
07-02-2025, 07:31 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ يُونُسَ
المجلد العاشر
الحلقة( 359)
من صــ 76 الى صـ 90
قال الترمذي وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر موقوفا ورواه عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله: ولم يرفعه. وقال الترمذي: لا نعلم أحدا ذكر فيه مجاهدا غير ثوير وأظنه قد قيل: في قوله: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} أن منه النظر إلى الله. وروي في ذلك حديث مرفوع رواه الدارقطني في " الرؤية ": حدثنا أبو عبيد قاسم بن إسماعيل الضبي حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق البصري حدثنا هانئ بن يحيى حدثنا صالح المصري عن عباد المنقري عن ميمون بن سياه عن {أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه هذه الآية {وجوه يومئذ ناضرة} {إلى ربها ناظرة} قال: والله ما نسخها منذ أنزلها يزورون ربهم تبارك وتعالى فيطعمون ويسقون ويطيبون ويحملون ويرفع الحجاب بينه وبينهم فينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل وذلك قوله: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا}. وقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي هذا الحديث في " الموضوعات " وقال: هذا لا يصح؛ فيه ميمون بن سياه. قال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير لا يحتج به إذا انفرد وفيه صالح المصري قال النسائي: متروك الحديث.
قلت: أما ميمون بن سياه فقد أخرج له البخاري والنسائي وقال فيه أبو حاتم الرازي: ثقة وحسبك بهذه الأمور الثلاثة وعن ابن معين قال فيه:ضعيف؛ لكن هذا الكلام يقوله ابن معين في غير واحد من الثقات. وأما كلام ابن حبان ففيه ابتداع في الجرح. فلما كان في حديث ابن عمر المتقدم وعد أعلاهم " غدوة وعشيا " والرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل صلاتي الغداة والعشي سببا " للرؤية " وصلاة الجمعة سببا " للرؤية " في وقتها؛ مع ما في الصلاة من مناسبة الرؤية كان العلم بمجموع هذه الأمور يفيد ظنا قويا أن هاتين الصلاتين سبب للرؤية في وقتهما في الآخرة والله أعلم بحقيقة الحال. فلما كان هذا قد سنح لي والنساء يشاركن الرجال في سبب العمل فيشاركونهم في ثوابه ولما انتفت المشاركة في الجمعة انتفت المشاركة في النظر في الآخرة ولما حصلت المشاركة في العيد حصلت المشاركة في ثوابه.
ثم بعد مدة طويلة جرى كلام في هذه " المسألة " وكنت قد نسيت ما ذكرته أولا؛ لا بعضه فاقتضى ذكر ما ذكرته أولا فقيل لي: الحديث يقتضي أن هاتين الصلاتين من جملة سبب " الرؤية "؛ لا أنه جميع السبب بدليل أن من صلاهما ولم يصل الظهر والعصر لا يستحق الرؤية. وقيل لي: الحديث يدل على أن الصلاتين سبب في الجملة فيجوز أن تكون هاتان الصلاتان سببا للرؤية في الجمعة؛ كيف وقد قيل: إن أعلى أهل الجنة من يراه مرتين؟ فكيف يكون المحافظون على هاتين الصلاتين أعلاهم؟. فقلت: ظاهر الحديث يقتضي أن هاتين الصلاتين هو السبب في هذه " الرؤية " لما ذكرته من القاعدة في النساء آنفا؛ ثم قد يتخلف المقتضي عن المقتضى لمانع لا يقدح في اقتضائه كسائر أحاديث الوعد؛ فإنه لما قال: {من صلى البردين دخل الجنة} " من فعل كذا دخل الجنة " دل على أن ذلك العمل سبب لدخول الجنة وإن تخلف عنه مقتضاه لكفر أو فسق. فمن ترك صلاة الظهر أو زنى أو سرق ونحو ذلك كان فاسقا والفاسق غير مستحق للوعد بدخول الجنة كالكافر وكذلك أحاديث الوعيد إذا قيل: من فعل كذا دخل النار؛ فإن المقتضى يتخلف عن التائب وعمن أتى بحسنات تمحو السيئات وعن غيرهم ويجوز أن يكون للرؤية سبب آخر فكونه سببا لا يمنع تخلف الحكم عنه لمانع ولا يمنع أن ينتصب سبب آخر للرؤية. ثم أقول: فعل بقية الفرائض سواء كانت من جملة السبب أو كانت شرطا في هذا السبب: فالأمر في ذلك قريب وهو نزاع لفظي؛ فإن الكلام إنما هو في حق من أتى ببقية شروط الوعد وانتفت عنه موانعه. ولا يجوز أن يقال: فالأنوثة مانع من لحوق الوعد أو الذكورة شرط؛ لأن هذا إن دل عليه دليل شرعي كما دل على أن فعل بقية الفرائض شرط قلنا به فأما بمجرد الإمكان فلا يجوز ترك مقتضى اللفظ وموجبه بالإمكان؛ بل متى ثبت عموم اللفظ وعموم العلة وجب ترتيب مقتضى ذلك عليه ما لم يدل دليل بخلافه؛ ولم يثبت أن الذكورة شرط ولا أن الأنوثة مانع؛ كما لم يقتض أن العربية والعجمية والسواد والبياض لها تأثير في ذلك.
وكذلك الحديث يدل على أن " المقتصدين " يشاركون " السابقين " في أصل الرؤية وإن امتاز السابقون عنهم بدرجات ومثوبات أو شمول المعنى لهؤلاء على السواء فهذا من هذا الوجه دليل على أن هاتين الصلاتين سبب للرؤية ووجود السبب يقتضي وجود المسبب إلا إذا تخلف شرطه أو حصلت موانعه والشروط والموانع تتوقف على دليل. وأما الاعتراض على كون هاتين الصلاتين سببا للرؤية في الجملة - ولو في يوم الجمعة - فيقال: ذلك لا ينفي أن النساء يرينه في الجملة ولو في غير يوم الجمعة وهذا هو المطلوب.
ثم يقال: مجموع ما تقدم من سائر الأحاديث يقتضي أن الرؤية تحصل وقت العمل في الدنيا فإذا قيل: إن الرؤية تكون غدوا وعشيا وسببها صلاة الغداة والعشي كان هذا ظاهرا فيما قلناه. والمدعى الظهور؛ لا القطع. وأما كون " الرؤية مرتين " لأعلى أهل الجنة وليس من صلى هاتين الصلاتين أعلى أهل الجنة فليس هذا بدافع لما ذكرناه؛ لأن هذين الاحتمالين ممكنة به يخرج الدليل عليها؛ لكن الله أعلم بما هو الواقع منها. يمكن السبب فعل هاتين الصلاتين على الوجه الذي أمر الله به باطنا وظاهرا؛ لا صلاة أكثر الناس.
ألا ترى إلى حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم {إن الرجل لينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا ربعها إلا خمسها إلا سدسها - حتى قال -: عشرها} رواه أبو داود فالصلاة المقبولة هي سبب الثواب والصلاة المقبولة هي المكتوبة لصاحبها وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من المصلين من لا يكتب له إلا بعضها فلا يكون ذلك المصلي مستحقا للثواب الذي استحقه من تقبل الله صلاته وكتبها له كلها. وعلى هذا فلا يكاد يندرج في الحديث إلا الصديقون أو قليل من غيرهم فالنساء منهن صديقات. ويجوز أن يكون من له نوافل يجبر بها نقص صلاته يدخل في الحديث كما جاء في حديث أبي هريرة المرفوع: {إن النوافل تجبر الفرائض يوم القيامة}.
