هل يصح رهن العين قبل ثبوت الحق؟
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
اختلف فيها أهل العلم على قولين:
القول الأول: صحة الرهن قبل ثبوت الحق.
وهو مذهب الحنفية،[1[والمالكية،[2[والحنابلة في رواية. [3]
ففي تبيين الحقائق: "الرهن يصح بدين، وإن كان الدين موعودًا". [4]
وفي عقد الجواهر الثمينة: "وليس من شرط الدين أن يكون ثابتاً قبل الرهن به، ولا مقارناً له، بل لو قال: قد رهنتُ عندك عبدي هذا على أن تقرضني غداً ألف درهم، أو على أن تبيعني هذا الثوب، ثم استقرض، أو ابتاع، فإن الرهن يلزم، ويجب تسليمه".[5]
وفي الإنصاف في مسألة الرهن قبل الحق: "وقال أبو الخطاب: يجوز قبله، وقال: ويحتمله كلام الإمام أحمد رحمه الله".[6]
واستدلوا (من الكتاب): بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾. [7]
ووجه الدلالة:أن الله تعالى شرع الرهن مطلقًا، دون اشتراط ثبوت حق.
ونوقش:أن الله تعالى ذكر في الآية التي قبلها اشتراط الدين، فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾،[8] فلا بدّ من تعلق الرهن بحق. [9]
القول الثاني: عدم صحة الرهن قبل ثبوت الحق.
وهو قول الشافعية،[10] والصحيح من مذهب الحنابلة. [11]
ففي فتح العزيز: "أما الذي لم يثبت بعد، فلا يجوز الرهن به؛ كما إذا رهنه بما يستقرضه منه، أو بثمن ما يشتريه منه". [12]
وفي الإنصاف: "يجوز عقده مع الحق، وبعده، بلا نزاع، ولا يجوز قبله على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب".[13]
واستدلوا:بأن الرهن توثقة للحق، فلا يتقدم عليه؛ كالشهادة. [14]
ويناقش:بأنه لا يتصور أن تتقدم الشهادة على ثبوت الحق؛ بخلاف الرهن، فإنه قد يتقدم على الحق، ثم يدوم إلى ثبوته.
القول المخـتار:
جواز الرهن قبل ثبوت الحق؛ لأن الأصل في المعاملات الإباحة، ولأن الرهن من التوثيقات، وقد يحتاج إلى توثقة الحق قبل وجوبه، فلا يمنع.
[1] ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي، (6/ 71)، درر الحكام، لخسرو، (2/ 252)، حاشية ابن عابدين، (6/ 494).
[2] ينظر: بداية المجتهد، لابن رشد، (2/ 206)، الشرح الصغير، للدردير، مع حاشية الصاوي، (3/ 323)، حاشية الدسوقي، (3/ 232) .
[3] ينظر: المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (4/ 214)، الإنصاف، للمرداوي، (5/ 139) .
[4] (6/ 71) .
[5] لابن شاس، (2/ 582) .
[6] (5/ 139) .
[7] [البقرة : 283] .
[8] [البقرة : 282] .
[9] ينظر: الحاوي، للماوردي، (6/ 20) .
[10] ينظر: المصدر السابق، فتح العزيز، للرافعي، (10/ 31)، مغني المحتاج، للشربيني، (4/ 251) .
[11] ينظر: المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (4/ 214)، الإنصاف، للمرداوي، (5/ 139)، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (2/ 106).
[12] (10/ 31).
[13] (5/ 139).
[14] ينظر: مغني المحتاج، للشربيني، (4/ 251)، المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (4/ 214).