عرض مشاركة واحدة
  #356  
قديم 06-02-2025, 08:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ يُونُسَ
المجلد العاشر
الحلقة( 356)

من صــ 31 الى صـ 45







قال السدي في قوله - تعالى -:

{لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة: 73].
قال: قالت النصارى إن الله هو المسيح وأمه فذلك قوله: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} [المائدة: 116] وقد قيل قول ثالث أغرب من ذلك عن أبي صخر قال {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة: 73] قال: هو قول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله فجعلوا الله ثالث ثلاثة وهذا ضعيف وقد ذكر سعيد بن البطريق في أخبار النصارى أن منهم طائفة يقال لهم المريميون يقولون إن مريم إله وإن عيسى إله.
وأما الأول فمتوجه، فإن النصارى المتفقين على الأمانة كلهم يقولون إن الله ثالث ثلاثة والله تعالى قد نهاهم عن أن يقولوا ذلك فقال - تعالى -: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم} [النساء: 171] فذكر سبحانه في هذه الآية التثليث والاتحاد ونهاهم عنهما وبين أن المسيح إنما هو رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
وقال: {فآمنوا بالله ورسله} [النساء: 171] ثم قال {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم} [النساء: 171] لم يذكر هنا أمه. وقوله - تعالى -: {وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} [النساء: 171] قال: معمر عن قتادة وكلمته ألقاها إلى مريم هو قوله: كن فكان.
وكذلك قال: قتادة ليس الكلمة صار عيسى، ولكن بالكلمة صار عيسى.
وكذلك قال: الإمام أحمد في مصنفه الذي صنفه في كتابه في الرد على الجهمية وذكره عنه الخلال والقاضي أبو يعلى قال: أحمد ثم إن الجهم ادعى أمرا فقال: إنا وجدنا في كتاب الله آية تدل على أن القرآن مخلوق قلنا: أي آية قال: قول الله {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته} [النساء: 171] فقلنا: إن الله منعكم الفهم في القرآن عيسى - عليه السلام - تجري عليه ألفاظ لا تجري على القرآن ; لأن عيسى يجري عليه نسمة ومولود وطفل وصبي وغلام يأكل ويشرب وهو يخاطب بالأمر والنهي يجري عليه الوعد والوعيد هو من ذرية نوح ومن ذرية إبراهيم ولا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى هل سمعتم الله يقول في القرآن ما قال عيسى؟ ولكن المعنى في قوله - جل ثناؤه - {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} [النساء: 171] فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال: له كن فكان عيسى بـ كن وليس عيسى هو الكن، ولكن بالكن كان فالكن من الله قوله: وليس الكن مخلوقا وكذبت النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى وذلك أن الجهمية قالوا: عيسى روح الله وكلمته ; لأن الكلمة مخلوقة.

وقالت النصارى روح الله من ذات الله وكلمة الله من ذات الله كما يقال هذه الخرقة من هذا الثوب وقلنا نحن إن عيسى بالكلمة كان وليس عيسى هو الكلمة.
قال أحمد وأما قوله - جل ثناؤه - {وروح منه} [النساء: 171] يقول من أمره كان الروح فيه كقوله: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} [الجاثية: 13] يقول من أمره، وتفسير روح الله إنما معناها أنها روح بكلمة الله خلقهم الله كما يقال: عبد الله وسماء الله، وفي نسخة روح يملكها الله خلقها الله.
وقال: الشعبي في قوله - تعالى -:

{وكلمته ألقاها إلى مريم} [النساء: 171] الكلمة حين قال: له كن فكان عيسى بـ " كن " وليس عيسى هو الكن، ولكن بالكن كان.
وقال: ليث عن مجاهد روح منه قال: رسول منه يريد مجاهد قوله: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا} [مريم: 17] {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} [مريم: 18] {قال إنما أنا رسول ربك} [مريم: 19]والمعنى أن عيسى خلق من الروح وهو جبريل روح القدس سمي روحا كما سمي كلمة ; لأنه خلق بالكلمة والنصارى يقولون في أمانتهم تجسد من مريم ومن روح القدس ; لأنه كذلك في الكتب المتقدمة لكن ظنوا أن روح القدس هو صفة لله وجعلوها حياته وقدرته وهو رب، وهذا غلط منهم، فإنه لم يسم أحد من الأنبياء حياة الله ولا قدرته ولا شيئا من صفاته روح القدس، بل روح القدس في غير موضع من كلام الأنبياء - عليهم السلام - يراد بها ما ينزله الله على قلوب الأنبياء كالوحي والهدى والتأييد ويراد بها الملك وهكذا في تفسير ابن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس أن عيسى ابن مريم استقبل رهطا من اليهود فلما رأوه قالوا: قد جاء الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة فقذفوه وأمه فلما سمع عيسى ذلك قال اللهم أنت ربي وأنا من روحك خرجت وبكلمتك خلقتني ولم آتهم من تلقاء نفسي وذكر تمام الحديث.

