الموضوع: حق الله تعالى
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 22-01-2025, 04:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حق الله تعالى


حق الله تعالى (2)

د. أمير بن محمد المدري


الحمد لله الذي وفّق عباده المؤمنين للطاعات، ويسر لهم الخيرات والحسنات، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله خير من صام وقام، وشرع الشرائع وبيّن الأحكام، اللهم صلّ وسلم وبارك على إمام المتقين وسيد الخلق أجمعين وعلى آله وأصحاـبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ما زال الحديث معكم عن حق الله تعالى، عن عظمة الله وجلال الله وكمال الله.

ما أحلى المجالس وما أطيب الأماكن إذا عُطّرت بذكر الله الواحد الأحد.

عظمة الله
سبحانه جل وعلا من أتته السماء والأرض طائعة، سبحان من أحاط علمه بالكائنات، واطّلع على النيات، عالمٌ بنهايات الأمور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، علم ما في الضمير، ولا يغيب عنه الفتيل والقطمير، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]. يُبدئ ويعيد، وينشئ ويبيد، وهو فعّالٌ لما يريد، سبحانه علم ما كان قبل خلق المكان. علم ما كان وما سيكون لو كان كيف يكون.

شكت خولة بنت ثعلبة للرسول أمرها، وأخبرته سرّها، وعائشة في طرف البيت لم تسمع همسًا، ولم تعلم حِسًا، لكن الله سمعها من فوق سبع سماوات فأنزل الله قوله: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].

فسبحان من وسِع سمعه السماوات والأرض.

روى البيهقي بسندٍ حسن عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وغِلَظُ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء خمسمائة عام، والكرسي فوق الماء، والله سبحانه فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم». مستوٍ على عرشه، ويسمع ويرى كلّ شيء في ملكوته، ولا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه، ﴿ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 103].

روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي - صلى الله وعليه وسلم - أنه قال: « إن رجلًا عبد الله جل وعلا في جزيرة من البحر خمسمائة سنة، أخرج الله جل وعلا له من البحر عينًا عذبة يشرب منها، وأنبت له شجرة رمان، وكل يوم تخرج له حبة فيأكلها، وسأل ربه أن يقبضه ساجدًا، فاستجاب الله له فقبض وهو ساجد، -اللهم إنا نسألك الميتة الحسنة يا رب العالمين - فإذا كان يوم القيامة أُحضر بين يدي الله جل وعلا، فيقول الله جل وعلا لملائكته: ﴿ ادخلوا عبدي الجنة برحمتي ﴾.

فيقول العبد: يا رب! بل بعملي.

فيقول الله جل وعلا: حاسبوه، فيحاسب، فيوجد أن عبادة خمسمائة سنة طاشت بها نعمة البصر -أو قال: نعمة السمع-، ثم بعد ذلك يقول الله جل وعلا له: من الذي خلقك ولم تك شيئًا؟ قال أنت يا رب.

من الذي قواك على العبادة؟ قال أنت يا رب من الذي جعل في قلبك حب الإيمان وكراهية الكفر؟ من الذي جعل لك السمع والبصر والفؤاد واليدين والرجلين؟ من الذي استخرج لك من البحر المالح عينًا عذبة؟ من الذي استخرج لك من شجرة الرمان كل يوم حبة وهي لا تخرج في السنة إلا مرة؟ قال أنت يا رب، ثم يقول جل وعلا بعد ذلك: اذهبوا به إلى النار، -رحماك يا رب عفوك يا رب هذا من عبدك خمسمائة كيف حالنا ونحن المخطئين ونحن المقصرين -فإذا ذُهب به إلى النار.

يصيح: يا رب! أدخلني الجنة برحمتك فيدخله الله الجنة برحمته ثم قال الرسول - صلى الله وعليه وسلم -: «لن يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله».

وفي الصحيح أنه - صلى الله وعليه وسلم - قال: « لن يدخل أحدكم الجنة عمله قالوا: ولا أنت -يا رسول الله-؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته».

إنّ امتلاءَ القلب بعظمة الله يولّد ثقةً مطلقة بالله، ويجعل المسلمَ هاديَ البالِ ساكنَ النفس مهما ادلهمّت الخطوب. إنّ استشعارَ عظمة الله تملأ القلب رضًا وصبرًا جميلًا، فلا يحزنُنا تقلُّب الذين كفروا وظلموا في البلاد، فإنهم مهما علوا وتجبّروا لن يصِلوا إلى مطامعهم، ولن يحقّقوا أهدافهم الدّنيئة، فالله هو القويّ الذي لا يُغلب.

