عرض مشاركة واحدة
  #369  
قديم 08-02-2025, 09:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,397
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ هُودٍ
المجلد العاشر
الحلقة( 369)

من صــ 226 الى صـ 240






وأيضا فالإيمان إنما هو ما أخبر به الرسول وهذا أخبر به الرسول لكن الرسول له وحيان وحي تكلم الله به يتلى ووحي لا يتلى فقال:{وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} الآية. وهو يتناول القرآن والإيمان. وقيل الضمير في قوله: {جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} يعود إلى الإيمان ذكر ذلك عن ابن عباس. وقيل: إلى القرآن. وهو قول السدي وهو يتناولهما وهو في اللفظ يعود إلى الروح الذي أوحاه وهو الوحي الذي جاء بالإيمان والقرآن.

فقد تبين أن كلاهما من الله نور وهدى ومنه هذا يعقل بالقلب؛ لما قد يشاهد من دلائل الإيمان مثل دلائل الربوبية والنبوة وهذا يسمع بالآذان والإيمان الذي جعل للمؤمن هو مثل ما وعد الله به في قوله: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} أي أن القرآن حق فهذه الآيات متأخرة عن نزول القرآن وهو مثل ما فعل من نصر رسوله والمؤمنين يوم بدر وغير يوم بدر فإنه آيات مشاهدة صدقت ما أخبر به القرآن ولكن المؤمنون كانوا قد آمنوا قبل هذا.
وقيل: نزول أكثر القرآن الذي ثبت الله به لنبيه وللمؤمنين؛ ولهذا قال: {أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} فهو يشهد لرسوله بأنه صادق بالآيات الدالة على نبوته وتلك آمن بها المؤمنون ثم أنزل من القرآن شاهدا له ثم أظهر آيات معاينة تبين لهم أن القرآن حق.
فالقرآن وافق الإيمان والآيات المستقبلة وافقت القرآن والإيمان؛ ولهذا قال: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة} فقوله: {ومن قبله} يعود الضمير إلى الشاهد الذي هو القرآن كما قال تعالى: {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله} الآية ثم قال: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة} الآية. فقوله {ومن قبله} الضمير يعود إلى القرآن أي: من قبل القرآن كما قاله ابن زيد. وقيل: يعود إلى الرسول كما قاله مجاهد وهما متلازمان.
وقوله: {ومن قبله كتاب موسى} فيه وجهان قيل: هو عطف مفرد وقيل: عطف جملة. قيل المعنى {ويتلوه شاهد منه} ويتلوه أيضا من قبله كتاب موسى فإنه شاهد بمثل ما شهد به القرآن وهو شاهد من الله وقيل: {ومن قبله كتاب موسى} جملة؛ ولكن مضمون الجملة فيها تصديق القرآن كما قال في الأحقاف.
وقوله تعالى {أولئك يؤمنون به} يدل على أن قوله: {أفمن كان على بينة من ربه} تتناول المؤمنين فإنهم آمنوا بالكتاب الأول والآخر كما تتناول النبي صلى الله عليه وسلم وأولئك يعود إليهم الضمير فإنهم مؤمنون به بالشاهد من الله فالإيمان به إيمان بالرسول والكتاب الذي قبله.
ثم قال: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} وروى الإمام أحمد وابن أبي حاتم وغيرهما عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه إلا وجدت تصديقه في كتاب الله؛ حتى بلغني أنه قال: " {لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بما أرسلت به إلا دخل النار} " قال سعيد: فقلت أين هذا في كتاب الله حتى أتيت على هذه الآية: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} قال الأحزاب هي الملل كلها. وقوله تعالى {أولئك يؤمنون به} أي كل من كان على بينة من ربه فإنه يؤمن بالشاهد من الله والإيمان به إيمان بما جاء به موسى قال: {أولئك يؤمنون به} وهم المتبعون لمحمد صلى الله عليه وسلم من أصحابه وغيرهم إلى قيام الساعة ثم قال: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} والأحزاب هم أصناف الأمم الذين تحزبوا وصاروا أحزابا كما قال تعالى: {كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه}.
