عرض مشاركة واحدة
  #455  
قديم 13-02-2025, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب الشفعة )
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (380)

صـــــ(1) إلى صــ(11)




شرح زاد المستقنع - باب الشفعة [2]
الشفعة حق من حقوق الشراكة، وهي مأخوذة من الشفع الذي هو ضد الوتر، فإذا اشترك رجلان في عقار وأراد أحدهما البيع، فللشريك أن يشفع ويضم نصيب صاحبه إلى نصيبه فيصير نصيبه شفعا بعد أن كان وترا، وكما أن للشفعة أحوالا تثبت فيها، فلها كذلك أحوال تسقط فيها.
الشفعة التي يصح ثبوتها للشريك
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: قال المصنف رحمه الله: [وتثبت الشفعة لشريك في أرض تجب قسمتها] هذه الجملة قصد المصنف رحمه الله فيها أن يبين محل الشفعة، هل كل شيء يمكن للإنسان إذا كان شريكا للغير فيه أن يكون شافعا إذا باع؟ عرفنا أنه لو اشترك اثنان في عمارة أو أرض ولم تقسم أنه لكل واحد منهما الحق أن يشفع إذا باع الآخر، لكن لو فرض أنه قسم الشيء المملوك بين الاثنين فأكثر، فعرف كل واحد منهما نصيبه فهل الشفعة ثابتة لو باع أحدهم نصيبه؟ هذه المسألة تعرف بالشفعة في العقار المقسوم.
الصورة الثانية: لو اشترك الاثنان في غير عقار كما لو اشتركا في سيارة -فالسيارة من المنقولات- قيمتها مائة ألف، ودفع كل واحد منهما خمسين ألفا، ثم باع أحدهما نصيبه بسبعين ألفا فقال الآخر: أريد الشفعة.
فهل من حقه أن يشفع؟ وبعبارة أخرى: هل تثبت الشفعة في المنقولات كما تثبت في العقارات؟ أولا: اتفق العلماء رحمهم الله على أن الشفعة ثابتة ومشروعة إذا كان الشريكان يشتركان في أرض، أي: في عقار ولم يقسم، ومن أمثلة ذلك في زماننا العقارات البور التي لم تبن ولم تستغل مثل أراضي المخططات، فلو أن اثنين لهما مخطط واحد اشترياه بمليون مثلا، أو قطعة أرض كامنة ليس فيها بناء ولا غرس (بور) اشترياها بمليون، كل منهما يملك النصف أو لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث فباع واحد منهما بالإجماع للآخر حق الشفعة؛ لأن الأرض أو العقار الذي لم يقسم بالإجماع تقع فيه الشفعة، والدليل على ذلك حديث جابر رضي الله عنه في الصحيح: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم) فهذا الحديث الصحيح يدل على أن الشفعة ثابتة في العقار الذي لم يقسم: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) .
هذا الحديث يدل على مسألتين: المسألة الأولى: أن الشفعة في العقارات؛ لأنه قال: (إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فدل على أن محل الشفعة إنما هو العقارات لا المنقولات، وهذا مذهب جمهور العلماء رحمة الله عليهم، بناء على ذلك كل شيء من غير العقارات -من غير الأراضي- لا شفعة فيه، فإذا باع أحد الشريكين نصفه الذي في السيارة أو نصفه في صفقة طعام، أو شريكان في تجارة ألبسة أو غير ذلك فباع أحدهما نصيبه فليس للآخر حق الشفعة إذا كان من المنقولات، الشفعة تنحصر فقط في العقارات.
ثم العقارات تنقسم إلى قسمين: العقار الذي لم يقسم، ولم يعرف كل واحد من الشريكين نصيبه، والعقار الذي قسم وميز فيه نصيب كل واحد منهما عن الآخر، فإذا كان العقار لم يقسم كأرض اشترك فيها اثنان ولم يقسماها بينهما، سواء كانت مبنية كالعمارة أو كانت فيها غلة كالمزارع ونحوها، أو كانت أرض (بور) فجميع هذه الأنواع من العقارات تثبت فيها الشفعة.
