عرض مشاركة واحدة
  #367  
قديم 08-02-2025, 09:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,397
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ هُودٍ
المجلد العاشر
الحلقة( 367)

من صــ 196 الى صـ 210





وسبب نزولها أنه أراد طائفة من اليهود إلقاء الفتنة بين المسلمين. فهم داخلون قطعا، وإن كان الخطاب مطلقا يتناول الطائفتين.
وأمره تعالى بسؤال الذين يقرءون الكتاب من قبله على تقدير الشك لا يقتضي أن يكون الرسول شك ولا سأل، إن قيل الخطاب له، وإن قيل لغيره فهو أولى وأحرى؛ فإن تعليق الحكم بالشرط لا يدل على تحقيق الشرط بل قد يعلق بشرط ممتنع لبيان حكمه.
قال - تعالى -: {ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين - وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين - وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين} [الأنعام: 84 - 86] فأخبر أنهم لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون مع انتفاء الشرك عنهم، بل مع امتناعه لأنهم قد ماتوا ; لأن الأنبياء معصومون من الشرك به.
وقال - تعالى -: {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين - بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} [الزمر: 64 - 66] فهذا خطاب للجميع. وذكر هنا لفظ إن لأنه خطاب لموجود. وهناك خبر عن ميت وكذلك قوله: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل} [يونس: 94] لا يدل على وقوع الشك، ولا السؤال، بل النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن شاكا ولا سأل أحدا منهم بل روي عنه أنه قال: «والله لا أشك ولا أسأل».

ولكن المقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك فيما كذبك فيه الكافرون.
كما قال - تعالى -: في الآية الأخرى {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} [الرعد: 43] وقال - تعالى -: {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [الأحقاف: 10] وقال - تعالى -: {أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل} [الشعراء: 197] وقال - تعالى -: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين} [القصص: 52] وقال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا - ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} [الإسراء: 107 - 109].
وقال - تعالى -: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} [المائدة: 83] وقال - تعالى -: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك} [النساء: 162] وقال - تعالى -: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 7] وقال - تعالى -: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} [البقرة: 146] فالمقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك فيما كذبك فيه الكافرون وذلك من وجوه.
أحدها: أن الكتب المتقدمة تنطق بأن موسى وغيره دعوا إلى عبادة الله وحده ونهوا عن الشرك فكان في هذا حجة على من ظن أن الشرك دين.
ومثل هذا قوله - تعالى -:.
{واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} [الزخرف: 45].
وقوله - تعالى -: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25] وقوله - تعالى -: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} [النحل: 36].
الوجه الثاني: أن أهل الكتاب يعلمون أن الله إنما أرسل إلى الناس بشرا مثلهم لم يرسل إليهم ملكا، فإن من الكفار من كان يزعم أن الله لا يرسل إلا ملكا أو بشرا معه ملك ويتعجبون من إرسال بشر ليس معه ملك ظاهر ; كما قال - تعالى -: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا} [الإسراء: 94] قل {لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} [الإسراء: 95] وقال - تعالى -: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون - فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين} [المؤمنون: 23 - 24]

وقال - تعالى -: {كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر} [القمر: 23] وكذلك قال الذين من بعدهم {ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون} [المؤمنون: 33] وكذلك قال قوم فرعون لموسى وهارون {أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون} [المؤمنون: 47] وقال: فرعون {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين} [الزخرف: 52] وكذلك قالوا: لمحمد وقال:
تعالى {الر تلك آيات الكتاب الحكيم أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين} [يونس: 1] وقال - تعالى -: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون - ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون} [الأنعام: 8 - 9].
فبين سبحانه أنكم لا تطيقون التلقي عن الملك فلو أنزلناه ملكا لجعلناه في صورة بشر وحينئذ كنتم تظنونه بشرا فيحصل اللبس عليكم فأمر الله تعالى بسؤال أهل الكتاب عمن أرسل إليهم أكان بشرا أم كان ملكا ليقيم الحجة بذلك على من أنكر إرسال بشر ; كما قال - تعالى -: وما {أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون - وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين - ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين} [الأنبياء: 7 - 9] وأهل الذكر هم أهل الذكر الذي أنزله الله تعالى.
الوجه الثالث: أنهم يسألون أهل الكتاب عما جرى للرسل مع أممهم وكيف كان عاقبة المؤمنين بهم، وعاقبة المكذبين لهم.
الوجه الرابع: يسألون أهل الكتاب عن الدين الذي بعث الله به رسله وهو دين الإسلام الذي اتفقت عليه الرسل كالأمر بالتوحيد والصدق والعدل وبر الوالدين وصلة الأرحام والنهي عن الشرك والظلم والفواحش.
الوجه الخامس: يسألونهم عما وصفت به الرسل ربهم هل هو موافق لما وصفه به محمد أم لا؟ وهذه الأمور المسؤول عنها متواترة عند أهل الكتاب معلومة لهم ليست مما يشكون فيه وليس إذا كان مثل هذا معلوما لهم بالتواتر فيسألون عنه يجب أن يكون كل ما يقولونه معلوما لهم بالتواتر.
وأيضا، فإنهم يسألون أيضا عما عندهم من الشهادات والبشارات بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وقد أخبر الله بذلك في القرآن فقال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون - الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} [الأعراف: 156 - 157].

