عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 31-01-2025, 08:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(10) ضرب الزوجات


أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق بالنساء والإحسان إليهن، والصبر على عوجهن فقال في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ في الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لم يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» (البخاري: 4890 - مسلم : 1468)، وروى مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِصلى الله عليه وسلم : «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مؤمنة إن كَرِهَ منها خُلُقًا رضي منها آخَرَ» (مسلم: 1469).
ولقد شرع الله سبحانه وتعالى للزوج أن يقوم بتأديب زوجته الناشز بوسائل تأديب محدودة ومحددة من أجل تهذيبها وإصلاحها، وقد سلك القرآن الكريم في علاج نشوز المرأة طريقًا حكيمًا مستوراً، فلم يكن ضرب الأزواج لزوجاتهم كل العلاج ولا أوله، وإنما كان واحدًا من طرق العلاج بل كان آخرها، فهناك الكثير من الحلول قبل مسألة الضرب لو خُيرت المرأة بينها وبين الضرب لقالت الضرب ولا التهميش أو الهجران، قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء: 34)، ولكن في ظل غياب التوجيهات الإسلامية عن واقع المسلمين وانتشار مفاهيم خطأ عن معنى الرجولة والقوامة ، صارت ظاهرة ضرب الزوجات من الظواهر المنتشرة التي تشكل صورة من صور العنف الموجه ضد المرأة، فأنت بضربها تقطع كل حبال الوصل بينكم، وكثير من القصص التي نسمع ونقرأ عنها بين الفينة والأخرى عن ضرب الأزواج لزوجاتهم، بل وضرب الزوجات لأزواجهن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأنقل هنا كلاماً رائعاً في هذا المعنى تفسيراً لقوله تعالى: {واضربوهن} ..
قال تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}(النساء: 34)، قبل دراسة هذه الآية لابد أن نعرف أنه لا يوجد أي تناقض بين أحكام القرآن والأحاديث الصحيحة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فهل هناك حديث صحيح يسمح بضرب المرأة ؟
أخرج البخاري, ومسلم, وابن حبان, والبيهقي في السنن الكبرى عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم»!
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه من طريق معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد؛ يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره»!
وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تضربوا إماء الله»
هذه أحاديث صحيحة صريحة تنهى عن ضرب المرأة، ولم ترد أية رواية تقول إنه صلى الله عليه وسلم ضرب إحدى نسائه أو حتى أحد الخدم أو العبيد، بل ورد عكس ذلك.
فقد أوصى صلى الله عليه وسلم بالمرأة الزوجة، فقال: «استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً» رواه الشيخان .
وفي رواية عن عائشة قالت: «ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله» رواه مالك والشيخان وأبو داود .
إذاً لم يسمح الرسول صلى الله عليه وسلم بضرب المرأة، ولم يضرب يوماً امرأة .
ونعود إلى الآية: هذه الآية تقول: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} فالمرأة لم تنشز بعد، ولكن إذا لمس الرجل عند زوجته بداية أو استعداداً للنفور والنشوز فعليه توعيتها وموعظتها.
والخطوة الثانية أن يمتحن مكانته عندها فيظهر الجفاء ويهجرها مع بقائه إلى جانبها في الفراش.