وقد ذكر الله طوائف الأحزاب في مثل هذه السورة وغيرها وقد قال تعالى عن مكذبي محمد صلى الله عليه وسلم {جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب} وهم الذين قال فيهم: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} {من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} وقال عن أحزاب النصارى: {فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم} الآيات. وأما من قال: الضمير في قوله: {أولئك يؤمنون به} يعود على أهل الحق قال: إنه موسى وعيسى ومحمد. فإنه إن أراد بهم من كان مؤمنا بالكتابين قبل نزول القرآن فلم يتقدم لهم ذكر والضمير في قوله (به مفرد ولو آمن مؤمن بكتاب موسى دون الإنجيل بعد نزوله وقيام الحجة عليه به لم يكن مؤمنا.
وهذان القولان حكاهما أبو الفرج ولم يسم قائلهما والبغوي وغيره لم يذكروا نزاعا في أنهم من آمن بمحمد ولكن ذكروا قولا إنهم من آمن به من أهل الكتاب وهذا قريب. ولعل الذي حكى قولهم أبو الفرج أرادوا هذا وإلا فلا وجه لقولهم. ومن العجب أن أبا الفرج ذكر بعد هذا في الأحزاب أربعة أقوال: " أحدها " أنهم جميع الملل قاله سعيد بن جبير.
و " الثاني " اليهود والنصارى قاله قتادة. و " الثالث " قريش قاله السدي. و " الرابع " بنو أمية وبنو المغيرة. قال - أي - أبي طلحة بن عبد العزى قاله مقاتل. وهذه الآية تقتضي أن الضمير يعود إلى القرآن في قوله: {ومن يكفر به} وكذلك: {أولئك يؤمنون به} إنه القرآن ودليله قوله تعالى {فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك} وهذا هو القرآن بلا ريب وقد قيل: هو الخبر المذكور وهو أنه من يكفر به من الأحزاب وهذا أيضا هو القرآن فعلم أن المراد هو الإيمان بالقرآن والكفر به باتفاقهم وأنه من قال في أولئك إنهم غير من آمن بمحمد لم يتصور ما قال. وقد تقدم في قوله: {ومن قبله كتاب موسى} وجهان.
هل هو عطف جملة أو مفرد؛ لكن الأكثرون على أنه مفرد. وقال الزجاج المعنى: وكان من قبل هذا كتاب موسى. دليل على أمر محمد فيتلون كتاب موسى عطفا على قوله: {ويتلوه شاهد منه} أي ويتلو كتاب موسى؛ لأن موسى وعيسى بشرا بمحمد في التوراة والإنجيل ونصب إماما على الحال.
قلت: قد تقدم أن الشاهد يتلو على من كان على بينة من ربه أي يتبعه شاهدا له بما هو عليه من البينة.
وقوله: {أفمن كان على بينة من ربه} كمن لم يكن قال الزجاج: وترك المعادلة؛ لأن فيما بعده دليلا عليه وهو قوله: {مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع} قال ابن قتيبة: لما ذكر قبل هذه الآية قوما ركنوا إلى الدنيا وأرادوها جاء بهذه الآية وتقدير الكلام: أفمن كانت هذه حاله كمن يريد الدنيا؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم إذ كان دليلا عليه وقال ابن الأنباري: إنما حذف لانكشاف المعنى وهذا كثير في القرآن. قلت: نظير هذه الآية من المحذوف: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} كمن ليس كذلك وقد قال بعد هذا:

{ومن يكفر به من الأحزاب} وهذا هو القسم الآخر المعادل لهذا الذي هو على بينة من ربه وعلى هذا يكون معناها {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم} ويكون أيضا معناها: {أفمن كان على بينة من ربه} أي بصيرة في دينه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وهذا كقوله: {أومن كان ميتا فأحييناه} الآية. وكقوله {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله} وقوله: {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي} الآية.