وقال - تعالى -: {وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين} [الصف: 6]
فقد أخبر عن عيسى أنه صدق بالرسول والكتاب الذي قبله وهو التوراة وبشر بالرسول الذي يأتي بعده وهو أحمد. قال - تعالى -: {فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون} [البقرة: 144] إلى قوله: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} [البقرة: 146] وقال - تعالى -: {وإنه لتنزيل رب العالمين - نزل به الروح الأمين - على قلبك لتكون من المنذرين - بلسان عربي مبين - وإنه لفي زبر الأولين - أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل} [الشعراء: 192 - 197] وقال - تعالى -: عن من أثنى عليه من النصارى {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا} [المائدة: 83]

وقال - تعالى -: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا - قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا - ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} [الإسراء: 106 - 109] وقال - تعالى -: {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين} [الأنعام: 114] وقال - تعالى -: {ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون - الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون - وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين - أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون} [القصص: 51 - 54] وقال - تعالى -: في سورة الأنعام {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} [الأنعام: 20]
وقال - تعالى -: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} [البقرة: 89] والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد - صلى الله عليه وسلم - عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم.
وكان قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - تجري حروب وقتال بين العرب وبين أهل الكتاب فتقول أهل الكتاب قد قرب مبعث هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمي الذي يبعث بدين إبراهيم فإذا ظهر اتبعناه وقتلناهم معه شر قتلة فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كان منهم من آمن به ومنهم من كفر به فقال تعالى: {وكانوا من قبل يستفتحون} [البقرة: 89] أي يستنصرون بمحمد - صلى الله عليه وسلم - على الذين كفروا {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} [البقرة: 89] ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطابه لأهل الكتاب يقول لهم «والله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله» وكذلك من أسلم منهم كعبد الله بن سلام كان يقول لغيره من أهل الكتاب والله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا أمر معروف في الأحاديث الصحاح المخرجة في الصحيحين وغيرهما فظهر بما ذكرناه تحريف هؤلاء لكلام الله وأنه لا حجة لهم فيما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ; كما تقدم نظائر ذلك.

(وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم (107)
(فصل)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
الثالث: أن المخلوق ليس عنده للعبد نفع ولا ضرر؛ ولا عطاء ولا منع؛ ولا هدى ولا ضلال؛ ولا نصر ولا خذلان؛ ولا خفض ولا رفع؛ ولا عز ولا ذل؛ بل ربه هو الذي خلقه ورزقه؛ وبصره وهداه وأسبغ عليه نعمه؛ فإذا مسه الله بضر فلا يكشفه عنه غيره؛ وإذا أصابه بنعمة لم يرفعها عنه سواه؛ وأما العبد فلا ينفعه ولا يضره إلا بإذن الله؛ وهذا الوجه أظهر للعامة من الأول؛ ولهذا خوطبوا به في القرآن أكثر من الأول؛ لكن إذا تدبر اللبيب طريقة القرآن؛ وجد أن الله يدعو عباده بهذا الوجه إلى الأول. فهذا الوجه يقتضي؛ التوكل على الله والاستعانة به. ودعاءه.