وقد قال - تعالى -: {والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين} [الأنبياء: 91] وقال - تعالى -: {ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} [التحريم: 12] فهذا يوافق قوله - تعالى -: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا} [مريم: 17] (17) {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} [مريم: 18] (18) {قال إنما أنا رسول ربك} [مريم: 19].
والمقصود هنا أنهم سواء صدقوا محمدا أو كذبوه، فإنه يلزم بطلان دينهم على التقديرين، فإنه إن كان نبيا صادقا فقد بلغ عن الله في هذا الكتاب كفر النصارى في غير موضع ودعاهم إلى الإيمان به وأمر بجهادهم فمن علم أنه نبي ولو إلى طائفة معينة يجب تصديقه في كل ما أخبر به وقد أخبر بكفر النصارى وضلالهم وإذا ثبت هذا لم يغن عنهم الاحتجاج بشيء من الكتب والمعقول، بل يعلم من حيث الجملة أن كل ما يحتجون به على صحة دينهم فهو باطل وإن لم يبين فساد حججهم على التفصيل ; لأن الأنبياء لا يقولون إلا حقا كما أن المسيح - عليه السلام - لما حكم بكفر من كذبه من اليهود كان كل ما يحتج به اليهود على خلاف ذلك باطلا فكل ما عارض قول النبي - صلى الله عليه وسلم - المعصوم فهو باطل وإن كذبوا محمدا تكذيبا عاما مطلقا وقالوا ليس هو نبي أصلا ولا أرسل إلى أحد لا إلى العرب ولا إلى غيرهم بل كان كذابا امتنع مع هذا أن يصدقوا بنبوة غيره، فإن الطريق الذي يعلم به نبوة موسى وعيسى يعلم به نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بطريق الأولى فإذا قالوا:

علمت نبوة موسى والمسيح بالمعجزات وعرفت المعجزات بالنقل المتواتر إلينا قيل لهم معجزات محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم وتواترها أبلغ والكتاب الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - أكمل وأمته أفضل وشرائع دينه أحسن وموسى جاء بالعدل وعيسى جاء بتكميلها بالفضل وهو - صلى الله عليه وسلم - قد جمع في شريعته بين العدل والفضل.
فإن ساغ لقائل أن يقول هو مع هذا كاذب مفتر كان على هذا التقدير الباطل غيره أولى أن يقال فيه ذلك. فيبطل بتكذيبهم محمدا - صلى الله عليه وسلم جميع ما معهم من النبوات إذ حكم أحد الشيئين حكم مثله فكيف بما هو أولى منه؟ فلو قال قائل إن هارون ويوشع وداود وسليمان كانوا أنبياء وموسى لم يكن نبيا أو أن داود وسليمان ويوشع كانوا أنبياء والمسيح لم يكن نبيا. أو قال ما تقوله السامرة: أن يوشع كان نبيا ومن بعده كداود وسليمان والمسيح لم يكونوا أنبياء.

أو قال ما يقوله اليهود: إن داود وسليمان وأشعيا وحبقوق ومليخا وعاموص ودانيال كانوا أنبياء والمسيح بن مريم لم يكن نبيا كان هذا قولا متناقضا معلوم البطلان، فإن الذين نفى هؤلاء عنهم النبوة أحق بالنبوة وأكمل نبوة ممن أثبتوها له ودلائل نبوة الأكمل أفضل فكيف يجوز إثبات النبوة للنبي المفضول دون الفاضل وصار هذا كما لو قال قائل أن زفر وابن القاسم والمزني
والأثرم كانوا فقهاء وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد لم يكونوا فقهاء أو قال: إن الأخفش وابن الأنباري والمبرد كانوا نحاة والخليل وسيبويه والفراء لم يكونوا نحاة أو قال: إن صاحب الملكي والمسبحي ونحوهما من كتب الطب كانوا أطباء وبقراط وجالينوس ونحوهما لم يكونوا أطباء أو قال: إن كوشيار والخرقي ونحوهما كانوا يعرفون علم الهيئة وبطليموس ونحوه لم يكن لهم علم بالهيئة.

