
08-02-2025, 08:51 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,397
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ يُونُسَ
المجلد العاشر
الحلقة( 366)
من صــ 166 الى صـ 180
وكرامات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جدا: مثل ما كان " أسيد بن حضير " يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج وهي الملائكة نزلت لقراءته وكانت الملائكة تسلم على عمران بن حصين؛ وكان سلمان وأبو الدرداء يأكلان في صحفة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها وعباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما نور مثل طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما. رواه البخاري وغيره.
وقصة {الصديق في الصحيحين لما ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة إلا ربى من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر وامرأته فإذا هي أكثر مما كانت فرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها وشبعوا}.
و " خبيب بن عدي " كان أسيرا عند المشركين بمكة شرفها الله تعالى وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنبة.
و " عامر بن فهيرة: قتل شهيدا فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه وكان لما قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل وقد رفع وقال: عروة: فيرون الملائكة رفعته. وخرجت " أم أيمن " مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حسا على رأسها فرفعته فإذا دلو معلق فشربت منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها. و " سفينة " مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الأسد بأنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه الأسد حتى أوصله مقصده.
و " البراء بن مالك " كان إذا أقسم على الله تعالى أبر قسمه وكان الحرب إذا اشتد على المسلمين في الجهاد يقولون: يا براء أقسم على ربك فيقول: يا رب أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم فيهزم العدو فلما كان يوم " القادسية " قال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وجعلتني أول شهيد فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا.
و " خالد بن الوليد " حاصر حصنا منيعا فقالوا لا نسلم حتى تشرب السم فشربه فلم يضره.
و " سعد بن أبي وقاص " كان مستجاب الدعوة ما دعا قط إلا استجيب له وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق.
و " عمر بن الخطاب " لما أرسل جيشا أمر عليهم رجلا يسمى " سارية " فبينما عمر يخطب فجعل يصيح على المنبر يا سارية الجبل يا سارية الجبل فقدم رسول الجيش فسأل فقال يا أمير المؤمنين لقينا عدوا فهزمونا فإذا بصائح: يا سارية الجبل يا سارية الجبل فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. ولما عذبت " الزبيرة " على الإسلام في الله فأبت إلا الإسلام وذهب بصرها قال المشركون أصاب بصرها اللات والعزى قالت كلا والله فرد الله عليها بصرها.
ودعا " سعيد بن زيد " على أروى بنت الحكم فأعمي بصرها لما كذبت عليه فقال: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت.
" والعلاء بن الحضرمي " كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين وكان يقول في دعائه: يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم فيستجاب له ودعا الله بأن يسقوا ويتوضئوا لما عدموا الماء والإسقاء لما بعدهم فأجيب ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور بخيولهم فمروا كلهم على الماء ما ابتلت سروج خيولهم؛ ودعا الله أن لا يروا جسده إذا مات فلم يجدوه في اللحد.
وجرى مثل ذلك " لأبي مسلم الخولاني " الذي ألقي في النار فإنه مشى هو ومن معه من العسكر على دجلة وهي ترمى بالخشب من مدها ثم التفت إلى أصحابه فقال: تفقدون من متاعكم شيئا حتى أدعو الله عز وجل فيه فقال بعضهم: فقدت مخلاة فقال اتبعني فتبعه فوجدها قد تعلقت بشيء فأخذها وطلبه الأسود العنسي لما ادعى النبوة فقال له: أتشهد أني رسول الله.
قال ما أسمع قال أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال نعم فأمر بنار فألقي فيها فوجدوه قائما يصلي فيها وقد صارت عليه بردا وسلاما؛ وقدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فأجلسه عمر بينه وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله. ووضعت له جارية السم في طعامه فلم يضره. وخببت امرأة عليه زوجته فدعا عليها فعميت وجاءت وتابت فدعا لها فرد الله عليها بصرها.
