عرض مشاركة واحدة
  #450  
قديم 09-01-2025, 03:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,110
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى:﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ.... ﴾



قوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 28، 29].

قوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾.

بيَّن الله - عز وجل - في الآيات السابقة في السورة قبل هذه الآيات عداوة المشركين للإسلام وأهله، وحسد اليهود لهم وتوليهم عن الإسلام، ثم أتبع ذلك بنهي المؤمنين عن موالاتهم كنتيجة لذلك.

قوله: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ «لا» ناهية، و«يتخذ» مجزوم بها، وكسر لالتقاء الساكنين، و﴿ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ فاعل، و﴿ الْكَافِرِينَ ﴾ مفعول أول لـ﴿ يَتَّخِذ ﴾ و﴿ أَوْلِيَاءَ ﴾ مفعول ثان.

والمعنى: لا يجعل المؤمنون الكافرين أولياء لهم، يوالونهم ويناصرونهم ويوادونهم.

﴿ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ أي: من سوى المؤمنين، أي: لا يوالون الكافرين، ويتركون ولاية المؤمنين، ولا يوالون الكافرين مع المؤمنين، بل يجب عليهم موالاة المؤمنين، وترك موالاة الكافرين.

وأيضًا: لا يجعلون للكافرين ولاية عليهم، وينتصرون بهم، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113]، وقال تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].

والنهي للتحريم، فلا يجوز للمؤمنين موالاة الكافرين، ولا مناصرتهم، ولا الانتصار بهم، بل يجب عليهم معاداتهم، والبراءة منهم، كما قال تعالى في سورة النساء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 144]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 57]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [التوبة: 23]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [الممتحنة: 1].

وقال تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 89].

وقال هنا: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ بأسلوب الغيبة، والإظهار مقام الإضمار، ولم يقل: «لا تتخذوا» كما في آية آل عمران، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ﴾ [آل عمران: 118]، وكما في آية النساء، وآيتي المائدة، وآية التوبة وآية الممتحنة؛ لأنه سبق نداء المؤمنين في هذه الآيات الخمس بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ ثم جاء خطابهم بالنهي بقوله: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا ﴾.

كما سبق خطاب المؤمنين بقوله في سورة النساء: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾، ثم خاطبهم بقوله: ﴿ فَلَا تَتَّخِذُوا ﴾.

أما قوله: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ فلم يسبقه نداء للمؤمنين، ولا خطاب لهم، ولهذا جاء بأسلوب الغيبة، وجاء بالإظهار للدلالة على أن إيمان المؤمنين يمنعهم من موالاة الكافرين.

وقوله: ﴿ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ دليل على أن الموالاة إنما تكون بين المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ ﴾ [التوبة: 71].

﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾ الإشارة لمصدر الفعل «يتخذ» أي: للمفهوم من النهي السابق، وهو اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أي: ومن يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين.

﴿ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾؛ أي: فقد برئ من الله، والله بريء منه، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]، وقال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المجادلة: 22].

﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ قرأ يعقوب «تَقِيَّة» بفتح التاء، وكسر القاف، وتشديد الياء مفتوحة بعدها، وقرأ الباقون بضم التاء، وألف بعد القاف ﴿ تُقَاةً ﴾.

والاستثناء منقطع؛ لأن التقية منهم ليست بموالاة لهم. وفي الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب.

أي: لكن أن تتقوا منهم تقاة بمداراتهم عند الضرورة في الظاهر واللسان، لاتقاء شرهم- دون الباطن والجنان، وهذا أشبه بحال المكره، وقد قال الله - عز وجل -: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 106].

قال ابن القيم[1]: «معلوم أن التقاة ليست بموالاة، ولكن لما نهاهم عن موالاة الكفار، اقتضى ذلك معاداتهم، والبراءة منهم، ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال، إلا إذا خافوا من شرهم، فأباح لهم التقية، وليست التقية موالاة لهم».

وقال ابن كثير[2]: «إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره، لا بباطنه ونيته، كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: «إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم»[3].

﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ الواو: عاطفة، و«يحذر» ينصب مفعولين؛ الأول: ضمير الخطاب الكاف، والثاني: قوله: «نفسه».

