
07-02-2025, 06:55 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,397
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ يُونُسَ
المجلد العاشر
الحلقة( 362)
من صــ 121 الى صـ 135
أن نقول: نفس الحديث المحتج به دل على أن لأهل الجنة رؤية في مواطن عديدة فإنه {قال: وأعلى أهل الجنة منزلة من يرى الله كل يوم مرتين غدوة وعشية} فإذا كانت هذه للأعلى فمفهومه أن الأدنى له دون ذلك ولا يجوز أن يقصر ما دون ذلك على " رؤية الجمعة " لأنه لا دليل عليه؛ بل يجوز أن يراه بعضهم كل يوم مرة وبعضهم كل يومين مرة وبعضهم أكثر من ذلك والحكمة تقتضي ذلك؛ فإن " يوم الجمعة يشترك فيه جميع الرجال من الأعلين والمتوسطين ومن دونهم. وكل يوم مرتين للأعلين فالذين هم فوق الأدنين ودون الأعلين لا بد أن يميزوا عمن دونهم؛ كما نقصوا عمن فوقهم.
الجواب الثالث أنه قد جاءت الأحاديث برؤية الله في غير هذين الموطنين منها: ما رواه ابن ماجه في " سننه " والدارقطني في " الرؤية " عن الفضل بن عيسى بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم فإذا الرب تبارك وتعالى أشرف عليهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة وهو قول الله: {سلام قولا من رب رحيم} فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما دام الله بين أظهرهم حتى يحتجب عنهم وتبقى فيهم بركته ونوره}
ورويناه من طريق أخرى معروفة إلى سلمة بن شبيب حدثنا بشر بن حجر حدثنا عبد الله بن عبيد الله عن محمد بن المنكدر عن جابر قال:
{قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما أهل الجنة في ملكهم ونعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم فإذا الرب تبارك وتعالى قد أشرف عليهم من فوقهم فيقول: السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله تبارك وتعالى: {سلام قولا من رب رحيم} فينظرون إليه وينظر إليهم فلا يلتفتون إلى شيء من الملك والنعيم حتى يحتجب عنهم قال: فيبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم}. وهذه الطريق تنفي أن يكون قد تفرد به الفضل الرقاشي وهذا الحديث بعمومه يقتضي أن جميعهم يروونه لكن لم يستدل به ابتداء لأن في إسناده مقالا والمقصود هنا أنه قد روى ذلك وهو ممكن ولا سبيل إلى دفعه في نفس الأمر والعمومات الصحيحة تثبت جنس ما أثبته هذا الحديث.
وأيضا فالحديث الصحيح {إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه}.
فهذا ليس هو نظر الجمعة؛ لأن هذا عند الدخول ولم يكونوا ينتظرونه ولا اجتمعوا لأجله ونظر الجمعة يقدمون إليه من منازلهم ويجتمعون لأجله كما جاءت به الأحاديث وبين هذا التجلي وذاك فرق تدل عليه الأحاديث؛ ولا هذا التجلي من المرتين اللتين تختص بالأعلين بل هو عام لمن دخل الجنة كما دل عليه الحديث موافقا لقوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} - {أولئك أصحاب الجنة}.
وأيضا فقد جاء موقوفا على ابن عباس وعن كعب الأحبار مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم {أنهم يرونه في كل يوم عيد}.
وأيضا فقد ثبت بالنصوص المتواترة في عرصات القيامة قبل دخول الجنة أكثر من مرة وهذا خارج عن المرتين؛ إلا أن يقال: وإن كان لم يقل: ولا في سؤال السائل ما يدل عليه فهو مبطل لحصره قطعا ومن أراد أن يحترز عنه يصوغ السؤال على غير ما تقدم وإنما صغناه كما أورد علينا.