(فصل في التنبيه على قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
ولا بد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل فتعتصم به فتقل آفاتها أو تذهب عنها بالكلية بحول الله وقوته. فنقول اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء. وأقواها المحبة وهي مقصودة تراد لذاتها لأنها تراد في الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة قال الله تعالى {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} والخوف المقصود منه الزجر والمنع من الخروج عن الطريق فالمحبة تلقى العبد في السير إلى محبوبه وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب والرجاء يقوده فهذا أصل عظيم يجب على كل عبد أن يتنبه له فإنه لا تحصل له العبودية بدونه وكل أحد يجب أن يكون عبدا لله لا لغيره.
فإن قيل فالعبد في بعض الأحيان قد لا يكون عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه فأي شيء يحرك القلوب؟ قلنا يحركها شيئان - أحدهما كثرة الذكر للمحبوب لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به ولهذا أمر الله عز وجل بالذكر الكثير فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} {وسبحوه بكرة وأصيلا} الآية. والثاني: مطالعة آلائه ونعمائه قال الله تعالى {فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون} وقال تعالى {وما بكم من نعمة فمن الله}.
وقال تعالى {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} وقال تعالى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه من تسخير السماء والأرض وما فيها من الأشجار والحيوان وما أسبغ عليه من النعم الباطنة من الإيمان وغيره فلا بد أن يثير ذلك عنده باعثا وكذلك الخوف تحركه مطالعة آيات الوعيد والزجر والعرض والحساب ونحوه وكذلك الرجاء يحركه مطالعة الكرم والحلم والعفو وما ورد في الرجاء والكلام في التوحيد واسع.
وإنما الغرض مبلغ التنبيه على تضمنه الاستغناء بأدنى إشارة والله - سبحانه وتعالى - أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
(وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون (66)
وقال:
هذه تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من كتب التفسير إلا ما هو خطأ فيها،
منها قوله: {وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء} ظن طائفة أن (ما) نافية وهو خطأ. بل هي استفهام فإنهم يدعون معه شركاء كما أخبر عنهم في غير موضع. فالشركاء يوصفون في القرآن بأنهم يدعون لأنهم يتبعون وإنما يتبع الأئمة. ولهذا قال: {إن يتبعون إلا الظن} ولو أراد النفي لقال: إن يتبعون إلا من ليسوا شركاء بل بين أن المشرك لا علم معه إن هو إلا الظن والحرص كقوله: {قتل الخراصون}.
(قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون (89)
المأموم إذا أمن كان داعيا قال الله تعالى لموسى وهارون: {قد أجيبت دعوتكما} وكان أحدهما يدعو والآخر يؤمن.
(حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (90)
(فصل في الرد على من زعم أن فرعون كان مؤمنا وأنه لا يدخل النار)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وزعمت طائفة من هؤلاء الاتحادية - الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته - أن فرعون كان مؤمنا وأنه لا يدخل النار وزعموا أنه ليس في القرآن ما يدل على عذابه بل فيه ما ينفيه كقوله: {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} قالوا: فإنما أدخل آله دونه. وقوله: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} قالوا إنما أوردهم ولم يدخلها قالوا: ولأنه قد آمن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ووضع جبريل الطين في فمه لا يرد إيمان قلبه.
وهذا القول كفر معلوم فساده بالاضطرار من دين الإسلام لم يسبق ابن عربي إليه - فيما أعلم - أحد من أهل القبلة؛ بل ولا من اليهود ولا من النصارى؛ بل جميع أهل الملل مطبقون على كفر فرعون. فهذا عند الخاصة والعامة أبين من أن يستدل عليه بدليل فإنه لم يكفر أحد بالله ويدعي لنفسه الربوبية والإلهية مثل فرعون.
