عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-02-2025, 07:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,801
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ يُونُسَ
المجلد العاشر
الحلقة( 360)

من صــ 91 الى صـ 105





والنساء من هذه الأمة مؤمناتهن ومنافقاتهن {فإذا جاء عرفناه} وقوله: {فيأتيهم في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا فيدعوهم} تفسير لما ذكرناه في أول الحديث من أنهم يرون ربهم كما يرون الشمس والقمر. والضمير في قوله: {فيأتيهم في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا} قد ثبت أنه عائد إلى الأمة التي فيها الرجال والنساء وإلى من كان يعبده الذي يشمل الرجال والنساء وإلى الناس غير المشركين؛ وذلك يعم الرجال والنساء وهذا أوضح من أن يزاد بيانا. ثم قوله في حديث أبي سعيد: {فيرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة} نص في أن النساء من الساجدين الرافعين قد رأوه أولا ووسطا وآخرا والساجدون قد قال فيهم: {لا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود} و " من " تعم الرجال والنساء فكل من سجد لله مخلصا من رجل وامرأة فقد سجد لله وقد رآه في هذه المواقف الثلاث وليس هذا موضع بيان ما يتعلق بتعدد السجود والتحول وغير ذلك مما يلتمس معرفته وإنما الغرض هنا ما قصدنا له.
ثم في كلا الحديثين الإخبار بمرورهم على الصراط وسقوط قوم في النار ونجاة آخرين ثم بالشفاعة في أهل التوحيد حتى يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ويدخلون الجنة ويسمون الجهنميين؛ أفليس هذا كله عاما للرجال والنساء أم الذين يجتازون على الصراط ويسقط بعضهم في النار ثم يشفع في بعضهم هم الرجال؛ ولو طلب الرجل نصا في النساء في مثل هذا أما كان متكلفا ظاهر التكلف؟. وكذلك روى مسلم في صحيحه عن {أبي الزبير: أنه سمع جابرا يسأل عن الورود فقال: نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول؛ ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا فيقول: أنا ربكم فيقولون: حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك قال: فينطلق بهم ويتبعونه ويعطي كل إنسان منهم - منافق أو مؤمن - نورا؛ ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ثم يطفأ نور المنافقين ثم ينجوا المؤمنون} وذكر الحديث في دخول الجنة والشفاعة.
أفليس هذا بينا في أنه يتجلى لجميع الأمة؟ كما أن الأمة تعطى نورها ثم جميع " المؤمنين " ذكرانهم وإناثهم يبقى نورهم وكذلك جميع ما في الحديث من المعاني تعم الطائفتين عموما يقينيا. وهذا الحديث هو مرفوع قد رواه الإمام أحمد وغيره بمثل إسناد مسلم وذكر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقتضي أن جابرا سمع الجميع منه وروي من وجوه صحيحة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا؛ وهذا الحديث قد روي أيضا بإسناد جيد من حديث ابن مسعود مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أطول سياقه من سائر الأحاديث وروي من غير وجه.
وفي حديث {أبي رزين العقيلي المشهور من غير وجه قال: قلنا يا رسول الله: أكلنا يرى ربه يوم القيامة؟ قال: أكلكم يرى القمر مخليا به؟ قالوا: بلى فالله أعظم} وقوله: {كلكم يرى ربه} كقوله {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في مال زوجها وهي مسئولة عن رعيتها} من أشمل اللفظ. ومن هذا قوله: {كلكم يرى ربه مخليا به} {وما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه كما يخلو أحدكم بالقمر} {وما منكم إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان} إلى غير ذلك من الأحاديث الصحاح والحسان التي تصرح بأن جميع الناس ذكورهم وإناثهم مشتركون في هذه الأمور من " المحاسبة " و " الرؤية " و " الخلوة " و " الكلام ".