أما إذا كان العقار قد قسم ومن أمثلته: لو اشترى اثنان أرضا ثم اتفقا على أن تقسم هذه الأرض بينهما بقدر حصة كل واحد منهما من رأس المال، فاتفقا على قسمتها مناصفة، فقسمت وبني الجدار بين الطرفين، أو اتفقا على أن يجعلا طريقا بينهما فحينئذ انفصل كل منهما عن الآخر، فوقعت الحدود، وصرفت الطرق، ولذلك الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق وفي رواية: صرفت الطرق -بعضهم يقول بالتشديد وبعضهم بالتخفيف، أي: تبينت الطرق- فلا شفعة) فقسم هذا الحديث الناس في الشركة إلى قسمين: عقار لم يقسم، وعقار قسم وعرف كل شريك نصيبه.
فإذا كان العقار لم يقسم قلنا بالإجماع لا شفعة فيه، وأما إذا قسم وعرف كل واحد منهما نصيبه فاختلف العلماء رحمهم الله فيه، هل من حقك أن تشفع إذا كان العقار قد قسم وفصل كل واحد منكما نصيبه عن الآخر، أو ليس من حقك؟ كذلك يتبع هذه المسألة، هل من حقك أن تشفع في عقار جارك الذي يلاصقك؟ فلو أن جارك باع عمارته والعمارة ملاصقة لعمارتك، أو باع مزرعته وهي ملاصقة لمزرعتك، فهل المجاورة في العقار يثبت الشفعة أو لا؟ ظاهر الحديث اختصاص المسألة بمجاورة الدور، فكلام العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا شفعة للجار في دار جاره، وهذا هو مذهب الجمهور رحمهم الله من حيث الجملة المالكية والشافعية والحنابلة رحمة الله على الجميع.
القول الثاني: تثبت الشفعة في العقار الذي قسم، وتثبت الشفعة لجار الدار إذا باع جاره داره، وهذا هو مذهب الحنفية رحمة الله عليهم.
هناك قول ثالث توسط بين القولين وهو: إذا باع الجار داره وكانت ملاصقة لدارك، والطريق الذي بينكما واحد، وبينكما مرفق أو مصلحة مشتركة، كأن يبيع مزرعته، ومزرعتك ومزرعته تستقيان من بئر واحدة، فحينئذ من حقك الشفعة، فأصحاب القول الثالث يقولون: تثبت الشفعة في العقار الذي قسم، وللجار في أرض جاره بشرط اشتراكهما في مرفق من المرافق، إما طريق، أو بئر أو نحو ذلك من المصالح المشتركة حتى يثبت الضرر، بحيث إذا جاء جار غريب غير الجار الذي كنت ترتاح له أو كان معك سابقا تضررت منه.
والجمهور حين قالوا: لا تثبت الشفعة للجار، استدلوا بالحديث الذي تقدم معنا في الصحيح عن جابر رضي الله عنهما: (قضى رسول الله صلى عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة) هذا الحديث وجه الدلالة فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم منع الشفعة إذا عرف كل واحد نصيبه، فدل على أن الجار لا يملك الشفعة في أرض جاره.
وأما أصحاب القول الثاني فقد استدلوا بأحاديث منها: ما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجار أحق بصقبه) .
والصقب اختلف في تفسيره: فمن العلماء من حمله على العموم واستدل به على مسألتنا.
ومنهم من قال: إن المراد بالصقب الإحسان والبر والصلة، فالجار ينبغي للإنسان أن يتوخى وأن يكون شديد الحرص على الإحسان إليه والبر، وهو أحق ببر جاره من سائر الناس، بناء على هذا الحديث (الجار أحق بصقبه) من حيث العموم يدل على الشفعة، أكد هذا قوله عليه الصلاة والسلام في السنن: (جار الدار أحق بالشفعة في دار جاره، ينتظر بها إن كان غائبا) هذا الحديث نص على أن جار الدار من حقه أن يشفع فيأخذ دار جاره إذا بيعت.
أما الذين قالوا بالتفصيل فقد استدلوا برواية عند أحمد في مسنده وأبي داود والترمذي في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جار الدار أحق بدار جاره، ينتظر بها إذا كان غائبا، إذا كان طريقهما واحدا) وفي الحقيقة هذا القول اختاره جمع من العلماء من فقهاء الشافعية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم رحمة الله عليهم، وبعض المتأخرين كالإمام الشوكاني وغيرهم رحمهم الله، وهو أعدل الأقوال إن شاء الله وأولاها بالصواب؛ لأنه يجمع بين النصوص.
فقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فالأصل أنه إذا عرف كل واحد نصيبه فلا شفعة، وقوله: (إذا كان طريقهما واحدا) تخصيص من عموم، والقاعدة تقول: (لا تعارض بين عام وخاص) فنحن نسلم بالأحاديث التي أثبتت الشفعة في مال لم يقسم، ونسلم بالأحاديث التي أثبتت الشفعة في الجوار، بشرط وجود مصلحة ومرفق مشترك بينهما؛ ولأن العقل والنظر الصحيح يدل عليه، فإنهما إذا كانا شريكين في بئر واحدة، كأن تكون مزرعتان وبئرهما واحد، وجاء جار غير الجار الذي أنت ألفته ورضيته، ربما أضر بك وضايقك، وحصل من ذلك الأذية والضرر كما يحصل في حال اختلاط الاثنين في ملك واحد.
وعلى هذا فإنه تثبت الشفعة لجار الدار إذا أراد أن يشفع في دار جاره بشرط أن يكون الطريق واحدا، وكذلك تثبت الشفعة لصاحب المزرعة إذا باع جاره مزرعته وكانت هناك مرافق بينهما مشتركة، كالعين الواحدة، والنهر الواحد، والسيل الواحد الذي يستقيان منه، والبئر الواحدة التي يستقيان منها، وبهذا يجمع بين النصوص، وعليه فإنه يعتبر تخصيصا من العموم الدال على أنه لا شفعة من حيث الأصل إلا في الشريك المقاسم.
ما تثبت فيه الشفعة
قال رحمه الله: [ويتبعها الغرس والبناء لا الثمرة والزرع] ويتبع الشفعة في الأرض الغرس والبناء، فإذا كنتما شريكان في مزرعة فزرعتما فيها فباع شريكك نصيبه، فإن الشفعة تثبت في الأرض والغرس تابع، وكذلك لو اشتريتما أرضا وبنيتما فيها فالشفعة ثابتة في الأرض والبناء تابع لها، وبناء على ذلك تثبت الشفعة في الأراضي وفي الدور وفي المزارع، فلا تختص بالأرض فقط إذا كانت بورا يعني: غير مبنية ولا مزروعة، بل تشمل الأرض البور وكذلك الأرض المستغلة التي فيها زرع أو بناء.
قوله: (لا الثمرة والزرع) ، أي: لا تثبت الشفعة في الثمرة إذا باعها وقد أبرت، صورة المسألة: اثنان مشتركان في مزرعة، باع أحدهما نصفه من هذه المزرعة لرجل، واشترط المشتري الثمرة وكان النخل قد أبر، فحينئذ أصبحت الصفقة فيها شيئان: الأرض مع ما عليها من الغرس، والثمرة التي هي نتاج الغرس، فالأرض مستحقة بالعقد، والثمرة مستحقة بالشرط، وقد تقدمت معنا هذه المسألة في كتاب البيوع، فإذا حصلت شفعة في أرض بيعت وفيها غرس والغرس له ثمرة ووقع البيع، أو فيها نخل قد أبرت وثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، فهذا الأجنبي الذي اشترى الأرض واشترط ثمرتها لو اعترض الشريك وقال: أنا شافع فإنه يستحق استرداد الأرض والزرع ولا يستحق استرداد الثمرة؛ لأن الشفعة إنما هي في العقارات لا المنقولات، والزرع منقول لكنه وقع تبعا، والثمرة استحقت بالشرط -بترتب العقد- ولم تستحق بالعقد نفسه.
قال: [فلا شفعة لجار] الفاء للتفريع، إذا ثبت أن الشفعة تثبت في الأرض التي لم تقسم فلا شفعة للجار، وقد بينا هذه المسألة، فلو سأل سائل: هل من حق الجار أن يشفع في أرض جاره إذا بيعت؟ قلنا: الجواب عن ذلك فيه تفصيل: إن كان طريقهما واحدا كان من حقه، وإذا لم يكن طريقهما واحدا فليس من حقه أن يشفع.
متى تثبت الشفعة ومتى تسقط
قال رحمه الله: [وهي على الفور وقت علمه] (وهي) -أي: الشفعة- (على الفور) أي: لا يجوز للشريك أن يتأخر في طلب الشفعة، وهذا شرط من شروط ثبوت الشفعة، أنه بمجرد علمك أن شريكك قد باع تقول: أنا شافع، فبمجرد العلم تشفع، فإذا كنت في مكان بعيد عن أرضك، أو عن الموضع الذي فيه أرضك تشهد عدلين أنك شافع وتقول: اشهدا أني شافع، فإذا لم يطالب بها فورا فقد سقط حقه.