ولهذا ثنى الله قصته في القرآن في مواضع فإن القصص إنما هي أمثال مضروبة للدلالة على الإيمان وليس في الكفار أعظم من كفره والقرآن قد دل على كفره وعذابه في الآخرة في مواضع: (أحدها قوله تعالى في القصص: {فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين} إلى قوله: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين}. فأخبر سبحانه أنه أرسله إلى فرعون وقومه وأخبر أنهم كانوا قوما فاسقين وأخبر أنهم {قالوا ما هذا إلا سحر مفترى} وأخبر أن فرعون: قال: {ما علمت لكم من إله غيري} وأنه أمر باتخاذ الصرح ليطلع إلى إله موسى وأنه يظنه كاذبا وأخبر أنه استكبر فرعون وجنوده وظنوا أنهم لا يرجعون إلى الله وأنه أخذ فرعون وجنوده فنبذهم في اليم؛ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وأنه جعلهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأنه أتبعهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين.
فهذا نص في أن فرعون من الفاسقين المكذبين لموسى الظالمين الداعين إلى النار الملعونين في الدنيا بعد غرقهم المقبوحين في الدار الآخرة. وهذا نص في أن فرعون بعد غرقه ملعون وهو في الآخرة مقبوح غير منصور وهذا إخبار عن غاية العذاب وهو موافق للموضع الثاني في سورة المؤمن وهو قوله: {وحاق بآل فرعون سوء العذاب} {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وهذا إخبار عن فرعون وقومه؛ أنه حاق بهم سوء العذاب في البرزخ وأنهم في القيامة يدخلون أشد العذاب وهذه الآية إحدى ما استدل به العلماء على عذاب البرزخ. وإنما دخلت الشبهة على هؤلاء الجهال: لما سمعوا آل فرعون فظنوا أن فرعون خارج منهم؛ وهذا تحريف للكلم عن مواضعه بل فرعون داخل في آل فرعون بلا نزاع بين أهل العلم بالقرآن واللغة يتبين ذلك بوجوه: - (أحدهما) أن لفظ آل فلان في الكتاب والسنة يدخل فيها ذلك الشخص مثل قوله في الملائكة الذين ضافوا إبراهيم: {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} {إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين} {إلا امرأته} ثم قال: {فلما جاء آل لوط المرسلون} {قال} يعني لوطا: {إنكم قوم منكرون} وكذلك قوله: {إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر} ثم قال بعد ذلك: {ولقد جاء آل فرعون النذر} {كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر}.
ومعلوم أن لوطا داخل في آل لوط في هذه المواضع، وكذلك فرعون: داخل في آل فرعون المكذبين المأخوذين ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم {قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم} وكذلك قوله: {كما باركت على آل إبراهيم} فإبراهيم داخل في ذلك وكذلك قوله للحسن: {إن الصدقة لا تحل لآل محمد}. وفي الصحيح عن عبد الله بن أبي أوفى قال: {كان القوم إذا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة يصلي عليهم فأتى أبي بصدقة فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى} وأبو أوفى هو صاحب الصدقة.
ونظير هذا الاسم أهل البيت فإن الرجل يدخل في أهل بيته كقول الملائكة: {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} وقول النبي صلى الله عليه وسلم {سلمان منا أهل البيت} وقوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} وذلك لأن آل الرجل من يئول إليه ونفسه ممن يئول إليه وأهل بيته هم من يأهله وهو ممن يأهل أهل بيته. فقد تبين أن الآية التي ظنوا أنها حجة لهم: هي حجة عليهم في تعذيب فرعون مع سائر آل فرعون في البرزخ وفي يوم القيامة ويبين ذلك:
أن الخطاب في القصة كلها إخبار عن فرعون وقومه.
قال تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين} {إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب} إلى قوله: {قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} إلى قوله: {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب} {أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى} إلى قوله: {وحاق بآل فرعون سوء العذاب}{النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} إلى قوله {قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد}. فأخبر عقب قوله: {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} عن محاجتهم في النار وقول الضعفاء للذين استكبروا وقول المستكبرين للضعفاء: {إنا كل فيها} ومعلوم أن فرعون هو رأس المستكبرين وهو الذي استخف قومه فأطاعوه ولم يستكبر أحد استكبار فرعون فهو أحق بهذا النعت والحكم من جميع قومه. (الموضع الثاني) - وهو حجة عليهم لا لهم - قوله تعالى تعالى: {فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد} {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود} إلى قوله: {بئس الرفد المرفود} فأخبر أنه يقدم قومه ولم يقل يسوقهم وأنه أوردهم النار.