والمحذوف في مثل هذا النظم قد يكون غير ذلك كقوله: {أومن ينشأ في الحلية} أي تجعلون له من ينشأ في الحلية ولا بد من دليل على المحذوف وقد يكون المحذوف مثل أن يقال: أفمن هذه حاله يذم أو يطعن عليه أو يعرض عن متابعته أو يفتن أو يعذب كما قال: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء}.
وقد قيل في هذه الآية إن المحذوف: {أفمن زين له سوء عمله} فرأى الباطل حقا؟ والقبيح حسنا كمن هداه الله فرأى الحق حقا والباطل باطلا والقبيح قبيحا والحسن حسنا؟ وقيل: جوابه تحت قوله: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} لكن يرد عليه أن يقال: الاستفهام ما معناه إلا أن تقدر. أي: هذا تقدر أن تهديه أو ربك؟ أو تقدر أن تجزيه كما قال: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا} ولهذا قال: {فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وكما قال: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم} الآية. وعلى هذا يكون معناها كمعنى قوله: {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله}.
وعلى هذا فالمعنى هنا: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى} يذم ويخالف ويكذب ونحو ذلك كقوله: {قل إني على بينة من ربي وكذبتم به} وحذف جواب الشرط وكقوله: {أرأيت إن كان على الهدى} {أو أمر بالتقوى} {أرأيت إن كذب وتولى}. فقد تبين أن معنى الآية من أشرف المعاني وهذا هو الذي ينتفع به كل أحد وأن الآية ذكرت من كان على بينة من ربه من الإيمان الذي شهد له القرآن فصار على نور من ربه وبرهان من ربه على ما دلت عليه البراهين العقلية والسمعية كما قال: {وأنزلنا إليكم نورا مبينا} فالنور المبين المنزل يتناول القرآن.
قال قتادة: بينة من ربكم وقال الثوري: هو النبي صلى الله عليه وسلم وقال البغوي: هذا قول المفسرين ولم أجده منقولا عن غير الثاني ولا ذكره ابن الجوزي عن غيره.
وذكر في البرهان ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الحجة. والثاني: أنه الرسول وذكر أنه القرآن عن قتادة. والذي رواه ابن أبي حاتم عن قتادة بالإسناد الثابت أنه بينة من الله والبينة والحجة تتناول آيات الأنبياء التي بعثوا بها فكل ما دل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهو برهان. قال تعالى: {فذانك برهانان من ربك} وقال لمن قال: لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى قل: هاتوا برهانكم. ومحمد هو الصادق المصدوق قد أقام الله على صدقه براهين كثيرة وصار محمد نفسه برهانا فأقام من البراهين على صدقه؛ فدليل الدليل دليل وبرهان البرهان برهان وكل آية له برهان والبرهان اسم جنس لا يراد به واحد كما في قوله: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} ولو جاءوا بعده ببراهين كانوا ممتثلين. و " المقصود " أن ذلك البرهان يعلم بالعقل أنه دال على صدقه وهو بينة من الله كما قال قتادة وحجة من الله كما قال مجاهد والسدي: المؤمن على تلك البينة ويتلوه شاهد من الله وهو النور الذي أنزله مع البرهان. والله أعلم.
فصل:
وأما من قال: {أفمن كان على بينة من ربه} إنه محمد صلى الله عليه وسلم كما قاله طائفة من السلف فقد يريدون بذلك التمثيل لا التخصيص فإن المفسرين كثيرا ما يريدون ذلك ومحمد هو أول من كان على بينة من ربه وتلاه شاهد منه وكذلك الأنبياء وهو أفضلهم وإمامهم والمؤمنون تبع له وبه صاروا على بينة من ربهم.