وأيضا فقد قال تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} {قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر} فكيف يمكن أن يقال: إن من سوى الأعلين لا يرى الله قط إلا في الأسبوع مرة؟ ويقضي ذلك الدليل على ما قد أخفاه عن كل نفس؛ ونفى علمه من كل عين وسمع وقلب وفرق بين عدم العلم والعلم بالعدم. وبين عدم الدليل؛والدليل على العدم فإذا لم يكن مع الإنسان فيما سوى الموطن سوى عدم العلم وعدم الدليل لم يكن ذلك مانعا من موجب الدليل العام بالاضطرار وبالإجماع. ونكتة الجواب الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم. إذا قال: إن أهل الجنة يرون الله تعالى وفسر به قوله تعالى {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} إلى قوله:
{أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} فأعلمنا بهذا أن أصحاب الجنة لهم " الزيادة " التي هي النظر إليه وقد علمنا أن أهل الجنة وأصحاب الجنة منهم النساء المحسنات أكثر من الرجال. وقال لنا - مثلا -: يوم الجمعة يراه الرجال دون النساء وقال لنا أيضا: لا يراه كل يوم مرتين إلا أعلى أهل الجنة وفرضنا أن النساء لا يرينه بحال - كل يوم مرتين - ولا يوم الجمعة ولا فيما سوى ذلك قط وهذا وإن كان من وقف على هذا الكلام يعلم أنه لا خلاف بين العلماء؛ بل ولا بين العقلاء في أنه لا يدل على نفي جنس " الرؤية " ولا يخص ذلك اللفظ العام ولا يقيد ذلك المطلق - فإنما رددت الكلام فيه للمنازعة فيه فلا يظن أنا أطلنا النفس فيه لخفائه؛ بل لرده مع جلائه. ولك أن تعبر عن " هذا الجواب " بعبارات.
إن شئت أن تقول: " أحاديث الإثبات " أثبتت رؤية مطلقة للرجال وللنساء ونفي المقيد لا ينفي المطلق فلا يكون المطلق منفيا فلا يجوز نفي موجبه. وإن شئت أن تقول: " أحاديث الإثبات " تعم الرجال والنساء و " أحاديث النفي " تنفي عن النساء ما علم أنه للرجال أو ما ثبت أن فيه الرؤية أو تنفي عن النساء الرؤية في الموطنين اللذين أخبروا بالرؤية فيهما؛ لكن هذا سلب في حال مخصوص؛ لم يتعرض لما سواهما: لا بنفي ولا بإثبات؛ والمسلوب عنه لا يعارض العام.
وإن شئت أن تقول: القضية الموجبة المطلقة لا يناقضها إلا سلب كلي؛ وليس هذا سلبا كليا فلا يناقض ولا يجوز ترك موجب أحد الدليلين وإن شئت أن تقول: ليس في ذكر هذين الموطنين إلا عدم الإخبار بغيرهما وعدم الإخبار بثواب معين - من نظر أو غيره - لا يدل على عدمه كيف وهذا الثواب مما أخفاه الله؟ وإذا كان عدم الإخبار لا يدل على عدمه. والعموم اللفظي والمعنوي إما قاطع وإما ظاهر في دخول النساء لم يكن عدم الدليل مخصصا للدليل - سواء كان ظاهرا أو قاطعا - وكل هذا كما أنه معلوم بالعقل الضروري فهو مجمع عليه بين الأمة على ما هو مقرر عند العلماء في الأصول والفروع. وإنما ينشأ الغلط من حيث يسمع السامع ما جاء في الأحاديث في " الرؤية " عامة مطلقة ويرى أحاديث أخر أخبرت برؤية مقيدة خاصة فيتوهم أن لا وجود لتلك المطلقة العامة إلا في هذه المقيدة أو ينفي دلالة تلك العامة؛ لهذا الاحتمال كرجل قال: كنت أدخل أصحابي داري وأكرمهم. ثم قال في موطن آخر: أدخلت داري فلانا وفلانا من أصحابي في اليوم الفلاني فمن ظن أن سائر أصحابه لم يدخلهم - لأنه لم يذكرهم في هذا الموطن - فقد غلط وقيل له: من أين لك أنه ما أدخلهم في وقت آخر؟ فإذا قال: يمكن أنه أدخلهم ويمكن أنه ما أدخلهم فأنا أقف قيل له: فقد قال: كنت أدخل أصحابي داري وهذا يعم جميع أصحابه.
ونحن لا ننازع في أن " اللفظ العام " يحتمل الخصوص في الجملة مع عدم هذه القرينة فمع وجودها أوكد؛ لكن ننازع في " الظهور " فنقول: هذا الاحتمال المرجوح لا يمنع ظهور العموم كما تقدم فيكون العموم هو الظاهر - وإن كان ما سواه ممكنا - وأما سائر " الأجوبة " ففي تقرير أن " الرؤية " تقع في غير هذين الموطنين. الجواب الرابع أنا لو فرضنا أن " حديث المرتين كل يوم " يعارض ما قدمناه من النصوص الصحيحة العامة - لفظا ومعنى - لما كان الواجب دفع دلالة تلك الأحاديث بمثل هذا الحديث؛ لما تقدم " أولا " لما في إسناده من المقال؛ ولأنه يستلزم إخراج أكثر أفراد اللفظ العام بمثل هذا التخصيص وهذا إما ممتنع وإما بعيد ومستلزم تخصيص العلة بلا وجود مانع ولا فوات شرط وهذا ممتنع عند الجمهور؛ أو من غير ظهور مانع وهذا بعيد لا يصار إليه إلا بدليل قوي.