ومعلوم أن المتقدم إذا أورد المتأخرين النار: كان هو أول من يردها وإلا لم يكن قادما؛ بل كان سائقا؛ يوضح ذلك أنه قال: {وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة} فعلم أنه وهم يردون النار وأنهم جميعا ملعونون في الدنيا والآخرة. وما أخلق المحاج عن فرعون أن يكون بهذه المثابة فإن المرء مع من أحب {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} وأيضا فقد قال الله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا} يقول: هلا آمن قوم فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس.
وقال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض} إلى قوله: {سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون} فأخبر عن الأمم المكذبين للرسل أنهم آمنوا عند رؤية البأس وأنه لم يك ينفعهم إيمانهم حينئذ وأن هذه سنة الله الخالية في عباده. وهذا مطابق لما ذكره الله في قوله لفرعون: {آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} فإن هذا الخطاب هو استفهام إنكار أي الآن تؤمن وقد عصيت قبل؟ فأنكر أن يكون هذا الإيمان نافعا أو مقبولا فمن قال: إنه نافع مقبول فقد خالف نص القرآن وخالف سنة الله التي قد خلت في عباده. يبين ذلك أنه لو كان إيمانه حينئذ مقبولا: لدفع عنه العذاب كما دفع عن قوم يونس فإنهم لما قبل إيمانهم متعوا إلى حين فإن الإغراق هو عذاب على كفره فإذا لم يكن كافرا لم يستحق عذابا. وقوله بعد هذا: {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية} يوجب أن يعتبر من خلفه ولو كان إنما مات مؤمنا لم يكن المؤمن مما يعتبر بإهلاكه وإغراقه.
وأيضا فإن {النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره ابن مسعود بقتل أبي جهل قال: هذا فرعون هذه الأمة} فضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل في رأس الكفار المكذبين له برأس الكفار المكذبين لموسى.
فهذا يبين أنه هو الغاية في الكفر فكيف يكون قد مات مؤمنا؟ ومعلوم أن من مات مؤمنا: لا يجوز أن يوسم بالكفر ولا يوصف؛ لأن الإسلام يهدم ما كان قبله وفي مسند أحمد وإسحاق وصحيح أبي حاتم عن عوف بن مالك عن عبد الله بن عمرو {عن النبي صلى الله عليه وسلم في تارك الصلاة: يأتي مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف}.
(فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ... (94)
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يسأل؛ ولكن هذا حكم معلق بشرط والمعلق بالشرط يعدم عند عدمه وفي ذلك سعة لمن شك أو أراد أن يحتج أو يزداد يقينا.
[فصل: إثبات أن عند أهل الكتاب ما يثبت صدق محمد صلى الله عليه وسلم]
قالوا: وقال أيضا: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} [الفاتحة: 94 - 28981] فيقال: لهم من المعلوم بالاضطرار أنه ليس المراد بهذا النصارى فقط ; كما تقدم، بل اليهود يقرءون الكتاب من قبلنا والنصارى يقرءون الكتاب من قبلنا، والكتاب اسم جنس ; كما تقدم نظائره في قوله: {أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} [الأنعام: 156] وقوله: {وطعام الذين أوتوا الكتاب} [المائدة: 5] وقوله: {ياأهل الكتاب} [آل عمران: 64] في غير موضع، وقوله:
{لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} [البينة: 1] وقوله - تعالى -: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم - إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب - فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} [آل عمران: 18 - 20]
وقد قال - تعالى -: {ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا} [النساء: 47]. وتناول لفظ أهل الكتاب هنا لليهود أظهر من تناوله للنصارى لذكره لعنة أصحاب السبت، وكذلك قوله - تعالى -: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} [آل عمران: 72] فهذا خبر عن طائفة من اليهود قالوا: ذلك وقال - تعالى -: {ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} [آل عمران: 100]

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|