والخطوة الثالثة عبَّر عنها القرآن بكلمة {واضربوهن} فماذا تعني هذه الكلمة؟ هل تعني الضرب باليد أو العصا؟ إنها لم تنشز بعد، هل يضربها على ذنب لم ترتكبه بعد؟ ماذا تعني هذه الكلمة؟ إن قائلها هو الله العليم الحكيم الخبير.
الفعل (ضرب) هو من أفعال الأضداد، ضرب في الأرض أي سافر، ضرب بنفسه الأرض أي أقام، ومضارب القوم: أي خيامهم وأماكن إقامتهم، ضرب تعني الضرب المعروف باليد أو العصا، جاء في لسان العرب وضَرَبْتُ في الأَرض أَبْتَغِـي الخَيْرَ من الرزق؛ قال اللّه عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ}(النساء: 101)، أَي سافرتم، وقوله تعالى: {لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ}(البقرة: 273)، يقال: ضَرَبَ في الأَرض إِذا سار فيها مسافراً فهو ضارِبٌ.
والضَّرْبُ يقع على جميع الأَعمال، إِلا قليلاً، ضَرَبَ في التجارة وفي الأَرض وفي سبيل اللّه وضارَبه في المال، من الـمُضارَبة: وهي القِراضُ.
وضَرَبَت الطيرُ: ذَهَبَتْ.
والضَّرْب الإِسراع في السَّير .
وضَرَبَ في سبيل اللّه يَضْرِبُ ضَرْباً: نَهَضَ.
وضَرَبَ بنَفْسه الأَرضَ ضَرْباً : أَقام ، فهو ضِدٌّ.
وضَرَبَ بيدِه إِلى كذا : أَهْوَى .
وضَرَبَ على يَدِه: أَمْسَكَ .
وضَرَبَ على يَدِه: كَفَّهُ عن الشيءِ .
وضَرَبَ على يَدِ فُلانٍ إِذا حَجر عليه .
وفي الحديث: حتى ضَرَبَ الناسُ بعَطَنٍ أَي رَوِيَتْ إِبلُهم حَتى بَرَكَتْ، وأَقامت مكانَها.
وضَرَبَ الفحلُ الناقةَ يضْرِبُها ضِراباً: نكحها؛ قال سيبويه: ضَرَبها الفحْلُ ضِراباً كالنكاح، ويقال: ضَرَبَ الجَمَلُ الناقة يَضْرِبُها إِذا نَزا عليها؛ وأَضْرَبَ فلانٌ ناقتَه أَي أَنْزَى الفَحْلَ عليها.
ومنه الحديثُ الآخَر: ضِرابُ الفَحْلِ من السُّحْتِ أَي إِنه حرام، وهذا عامٌّ في كل فحل.
إذن: (ضربَ) من الكلمات التي تحمل المعنى وضده . وتحتمل معاني كثيرة.
ونعود ثانية إلى الآية وموضوع البحث فيتضح لنا المعنى جليّاً: واللاتي تخافون نشوزهن فإن الخطوة الأولى: الموعظة، الخطوة الثانية: الجفاء (اهجروهن في المضاجع)، الخطوة الثالثة: (اضربوهن) أي توددوا إليهن، وأظهروا لهن المودة والغزل، هذا هو المعنى الذي يستقيم مع التحليل اللغوي ومع سياق الآية ومع المنطق السليم، الذي فهمه الرسول صلى الله عليه وسلم , حين قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
ومن مشتقات الفعل ضرب ما يتناسب مع معنى ضرب الوارد في الآية: ضرب القلب: أي تحرَّك ونبض، ضرب خاتماً من الذهب أي صاغه، ضرب الدرهم: أي طبعه، ضرب الوتد: أي ثبته في الأرض.
الآثار المترتبة على الأولاد
ومع تفشي هذه الظاهرة في مختلف المجتمعات الإنسانية، إلا أن بعضهم يصرّ على ربطها بالمجتمعات العربية والإسلامية ، باعتبار أن الدين الإسلامي يبيح ضرب الزوجة، حسب تفسير الخطأ لبعضهم وتعمد إهمال الخطورة المترتبة على ضرب الزوجات في الأثر النفسي والاجتماعي السلبي الذي تتركه على الأولاد، الذين غالباً ما يعيشون مشاهد العنف تلك، لتفعل فعلها في شخصياتهم، إما باتجاه الانغلاق على النفس والسلبية في التعامل مع المجتمع والضعف في الشخصية، أو عبر نقل الرغبة في العدوانية إلى الأولاد ذاتهم، فعادة ما تترك مشاهد العنف الأسري، ولاسيما ضرب الأب لزوجته أمام الأولاد، أسوأ الأثر على علاقة الأبناء المستقبلية بأبيهم وأمهم، لتنبت في النهاية أجيال غير سوية من الناحيتين النفسية والاجتماعية.
وختاماً أذكّر بأن الرجل الكريم، هو من ينظر إلى المرأة نظرة يملؤها الحب والتقدير، ويستر عيوبها ولا يفشى أسرارها ويبدي إعجابه بها، ويشكرها على ما تقدمه له من خدمة بيته، ورعاية عياله، وحفظها لماله، وعرضه، وأسراره.



اعداد: إيمان الوكيل




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]