
06-02-2025, 09:11 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ يُونُسَ
المجلد العاشر
الحلقة( 358)
من صــ 61 الى صـ 75
ورواه أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن معمر وأحمد بن عمرو العصفوري قالا: حدثنا يحيى بن كثير العنبري عن إبراهيم بن المبارك عن القاسم بن مطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة وذكر الحديث وفيه: {فيوحي الله إلى حملة العرش أن يفتحوا الحجب فيما بينه وبينهم فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني وصدقوا رسلي واتبعوا أمري؟ سلوني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا - ويرجع في قوله - يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي هذا يوم المزيد فسلوني فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك رب ننظر إليه فيكشف الله الحجب فيتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله قضى أن لا يموتوا لاحترقوا ثم يقال لهم: ارجعوا إلى منازلكم فيرجعون إلى منازلهم في كل سبعة أيام يوم وذلك يوم المزيد}. وأما " حديث ابن عباس " - رضي الله عنه - فروي من غير وجه صحيح في (كتاب الآجري) وابن بطة وغيرهما: عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني حدثنا عمي محمد بن الأشعث حدثنا ابن جسر حدثنا أبي جسر عن الحسين عن ابن عباس عن {النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة يرون ربهم تعالى في كل يوم جمعة في رمال الكافور وأقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة وأبكرهم غدوا} وهذا تصريح بالزيادة المطلوبة. وأما " حديث أبي هريرة " - رضي الله عنه - فرواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الحميد بن أبي العشرين حدثنا الأوزاعي حدثنا حسان بن عطية عن {سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة:
أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة؟ فقال سعيد: أفيها سوق؟ قال: نعم أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوا نزلوا فيها بفضل أعمالهم ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة؛ ويجلس أدناهم - وما فيهم من دني - على كثبان المسك والكافور؛ ما يرون بأن أصحاب الكراسي أفضل منهم مجلسا - قال أبو هريرة -:
قلت: يا رسول الله وهل نرى ربنا عز وجل؟ قال: نعم هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا: لا. قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم تبارك وتعالى ولا يبقى في ذلك المجلس - يعني: رجلا - إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان أتذكر يوم قلت: كذا وكذا - فيذكره ببعض غدراته في الدنيا - فيقول: يا رب؟ أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه. فبينما هم كذلك غشيهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط ويقول ربنا: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيها ولا يشترى وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا - قال -:
فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة فيلقاه من هو دونه - وما فيهم دني - فيروعه ما عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل إليه ما هو أحسن منه؛ وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها ثم ننصرف إلى منازلنا فيتلقانا أزواجنا فيقلن: مرحبا وأهلا لقد جئت وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه؛ فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا} قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقد روى سويد بن عمرو عن الأوزاعي شيئا من هذا. قلت: قد روى هذا الحديث " ابن بطة " في (الإبانة) بأسانيد صحيحة عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج عن الأوزاعي وعن محمد بن كثير عن الأوزاعي عن عبد الله بن صالح حدثني الهقل عن الأوزاعي قال: نبئت أنه لقي سعيد بن المسيب أبا هريرة فقال: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة وذكر الحديث مثل ما تقدم. وهذا يبين أن الحديث محفوظ عن الأوزاعي لكن في تلك الروايات سمى من حدثه وفي الروايات البواقي الثانية لم يسم فالله أعلم. و "
مضمون هذا الحديث " أن أزواجهم لم تكن معهم في جمعة الآخرة ولا في سوقها؛ لكنه لا ينفي أنهن رأين الله في دورهن؛ فإن الرجال قد عللوا زيادة الحسن والجمال بمجالسة الجبار والنساء قد شركتهم في زيادة الحسن والجمال كما تقدم في أصح الأحاديث.
فصل:المقتضي لكتابة هذا: أن بعض الفقهاء كان قد سألني لأجل نسائه من مدة: هل ترى المؤمنات الله في الآخرة؟
فأجبت بما حضرني إذ ذاك: من أن الظاهر أنهن يرينه وذكرت له أنه قد روى أبو بكر عن ابن عباس أنهن يرينه في الأعياد وأن أحاديث الرؤية تشمل المؤمنين جميعا من الرجال والنساء وكذلك كلام العلماء؛ وأن المعنى يقتضي ذلك حسب التتبع؛ وما لم يحضرني الساعة. وكان قد سنح لي فيما روي عن ابن عباس أن سبب ذلك أن " الرؤية " المعتادة العامة في الآخرة تكون بحسب الصلوات العامة المعتادة فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله ومناجاته وترائيه بالقلوب والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة جعل لهم في الآخرة اجتماعا في كل جمعة لمناجاته ومعاينته والتمتع بلقائه.
ولما كانت السنة قد مضت بأن النساء يؤمرن بالخروج في العيد حتى العواتق والحيض وكان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج عامة نساء المؤمنين في العيد جعل عيدهن في الآخرة بالرؤية على مقدار عيدهن في الدنيا.
وأيد ذلك عندي ما خرجاه في " الصحيحين " عن {جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا. ثم قرأ: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} وهذا الحديث من أصح الأحاديث على وجه الأرض المتلقاة بالقبول المجمع عليها عند العلماء بالحديث وسائر أهل السنة.