الجواب الخامس لو فرضنا أن لا رؤية إلا ما في هذين فمن أين لنا أن النساء لا يرين الله فيهما جميعا؟ وهب أنا سلمنا أنهن لا يرينه يوم الجمعة فمن أين أنهن لا يرينه كل يوم مرتين؟ وقول القائل: هذه أعلى وتلك أدنى فكيف يحرم الأدنى من يعطي الأعلى؟ فعنه أجوبة:أحدها: أن الذين ميزوا برؤية كل يوم مرتين شركوا الباقين في رؤية يوم الجمعة فصار لهم النوعان جميعا؛ فإذا كان فضلهم بالنوعين جميعا فما المانع في أن بعض من دونهم يشركهم في " الجمعة " دون " رؤية الغداة والعشي " والبعض الآخرون يشركونهم في " الغداة والعشي " دون " الجمعة "
ولا يكون من له الغداة والعشي دون الجمعة أعلى مطلقا؛ وإنما الأعلى مطلقا الذي له الجميع. لكن قد يقال: يلزم على هذا أن يكون النساء أعلى ممن له الجمعة دون " البردين " من الرجال فيقال: قد لا يلزم هذا؛ بل قد تكون الجمعة وحدها أفضل من " البردين " وحدهما. وقد يقال: فهب أن الأمر كذلك. أكثر ما فيه تفضيل النساء على مفضول الرجال وهذا الاحتمال وإن كان ممكنا؛ لكن يبعد أن تكون كل امرأة تدخل الجنة أفضل ممن لا يرى الله كل يوم مرتين؛ فإن ذلك مستلزم أن يكون مفضول النساء أفضل من مفضول الرجال فيترك هذا الاحتمال ويقتصر على الذي قيل وهو: أن الأعلى مطلقا الذي له المرتان مع الجمعة وإنما لزم هذا لأنا نتكلم بتقدير أن لا رؤية إلا هذين؛ ولا ريب أن هذا التقدير باطل قطعا. (الوجه الثاني: أنه من أين لكم أن " الرؤية كل يوم مرتين " أفضل من " رؤية الجمعة "؟ نعم هي أكثر عددا لكن قد يفضل ذلك في الكيفية فيكون أحد النوعين أكثر عددا والآخر أفضل نوعا: كدينار وخمسة دراهم ولا ريب أن هذا ممكن إمكانا قريبا؛ فإن الله يثيب عبده على: {قل هو الله أحد} مع قلة حروفها بقدر ما يثيبه على ثلث القرآن. وإذا كان الأمر كذلك. فيمكن في حق من حرم الأفضل في نوعه أن يعطى النوع المفضول وإن كثر عدده سواء كان فاضل النوع أفضل مطلقا أو كانا متكافئين عند التقابل؛ وفي أحاديث المزيد ما يدل على هذا؛ فإنهم يرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقولون: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار فيحق لنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا به. وفي حديث آخر: {فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا نظرا إلى ربهم ويزدادوا كرامة}. ومن تأمل سياق " الأحاديث المتقدمة " علم أن التجلي يوم الجمعة له عندهم وقع عظيم لا يوجد مثله في سائر الأيام؛ وهذا يقتضي أن هذا النوع أفضل من الرؤية الحاصلة كل يوم مرتين وإن كانت تلك أكثر فإذا منع النساء من هذا الفضل لم يلزم أن يمنعن مما دونه وهذا بين لمن تأمله.
(الوجه الثالث: هب أن رؤية الله كل يوم مرتين أفضل مطلقا من رؤية الجمعة فلا يلزم حرمانهن من الثواب المفضول حرمان ما فوقه مطلقا؛ وذلك أن العبد قد يعمل عملا فاضلا يستحق به أجرا عظيما ولا يعمل ما هو دونه فلا يستحق ذلك الأجر وما زال الله سبحانه يخص المفضولين من كل صنف بخصائص لا تكون للفاضلين وهذا مستقر في الأشخاص من الأنبياء والصديقين وفي الأعمال.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|