس" ، فخفضوها لذلك .

ذكر من قال ذلك من أهل التأويل :

11474 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا محمد بن قيس الخراساني ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الوضوء غسلتان ومسحتان .

11475 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن حميد ح ، وحدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا حميد قال : قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده : يا أبا حمزة ، إن الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه ، فذكر الطهور فقال : "اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم ، وإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما" . فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله : "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم" قال : وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما .

11476 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا حماد قال : حدثنا عاصم الأحول ، عن أنس قال : نزل القرآن بالمسح ، والسنة الغسل .

11477 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن موسى [ ص: 59 ] بن أنس قال : خطب الحجاج فقال : "اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ، ظهورهما وبطونهما ، وعراقيبهما ، فإن ذلك أدنى إلى خبثكم" . قال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله : "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" .

11478 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا عبيد الله العتكي ، عن عكرمة قال : ليس على الرجلين غسل ، إنما نزل فيهما المسح .

11479 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، قال : امسح على رأسك وقدميك .

11480 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي قال : نزل جبريل بالمسح . قال : ثم قال الشعبي : ألا ترى أن"التيمم" أن يمسح ما كان غسلا ويلغي ما كان مسحا ؟

11481 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي قال : أمر بالتيمم فيما أمر به بالغسل .

11482 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي أنه قال : إنما هو المسح على الرجلين ، ألا ترى أنه ما كان عليه الغسل جعل عليه المسح ، وما كان عليه المسح أهمل؟

11483 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عامر أنه قال : أمر أن يمسح في التيمم ، ما أمر أن يغسل في الوضوء ، وأبطل [ ص: 60 ] ما أمر أن يمسح في الوضوء : الرأس والرجلان .

11484 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي قال : أمر أن يمسح بالصعيد في التيمم ما أمر أن يغسل بالماء . وأهمل ما أمر أن يمسح بالماء .

11485 - حدثنا ابن أبي زياد قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا إسماعيل قال : قلت لعامر : إن ناسا يقولون إن جبريل صلى الله عليه وسلم نزل بغسل الرجلين! فقال : نزل جبريل بالمسح .

11486 - حدثنا أبو بشر الواسطي إسحاق بن شاهين قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن يونس قال : حدثني من صحب عكرمة إلى واسط قال : فما رأيته غسل رجليه ، إنما يمسح عليهما ، حتى خرج منها .

11487 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " افترض الله غسلتين ومسحتين .

11488 - حدثنا ابن حميد ، وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن علقمة : أنه قرأ : "وأرجلكم" مخفوضة"اللام" .

11489 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، مثله . [ ص: 61 ]

11490 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو الحسين العكلي ، عن عبد الوارث ، عن حميد ، عن مجاهد : أنه كان يقرأ : "وأرجلكم" .

11491 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال : كان الشعبي يقرأ : "وأرجلكم" بالخفض .

11492 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الحسن بن صالح ، عن غالب ، عن أبي جعفر ، أنه قرأ : "وأرجلكم" بالخفض .

11493 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك : أنه قرأ "وأرجلكم" بالكسر .

قال أبو جعفر : والصواب من القول عندنا في ذلك ، أن الله عز ذكره أمر [ ص: 62 ] بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء ، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم . وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ كان مستحقا اسم "ماسح غاسل" ، لأن "غسلهما" إمرار الماء عليهما ، أو إصابتهما بالماء . و"مسحهما" إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما . فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو "غاسل ماسح" .

ولذلك من احتمال "المسح" المعنيين اللذين وصفت من العموم والخصوص اللذين أحدهما مسح ببعض والآخر مسح بالجميع ، اختلفت قراءة القرأة في قوله : "وأرجلكم" فنصبها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما الغسل ، وإنكارا منه المسح عليهما ، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم مسحهما بالماء . وخفضها بعضهم ، توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح .

ولما قلنا في تأويل ذلك إنه معني به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره للمتوضئ الاجتزاء بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده ، أو بما قام مقام اليد ، توجيها منه قوله : "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" إلى مسح جميعهما عاما باليد ، أو بما قام مقام اليد ، دون بعضهما مع غسلهما بالماء ، كما : -

11494 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا نافع ، عن ابن عمر عن الأحول ، عن طاوس ، أنه سئل عن الرجل يتوضأ ويدخل رجليه في الماء . قال : ما أعد ذلك طائلا . [ ص: 63 ]

وأجاز ذلك من أجاز ، توجيها منه إلى أنه معني به الغسل . كما : -

11495 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت هشاما يذكر ، عن الحسن ، في الرجل يتوضأ في السفينة ، قال : لا بأس أن يغمس رجليه غمسا .

11496 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرني أبو حرة ، عن الحسن في الرجل إذا توضأ على حرف السفينة ، قال : يخضخض قدميه في الماء .

فإذا كان"المسح" المعنيان اللذان وصفنا : من عموم الرجلين بالماء ، وخصوص بعضهما به وكان صحيحا بالأدلة الدالة التي سنذكرها بعد ، أن مراد الله من مسحهما العموم ، وكان لعمومهما بذلك معنى"الغسل" و"المسح" فبين صواب قرأة القراءتين جميعا

أعني النصب في"الأرجل" والخفض . لأن في عموم الرجلين بمسحهما بالماء غسلهما ، وفي إمرار اليد وما قام مقام اليد عليهما مسحهما .

فوجه صواب قراءة من قرأ ذلك نصبا لما في ذلك من معنى عمومها بإمرار الماء عليهما .

ووجه صواب قراءة من قرأه خفضا ، لما في ذلك من إمرار اليد عليهما ، أو ما قام مقام اليد ، مسحا بهما . [ ص: 64 ]

غير أن ذلك وإن كان كذلك ، وكانت القراءتان كلتاهما حسنا صوابا ، فأعجب القراءتين إلي أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضا ، لما وصفت من جمع "المسح" المعنيين اللذين وصفت ، ولأنه بعد قوله : "وامسحوا برءوسكم" فالعطف به على "الرءوس" مع قربه منه أولى من العطف به على"الأيدي" ، وقد حيل بينه وبينها بقوله : "وامسحوا برءوسكم" .

فإن قال قائل : وما الدليل على أن المراد بالمسح في الرجلين العموم دون أن يكون خصوصا نظير قولك في المسح بالرأس؟

قيل : الدليل على ذلك تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" . ولو كان مسح بعض القدم مجزئا عن عمومها بذلك لما كان لها الويل بترك ما ترك مسحه منها بالماء بعد أن يمسح بعضها . لأن من أدى فرض الله عليه فيما لزمه غسله منها لم يستحق الويل ، بل يجب أن يكون له الثواب الجزيل . وفي وجوب الويل لعقب تارك غسل عقبه في وضوئه أوضح الدليل على وجوب فرض العموم بمسح جميع القدم بالماء ، وصحة ما قلنا في ذلك ، وفساد ما خالفه .

ذكر بعض الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا :

11497 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد قال : كان أبو هريرة يمر ونحن نتوضأ من المطهرة ، فيقول :

أسبغوا الوضوء ، أسبغوا الوضوء ، قال أبو القاسم : ويل للعراقيب من النار . [ ص: 65 ]

11498 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه إلا أنه قال : ويل للأعقاب من النار .

11499 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد قال : كان أبو هريرة يمر بأناس يتوضئون يسيئون الطهور ، فيقول : أسبغوا الوضوء ، فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للعقب من النار .

11500 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

11501 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

11502 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار .

11503 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثني سليمان بن بلال قال : حدثني سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار يوم القيامة .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]