أيها الأخ الحبيب
إن نظرة هادئة مدقّقة في السماء في ليلة صافية تملأ القلب رهبة وخشوعًا لذي العظمة والجلال والكمال، كتاب مفتوح جميل، جمال متجدد، جمال متعدد باختلاف الشروق والغروب، باختلاف الليل والنهار، بصفاء السماء تارة، وبضبابها وسحابها تارة أخرى.

ثم انظر معي إلى هذه النجمة التي انفردت وحدها في أفق السماء وكأنها عين طفلة جميلة تلمع بالمحبة والمودة والصفاء.

ثم أنظر في الأفق الآخر إلى هاتين النجمتين الوحيدتين المنفردتين وكأن كل واحدة منهما تناجى الأخرى.

ثم أنظر إلى هذه المجموعة المترابطة المتشابكة من النجوم وكأنها تشابكت وتراصت في عرسٍ بهيج سعيد، وهذا القمر المنير وهذا الليل السادل وهذا الفلك الدوار، وهذا الصبح الباهر وضوء الشمس المشرقة، كل هذا من صنع من؟ كل هذا من خلق من؟

الشمس والبدر من آثار قدرته
والبر والبحر فيض من عطاياه
الطير سبحه والوحش مجده
والموج كبره والحوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصم قدّسه
والنحل يهتف حمدا في خلاياه
والناس يعصونه جهرًا فيسترهم
والعبد ينسى وربى ليس ينساه

أخي الحبيب عبد الله: انظر من جديد، وتفكر من جديد، ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا *رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا* وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا [النازعات:27-29]. ﴿ وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [الذاريات:47]. ثم يقول ربنا جل وعلا وهو يخاطب العقول لكي تتفكر، ويلفت الأنظار لتتدبر، لتتعرف على الخالق العظيم سبحانه، فيقول: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ [الواقعة:75-76].

ويقول سبحانه: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ* لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس:37-40].

يقول علماء الفلك: لو أن الشمس تركت مدارها وارتفعت قليلا لتجمّد كل من على ظهر الأرض، ولو أن الشمس تركت مدارها ونزلت قليلًا لاحترق كل حي على ظهرها، كل هذا من صنع من؟ كل هذا من خلق من؟ أإله مع الله؟

﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.

والشمس والقمر، كلنا رأى الشمس، وكلنا رأى القمر، لكنني أخاطبك من اليوم أخي الحبيب... أن تعاود من جديد النظر إلى الشمس والنظر إلى القمر لتوحد خالق الشمس والقمر: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ* فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾[الأنعام:75 -79].

انظر لتلك الشمس
التي جذوتها مستعرة
فيها ضياء وبها
حرارة منتشرة
وقُل من ذا الذي
يخرج منها الشرره
ذاك هو الله
الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمةٍ بالغة
وقدرة مقتدرة



قال ربنا جل وعلا: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل:88].


الجبال تسير؟ نعم... والأرض تجرى؟ نعم... ولكنها ذلول مذللة، بل ستعجب إذا علمت أن العلم الحديث قد أثبت أن الأرض تدور حول نفسها بسرعة مذهلة قدرها العلماء بسرعة ألف ميل في الساعة الواحدة، الأرض ذلول تجرى وتدور دورة كاملة حول نفسها بسرعة تقدر بألف ميل في الساعة الواحدة، وتدور الأرض دورة ثانية تدور حول الشمس بسرعة قدّرها العلماء بسرعة تزيد (65000) ألف ميل في الساعة الواحدة. وتدور الأرض مرة ثالثة مع الشمس مع المجموعة الشمسية بسرعة قدرها العلماء بـ (20000) ألف ميل في الساعة الواحدة صنع من؟ خلق من؟ أإلهٌ مع الله؟

أمرٌ عجيب بل وأثبت العلم الحديث أن دورة الأرض حول نفسها هي التي نشأ عنها الليل والنهار، لو لم تدر الأرض حول نفسها لما رأينا ليلًا ولا نهار، لرأينا ليلا سرمدا أو نهارا سرمدا، ثم تدور الأرض حول الشمس وهذه الدورة نشأ عنها الفصول الأربعة الصيف والشتاء والربيع والخريف.

خلق الله لنا الأرض مذللة، ثم شق الله فيها الأنهار والبحار وزينها بالأشجار وأودعها الكنوز والخيرات قال سبحانه: ﴿ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ* وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ* وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾[إبراهيم:32-34].

وقال جل شأنه: ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس:33-35].

سبحانه من خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون آيات.

أنظر لتلك الشجرة
ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبه
وكيف صارت شجره



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.26 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]