الموضوع: العروة الوثقى
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-01-2025, 06:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي العروة الوثقى

العروة الوثقى

محمد بن إبراهيم السبر


التَّوْحِيدُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَتْ بِهِ الرِّسْلُ أَقْوَامَهَا، فَمَا مِنْ نَبِيِّ أُرْسِلَ لِقَوْمِهِ إِلَّا قَالَ: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].

وَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ (لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ): هِي الْأَصْلُ الْأَصيلُ الَّذِي أَرْسَلَ اللهُ بِهِ رُسلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبُهُ، وَشَرَعَ لِأَجَلِهِ شَرَائِعَهُ، وَنُصِبَتِ الْمَوَازِينُ، وَوُضِعَتِ الدَّوَاوينُ، وَاِنْقَسَمَتِ الْخَلِيقَةُ إِلَى مُؤْمِنِينَ أَتْقِيَاءَ، وَفُجَّارٍ أشقيَاءَ، وَقَامَتْ سُوقُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ، وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَاَمِ، وَكَلِمَةُ التَّقْوَى وَالْإِخْلَاَصِ، وَالْعَهْدُ وَالْأَسَاسُ، وَمَنْ قَالَهَا عُصِمَ دَمُهُ وَمَالُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ تَعَالَى.

هِيَ الرُّكْنُ الْحَصِينُ لِبِنَاءِ الدِّينِ: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَحَّاكُ: هِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ؛ فَمَنْ خَلْعَ الْأَنْدَادَ وَالْأَوْثَانَ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ، وَوَحْدَ اللهَ فَعَبْدَهُ وَحَدَهَ، وَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا هُوَ {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256]. أَيْ: فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَمْرِهِ وَاسْتَقَامَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.

وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّوْحِيدُ إِلَّا بِالْكُفْرِ بِجَمِيع مَا يُعَبِّدُ مِنْ دُونِ اللهِ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَكَفْرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونَ اللهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابَهُ عَلَى اللهِ»؛ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَعَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ بَنَى الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم دَعْوَتَهُ، وَرَبَّى أُمَّتَهُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم لِمَعَاذٍ - رَضِيَّ اللهُ عَنْهُ - حِينَ بَعْثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أهْلِ الكِتَابٍ، فَاُدْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّيَّ رَسُولِ اللهِ»؛ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَلِقَدْ كَانَ النَّاسُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فِي ضَلَّالٍ وَجَهْلِ وَفَوْضَى، يَتَخَبَّطُونَ فِي أَوْحَالِ الْخُرَافَةِ، اتَّخَذُوا لِأَنْفُسَهُمْ مَعْبُودَاتٍ وَأصْنَامَاً مِنْ حَجَرٍ وَطِينٍ، وَتَمْرٍ وَعَجِينٍ، يَقْصِدُونَهَا فِي الرَّخَاءِ، وَيَنْبِذُونَهَا فِي الضَرَاءِ؛ {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} [الفرقان: 3]؛ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَدَّدَ الْمِلَّةَ الْحَنِيفِيَّةَ السَّمْحَةَ، وَصَدَّعَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ؛ وَأَبْطَلَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَزِلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَظَهَرَ اللهُ الدِّينَ، وَأتَمَّ النِعمَةَ.

عِبادَ اللهِ: إنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ لَيْسَتْ كَلِمَةً مُجَرَّدَةً تُقَالُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، دُونَ أَنْ يَكْوُنَ لَهَا أثَرٌ فِي الْجَوَارِحِ وَالْأَعْمَالِ وَالسُّلُوكِ؛ بَلْ هِي كَلِمَةُ عَظِيمَةُ الدِلَالَةِ، وَاسِعَةُ الْمَعَنَّى؛ فهيَ تَعْنِي إِثْبَاتَ الْأُلُوهِيَّةِ للهِ وَحدَهُ، وَنَفِيَ الْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَاهُ، وَالْبَرَاءةَ مِنَ الشَّرَكِ وَأهْلِهِ، وَخُلُوصَ الْقَلْبِ مِنَ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللهِ وَحَدِّهِ.

كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ تَعْنِي إِفْرَادَ اللهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ، وَالحَبِ، وَالتَّعْظِيمِ، وَالْخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالرَّغْبَةِ، وَالْإِنَابَةِ، وَالرَّهْبَةِ، فَلَا يُحَبُ غَيْرُ اللهِ، وَلَا يُخَافُ سِوَاهُ، وَلَا يُرْجَى غَيْرُهُ، وَلَا يُتوكلُ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يُرْغَبُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا يُرْهِبُ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا يُحَلِّفُ إِلَّا بِاِسْمِهِ، وَلَا يُطَاعُ إِلَّا أَمَرُهُ، وَلَا يُسْجَدُ إِلَّا لَهُ، وَلَا يُسْتَعَانُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ إِلَّا بِهِ، وَلَا يُلَجَّأُ عِنْدَ الْمَضَائِقِ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا يُذْبَحُ إِلَّا لَهُ وَبِاِسْمِهِ، وإنَّهُ لا يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَيَدْفَعَ الضُرَّ، وَيُجْلِبُ النَّفْعُ إلا الله؛ {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65].

لَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُقِرُونَ بأَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا اللهُ، وَلَا رَازِقَ إِلَّا اللهُ، ومع ذلك لَمْ يُغَنِ عَنْهُمْ شَيْئًا؛ لأنهم كَفَرُوا بِمقتضَاهَا، فَقَالُوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، وَالْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَهَا بِأَلْسَنَتِهِمْ، وَقَلُوبُهُمْ مُشْرِبَةٌ بِنَقِيضِهَا؛ فَصَارُوا فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَلَنْ تَجِدُ لَهُمْ نَصِيرَاً.

لَقدْ جَهِلَ أنَاسٌ مَعَنَّى كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ وَلمْ يَعْمَلوا بمُقْتَضَاَهَا، فَطَالٍ عَلَيْهُمِ الْأَمَدُ، فَانْدَثَرَتْ عِنْدَهُمْ مَعَالِمُ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَسَرْتْ فِيهُمْ شَوَائِبَ الشَّرَكِ؛ فَصَرَفُوا أنوَاعَاً مِنَ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ اللهِ، فَذهبوا إِلَى أَضْرِحَةِ الْمَوْتَى يَطْلُبُونَ الْمَدَدَ مِنَها، وَيَذْبَحُونَ لهَا النذُورَ، وَيُصَدِّقُونَ السَّحَرَةَ، وَيَلْهَثُونَ وَرَاءَ الْمُشَعْوِذِينَ وَالْكَهَنَةِ، وَلَا حَوَلَ وَلا قُوةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.39%)]