
07-02-2025, 07:03 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,397
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ يُونُسَ
المجلد العاشر
الحلقة( 363)
من صــ 136 الى صـ 150
ولو كان العمل الفاضل يحصل به جميع المفضول مطلقا لما شرع المفضول في وقت؛ فلا يلزم من إعطاء الأعلى إعطاء الأدنى مطلقا ولا يلزم منه منع الأعلى مطلقا فهذا ممكن إمكانا شرعيا في عامة الثوابات ألا ترى أن الذين في الدرجات العلى من أهل الجنة لا يعطون الدرجات الدنى ثم لا يكون هذا نقصا في حقهم؛ فإن الله سبحانه يرضي كل عبد بما آتاه فجاز أن يكون قد أرضى النساء بأعلى " الرؤية " عن مجموع أعلاها وأدناها. والذي يؤيد هذا أنه من الممكن أن تكون رؤية الجمعة جزاء على عمل الجمعة في الدنيا؛ ورؤية الغداة والعشي جزاء على عمل الغداة والعشي فهذا ممكن في العقل وإن لم يجئ به خبر؛ وإذا كان ممكنا لم يلزم من منعهن " رؤية الجمعة " لعدم المقتضي فيهن منعهن " رؤية البردين " مع قيام المقتضي فيهن.
ومن الممكن في العقل أنهن إنما لم يشهدن رؤية الجمعة لأنه مجتمع الرجال. والغيرة في الجنة؛ ألا ترى {أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الجنة ورأى قصرا وعلى بابه جارية قال: فأردت أن أدخل فذكرت غيرتك فقال عمر: أعليك أغار؟}. والله أعلم بحقائق الأمور فإذا كان كذلك فهذا منتف في رؤية الغداة والعشي؛لأن تلك الرؤية قد تحصل وأهل الجنة في منازلهم. ثم هذا من الممكن أن " الرؤية جزاء العمل " فإنه قد جاء في الأخبار ما يدل على أن الرؤية يوم الجمعة ثواب شهود الجمعة؛ بدليل أن فيها يكونون في الدنو منه على مقدار مسارعتهم إلى الجمعة وتفاوت الثواب بتفاوت العمل دليل على أنه مسبب عنه وبدليل أنه مذكور في غير حديث " إنه يكون بمقدار انصرافهم من صلاة الجمعة في الدنيا ".
وموافقة الثواب للعمل في وقته وفي قدره حتى يصير جزاء وفاقا: يقتضي أن العمل سببه؛ وبدليل أن ذلك مذكور في فضل يوم الجمعة في الدنيا والآخرة فعلم أن ارتباط ثوابه في الآخرة بعمله في الدنيا؛ وبدليل أن فيه عند منصرف الناس من الجمعة رجوع الصالحين إلى منازلهم ورجوع الأنبياء والصديقين والشهداء إلى ربهم.
وهذا مناسب لحالهم في الدنيا؛ فإن الصالح إذا انقضت الجمعة اشتغل بما أبيح له في الدنيا وأولئك اشتغلوا بالتقرب إليه بالنوافل فكانوا متقربين إليه في الدنيا بعد الجمعة فقربوا منه بعد الجمعة في الآخرة وهذه " المناسبة الظاهرة " المشهود لها بالاعتبار تقتضي أن ذلك التجلي ثواب أعمالهم يوم الجمعة وإذا كان كذلك فانتفاء الرؤية في حق النساء لعدم شهودهن الجمعة؛ ولهذا روي أنهن يرينه في العيد كما شرع لهن شهود العيد. فإن قيل: ما ذكرتموه من هذه الزيادة أمر غريب والأحاديث المشهورة المجمع عليها ليس فيها هذه الزيادة فلا يجوز الاعتماد عليها والناس كلهم قد سمعوا أحاديث الرؤية يوم الجمعة ولم يسمعوا هذه الزيادة.
