
06-02-2025, 08:08 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ التَّوْبَةِ
المجلد التاسع
الحلقة( 353)
من صــ 491 الى صـ 500
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في افتتاح الصلاة: {اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والبرد والماء البارد} " وفي الصحيح أنه كان يقول في دعاء الاستفتاح: " {اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} " وفي الصحيح أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: " {اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله علانيته وسره أوله وآخره} " وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: " {اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت} ". ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة. وقد قال الله تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} فتوبة المؤمنين واستغفارهم هو من أعظم حسناتهم وأكبر طاعاتهم وأجل عباداتهم التي ينالون بها أجل الثواب ويندفع بها عنهم ما يدفعه من العقاب. فإذا قال القائل:
أي حاجة بالأنبياء إلى العبادات والطاعات؟ كان جاهلا؛ لأنهم إنما نالوا ما نالوه بعبادتهم وطاعتهم فكيف يقال: إنهم لا يحتاجون إليها فهي أفضل عبادتهم وطاعتهم. وإذا قال القائل: فالتوبة لا تكون إلا عن ذنب والاستغفار كذلك قيل له: الذنب الذي يضر صاحبه هو ما لم يحصل منه توبة فأما ما حصل منه توبة فقد يكون صاحبه بعد التوبة أفضل منه قبل الخطيئة كما قال بعض السلف: كان داود بعد التوبة أحسن منه حالا قبل الخطيئة ولو كانت التوبة من الكفر والكبائر؛ فإن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم خيار الخليقة بعد الأنبياء وإنما صاروا كذلك بتوبتهم مما كانوا عليه من الكفر والذنوب ولم يكن ما تقدم قبل التوبة نقصا ولا عيبا؛ بل لما تابوا من ذلك وعملوا الصالحات كانوا أعظم إيمانا وأقوى عبادة وطاعة ممن جاء بعدهم؛ فلم يعرف الجاهلية كما عرفوها.
ولهذا قال عمر بن الخطاب: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية. وقد قال الله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما} {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم " {أن الله يحاسب عبده يوم القيامة فيعرض عليه صغار الذنوب ويخبئ عنه كبارها فيقول: فعلت يوم كذا كذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب وهو مشفق من كبارها أن تظهر فيقول إني قد غفرتها لك وأبدلتك مكان كل سيئة حسنة فهنالك يقول رب إن لي سيئات ما أراها بعد} "
فالعبد المؤمن إذا تاب وبدل الله سيئاته حسنات انقلب ما كان يضره من السيئات بسبب توبته حسنات ينفعه الله بها فلم تبق الذنوب بعد التوبة مضرة له بل كانت توبته منها من أنفع الأمور له والاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية فمن نسي القرآن ثم حفظه خير ممن حفظه الأول لم يضره النسيان ومن مرض ثم صح وقوي لم يضره المرض العارض.
والله تعالى يبتلي عبده المؤمن بما يتوب منه؛ ليحصل له بذلك من تكميل العبودية والتضرع والخشوع لله والإنابة إليه وكمال الحذر في المستقبل والاجتهاد في العبادة ما لم يحصل بدون التوبة كمن ذاق الجوع والعطش والمرض والفقر والخوف ثم ذاق الشبع والري والعافية والغنى والأمن فإنه يحصل له من المحبة لذلك وحلاوته ولذته والرغبة فيه وشكر نعمة الله عليه والحذر أن يقع فيما حصل أولا ما لم يحصل بدون ذلك.
وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع. وينبغي أن يعرف أن التوبة لا بد منها لكل مؤمن ولا يكمل أحد ويحصل له كمال القرب من الله ويزول عنه كل ما يكره إلا بها.
ومحمد صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق وأكرمهم على الله وهو المقدم على جميع الخلق في أنواع الطاعات؛ فهو أفضل المحبين لله وأفضل المتوكلين على الله وأفضل العابدين له وأفضل العارفين به وأفضل التائبين إليه وتوبته أكمل من توبة غيره؛ ولهذا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وبهذه المغفرة نال الشفاعة يوم القيامة كما ثبت في الصحيح: " {أن الناس يوم القيامة يطلبون الشفاعة من آدم فيقول: إني نهيت عن الأكل من الشجرة فأكلت منها نفسي نفسي نفسي. ويطلبونها من نوح فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة لم أومر بها. نفسي نفسي نفسي. ويطلبونها من الخليل ثم من موسى ثم من المسيح فيقول: اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال: فيأتوني فأنطلق فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن فيقول: أي محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع فأقول: أي رب أمتي فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة} ". فالمسيح - صلوات الله عليه وسلامه - دلهم على محمد صلى الله عليه وسلم وأخبر بكمال عبوديته لله وكمال مغفرة الله له إذ ليس بين المخلوفين والخالق نسب إلا محض العبودية والافتقار من العبد ومحض الجود والإحسان من الرب عز وجل.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل} " وثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول: " {يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} " وثبت عنه في الصحيح أنه قال: " {إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة} " فهو صلى الله عليه وسلم لكمال عبوديته لله. وكمال محبته له وافتقاره إليه وكمال توبته واستغفاره: صار أفضل الخلق عند الله فإن الخير كله من الله وليس للمخلوق من نفسه شيء بل هو فقير من كل وجه والله غني عنه من كل وجه محسن إليه من كل وجه فكلما ازداد العبد تواضعا وعبودية ازداد إلى الله قربا ورفعة؛ ومن ذلك توبته واستغفاره. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} " رواه ابن ماجه والترمذي.