مثال ذلك: لو أن اثنين كانا شريكين في أرض، فباع زيد نصيبه، فلما علم عمرو سكت، مثلا: جاءه شخص عصرا وقال له: إن زيدا قد باع نصيبه فسكت، فلما جاءت صلاة المغرب قال: أريد أن أشفع، أو لما جاء من الغد قال: أريد أن أشفع نقول: سقط حقك؛ لأن الشفعة لا تثبت إلا إذا طالبت بها على الفور، وهذا شبه إجماع بين العلماء رحمهم الله، ولذلك قضى به أئمة السلف، وممن قضى بذلك شريح الكندي رحمه الله قاضي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، أربعة من الخلفاء الراشدين تولى هذا الإمام الجليل رحمه الله القضاء لهم، وكان يقول: الشفعة لمن واثبها، يعني: بادر وعجل بها.
ومفهوم ذلك: لا شفعة لمن لم يعجل بطلب الشفعة، ويروى هذا الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يصح ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نبه على ذلك الإمام الحافظ الزيلعي رحمه الله في نصب الراية، والأقوى أنه من قول شريح وقضائه، أن الشفعة لمن بادر، وأجمع العلماء على ما هو منصوص عليه في كتب أهل العلم، ولا يعرف مخالف أن الشفعة معجلة، ولو قلنا: إن الشفعة يجوز تأخيرها لانفتح بسبب ذلك باب من الضرر لا يعلم قدره إلا الله عز وجل، فيأتي شخص ويشتري من الشريك، فيسكت الشريك الآخر ويتركه حتى يبني الأرض، ثم بعد خمس سنوات أو ست يقول: أنا شافع، فهذا يفتح على الناس بابا عظيما من الضرر.
ولذلك قال بعض العلماء: الشفعة ضعيفة تسقط بالأقل يعني: تسقط بأوهن الأشياء، فهي ثابتة صحيحة، لكن جعل الشرع سقوطها لأنها على خلاف الأصل، فتسقط بأوهن الأشياء، وهذه عبارة أكثر من واحد من الأئمة رحمة الله عليهم، أن الشفعة ضعيفة وتسقط بأوهن الأشياء، وعلى هذا فلو تأخر عن المطالبة فهمنا من سكوته أنه راض بدخول الشريك، ويكون إهمالا منه وتقصيرا، ويسقط حقه بذلك في الشفاعة.
قال رحمه الله: [فإن لم يطلبها إذا بلا عذر بطلت] (فإذا لم يطلبها) يعني: لم يطلب الشفعة (إذا) أي: إذا علم فالتنوين عوض عن جملة ولم يطالب بالشفعة وقت علمه سقط حقه.
قال رحمه الله: [بلا عذر] إذا الشرط في إسقاط حق الشريك في مطالبته بالشفعة أن لا يكون عنده عذر، أما لو كان عنده عذر فإنه لا يسقط حقه؛ لأن المعذور معذور، وقد عذر الله عز وجل في حقوقه وعذر في حقوق عباده، فإذا كان عنده عذر فتأخر عن المطالبة لوجود هذا العذر فإنه حينئذ لا يسقط حقه، وسيأتي إن شاء الله الإشارة إلى بعض المسائل التي تنبني على هذا.
قال رحمه الله: [وإن قال للمشتري: بعني أو صالحني، أو كذب العدل، أو طلب أخذ البعض سقطت] تسقط الشفعة إما باللفظ الصريح أو بالشيء الضمني سواء كان من الأقوال أو كان من الأفعال، فإذا كان هناك شريكان باع أحدهما وعلم الآخر فقال: لا أريد الشفعة، فهذا مسقط للشفعة، ويكون سقوطها هنا باللفظ الصريح: (لا أريد الشفعة) (لست بشافع) (أبرأتك من الشفعة) (لا شفعة لي) كل هذا من الألفاظ الدالة على أنه ليس بشافع، فإذا تلفظ بلفظ صريح يدل على إسقاط حقه فلا إشكال في سقوط الشفعة، لكن هناك ألفاظ أو تصرفات تصدر من الشريك توجب سقوط الشفعة في حقه، فمثلا: إذا قال للمشتري الجديد: (بعني) فمعناه أنه قد رضي بملكيته، كان المفروض أن يقول: أنا شافع، لكن حينما قال له: (بعني) فمعناه أنه قد اعترف بملكيته، ورضي بدخوله شريكا له، فإذا قال له: بعني أثبت له اليد.