ومن قال: إن داود وسليمان ومليخا وعاموص ودانيال كانوا أنبياء ومحمد بن عبد الله لم يكن نبيا فتناقضه أظهر وفساد قوله أبين من هذا جميعه بل وكذلك من قال: إن موسى وعيسى رسولان والتوراة والإنجيل كتابان منزلان من عند الله ومحمد ليس برسول والقرآن لم ينزل من الله فبطلان قوله في غاية الظهور والبيان لمن تدبر ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به من قبله، وتدبر كتابه والكتب التي قبله وآيات نبوته وآيات نبوة هؤلاء وشرائع دينه وشرائع دين هؤلاء وهذه الجملة مفصلة مشروحة في غير هذا الموضع لكن المقصود هنا التنبيه على مجامع جوابهم وهؤلاء القوم لم يأتوا بدليل واحد يدل على صدق من احتجوا به من الأنبياء فلو ناظرهم من يكذب بهؤلاء الأنبياء كلهم من المشركين والملاحدة لم يكن فيما ذكروه حجة لهم ولا حجة لهم أيضا على المسلمين الذين يقرون بنبوة هؤلاء، فإن جمهور المسلمين إنما عرفوا صدق هؤلاء الأنبياء بإخبار محمد أنهم أنبياء فيمتنع أن يصدقوا بالفرع مع القدح في الأصل الذي به علموا صدقهم.
وأيضا فالطريق الذي به علمت نبوة هؤلاء بما ثبت من معجزاتهم وأخبارهم، فكذلك تعلم نبوة محمد بما ثبت من معجزاته وأخباره بطريق الأولى فيمتنع أن يصدق أحد من المسلمين بنبوة واحد من هؤلاء مع تكذيبه لمحمد في كلمة مما جاء به.

سُورَةُ يُونُسَ
(هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون (5)
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
فصل:
قوله: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} وقوله: {وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا} وقوله: {الشمس والقمر بحسبان} وقوله {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم} وقوله: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} دليل على توقيت ما فيها من التوقيت للسنين والحساب فقوله: {لتعلموا عدد السنين والحساب} إن علق بقوله: {وقدره منازل} كان الحكم مختصا بالقمر وإن أعيد إلى أول الكلام تعلق بهما ويشهد للأول قوله في الأهلة فإنه موافق لذلك ولأن كون الشمس ضياء والقمر نورا لا يوجب علم عدد السنين والحساب بخلاف تقدير القمر منازل فإنه هو الذي
يقتضي علم عدد السنين والحساب ولم يذكر انتقال الشمس في البروج. ويؤيد ذلك قوله:

{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله} الآية فإنه نص على أن السنة هلالية وقوله: {الحج أشهر معلومات} يؤيد ذلك لكن يدل على الآخر قوله: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب}. وهذا والله أعلم لمعنى تظهر به حكمة ما في الكتاب وما جاءت به الشريعة من اعتبار الشهر والعام الهلالي دون الشمسي أن كل ما حد من الشهر والعام ينقسم في اصطلاح الأمم إلى عددي وطبيعي فأما الشهر الهلالي فهو طبيعي وسنته عددية. وأما الشهر الشمسي: فعددي وسنته طبيعية فأما جعل شهرنا هلاليا فحكمته ظاهرة لأنه طبيعي وإنما علق بالهلال دون الاجتماع لأنه أمر مضبوط بالحس لا يدخله خلل ولا يفتقر إلى حساب بخلاف الاجتماع فإنه أمر خفي يفتقر إلى حساب وبخلاف الشهر الشمسي لو ضبط. وأما السنة الشمسية فإنها وإن كانت طبيعية فهي من جنس الاجتماع ليس أمرا ظاهرا للحس بل يفتقر إلى حساب سير الشمس في المنازل وإنما الذي يدركه الحس تقريب ذلك فإن انقضاء الشتاء ودخول الفصل الذي تسميه العرب الصيف ويسميه غيرها الربيع أمر ظاهر بخلاف محاذاة الشمس لجزء من أجزاء الفلك يسمى برج كذا أو محاذاتها لإحدى نقطتي الرأس أو الذنب فإنه يفتقر إلى حساب. ولما كانت البروج اثني عشر فمتى تكرر الهلالي اثني عشر فقد انتقل فيها كلها فصار ذلك سنة كاملة تعلقت به أحكام ديننا من المؤقتات شرعا أو شرطا إما بأصل الشرع كالصيام والحج. وإما بسبب من العبد كالعدة ومدة الإيلاء وصوم الكفارة والنذر. وإما بالشرط كالأجل في الدين والخيار والأيمان وغير ذلك.
(للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (26)
(فصل)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
(الأصل الثاني: النعيم في الدار الآخرة أيضا مثل النظر إليه لا كما يزعم طائفة من أهل الكلام ونحوهم أنه لا نعيم ولا لذة إلا بالمخلوق: من المأكول والمشروب والمنكوح ونحو ذلك، بل اللذة والنعيم التام في حظهم من الخالق سبحانه وتعالى، كما في الدعاء المأثور: {اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة}. رواه النسائي وغيره وفي صحيح " مسلم " وغيره عن " صهيب " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {: إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة؛ إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: ما هو ألم يبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار قال: فيكشف الحجاب؛ فينظرون إليه - سبحانه. فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه، وهو الزيادة}. فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مع كمال تنعمهم بما أعطاهم الله في الجنة لم يعطهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه؛ وإنما يكون أحب إليهم لأن تنعمهم وتلذذهم به أعظم من التنعم والتلذذ بغيره. فإن اللذة تتبع الشعور بالمحبوب، فكلما كان الشيء أحب إلى الإنسان كان حصوله ألذ له، وتنعمه به أعظم.
وروي أن يوم الجمعة يوم المزيد، وهو يوم الجمعة من أيام الآخرة، وفي الأحاديث والآثار ما يصدق هذا، قال الله تعالى في حق الكفار: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} {ثم إنهم لصالو الجحيم}. فعذاب الحجاب أعظم أنواع العذاب. ولذة النظر إلى وجهه أعلى اللذات؛ ولا تقوم حظوظهم من سائر المخلوقات مقام حظهم منه تعالى.