ورأيت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر المؤمنين بأنهم يرون ربهم وعقبه بقوله: {فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا} ومعلوم أن تعقيب الحكم للوصف؛ أو الوصف للحكم بحرف الفاء يدل على أن الوصف علة للحكم؛ لا سيما ومجرد التعقيب هنا محال؛ فإن الرؤية في الحديث قبل التحضيض على الصلاتين وهي موجودة في الآخرة والتحضيض موجود قبلها في الدنيا. والتعقيب الذي يقوله النحويون لا يعنون به أن اللفظ بالثاني يكون بعد الأول؛ فإن هذا موجود بالفاء وبدونها وبسائر حروف العطف وإنما يعنون به معنى أن التلفظ الثاني يكون عقب الأول فإذا قلت: قام زيد فعمرو أفاد أن قيام عمرو موجود في نفسه عقب قيام زيد؛ لا أن مجرد تكلم المتكلم بالثاني عقب الأول وهذا مما هو مستقر عند الفقهاء في أصول الفقه وهو مفهوم من اللغة العربية إذا قيل: هذا رجل صالح فأكرمه فهم من ذلك أن الصلاح سبب للأمر بإكرامه حتى لو رأينا بعد ذلك رجلا صالحا لقيل كذلك الأمر وهذا أيضا رجل صالح أفلا تكرمه؟ فإن لم يفعل فلا بد أن يخلف الحكم لمعارض وإلا عد تناقضا. وكذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم {ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا شيئا قدمه وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه وينظر أمامه فتستقبله النار فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل فإن لم يستطع فبكلمة طيبة} فهم منه أن تحضيضه على اتقاء النار هنا لأجل كونهم يستقبلونها وقت ملاقاة الرب وإن كان لها سبب آخر.
وكذلك لما قال ابن مسعود: " سارعوا إلى الجمعة فإن الله يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كثب الكافور فيكونون في القرب منه على قدر تسارعهم في الدنيا إلى الجمعة " فهم الناس من هذا أن طلب هذا الثواب سبب للأمر بالمسارعة إلى الجنة. وكذلك لو قيل: إن الأمير غدا يحكم بين الناس أو يقسم بينهم فمن أحب فليحضر فهم منه أن الأمر بالحضور لأخذ النصيب من حكمه أو قسمه وهذا ظاهر. ثم إن هذا الوصف المقتضي للحكم " تارة يكون سببا متقدما على الحكم في العقل وفي الوجود كما في قوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} " وتارة " يكون حكمه متقدما على الحكم في العلم والإرادة متأخرة عنه في الوجود كما في قولك: الأمير يحضر غدا فإن حضر كان حضور الأمير يتصور ويقصد قبل الأمر بالحضور معه. وإن كان يوجد بعد الأمر بالحضور وهذه تسمى العلة الغائية وتسميها الفقهاء حكمة الحكم وهي سبب في الإرادة بحكمها وحكمها سبب في الوجود لها. و " التعليل " تارة يقع في اللفظ بنفس الحكمة الموجودة فيكون ظاهره أن العلة متأخرة عن المعلول وفي الحقيقة إنما العلة طلب تلك الحكمة وإرادتها. وطلب العافية وإرادتها متقدم على طلب أسبابها المفعولة وأسبابها المفعولة متقدمة عليها في الوجود ونظائره كثير. كما قيل: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} ويقال: إذا حججت فتزود. فقوله صلى الله عليه وسلم {إنكم سترون ربكم فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاتين} إلى: فافعلوا يقتضي أن المحافظة عليها هنا لأجل ابتغاء هذه الرؤية ويقتضي أن المحافظة سبب لهذه الرؤية ولا يمنع أن تكون المحافظة توجب ثوابا آخر ويؤمر بها لأجله وأن المحافظة عليها سبب لذلك الثواب وأن للرؤية سببا آخر؛ لأن تعليل الحكم الواحد بعلل واقتضاء العلة الواحدة لأحكام جائز. وهكذا غالب أحاديث الوعد كما في قوله: {من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ومن حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه} وقوله: {لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم} ونحو ذلك؛ فإنه يقتضي أن صلاة هاتين الركعتين سبب للمغفرة وكذلك الحج المبرور وإن كان للمغفرة أسباب أخر. وأيد هذا المعنى أن الله تعالى قال: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} وقد فسر هذا الدعاء بصلاتي الفجر والعصر ولما أخبر أنهم يريدون وجهه بهاتين الصلاتين وأخبر في هذا الحديث أنهم ينظرون إليه فتحضيضهم على هاتين يناسب ذلك أن من أراد وجهه نظر إلى وجهه تبارك وتعالى. ثم لما انضم إلى ذلك ما تقدم من أن صلاة الجمعة سبب للرؤية في وقتها وكذلك صلاة العيد ناسب ذلك أن تكون هاتان الصلاتان اللتان هما أفضل الصلوات وأوقاتهما أفضل الأوقات فناسب أن تكون الصلاة: التي هي أفضل الأعمال ثم ما كان منها أفضل الصلوات في أفضل الأوقات سببا لأفضل الثوابات في أفضل الأوقات.
لا سيما وقد جاء في حديث ابن عمر الذي رواه الترمذي عن إسرائيل عن ثوير بن أبي فاختة سمعت ابن عمر يقول: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيا - ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم -: {وجوه يومئذ ناضرة} {إلى ربها ناظرة}.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|