قلنا: قد تقدم الجواب عن ذلك بما ذكرناه من طرق الحديث وحال أصله وزيادته وبينا أن الزيادة لا ينقص حكمها في الرؤية عن حكم أصل الحديث نقصا يمنع إلحاقها به؛ بل هي إما مكافئة أو قريبة أو فوق واجبنا عما قيل هنا وما لم يقل. فإن قيل: {فقد كن المؤمنات يشهدن صلاة الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم} فعلى قياس هذا ينبغي لمن شهد الجمعة من النساء أن يشهدن يوم المزيد في الجنة. قلنا: ما كان يشهد الجمعة والجماعة من النساء إلا أقلهن؛ لأن {النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن} متفق عليه. وقال: {صلاة إحداكن في مخدعها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في دارها وصلاتها في دارها أفضل من صلاتها في مسجد قومها وصلاتها في مسجد قومها أفضل من صلاتها معي - أو قال - خلفي} رواه أبو داود. فقد أخبر المؤمنات: أن صلاتهن في البيوت أفضل لهن من شهود الجمعة والجماعة إلا " العيد " فإنه أمرهن بالخروج فيه ولعله - والله أعلم - لأسباب:أحدها: أنه في السنة مرتين فقبل بخلاف الجمعة والجماعة.
الثاني: أنه ليس له بدل خلاف الجمعة والجماعة فإن صلاتها في بيتها الظهر هو جمعتها.
الثالث: أنه خروج إلى الصحراء لذكر الله فهو شبيه بالحج من بعض الوجوه؛ ولهذا كان العيد الأكبر في موسم الحج موقفة للحجيج ومعلوم أن الصحابيات إذا علمن أن صلاتهن في بيوتهن أفضل لم يتفق أكثرهن على ترك الأفضل؛ فإن ذلك يلزم أن يكون أفضل القرون على المفضول من الأعمال. فإن قيل: هذا التفضيل إنما وقع في حق من بعد الصحابيات لما أحدث النساء ما أحدثن ولأن من بعد الرسول من الأئمة لا يساويه؛ فأما الصحابيات فصلاتهن خلف النبي صلى الله عليه وسلم كانت أفضل ويكون هذا الخطاب عاما خرج منه القرن الأول؛ فإن تخصيص العموم جائز.
قلنا: هذا خلاف ما علم بالاضطرار من لغة العرب والعجم وخلاف ما علم بالاضطرار من دين المسلمين وخلاف ما فطر الله عليه العقلاء وخلاف ما أجمع المسلمون عليه؛ وذلك لأن قوله: {لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن} قد أجمع المسلمون على أن الحاضرين تحقق دخولهم فيه. واختلفوا في القرن الثاني والثالث هل يدخلون بمطلق الخطاب أم بدليل منفصل؟ فيه قولان فأما دخول الغائب دون الحاضر فممتنع باتفاق. ثم اللغة تحيله فإن قوله: {لا تمنعوا إماء الله} لا ريب أنه خطاب للصحابة - رضي الله عنهم - ابتداء فكيف تحيل اللغة أن لا يدخلوا فيه. ويدخل فيه من بعدهم؟ أهل اللغة لا يشكون أن هذا ممتنع.
ثم قد علمنا بالاضطرار أن أوامر القرآن والسنة شملت الصحابة ثم من بعدهم وقد يقال أو يتوهم في بعضها: أنها شملتهم دون من بعدهم فأما اختصاص من بعدهم بالأوامر الخطابية دونهم فهذا لا وجود له. وأما مخالفته " للفطر " فما من سليم العقل يعرض عليه هذا إلا أنكره أشد الإنكار ثم هب هذا أمكن في قوله: {لا تمنعوا إماء الله مساجد الله} فكيف بقوله: {صلاة إحداكن في مسجد قومها أفضل من صلاتها معي أو خلفي}؟ أليس نصا في صلاتهن في بيوتهن وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خلفه؟ وصلى الله على محمد.
سئل - رحمه الله تعالى -:ما هو " لقاء الله سبحانه؟ " الذي وصف بظنه الخاشعين بقوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون} وأمر بعلمه المتقين في قوله تعالى {واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه} وبشر بالإقرار به عند المصيبة الصابرين وأشار إلى إتيان أجله للراجين بقوله تعالى: {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت} واشتهر ذكره في غير حديث من كلام سيد المرسلين كقوله في دعائه: {لقاؤك حق} وقوله: {من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه} الحديث؟؟. وهل يصح قول بعض المفسرين من أنه متعلق بمحذوف تقديره جزاء ربهم أو نحوه بكونه مما لا يصح أن يضاف إلى الله تعالى حقيقة فيستحيل ظاهره ويكون المراد منه غير ظاهره ويصار فيه إلى تأويل معين؟ أم هو مستغن عن ذلك لجوازه في نفسه؟ وكيف يتصور منا محبة من لا نعرفه ولا نطلع عليه؟ أم كيف يتأتى شوقه وحنين القلوب إليه وإيثاره على ما سواه مما هو عندنا معروف ولقلوبنا مألوف؟ ولنا به منفعة عاجلة ولذة حاصلة.
