عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 30-12-2024, 09:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,889
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الْأَحْزَابِ
المجلد الثالث عشر
صـ 4891 الى صـ 4900
الحلقة (503)





[ ص: 4891 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[53] يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما .

يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه هذا خطاب لبعض الصحب، وحظر عليهم أن يدخلوا منازله صلى الله عليه وسلم بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام. و: "إلى" متعلق بـ: "يؤذن" بتضمين معنى الدعاء، للإشعار بأنه لا ينبغي أن يدخلوا على الطعام بغير دعوة، وإن تحقق إذن; كما يشعر به قوله تعالى: غير ناظرين إناه أي: غير منتظرين وقته، وإدراكه.

قال ابن كثير : أي: لا ترقبوا الطعام إذا طبخ، حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه. وهذا دليل على تحريم التطفل; وهو الذي تسميه العرب الضيفن، وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا في ذم الطفيليين، وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها. انتهى.

وأقول: قد يكون معنى قوله: غير ناظرين إناه نهيا لهم أن يدخلوا -مع كونهم مأذونا لهم ومدعوين- قبل الميعاد المضروب لهم حضورهم فيه، عجلة وانتظارا لنضج الطعام. [ ص: 4892 ] فإن ذلك مما يؤذي قلب صاحب الدعوة، لشغل هذه الحصة معهم بلا فائدة، إلا ضيق صدر الداعي وأهله، وشغل وقته وتوليد حديث، وتكلفا لكلام لا ضرورة له، وإطاقة زمن الحجاب على نسائه، وما ذلك إلا من شؤم التعجيل قبل الوقت، ولذلك قال تعالى: ولكن إذا دعيتم فادخلوا أي: إذا دعيتم إلى الدخول، في وقته، فادخلوا فيه لا قبله ولا بعده. فـ: "لكن" استدراك من النهي عن الدخول، مع الإذن المطلق الذي هو الدعوة بتعليم أدب آخر، وإفادة شرط مهم، وهو الإشارة إلى أن للدعوة حينا ووقتا يجب أن يراعى زمنه، وهذا المنهي عنه لم يزل يرتكبه ثقلاء القرويين، ومن شاكلهم من غلظاء المدنيين الذين لم يتأدبوا بآداب الكتاب الكريم والسنة المطهرة; وهو أنهم إذا دعوا لتناول طعام يتعجلون المجيء قبل وقته بساعات، مما يغم نفس الداعي وأهله، ويذهب لهم جانبا من عزيز وقتهم عبثا إلا في سماع حديثهم البارد، وخدمتهم المستكرهة كما قدمنا، فعلى ما ذكرناه يكون في الآية فائدة جميلة، وحكم مهم، وهو حظر المجيء قبل الوقت المقدر، وحينئذ فكلمة: (غير)، حال ثانية من الفاعل مقيدة للدخول المأذون فيه، وهو أن يكون وقت الدعوة، لا قبله. والتقدير: (إلا مأذونين في حال كونكم غير ناظرين إناه). ولذا قيل: إنها آية الثقلاء. إذا علمت هذا، فالأجدر استنباط حظر التطفل من صدر الآية، وهو: لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ومن قوله: ولكن إذا دعيتم فادخلوا لا من قوله: غير ناظرين إناه لأنه في معنى خاص، وهو ما ذكرناه، والله أعلم.

فائدة:

(الإني): مصدر. يقال أنى الشيء يأنى أنيا بالفتح. و (أنى): مفتوحا مقصورا.

و (إنى): بالكسر مقصورا، أي: حان وأدرك. قال عمرو بن حسان :


تمخضت المنون له بيوم أنى ولكل حاملة تمام


ثم أشار سبحانه إلى أدب آخر بقوله تعالى: فإذا طعمتم فانتشروا أي: تفرقوا ولا [ ص: 4893 ] تمكثوا: ولا مستأنسين لحديث أي: لحديث بعضكم بعضا، أو لحديث أهل البيت بالتسمع له عطف على (ناظرين)، أو مقدر بفعل; أي: لا تمكثوا مستأنسين: إن ذلكم أي: المنهي عنه في الآية: كان يؤذي النبي أي: لتضييق المنزل عليه وعلى أهله وإشغاله بما لا يعنيه: فيستحيي منكم أي: من الإشارة إليكم بالانتشار: والله لا يستحيي من الحق يعني أن انتشاركم حق. فينبغي أن لا يترك حياء، كما لا يتركه الله ترك الحيي، فأمركم به. ووضع الحق موضع الانتشار، لتعظيم جانبه. وقرئ: "لا يستحي" بحذف الياء الأولى وإلقاء حركتها على الحاء: وإذا سألتموهن الضمير لنساء النبي، المدلول عليهن بذكر بيوته عليه السلام: متاعا أي: شيئا يتمتع به: فاسألوهن من وراء حجاب أي: ستر: ذلكم أي: ما ذكر من عدم الدخول بغير إذن، وعدم الاستئناس للحديث عند الدخول، وسؤال المتاع من وراء حجاب: أطهر لقلوبكم وقلوبهن أي: من الخواطر الشيطانية، في الميل إليهن وإليكم; يعني ويجب التطهر عنه، لما فيه من إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم; ولذا قال: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله أي: أن تفعلوا فعلا يتأذى به في حياته: ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أي: من بعد وفاته لا إلى انقضاء العدة بل: أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما أي: أمرا عظيما وخطبا هائلا، لا يقادر قدره; لما فيه من هتك حرمة حبيبه صلى الله عليه وسلم.