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (119)
[فصل البرهان الخامس والثلاثون " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " والجواب عليه]
فصل
قال الرافضي: " البرهان الخامس والثلاثون: قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [سورة التوبة: 119] أوجب الله علينا الكون مع المعلوم منهم الصدق، وليس إلا المعصوم لتجويز الكذب في غيره، فيكون هو عليا ; إذ لا معصوم من الأربعة سواه. وفي حديث أبي نعيم عن ابن عباس أنها نزلت في علي ".
والجواب من وجوه: أحدها: أن الصديق مبالغة في الصادق، فكل صديق صادق وليس كل صادق صديقا. وأبو بكر - رضي الله عنه - قد ثبت أنه صديق بالأدلة الكثيرة، فيجب أن تتناوله الآية قطعا وأن تكون معه، بل تناولها له أولى من تناولها لغيره من الصحابة. وإذا كنا معه مقرين بخلافته، امتنع أن نقر بأن عليا كان هو الإمام دونه، فالآية تدل على نقيض مطلوبهم.
الثاني: أن يقال: علي إما أن يكون صديقا وإما أن لا يكون، فإن لم يكن صديقا فأبو بكر الصديق، فالكون مع الصادق الصديق أولى من الكون مع الصادق الذي ليس بصديق. وإن كان صديقا فعمر وعثمان أيضا صديقون، وحينئذ فإذا كان الأربعة صديقين، لم يكن علي مختصا
بذلك، ولا بكونه صادقا، فلا يتعين الكون مع واحد دون الثلاثة. بل لو قدرنا التعارض لكان الثلاثة أولى من الواحد، فإنهم أكثر عددا، لا سيما وهم أكمل في الصدق.
الثالث: أن يقال: هذه الآية نزلت في قصة كعب بن مالك لما تخلف عن غزوة تبوك، وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنه لم يكن له عذر، وتاب الله عليه ببركة الصدق، وكان جماعة أشاروا عليه بأن يعتذر ويكذب، كما اعتذر غيره من المنافقين وكذبوا. وهذا ثابت في الصحاح والمساند وكتب التفسير والسير، والناس متفقون عليه.
ومعلوم أنه لم يكن لعلي اختصاص في هذه القصة، بل قال كعب بن مالك: " فقام إلي طلحة يهرول فعانقني، والله ما قام إلي من المهاجرين غيره " فكان كعب لا ينساها لطلحة. وإذا كان كذلك بطل حملها على علي وحده.
الوجه الرابع: أن هذه الآية نزلت في هذه القصة، ولم يكن أحد يقال: إنه معصوم، لا علي ولا غيره. فعلم أن الله أراد {مع الصادقين} ولم يشترط كونه معصوما.
الخامس: أنه قال: {مع الصادقين} وهذه صيغة جمع، وعلي واحد، فلا يكون هو المراد وحده.
السادس: أن قوله تعالى: {مع الصادقين} إما أن يراد: كونوا معهم في
الصدق وتوابعه، فاصدقوا كما يصدق الصادقون، ولا تكونوا مع الكاذبين. كما في قوله: {واركعوا مع الراكعين} [سورة البقرة: 43]، وقوله: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} [سورة النساء: 69]، وكما في قوله: {فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} [سورة النساء: 146].
وإما أن يراد به: كونوا مع الصادقين في كل شيء، وإن لم يتعلق بالصدق.
والثاني باطل فإن الإنسان لا يجب عليه أن يكون مع الصادقين في المباحات، كالأكل والشرب واللباس ونحو ذلك. فإذا كان الأول هو الصحيح، فليس في هذا أمر بالكون مع شخص معين، بل المقصود: اصدقوا ولا تكذبوا.
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " «عليكم بالصدق ; فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياك والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» ".
وهذا كما يقال: كن مع المؤمنين، كن مع الأبرار. أي ادخل معهم في هذا الوصف وجامعهم عليه، ليس المراد: أنك مأمور بطاعتهم في كل شيء.
الوجه السابع: أن يقال: إذا أريد: كونوا مع الصادقين مطلقا، فذلك لأن الصدق مستلزم لسائر البر، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر» " الحديث. وحينئذ فهذا وصف ثابت لكل من اتصف به.
الثامن: أن يقال: إن الله أمرنا أن نكون مع الصادقين، ولم يقل: مع المعلوم فيهم الصدق، كما أنه قال: {وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله} [سورة الطلاق: 2] لم يقل: من علمتم أنهم ذوو عدل منكم. وكما قال: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [سورة النساء: 58] لم يقل: إلى من علمتم أنهم أهلها. وكما قال: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [سورة النساء: 58] لم يقل: بما علمتم أنه عدل، لكن علق الحكم بالوصف.
ونحن علينا الاجتهاد بحسب الإمكان في معرفة الصدق والعدالة وأهل الأمانة والعدل، ولسنا مكلفين في ذلك بعلم الغيب. كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - المأمور أن يحكم بالعدل قال: " «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له من النار».

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|