والخطاب قد يكون لفظه له ومعناه عام كقوله: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك} {لئن أشركت ليحبطن عملك} {فإذا فرغت فانصب} {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي} ونحو ذلك وذلك أن الأصل فيما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به ونهي عنه وأبيح له سار في حق أمته كمشاركة أمته له في الأحكام وغيرها حتى يقوم دليل التخصيص فما ثبت في حقه من الأحكام ثبت في حق الأمة إذا لم يخصص هذا مذهب السلف والفقهاء ودلائل ذلك كثيرة كقوله: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} الآية ولما أباح له الموهوبة قال: {خالصة لك من دون المؤمنين} الآية. فإذا كان هذا مع كون الصيغة خاصة فكيف تجعل الصيغة العامة له وللمؤمنين مختصة به؟ ولفظ " من " أبلغ صيغ العموم؛ لا سيما إذا كانت شرطا أو استفهاما كقوله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} {ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} وقوله: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} وقوله: {أومن كان ميتا فأحييناه} وقوله {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله}.
و " أيضا ": فقد ذكر بعد ذلك قوله: {أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} وذكر بعد هذا: {مثل الفريقين} وقد تقدم قبل هذا ذكر الفريقين وقوله: {أولئك يؤمنون به} إشارة إلى جماعة ولم يقدم قبل هذا ما يصلح أن يكون مشارا إليه إلا (من) والضمير يعود تارة إلى لفظ (من) وتارة إلى معناها كقوله: {ومنهم من يستمع إليك} {ومنهم من يستمعون إليك} {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى} {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} الآية. وأما الإشارة إلى معناها فهو أظهر من الضمير. فقوله: {أولئك يؤمنون به} دليل على أن الذي على بينة من ربه كثيرون لا واحد قال ابن أبي حاتم: ثنا عامر بن صالح عن أبيه عن الحسن البصري: {أفمن كان على بينة من ربه}.
قال: المؤمن على بينة من ربه وهذا الذي قاله الحسن البصري هو الصواب والرسول هو أول المؤمنين كما قال: {وأمرت أن أكون من المؤمنين}.
ومن قال: إن الشاهد من الله هو محمد كما رواه ابن أبي حاتم ثنا الأشج ثنا أبو أسامة عن عوف عن سليمان الفلاني عن الحسين بن علي: {ويتلوه شاهد منه} يعني محمدا شاهدا من الله فهنا معنى كونه شاهدا من الله هو معنى كونه رسول الله وهو يشهد للمؤمنين بأنهم على حق وإن كان يشهد لنفسه بأنه رسول الله فشهادته لنفسه معلومة قد علم أنه صادق فيها بالبراهين الدالة على نبوته وأما شهادته للمؤمنين فهو أنها إنما تعلم من جهته بما بلغه من القرآن ويخبر به عن ربه فهو إذا شهد كان شاهدا من الله.
وأما شهادته عليهم بالإيمان والتصديق وغير ذلك فكما في قوله: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} {ويكون الرسول عليكم شهيدا} لكن من قال هذا فقد يريد بالبينة القرآن فإن المؤمن متبع للقرآن ومحمد شاهد من الله يتلوه كما تلاه جبريل. ومن قال إن الشاهد لسان محمد فهو إنما أراد بهذا القول التلاوة أي: أن لسان محمد يقرأ القرآن وهو شاهد منه أي من نفسه فإن لسانه جزء منه وهذا القول ونحوه ضعيف. والله أعلم. هذا إن ثبت ذلك عمن نقل عنه فإن هذا وضده ينقلان عن علي بن أبي طالب.
وذلك أن طائفة من جهال الشيعة ظنوا أن عليا هو الشاهد منه أي من النبي صلى الله عليه وسلم كما قال له: " {أنت مني وأنا منك} ". وهذا قاله لغيره أيضا فقد ثبت في الصحيحين أنه قال " {الأشعريون هم مني وأنا منهم} ".
