
07-02-2025, 07:10 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,397
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ يُونُسَ
المجلد العاشر
الحلقة( 364)
من صــ 151 الى صـ 165
وقيل: المرئي أسبابه. وقد جاء في الكتاب والسنة ألفاظ من نحو " لقاء الله " كقوله: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} وقوله: {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا} وقوله: {وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة} وقوله: {إن ربك لبالمرصاد} وقوله: {إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه} وقوله: {كلا لا
وزر} {إلى ربك يومئذ المستقر} وقوله: {إن إلى ربك الرجعى} وقوله: {إنا لله وإنا إليه راجعون} وقوله: {إليه المصير} وقوله: {إن إلينا إيابهم} {ثم إن علينا حسابهم}. لكن يلزم هؤلاء " مسألة " تكلم الناس فيها وهي أن القرآن قد أخبر أنه يلقاه الكفار ويلقاه المؤمنون كما قال: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} {فأما من أوتي كتابه بيمينه} {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} {وينقلب إلى أهله مسرورا} {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره} {فسوف يدعو ثبورا} {ويصلى سعيرا} وقد تنازع الناس في الكفار هل يرون ربهم مرة ثم يحتجب عنهم أم لا يرونه بحال تمسكا بظاهر قوله: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} ولأن الرؤية أعظم الكرامة والنعيم والكفار لا حظ لهم في ذلك.
وقالت طوائف من أهل الحديث والتصوف: بل يرونه ثم يحتجب كما دل على ذلك الأحاديث الصحيحة التي في الصحيح وغيره من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهما مع موافقة ظاهر القرآن قالوا وقوله: {لمحجوبون} يشعر بأنهم عاينوا ثم حجبوا ودليل ذلك قوله: {إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} فعلم أن الحجب كان يومئذ. فيشعر بأنه يختص بذلك اليوم وذلك إنما هو في الحجب بعد الرؤية. فأما المنع الدائم من الرؤية فلا يزال في الدنيا والآخرة.
قالوا: ورؤية الكفار ليست كرامة ولا نعيما؛ إذ " اللقاء " ينقسم إلى لقاء على وجه الإكرام ولقاء على وجه العذاب فهكذا الرؤية التي يتضمنها اللقاء. ومما احتجوا به الحديث الصحيح حديث سفيان بن عيينة حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: {هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟} وقد روى مسلم وأبو داود وأحمد في المسند وابن خزيمة في التوحيد وغيره قال: {قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس ليست في سحابة؟ قالوا: لا. قال: والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما. قال: فيلقى العبد فيقول: أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. يا رب: قال فيقول: فظننت أنك ملاقي. فيقول: لا.
فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. ثم قال يلقى الثاني فيقول له: مثل ذلك. فيقول: أي رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع. فيقول: هاهنا إذا. قال: ثم يقال الآن نبعث شاهدنا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي؛ فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل فذلك المنافق ليعذر من نفسه وذلك الذي يسخط الله عليه وتمام الحديث قال: ثم ينادي مناد ألا تتبع كل أمة ما كانت تعبد فتتبع الشياطين والصليب أولياؤهم إلى جهنم وبقينا أيها المؤمنون فيأتينا ربنا فيقول: ما هؤلاء؟ فنقول:
من عباد الله المؤمنين آمنا بربنا ولم نشرك به شيئا وهو ربنا تبارك وتعالى وهو يأتينا وهو يثبتنا وهو ذا مقامنا حتى يأتينا ربنا فيقول: أنا ربكم. فيقول: انطلقوا. فننطلق حتى نأتي الجسر وعليه كلاليب من نار تخطف عند ذلك حلت الشفاعة لي اللهم سلم اللهم سلم فإذا جاوزوا الجسر فكل من أنفق زوجا من المال في سبيل الله مما يملك فتكلمه خزنة الجنة تقول: يا عبد الله يا مسلم هذا خير. فقال: أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله إن هذا عبد لا توى عليه يدع بابا ويلج من آخر؟ فضرب كتفه وقال: إني أرجو أن تكون منهم} قال سفيان بن عيينة حفظته أنا وروح بن القاسم وردده علينا مرتين أو ثلاثا. وسئل سفيان عن قوله: {ترأس وتربع} فقال كان الرجل إذا كان رأس القوم كان له الرباع وهو الربع. {وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم؛ حيث قال يا رسول الله إني على دين قال: أنا أعلم بدينك منك إنك مستحل الرباع ولا يحل لك}. وهذا الحديث معناه في الصحيحين وغيرهما من وجوه متعددة يصدق بعضها بعضا؛ وفيه أنه سئل عن الرؤية فأجاب بثبوتها ثم أتبع ذلك بتفسيره وذكر أنه يلقاه العبد والمنافق وأنه يخاطبهم. وفي حديث أبي سعيد وأبي هريرة {أنه يتجلى لهم في القيامة مرة للمؤمنين والمنافقين بعد ما تجلى لهم أول مرة ويسجد المؤمنون دون المنافقين} وقد بسط الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع.