وكذلك الأحاديث في " رؤيته - سبحانه - في الجنة " مثل ما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله فما شيء أعطوه أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة}. قوله: {إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار} يعم الرجال والنساء؛ فإن لفظ الأهل يشمل الصنفين وأيضا فقد علم أن النساء من أهل الجنة. وقوله: {يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه} خطاب لجميع أهل الجنة الذين دخلوها ووعدوا بالجزاء وهذا قد دخل فيه جميع النساء المكلفات. وكذلك قولهم: " ألم يثقل ويبيض ويدخل وينجز " يعم الصنفين. وقوله: {فيكشف الحجاب فينظرون إليه} الضمير يعود إلى ما تقدم وهو يعم الصنفين.
ثم الاستدلال بالآية دليل آخر؛ لأن الله سبحانه قال: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} ومعلوم أن النساء من الذين أحسنوا ثم قوله فيما بعد: {أولئك أصحاب الجنة} يقتضي حصر أصحاب الجنة في أولئك والنساء من أصحاب الجنة فيجب أن يكن من أولئك وأولئك إشارة إلى الذين لهم الحسنى وزيادة؛ فوجب دخول النساء في الذين لهم الحسنى وزيادة واقتضى أن كل من كان من أصحاب الجنة فإنه موعود " بالزيادة على الحسنى " التي هي النظر إلى الله سبحانه؛ ولا يستثنى من ذلك أحد إلا بدليل؛وهذه " الرؤية العامة " لم توقت بوقت بل قد تكون عقب الدخول قبل استقرارهم في المنازل والله أعلم أي وقت يكون ذلك.
وكذلك ما دل من الكتاب على " الرؤية " كقوله {وجوه يومئذ ناضرة} {إلى ربها ناظرة} {ووجوه يومئذ باسرة} {تظن أن يفعل بها فاقرة} هو تقسيم لجنس الإنسان المذكور في قوله: {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} {بل الإنسان على نفسه بصيرة} وظاهر انقسام الوجوه إلى هذين النوعين. كما أن قوله {وجوه يومئذ مسفرة} {ضاحكة مستبشرة} {ووجوه يومئذ عليها غبرة} {ترهقها قترة} أيضا إلى هذين النوعين فمن لم يكن من الوجوه الباسرة كان من الوجوه الناضرة الناظرة؛ كيف وقد ثبت في الحديث أن النساء يزددن حسنا وجمالا كما يزداد الرجال في مواقيت النظر؟ وكذلك قوله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} قد فسر بالرؤية وقوله:
{إن الأبرار لفي نعيم} {على الأرائك ينظرون} فإن هذا كله يعم الرجال والنساء. واعلم أن الناس قد اختلفوا في " صيغ جمع المذكر مظهره ومضمره " مثل: المؤمنين والأبرار وهو هل يدخل النساء في مطلق اللفظ أو لا يدخلون إلا بدليل؟ على قولين: (أشهرهما عند أصحابنا ومن وافقهم أنهم يدخلون بناء على أن من لغة العرب إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلبوا المذكر وقد عهدنا من الشارع في خطابه أنه يعم القسمين ويدخل النساء بطريق التغليب وحاصله أن هذه الجموع تستعملها العرب تارة في الذكور المجردين وتارة في الذكور والإناث وقد عهدنا من الشارع أن خطابه المطلق يجري على النمط الثاني وقولنا: المطلق احتراز من المقيد مثل قوله: {والمؤمنين والمؤمنات} ومن هؤلاء من يدعي أن مطلق اللفظ في اللغة يشمل القسمين.