وقال عن جليبيب: " {هذا مني وأنا منه} "
وكل مؤمن هو من النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الخليل: {فمن تبعني فإنه مني} وقال: {ومن لم يطعمه فإنه مني} ورووا هذا القول عن علي نفسه وروي عنه بإسناد أجود منه أنه قال كذب من قال هذا قال ابن أبي حاتم: ذكر عن حسين بن زيد الطحان ثنا إسحاق بن منصور ثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله قال: قال علي: ما من قريش أحد إلا نزلت فيه آية قيل فما أنزل فيك؟ قال: {ويتلوه شاهد منه} وهذا كذب على علي قطعا. وإن ثبت النقل عن عباد هذا فإن له منكرات عنه كقوله: أنا الصديق الأكبر أسلمت قبل الناس بسبع سنين. وقد رووا عن علي ما يعارض ذلك قال ابن أبي حاتم؛ ثنا أبي ثنا عمرو بن علي الباهلي ثنا محمد بن شواص ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عروة عن محمد بن علي - يعني ابن الحنفية - قال: قلت لأبي: يا أبة {ويتلوه شاهد منه} إن الناس يقولون: إنك أنت هو قال: وددت لو أني أنا هو.
ولكنه لسانه؟ قال ابن أبي حاتم: وروي عن الحسن وقتادة نحو ذلك.
قلت: وقد تقدم عن الحسين ابنه أن " الشاهد منه " هو محمد صلى الله عليه وسلم وإنما تكلم علماء أهل البيت في أنه محمد ردا على من قال من الجهلة: إنه علي؛ فإن هذه السورة نزلت بمكة وعلي كان إذ ذاك صغيرا لم يبلغ. وكان ممن اتبع الرسول ولو كان ابن رسول الله ليس ابن عمه لم تكن شهادته تنفع.
لا عند المسلمين ولا عند الكفار؛ بل مثل هذه الشهادة فيها تهمة القرابة. ولهذا كان أكثر العلماء على أن شهادة الوالد وشهادة الولد لوالده لا تقبل فكيف يجعل مثل هذا حجة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم مؤكدا لها؟ ولذلك قالوا في قوله تعالى {ومن عنده علم الكتاب} إنه علي وهم مع كذبهم هم أجهل الناس فإنهم نسبوا الله والرسول إلى الاحتجاج بما لا يحتج به إلا جاهل فأرادوا تعظيم علي فنسبوا الله والرسول إلى الجهل وعلي إنما فضيلته باتباعه للرسول فإذا قدح في الأصل بطل الفرع. وأما قول من قال من المفسرين: إن " الشاهد " جبريل عليه السلام فقد روى ذلك عكرمة عن ابن عباس ذكره ابن أبي حاتم عنه وعن أبي العالية وأبي صالح ومجاهد في إحدى الروايات عنه وإبراهيم وعكرمة والضحاك وعطاء الخراساني نحو ذلك.
وهؤلاء جعلوا {ويتلوه} بمعنى يقرؤه أي: ويتلو القرآن الذي هو البينة: شاهد من الله هو وقيل: بل معنى قولهم: إن القرآن يتلوه جبريل هو شاهد محمد صلى الله عليه وسلم أي الذي يتلوه جاء من عند الله.
وقد تقدم بيان ضعف هذا القول فإن كل من فسر يتلوه بمعنى يقرؤه جعل الضمير فيه عائدا إلى القرآن وجعل الشاهد غير القرآن. والقرآن لم يتقدم له ذكر إنما قال: {أفمن كان على بينة من ربه} والبينة لا يجوز أن يكون تفسيرها بحفظ القرآن فإن المؤمنين كلهم على بينة من ربهم وإن لم يحفظوا القرآن؛ بخلاف البصيرة في الدين فإنه من لم يكن على بصيرة من ربه لم يكن مؤمنا حقا بل من القائلين - لمنكر ونكير - آه آه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
والقرآن إنما مدح من كان على بينة من ربه فهو على هدى ونور وبصيرة سواء حفظ القرآن أو لم يحفظه وإن أريد اتباع القرآن فهو الإيمان وأكثر القرآن لم يكن نزل حين نزول هذه الآية وقد تقدم إنما يختص به جبريل ومحمد فهو تبليغ الرسالة عن الله وصدقهما في ذلك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]