ومسألته، دون ما سواه. ويقتضي أيضا محبة الله وعبادته لإحسانه إلى عبده، وإسباغ نعمه عليه؛ وحاجة العبد إليه في هذه النعم، ولكن إذا عبدوه وأحبوه؛ وتوكلوا عليه من هذا الوجه؛ دخلوا في الوجه الأول؛ ونظيره في الدنيا من نزل به بلاء عظيم أو فاقة شديدة أو خوف مقلق؛ فجعل يدعو الله ويتضرع إليه حتى فتح له من لذة مناجاته ما كان أحب إليه من تلك الحاجة التي قصدها أولا؛ ولكنه لم يكن يعرف ذلك أولا حتى يطلبه ويشتاق إليه. والقرآن مملوء من ذكر حاجة العباد إلى الله دون ما سواه، ومن ذكر نعمائه عليهم؛ ومن ذكر ما وعدهم في الآخرة من صنوف النعيم واللذات، وليس عند المخلوق شيء من هذا؛ فهذا الوجه يحقق التوكل على الله والشكر له ومحبته على إحسانه.
سُورَةُ هُودٍ
(كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (1)
فصل:
وقوله تعالى {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت} فقد فصله بعد إحكامه؛ بخلاف من تكلم بكلام لم يحكمه وقد يكون في الكلام المحكم ما لم يبينه لغيره؛ فهو سبحانه أحكم كتابه ثم فصله وبينه لعباده كما قال: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} وقال: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} فهو سبحانه بينه وأنزله على عباده بعلم ليس كمن يتكلم بلا علم. وقد ذكر براهين التوحيد والنبوة قبل ذكر الفرق بين أهل الحق والباطل فقال: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} إلى قوله: {فهل أنتم مسلمون} فلما تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله مفتريات هم وجميع من يستطيعون من دونه: كان في مضمون تحديه أن هذا لا يقدر أحد على الإتيان بمثله من دون الله كما قال: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.

وحينئذ: فعلم أن ذلك من خصائص من أرسله الله وما كان
مختصا بنوع فهو دليل عليه؛ فإنه مستلزم له وكل ملزوم دليل على لازمه كآيات الأنبياء كلها فإنها مختصة بجنسهم. وهذا القرآن مختص بجنسهم ومن بين الجنس خاتمهم لا يمكن أن يأتي به غيره وكان ذلك برهانا بينا على أن الله أنزله وأنه نزل بعلم الله؛ هو الذي أخبر بخبره وأمر بما أمر به كما قال: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه} الآية. وثبوت الرسالة ملزوم لثبوت التوحيد وأنه لا إله إلا الله من جهة أن الرسول أخبر بذلك ومن جهة أنه لا يقدر أحد على الإتيان بهذا القرآن إلا الله فإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله إلى غير ذلك من وجوه البيان فيه كما قد بسط ونبه عليه في غير هذا الموضع؛ ولا سيما هذه السورة فإن فيها من البيان والتعجيز ما لا يعلمه إلا الله وفيها من المواعظ والحكم والترغيب والترهيب ما لا يقدر قدره إلا الله.

و " المقصود هنا " هو الكلام على قوله: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد} حيث سأل السائل عن تفسيرها وذكر ما في التفاسير من كثرة الاختلاف فيها وأن ذلك الاختلاف يزيد الطالب عمى عن معرفة المراد الذي يحصل به الهدى والرشاد فإن الله تعالى إنما نزل القرآن ليهتدى به لا ليختلف فيه والهدى إنما يكون إذا عرفت معانيه فإذا حصل الاختلاف المضاد لتلك المعاني التي لا يمكن الجمع بينه وبينها لم يعرف الحق ولم تفهم الآية ومعناها ولم يحصل به الهدى والعلم الذي هو المراد بإنزال الكتاب.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن: عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. وقال الحسن البصري: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم في ماذا نزلت وماذا عني بها.
وقد قال تعالى {أفلا يتدبرون القرآن} وتدبر الكلام إنما ينتفع به إذا فهم. وقال: {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}. فالرسل تبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم وعليهم أن يبلغوا الناس البلاغ المبين؛ والمطلوب من الناس أن يعقلوا ما بلغه الرسل والعقل يتضمن العلم والعمل فمن عرف الخير والشر فلم يتبع الخير ويحذر الشر لم يكن عاقلا؛ ولهذا لا يعد عاقلا إلا من فعل ما ينفعه واجتنب ما يضره فالمجنون الذي لا يفرق بين هذا وهذا قد يلقي نفسه في المهالك وقد يفر مما ينفعه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]