وأما الجهمية من المعتزلة وغيرهم فيمتنع على أصلهم لقاء الله؛ لأنه يمتنع عندهم رؤية الله في الدنيا والآخرة وخالفوا بذلك ما تواترت به السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وما اتفق عليه الصحابة وأئمة الإسلام من أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة واحتجوا بحجج كثيرة عقلية ونقلية قد بينا فسادها مبسوطا وذكرنا دلالة العقل والسمع على جواز الرؤية.
وهذه " المسألة " من الأصول التي كان يشتد نكير السلف والأئمة على من خالف فيها وصنفوا فيها مصنفات مشهورة. والثاني: أن عندهم لا يتصور الكدح إليه ولا العرض عليه ولا الوقوف عليه ولا أن يحبه العبد ولا أن يجده ولا أن يشار إليه ولا أن يرجع إليه ولا يئوب إليه؛ إذ هذه الحروف تقتضي أن يكون حال العبد بالنسبة إليه في الآخرة - وبينهما فضل - يقتضي تقربا إليه ودنوا منه وأن يكون حال العبد بالنسبة إليه مخالف لحاله في الدنيا وهذا كله محال عندهم فإنهم لا يقرون بأن الخالق مباين للمخلوق - كما اتفق السلف والأئمة وصرحوا بأنه مباين للخلق؛ ليس داخلا في المخلوقات ولا المخلوقات داخلة فيه - بل تارة يجعلونه حالا بذاته في كل مكان؛ وتارة يجعلون وجوده عين وجود المخلوقات وتارة يصفونه بالأمور السلبية المحضة؛ مثل كونه غير مباين للعالم ولا حال فيه فهم بين أمرين: إما أن يصفوه بما يقتضي عدمه وتعطيله فينكرونه وإن كانوا يقرون به فيجمعون - في قولهم - بين الإقرار والإنكار والنفي والإثبات. وقد يصرح بعضهم بصحة الجمع بين النقيضين ويقول: إن هذا غاية التحقيق والعرفان.
وإما أن يصفوه بما يقتضي أنه عين المخلوقات أو جزء منها أو صفة لها وذلك أيضا يقتضي قولهم بعدم الخالق وتعطيل الصانع؛ وإن كانوا مقرين بوجود موجود غيره وإن جعلوه إياه. ثم يجدون في المخلوقات مباينا في ربوبية المخلوق فيقولون بالجمع بين النقيضين - كما تقدم -. وقد يقولون بعبادة الأصنام وإن عباد الأصنام على حق وعباد العجل على حق وإنه ما عبد غير الله قط؛ إذ لا غير عندهم؛ بل الوجود واحد ويقولون بامتناع الدعوة إليه وأنه يمكن أن يتقرب إليه ويصل إليه وهم يقولون: ما عدم في البداية فيدعى إلى الغاية؛ بل هو عين المدعو فكيف يدعو إلى نفسه؟. وكلام السلف والأئمة في ذم الجهمية وتكفيرهم كثير جدا.
