عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-12-2024, 05:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير قوله تعالى: {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا...}

تفسير قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا... ﴾

سعيد مصطفى دياب


قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 116، 117].

مُنَاسَبَةُ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا:
لَمَّا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى في الْآيَاتِ السَّابِقَةِ عَمَّنْ آمنَ مِنْ أهلِ الكتابِ وَمَا أَعَدَّهُ اللهُ تَعَالَى لهم مِنَ الثَّوابِ، أَخْبَرَ هُنَا عن حَالِ مَنْ أَصَرَّ عَلى الكفرِ منهم وآثَرَ الضلالةَ على الهُدى فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾؛ أي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تَدْفَعُ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ شَيْئًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وإنما ذَكَرَ تَعَالَى الأَمْوَالَ وَالأَوْلَادَ لِأَنَّ الْمَرْءَ يَفْزَعُ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ النَّوَائِبِ إِلَيهما ليدفعَ بهما الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ، فيقدمُ أمْوَالَهُ الَّتِي جَمَعَهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَوْلَادَهُ الَّذِينَ رَبَّاهُمْ لِيَتَقِي بِهمُ الخُطُوبَ في الدنيا، فأخبرَ تَعَالَى أن هذا الذي كان يفزع إليه الإنسان في الدنيا منتفٍ يوم القيامة؛ كما قال تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].

وَلَفْظُ ﴿ شَيْئًا ﴾، نكرةٌ فِي سِياقِ النَّفْي يُفِيدُ العُمُومَ؛ أَيْ: لَا تُغْنِي عَنْهُمْ أي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْغَنَاءِ.

﴿ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾: جَعَلَهُمْ اللهُ تَعَالَى أَصْحَابُهَا؛ لِأَنَّهَا تلازمهم ملازمة الصاحب لصاحبه، فلا تفارقهم ولا يفارقونها؛ كما قال تَعَالَى: ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ [الفرقان: 65]؛ أَيْ: مُلَازِمًا دَائِمًا لا يُفَارِقُ مَنْ عُذِّبَ بِهِ مِنَ الْكُفَّارِ.

﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾: تذييلٌ لبيانِ أَنَّ صُحْبَتُهُمْ إِيَّاهَا صُحْبَةٌ لَا انْقِطَاعَ لَهَا، وَأَنَّ عذَابَهُم لَا نِهَايةَ لَهُ.

﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾.

مناسبة الآية لما قبلها:
لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ أَمْوَالَ الْكُفَّارِ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ فِي الآخِرَةِ شَيْئًا، بَيَّنَ سبحانهُ وَتَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بتلك الأموالِ حتى لو كانوا انفقوها فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصِّرُّ: الْبَرْدُ الشَّدِيدُ.

شَبَّهَ اللهُ تَعَالَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ الْكُفَّارُ مِنْ الأمَوالِ بالزَرْعِ الذي أَصَابَتهُ رِيحٌ بَارِدَةٌ شَدِيدَةٌ فاحترق، فلم ينتفعوا منه بشيءٍ، بَعْدَمَا عقدوا عليهِ الْآمَالَ، وَرَجَوا عَائِدَةَ نَفْعِهِ؛ فإنَّ الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة.

والمعنى: هذا الإنفاق الذي يعدونه من القربات ويحتسبون أجره، لن ينفعهم عند الله، وسيحبط الله أعمالهم؛ لكفرهم بالله تعالى وتكذيبهم لرسوله محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

﴿ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾: ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جُمْلةٌ مُعْتَرِضَةٌ هي علةُ إهلاك الزروع والثمارِ.

وظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بحملها عَلَى الكُفْرِ والْمَعَاصِي، فاستحقوا عقابَ اللهِ تعالى لهم، وفي الآيةِ دليلٌ على أَنَّ المصائِبَ والْجَوَائِحَ التي تصيبُ النَّاسِ سببها مَا اقْتَرَفُوهُ من الذُنُوبِ والآثامِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ حِينَ لَمْ يَتَقَبَّلْ منهم نَفَقَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ شَرْطُ فِي قَبُولِ الْأَعْمَالِ.

الأَسَالِيبُ البَلَاغِيةُ:
مِنَ الأَسَالِيبِ البَلَاغِيةِ: تقديم الضمير في قوله: ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾؛ ليدل على التخصيص.

التَّشْبِيهُ المركبُ التمثيلي فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ.... ﴾، شبَّه ما ينفقونه في رياءً وسمعةً بالزرع الذي أصابته الريح الباردة.

ويجوز أن يرادَ مثَلُ إهلاكِ ما ينفقون كمثَل إهلاكِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.49%)]