و (القول الثاني: إنهن لا يدخلن إلا بدليل ثم لا خلاف بين الفريقين أن آيات " الأحكام " و " الوعد " و " الوعيد " التي في القرآن تشمل الفريقين وإن كانت بصيغة المذكر فمن هؤلاء من يقول: دخلوا فيه لأن الشرع استعمل اللفظ فيهما وإن كان اللفظ المطلق لا يشمله وهذا يرجع إلى القول الأول. ومنهم من يقول:
دخلوا لأنا علمنا من الدين استواء الفريقين في الأحكام فدخلوا كما ندخل نحن فيما خوطب به الرسول وكما تدخل سائر الأمة فيما خوطب به الواحد منها. وإن كانت صيغة اللفظ لا تشمل غير المخاطب. وحقيقة هذا القول: أن اللفظ الخاص يستعمل عاما " حقيقة عرفية " إما خاصة وإما عامة وربما سماه بعضهم قياسا جليا ينقص حكم من خالفه؛ وأكثرهم لا يسمونه " قياسا " بل قد علم استواء المخاطب وغيره فنحن نفهم من الخطاب له الخطاب للباقين حتى لو فرض انتفاء الخطاب في حقه لمعنى يخصه لم ينقص انتفاء الخطاب في حق غيره " فالقياس " تعدية الحكم وهنا لم يعد حكم وإنما ثبت الحكم في حق الجميع ثبوتا واحدا؛ بل هو مشبه بتعدية الخطاب بالحكم؛ لا نفس الحكم.
وعلى كل قول فالدلالة من صيغ الجمع المذكر متوجهة؛ كما أنها متوجهة بلا تردد من صيغة: " من " و " أهل " و " الناس " ونحو ذلك. واعلم أن هنا " دلالة ثانية " وهي دلالة العموم المعنوي وهي أقوى من دلالة العموم اللفظي وذلك أن قوله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} وقد فسرت " القرة " بالنظر وغيره فيقتضي أن النظر جزاء على عملهم والرجال والنساء مشتركون في العمل الذي استحق به جنس الرجال الجنة؛ فإن العمل الذي يمتاز به الرجال " كالإمارة " و " النبوة " - عند الجمهور - ونحو ذلك لم تنحصر الرؤية فيه؛ بل يدخل في الرؤية من الرجال من لم يعمل عملا يختص الرجال؛ بل اقتصر على ما فرض عليه: من الصلاة والزكاة وغيرهما؛ وهذا مشترك بين الفريقين. وكذلك قوله: {إن الأبرار لفي نعيم} {على الأرائك ينظرون} إن " البر " سبب هذا الثواب و " البر " مشترك بين الصنفين وكذلك كل ما علقت به " الرؤية " من اسم الإيمان ونحوه يقتضي أنه هو السبب في ذلك فيعم الطائفتين. وبهذا " الوجه " احتج الأئمة أن الكفار لا يرون ربهم. فقالوا: لما حجب الكفار بالسخط دل على أن المؤمنين يرون بالرضى ومعلوم أن المؤمنات فارقن الكفار فيما استحقوا به السخط والحجاب وشاركوا المؤمنين فيما استحقوا به الرضوان والمعاينة فثبتت الرؤية في حقهم باعتبار الطرد واعتبار العكس. وهذا باب واسع إن لم نقطعه لم ينقطع. فإن قيل: دلالة العموم ضعيفة فإنه قد قيل: أكثر العمومات مخصوصة؛ وقيل: ما ثم لفظ عام إلا قوله: {وهو بكل شيء عليم} ومن الناس من أنكر دلالة العموم رأسا. قلنا: أما " دلالة العموم المعنوي العقلي " فما أنكره أحد من الأمة فيما أعلمه؛ بل ولا من العقلاء ولا يمكن إنكارها اللهم إلا أن يكون في " أهل الظاهر الصرف " الذين لا يلحظون المعاني كحال من ينكرها؛ لكن هؤلاء لا ينكرون عموم الألفاظ؛ بل هو عندهم العمدة ولا ينكرون عموم معاني الألفاظ العامة؛ وإلا قد ينكرون كون عموم المعاني المجردة مفهوما من خطاب الغير.
فما علمنا أحدا جمع بين إنكار " العمومين " اللفظي والمعنوي ونحن قد قررنا العموم بهما جميعا فيبقى محل وفاق مع العموم المعنوي؛ لا يمكن إنكاره في الجملة؛ ومن أنكره سد على نفسه إثبات حكم الأشياء الكثيرة؛ بل سد على عقله أخص أوصافه وهو القضاء بالكلية العامة ونحن قد قررنا العموم من هذا الوجه؛ بل قد اختلف الناس في مثل هذا العموم: هل يجوز تخصيصه؟ على قولين مشهورين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]