وعلى هذا فيكون الموجودون بهذا أكثر المصلين المحافظين على الصلوات ويكون هؤلاء أعلى أهل الجنة؛ فإن أكثر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما يحافظون على الصلوات بل منهم من يؤخر بعضها عن وقته ومنهم من ترك بعض واجباتها ومنهم من يترك بعضها وسائر الأمم قبلنا لا حظ لهم في هاتين الصلاتين. ولو قيل: إن كل من صلى هاتين الصلاتين دخل الجنة على أي حال كان مغفورا له نال هذا الثواب لأمكن في قدرة الله ولم يكن الحديث نافيا لهذا؛ إذ أكثر ما فيه أنه من أعلى أهل الجنة والعلو والسفول أمر إضافي فيصدق على أهل الجنات الثلاث أنهم من أعلى أهل الجنات الخمس الباقية ويصدق أيضا
على أكثر أهل الجنة أنهم أعلى بالنسبة إلى من تحتهم وبعض هذا فيه نظر والله أعلم بحقيقة الحال. لكن الغرض أن هذا لا ينفي ما ذكرناه وهذا كله لو كان حديث " المرتين " يصلح لمعارضة ما ذكرنا من الدلالة وهو لا يصلح لذلك لما فيه من الاختلاف في إسناده.
ولما جرى الكلام ثانيا في " رؤية النساء ربهن في الآخرة " استدللت بأشياء أنا أذكرها وما اعترض به علي وما لم يعترض حتى يظهر الأمر فأقول: الدليل على أنهن يرينه أن النصوص المخبرة بالرؤية في الآخرة للمؤمنين تشمل النساء لفظا ومعنى ولم يعارض هذا العموم ما يقتضي إخراجهن من ذلك فيجب القول بالدليل السالم عن المعارض المقاوم. ولو قيل لنا: ما الدليل على أن الفرس يرون الله؟ أو أن الطوال من الرجال يرون الله أو إيش الدليل على أن نساء الحبشة يخرجن من النار؟ لكان مثل هذا العموم في ذلك بالغا جدا إلا إذا خصص ثم يعلم أن العموم المسند المجرد عن قبول التخصيص يكاد يكون قاطعا في شموله بل قد يكون قاطعا. أما " النصوص العامة " فمثل ما في الصحيحين عن أبي هريرة {أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله؛ قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا:
لا قال: فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه. فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت؛ وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم في صورة غير صورته التي يعرفون فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا عز وجل فإذا جاء ربنا عز وجل عرفناه فيأتيهم في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا فيدعوهم فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم} وساق الحديث.
وفي الصحيحين أيضا عن {أبي سعيد قال: قلنا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فهل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا: لا يا رسول الله قال: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما؛ إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغير أهل الكتاب} وذكر الحديث في دعاء اليهود والنصارى إلى أن قال: {حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم الله في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا؛ فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم؛ فيقول: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون نعم فيكشف عن ساق ولا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود؛ ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه؛ ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في الصورة التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم فيقولون:
أنت ربنا ثم يضرب الجسر على جهنم}. هذان الحديثان من أصح الأحاديث فلما {قال النبي صلى الله عليه وسلم فإنكم ترونه كذلك؛ يحشر الناس فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه}. أليس قد علم بالضرورة أن هذا خطاب لأهل الموقف من الرجال والنساء؟ لأن لفظ الناس يعم الصنفين ولأن الحشر مشترك بين الصنفين. وهذا العموم لا يجوز تخصيصه وإن جاز جاز على ضعف؛ لأن النساء أكثر من الرجال إذ قد صح أنهن أكثر أهل النار وقد صح لكل رجل من أهل الجنة زوجتان من الإنسيات سوى الحور العين وذلك لأن من في الجنة من النساء أكثر من الرجال وكذلك في النار فيكون الخلق منهم أكثر واللفظ العام لا يجوز أن يحمل على القليل من الصور دون الكثير بلا قرينة متصلة؛ لأن ذلك تلبيس وعي ينزه عنه كلام الشارع. ثم قوله: فيقال {: من كان يعبد شيئا فليتبعه} وصف من الصيغ التي تعم الرجال والنساء؛ ثم فيها العموم المعنوي وهو: أن اتباعه إياه معلل بكونه عبده في الدنيا وهذه العلة شاملة للصنفين. ثم قوله {وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها}.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|