(فصل)
قال الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية - قدس الله روحه -:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
حديث: {رؤية المؤمنين ربهم في الجنة في مثل يوم الجمعة من أيام الدنيا} رواه أبو الحسن الدارقطني في كتابه في الرؤية - وما علمنا أحدا جمع في هذا الباب أكثر من كتاب أبي بكر الآجري وأبي نعيم الحافظ الأصبهاني - رواه من حديث أنس مرفوعا ومن حديث ابن مسعود موقوفا ورواه ابن ماجه من حديث ابن مسعود مرفوعا. فأما حديث أنس فرواه الدارقطني من خمس طرق أو ست طرق في غالبها {إن الرؤية تكون بمقدار صلاة الجمعة في الدنيا} وصرح في بعضها: {بأن النساء يرينه في الأعياد}. وأما حديث ابن مسعود ففي جميع طرقه - مرفوعها وموقوفها -

التصريح بذلك؛ وإسناد حديث ابن مسعود أجود من جميع أسانيد هذا الباب. ورواه أبو عبد الله بن بطة في " الإبانة " بإسناد آخر من حديث أنس أجود من غيره وذكر فيه: {وذلك مقدار انصرافكم من الجمعة}. ورواه أبو أحمد بن عدي من حديث صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أنس وما أعلم لفظه. ورواه أبو عمرو الزاهد بإسناد آخر لم يحضرني لفظه. ورواه أبو العباس السراج حدثنا علي بن أشيب حدثنا أبو بدر حدثنا زياد بن خيثمة عن عثمان بن مسلم عن أنس بن مالك وليس فيه الزيادة. ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن شيبان بن فروخ عن الصعق بن حزن عن علي بن الحكم البناني عن أنس نحوه ولا أعلم لفظه. ورواه أبو بكر البزار وأبو بكر الخلال وابن بطة من حديث حذيفة بن اليمان مرفوعا ولم يذكر فيه هذه الزيادة لكن قال في آخره: {فلهم في كل سبعة أيام الضعف على ما كانوا فيه} - قال - وذلك قول الله في كتابه: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}. ورواه الآجري وابن بطة أيضا مرفوعا من حديث ابن عباس وفيه: {وأقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة وأبكرهم غدوا}.
وله طريق آخر من حديث أبي هريرة ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الحميد بن أبي العشرين عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي هريرة وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقد روى سويد بن عمرو عن الأوزاعي شيئا من هذا وقالوا: ورواه سويد بن عبد العزيز عن الأوزاعي قال: قال: حديث عن سعيد.
وروي أيضا معناه عن كعب الأحبار موقوفا وفيه معنى الزيادة. وأصل حديث {سوق الجنة} قد رواه مسلم في صحيحه ولم يذكر فيه الرؤية وهذه الأحاديث عامتها إذا جرد إسناد الواحد منها لم يخل عن مقال قريب أو شديد لكن تعددها وكثرة طرقها يغلب على الظن ثبوتها في نفس الأمر؛ بل قد يقتضي القطع بها.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]