والمعنى: ويخوفكم الله نفسه وعقابه، إذا ارتكبتم نهيه فواليتم الكافرين.

وفي ربط التحذير بنفسه - عز وجل - تعظيم للتهديد؛ لأنه العظيم، القادر على كل شيء، الذي لا يقدر أحد على منع عذابه أو رفعه.
﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها، وقدم الخبر، وهو قوله: ﴿ وَإِلَى اللَّهِ ﴾ لأجل الحصر، أي: وإلى الله- عز وجل وحده، لا إلى غيره ﴿ الْمَصِيرُ ﴾.

وأظهر في مقام الإضمار، فلم يقل: «وإليه المصير»؛ لتربية المهابة في النفوس، أي: وإلى الله- عز وجل وحده المرجع والمآب، وعليه الحساب.

كما قال تعالى: ﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 53]، وقال تعالى: ﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [البقرة: 210]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25، 26]، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].

قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.

نهى الله - عز وجل - المؤمنين في الآية السابقة عن موالاة الكافرين، وحذَّرهم عذابه ونقمته، ثم أكد ذلك بالتنبيه على علمه - عز وجل - بما يخفونه في صدورهم أو يبدونه من موالاة الكافرين وغير ذلك، وعلمه ما في السماوات والأرض وقدرته التامة على كل شيء.

قوله: ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ ﴾ الخطاب والأمر في الآية للرسول صلى الله عليه وسلم.

وكثيرًا ما يأتي الخطاب له صلى الله عليه وسلم مصدرًا بقوله تعالى: ﴿ قُلْ ﴾ وهو أمر بالتبليغ الخاص لهذا القول، يدل على مزيد العناية والاهتمام به والتوكيد له، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يقول القرآن كله ويبلغه للناس.

﴿ إِنْ تُخْفُوا ﴾ أي: إن تسروا وتكتموا، وهو خطاب للمؤمنين وغيرهم.

﴿ مَا فِي صُدُورِكُمْ ﴾ «ما» اسم موصول بمعنى «الذي» يعم أي شيء أخفوه من عداوة أو موالاة أو خير أو شر، أو غير ذلك. أي: الذي في قلوبكم أيًّا كان، ويعبر بـ«الصدور»؛ لأن القلوب فيها، كما قال تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، ولهذا يقال للقلوب: «ذات الصدور».

﴿ أَوْ تُبْدُوهُ ﴾؛ أي: أو تظهروه وتعلنوه، والضمير «الهاء» يعود إلى «ما» الموصولة.

يَعْلَمْهُ اللَّهُ }: جواب الشرط في قوله: ﴿ إِنْ تُخْفُوا ﴾.

والضمير في قوله: ﴿ يَعْلَمْهُ ﴾ يعود إلى المفهوم من الفعلين في قوله: إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ }؛ أي: يعلم ما أخفيتموه وما أبديتموه؛ لأنه - عز وجل - يعلم السر وأخفى، والسر والعلانية عنده سواء، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه: 7]، وقال تعالى: ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الملك: 13].

﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ الواو: استئنافية، و«ما»: في الموضعين اسم موصول يفيد العموم، وكررت لتأكيد عموم علمه عز وجل.

والمعنى: وهو يعلم أزلًا وأبدًا جميع الذي في السموات، وجميع الذي في الأرض من المخلوقات والكائنات، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]، وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [إبراهيم: 38]، وقال تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قدم المتعلِّق وهو قوله: ﴿ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ﴾ على المتعلَّق به وهو ﴿ قَدِيرٌ ﴾؛ لتأكيد عموم وكمال وتمام قدرته - عز وجل - أي: أن قدرته - عز وجل - نافذة في كل شيء، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44].

وقال - عز وجل - في الحديث القدسي: «إني على ما أشاء قادر»[4].

[1] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 497).

[2] في «تفسيره» (2/ 24).

[3] نكشر: أي نضحك في وجوههم ونباسطهم من الكشر، وهو ظهور الأسنان للضحك.

[4] أخرجه مسلم في الإيمان- آخر أهل النار خروجًا (187)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]