وهؤلاء ومن وافقهم على بعض أقوالهم التي تنفي حقيقة اللقاء يتأولون " اللقاء " على أن المراد به لقاء جزاء ربهم ويقولون إن الجزاء قد يرى كما في قوله: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} {قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين} {فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون} فإن ضمير المفعول في رأوه عائد إلى الوعد والمراد به الموعود أي فلما رأوا ما وعدوا سيئت وجوه الذين كفروا. ومن قال إن الضمير عائد هنا إلى الله فقوله ضعيف وفساد قول الذين يجعلون المراد " لقاء الجزاء " دون لقاء الله معلوم بالاضطرار بعد تدبر الكتاب والسنة يظهر فساده من وجوه: - (أحدها: أنه خلاف التفاسير المأثورة عن الصحابة والتابعين. (الثاني: أن حذف المضاف إليه يقارنه قرائن فلا بد أن يكون مع الكلام قرينة تبين ذلك كما قيل في قوله: {واسأل القرية التي كنا فيها} ولو قال قائل: رأيت زيدا أو لقيته مطلقا وأراد بذلك لقاء أبيه أو غلامه لم يجز ذلك في لغة العرب بلا نزاع ولقاء الله قد ذكر في كتاب الله وسنة رسوله في مواضع كثيرة مطلقا غير مقترن بما يدل على أنه أريد بلقاء الله لقاء بعض مخلوقاته من جزاء أو غيره. (الثالث: أن اللفظ إذا تكرر ذكره في الكتاب ودار مرة بعد مرة على وجه واحد وكان المراد به غير مفهومه ومقتضاه عند الإطلاق ولم يبين ذلك كان تدليسا وتلبيسا يجب أن يصان كلام الله عنه الذي أخبر أنه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين وأنه بيان للناس وأخبر أن الرسول قد بلغه البلاغ المبين وأنه بين للناس ما نزل إليهم وأخبر أن عليه بيانه ولا يجوز أن يقال: ما في العقل دلالة على امتناع إرادة هذا المعنى هو القرينة التي دل المخاطبين على الفهم بها؛ لوجهين. أحدهما: أن يقال: ليس في العقل ما ينافي ذلك؛ بل الضرورة العقلية والبراهين العقلية توافق ما دل عليه القرآن كما قال: {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق} وما يذكر من الحجج العقلية المخالفة لمدلول القرآن فهو شبهات فاسدة عند من له خبرة جيدة بالمعقولات دون من يقلد فيها بغير نظر تام. الثاني: أنه لو فرض أن هناك دليلا عقليا ينافي مدلول القرآن لكان خفيا دقيقا ذا مقدمات طويلة مشكلة متنازع فيها ليس فيها مقدمة متفق عليها بين العقلاء؛ إذ ما يذكر من الأدلة العقلية المخالفة لمدلول القرآن هي شبهات فاسدة كلها ليست من هذا الباب. ومعلوم أن المخاطب - الذي أخبر أنه بين للناس وأن كلامه بلاغ مبين وهدى للناس - إذا أراد بكلامه ما لا يدل عليه ولا يفهم منه إلا بمثل هذه القرينة لم يكن قد بين وهدى؛ بل قد كان لبس وأضل وهذا مما اتفق المسلمون على وجوب تنزيه الله ورسوله بل وعامة الصحابة والأئمة من ذلك.
الرابع: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن أنت الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق؛ اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وإليك حاكمت وبك خاصمت اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت} وفي لفظ: {أعوذ بك أن تضلني؛ أنت الحي الذي لا تموت والجن والإنس يموتون}. ففي الحديث فرق بين لقائه وبين الجنة والنار. والجنة والنار تتضمن جزاء المطيعين والعصاة فعلم أن لقاءه ليس هو لقاء الجنة والنار. الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في غير حديث ما يبين لقاء العبد ربه كما في الصحيحين عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان؛ فينظر أيمن منه فلا يرى إلا شيئا قدمه وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه فتستقبله النار؛ فمن استطاع أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل فإن لم يستطع فبكلمة طيبة} إلى أمثال ذلك من الأحاديث.
السادس: أنه لو أريد " بلقاء الله " بعض المخلوقات - إما جزاء وإما غير جزاء - لكان ذلك واقعا في الدنيا والآخرة فكان العبد لا يزال ملاقيا لربه ولما علم المسلمون بالاضطرار من دين الإسلام أن لقاء الله لا يكون إلا بعد الموت: علم بطلان أن " اللقاء " لقاء بعض المخلوقات.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|