قال أبو السعود: وفيه من تعظيمه تعالى لشأن رسوله صلى الله عليه وسلم، وإيجاب حرمته حيا وميتا، ما لا يخفى; ولذلك بالغ تعالى في الوعيد حيث قال:
القول في تأويل قوله تعالى:

[54] إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما .

إن تبدوا شيئا أي: مما لا خير فيه، كنكاحهن على ألسنتكم، على ما روي عن بعض الجفاة: أو تخفوه أي: في نفوسكم: فإن الله كان بكل شيء عليما أي: فيجازيكم [ ص: 4894 ] بما صدر عنكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة، وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود، مزيد تهويل وتشديد ومبالغة في الوعيد.

قال ابن كثير : أجمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه، أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده; لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة، وأمهات المؤمنين، واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته; هل يحل لغيره أن يتزوجها؟ على قولين. مأخذهما هل دخلت هذه في عموم قوله: من بعده أم لا؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فما نعلم في حلها لغيره، والحالة هذه نزاعا، والله أعلم. انتهى.

تنبيه:

في (الإكليل): هذه آية الحجاب التي أمر بها أمهات المؤمنين، بعد أن كان النساء لا يحتجبن، وفيها جواز سماع كلامهن ومخاطبتهن، وفيها تحريم أذى النبي صلى الله عليه وسلم بسائر وجوه الأذى. انتهى.

وقال ابن كثير : هذه آية الحجاب; وفيها أحكام، وآداب شرعية، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر رضي الله عنه، كما روى البخاري عنه أنه قال: « يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر. فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب! » فأنزل الله آية الحجاب.

وكان يقول لو أطاع فيكن، ما رأتكن عين. وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، التي تولى الله تزويجها بنفسه تعالى، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة، في قول قتادة والواقدي وغيرهما. وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى، وخليفة بن خياط، أن ذلك كان في سنة ثلاث. فالله أعلم.

[ ص: 4895 ] وروى البخاري عن أنس قال: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا، فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا. فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية.

ورواه مسلم أيضا والنسائي .

وعن أنس أيضا قال: بني على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعو. فقلت: يا رسول الله! ما أجد أحدا أدعوه. قال: « ارفعوا طعامكم » . وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال: « السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته » . قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. كيف وجدت أهلك؟ يا رسول الله! بارك الله لك.

فتقرى حجر نسائه كلهن. يقول لهن كما يقول لعائشة ، ويقلن له كما قالت عائشة . ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون -وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء- فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة . فما أدري آخبرته أو أخبر، أن القوم خرجوا. فرجع، حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة، والأخرى خارجة ، أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب.
انفرد به البخاري ، وأخرج نحوه مسلم والترمذي ; كما بسطه ابن كثير . [ ص: 4896 ] قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلا خلاف، في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز. ثم استدل بما في (الموطأ) أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها يستر شخصها. انتهى.

وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث، وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء ، لما ذكر له طواف عائشة : أقبل الحجاب أو بعده؟ قال قد أدركت ذلك بعد الحجاب. انتهى.

ومما يؤيده ما رواه البخاري في التفسير عن عائشة رضي الله عنها. قالت: خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة، لا تخفى على من يعرفها. فرآها عمر بن الخطاب . فقال: يا سودة ! أما والله! ما تخفين علينا. فانظري كيف تخرجين. قالت: فانكفأت راجعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله! إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا. قالت فأوحى الله إليه ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه، فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن.

قال الكرماني: فإن قلت وقع هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب وفي الوضوء -أي: من البخاري - أنه كان قبل الحجاب. فالجواب لعله وقع مرتين.

[ ص: 4897 ] قال ابن حجر: قلت بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني.

والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي، حتى صرح بقوله له عليه الصلاة والسلام: احجب نساءك، وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلا، ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك فمنع منه، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن، دفعا للمشقة، ورفعا للحرج، انتهى بحروفه. وإنما نقلنا الجمع بين الروايتين، مع أن الأمس به شرح الصحيح، لما اتفق من نقل كثير من المفسرين إحدى الروايتين ونقل آخرين الثانية، مما يوقع الواقف في شبهة الاختلاف، فآثرنا توسيع الكلام لتدقيق المقام. زادنا الله من فضله علما، إنه هو العليم العلام.

ثم يبين تعالى من لا يجب الاحتجاب منهم من الأقارب، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى:

[55] لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا .

لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن أي: لا حرج ولا إثم عليهن، في أن لا يحتجبن من هؤلاء المسمين. قال الطبري : وعني بـ: (إخوانهن وأبناء إخوانهن); وإخوتهن، وأبناء إخوتهن، وخرج معهم جمع ذلك، مخرج جمع فتى إذا جمع: (فتيان)، فكذلك جمع أخ إذا جمع: (إخوان)، وأما إذا جمع إخوة فذلك نظير جمع فتى إذا جمع (فتية).

[ ص: 4898 ] تنبيهات:

الأول- قيل: إنما لم يذكر العم والخال، لأنهما بمنزلة الوالدين، ولذلك سمي العم أيضا أبا في قوله تعالى: وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق أو لأنه اكتفى عن ذكرهما بذكر أبناء الإخوة، وأبناء الأخوات، فإن مناط عدم لزوم الاحتجاب بينهن وبين الفريقين، عين ما بينهن وبين العم والخال من العمومة والخؤولة; لما أنهن عمات لأبناء الإخوة، وخالات لأبناء الأخوات. وقيل: لأنه كره ترك الاحتجاب منهما; مخافة أن يصفاهن لأبنائهما.

وهو رأي عكرمة والشعبي ، كما أخرجه الطبري من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة والشعبي أنه قال لهما: ما شأن العم والخال لم يذكرا؟ قالا: لأنهما ينعتانها لأبنائهما. وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها.

قال الشهاب: لكنه قيل عليه، إن هذه العلة، وهو احتمال أن يصفا لأبنائهما وهما يجوز لهما التزوج بها، جار في النساء كلهن، ممن لم يكن أمهات محارم. فينبغي التعويل على الأول. انتهى.

والتحقيق في رده ما رواه البخاري في التفسير من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن علي أفلح أخو أبي القعيس، بعد ما أنزل الحجاب، فقلت: لا آذن له حتى أستأذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم. فإن أخاه أبا القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس. فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله! إن أفلح أخا أبي القعيس [ ص: 4899 ] استأذن. فأبيت أن آذن حتى أستأذنك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « وما منعك أن تأذني؟ عمك » . قلت: يا رسول الله! إن الرجل ليس هو أرضعني، لكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فقال: « ائذني له فإنه عمك، تربت يمينك » .

قال عروة : فلذلك كانت عائشة تقول: حرموا من الرضاعة ما تحرمون من النسب. انتهى. فبقوله صلى الله عليه وسلم: « ائذني له فإنه عمك » مع قوله في الحديث الآخر « العم صنو الأب » يرد على عكرمة والشعبي .

الثاني- قيل: أريد بقوله تعالى: ولا نسائهن المسلمات، حتى لا يجوز للكتابيات الدخول على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل هو عام في المسلمات والكتابيات. وإنما قال: ولا نسائهن لأنهن من أجناسهن.

الثالث- استدل بعموم قوله تعالى: ولا ما ملكت أيمانهن من ذهب إلى أن عبد المرأة محرم لها. وذهب قوم إلى أنه كالأجانب. والآية مخصوصة بالإماء دون العبيد، وتقدم تفصيل ذلك في سورة النور.

الرابع- قال السيوطي في (الإكليل): استدل الحسن والحسين بعدم ذكر أبناء العمومة فيها، على تحريم نظرهما إليهن، فكانا لا يدخلان عليهن: واتقين الله أي: أن تتعدين ما حد لكن، فتبدين من زينتكن ما ليس لكن، أو تتركن الحجاب فيراكن أحد غير هؤلاء. وقال الرازي: أي: واتقينه عند المماليك. قال: ففيه دليل على أن التكشف لهم مشروط بشرط السلامة والعلم بعدم المحذور. وقوله تعالى: "إن الله كان على كل شيء شهيدا" أي: فهو [ ص: 4900 ] شاهد على ما تفعلنه من احتجابكن وترككن الحجاب لمن أبيح لكن تركه، وغير ذلك من أموركن، فاحذرن أن تلقينه، وهو شاهد عليكن بمعصيته، وخلاف أمره، ونهيه، فتهلكن. قال الرازي: هذا التذليل في غاية الحسن في هذا الموضع، لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم، فقال: إن الله شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض، فخلوتكم مثل ملتكم بشهادة الله تعالى فاتقوا. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى:

[56] إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .

إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قال الرازي: لما أمر الله المؤمنين بالاستئذان، وعدم النظر إلى وجوه نسائه احتراما، كمل بيان حرمته، وذلك لأن حالته منحصرة في اثنتين: حالة خلوته وذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله: لا تدخلوا بيوت النبي وحالة يكون في ملأ. والملأ إما الملأ الأعلى، وإما الملأ الأدنى، أما في الملأ الأعلى فهو محترم; فإن الله وملائكته يصلون عليه. وأما في الملأ الأدنى فذلك واجب الاحترام بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما انتهى.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 51.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]