ولذلك هناك عبارات ليست صريحة في الدلالة على شيء، لكنها تتضمن الدلالة عليه، فأنت إذا جئت إلى رجلين مختصمين يقول أحدهما للآخر: أعطني حقي الذي هو ألف ريال، فقال له: يا أخي! أعطيتك الألف، فإذا قال: أعطيتك الألف اعترف أنه قد أخذ منه ألفا، هو لم يقل: أعترف أن لك عندي ألفا وإنما قال: أعطيتك الألف، فمعناه أنه قد أقر أن في ذمته ألفا لهذا المدعي، ويدعي هو أنه قد ردها، فإذا قد نستفيد من بعض الألفاظ الدلالة على غيرها.
فهو إذا قال له: بعني، دل على أنه قد رضي بكونه شريكا له؛ لأنه لا يبيع إلا من يملك، ولا ملكية إلا إذا دخل شريكا له بالعقار، ولا يدخل شريكا له في العقار إلا إذا أسقط حقه في الشفعة، ولذلك يقول العلماء: إنه إذا قال للشريك: بعني، فقد سقط حقه في الشفعة.
قال: [أو صالحني] إذا قال له: صالحني، عدل عن حقه إلى المصالحة، وبناء على ذلك يكون اعترافا ضمنيا بإسقاط حقه في الشفعة.
قال: [أو كذب العدل] جاءه رجل معروف بالصدق ومعروف أنه لا يكذب، أو يعرف أمانته واستقامته، والعدل: هو الذي يجتنب الكبائر ويتقي في أغلب أحواله الصغائر، والعدل الذي ترضى شهادته كما قال تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} [البقرة:282] فالعدل هو الذي يرضى في الشهادة ويرضى في الأخبار، فلو جاءه رجل من قرابته يعرفه أمينا صادقا لا يكذب، وقال له: شريكك باع نصيبه، فقال له: لا ما باع نصيبه، وسكت ولم يطالب بشفعته، فمعناه أنه قد بلغه خبر البيع فلم يطالب بحقه فسقطت الشفعة؛ لأنها على الفور، فلما لم يبادر بها يكون تكذيبه للعدل واقعا في غير موقعه، كما لو رأى الشيء؛ لأن العادل يصدقه، وإذا قال له: إن فلانا قد باع فمعنى ذلك أنه لا عذر له في تكذيب هذا البيع، ولا عذر له في المطالبة بالشفعة، فلما لم يكن عنده عذر في جميع ذلك سقط حقه في الشفعة، وحينئذ لو طالب بها بعد ذلك فإنه لا شفعة له.
قال: [أو طلب أخذ البعض سقطت] لو قال للمشتري الجديد أو الأجنبي الذي اشترى: هذه الألف متر التي اشتريتها أشتري منك نصفها، أو أنا شافع في نصفها، إذا قال: أشتري سقط حقه، إذا قال: أنا شافع في نصفها سقط حقه في الكل؛ لأنه لابد من أخذ الكل أو ترك الكل، فلا تتجزأ الشفعة ولا تتبعض.
الأسئلة

إذا شفع الشافع في أرض فعليه دفع المبلغ كاملا إذا اشترط المشتري الثمرة

السؤال إذا شفع شريك في أرض مزروعة وكان المشتري قد اشترط الثمرة فهل يدفع الشافع المبلغ كاملا أم أنه ينقص منه بمقدار ثمن الثمرة؟

الجواب الثمرة تستحق بالشرط، وقد ذكرنا هذا في باب البيع، وبناء على ذلك يدفع قيمة الصفقة كاملة، وأما الثمرة فإنها مستحقة بالشرط وليست مستحقة بالثمن، وقد بينا هذه المسألة وفصلنا فيها، وذكرنا مذهب الجمهور والعلماء رحمهم الله، استنادا لحديث ابن عمر في الصحيحين: (من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع) فهذا الحديث يدل على أن الثمرة تتبع الأصل وهو النخل، وإذا كانت تتبع الأصل والنخل معناه أنها لا قيمة لها، وليست بمستحقة بالعوض، ولذلك جاز استحقاقها بالعقد؛ لأنها قبل بدوء صلاحها ممكن أن تستحق بالعقد، وممكن أن تستحق بالشرط كما ذكرنا، وعلى هذا فإنه يأخذ الأرض والنخل ولا يملك الثمرة، والله تعالى أعلم.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]