وقد قالت عائشة رضي الله عنها كراهية الموت وكلنا نكره الموت. فرد صلى الله عليه وسلم قولها بما تضمنه الحديث {من رؤية المؤمن ما له عند الله من النعيم فأحب الله لقاءه} الحديث. وقد يعترض على هذا سؤال وهو أنه إذا كان حبه اللقاء لما رآه من النعيم فالمحبة حينئذ للنعيم العائد إليه لا لمجرد لقاء الله تعالى فكيف يجازى عليه بحب الله تعالى لقاءه ومحبته غير خالصة وإنما يتقبل الله من الأعمال ما كان خالصا. بينوا لنا هذه الأمور البيان الشافي بالجواب الصحيح الكافي طلبا للأجر الوافي إن شاء الله تعالى؟.
فأجاب - رضي الله عنه وأرضاه -:الحمد لله، " أما اللقاء " فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة والمشاهدة بعد السلوك والمسير؛ وقالوا: إن لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى واحتجوا بآيات " اللقاء " على من أنكر رؤية الله في الآخرة من الجهمية كالمعتزلة وغيرهم. وروي عن عبد الله بن المبارك أنه قال. في قوله: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} ولا يرائي أو قال: ولا يخبر به أحدا وجعلوا اللقاء يتضمن معنيين: أحدهما: السير إلى الملك والثاني معاينته. كما قال: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} فذكر أنه يكدح إلى الله فيلاقيه والكدح إليه يتضمن السلوك والسير إليه واللقاء يعقبهما. وأما المعاينة من غير مسير إليه - كمعاينة الشمس والقمر - فلا يسمى لقاء. وقد يراد باللقاء الوصول إلى الشيء والوصول إلى الشيء بحسبه.
ومن دليل ذلك أن الله تعالى قد قال: {إذا لقيتم فئة فاثبتوا} {إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} وقال: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم} الآية. وقال: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} وقال: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم}. وقال تعالى: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين}. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا} وفي الصحيحين {عن أبي هريرة أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وهو جنب فانفتل فذهب فاغتسل؛ ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء قال: أين كنت؟ قال يا رسول الله لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله إن المؤمن لا ينجس} وفي لفظ:{لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم} وهو في مسلم عن حذيفة أيضا {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فذكر معناه}. وفي صحيح مسلم عن بريدة {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال} الحديث. وفي حديث عتبة بن عبيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {القتلى ثلاثة: رجل مؤمن جاهد بماله ونفسه في سبيل الله حتى إذا لقي عدوا قاتلهم حتى يقتل فذلك الشهيد المفتخر في خيمة الله تحت ظل عرشه لا يفضله إلا النبيون بدرجة النبوة ورجل فرق على نفسه من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى قتل فمصمصة تحت ذنوبه وخطاياه إن السيف محاء للخطايا وأدخل من أي أبواب الجنة شاء فإن لها ثمانية أبواب ولجهنم سبعة أبواب وبعضها أفضل من بعض ورجل منافق جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله حتى قتل فإن ذلك في النار إن السيف لا يمحو النفاق} رواه أحمد وأبو حاتم في صحيحه ومثل هذا كثير في كلام العرب كقول الشاعر: متى ما تلقى فرد من ... ترجو وأبو السنل ويستعمل " اللقاء " في لقاء العدو ولقاء الولي ولقاء المحبوب ولقاء المكروه وقد يستعمل فيما يتضمن مباشرة الملاقي ومماسته مع اللذة والألم كما قال: {إذا التقى الختانان وجب الغسل} وفي الحديث الصحيح: {إذا قعد بين شعبها الأربع والتزق الختانان فقد وجب الغسل}.
ومن نحو هذا قوله: {إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} وقوله: {فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا} وقوله: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما} ويقال: فلان لقي خيرا ولقي شرا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض}. وقد يقال: إن " اللقاء " في مثل هذا يتضمن معنى المشاهدة كما قال تعالى {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه} لأن الإنسان يشاهد بنفسه هذه الأمور. وقد قيل: إن الموت نفسه يشهد ويرى ظاهرا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|