عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 09-12-2024, 09:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي





ضمان اليد


ضمان اليد يكون الغاصب قد اغتصب الشيء ولم يتصرف فيه، فحينئذ نضمنه بيد الغصب وهي التي أخذت، أو حالت بين المالك وملكه.
ويد الغصب تثبت على الشيء بضابط الغصب الذي تقدم معنا، وفي هذه الحالة الغاصب لا يتصرف في الشيء المغصوب، فيأخذ أرضا ولا يتصرف فيها، أو يأخذ سيارة ولا يتصرف فيها ولا يحركها ولا ينقلها من مكانها، فإذا كان الغاصب قد اغتصب شيئا ولم يتصرف فيه ولكن حال بينه وبين صاحبه، فقهره عليه وأخذه منه بالاستيلاء -وهذا ما تقدم معنا مما يسمى بالاستيلاء الحكمي- إذا لم يكن هناك نقل حيازة، فإنه في هذه الحالة يضمن المنفعة، ويضمن العين، ويضمن العين مع المنفعة.
وتصوير ذلك: لو أن رجلا اغتصب سيارة وأخذ مفاتيحها من مالكها، وقال له: إذا قربت السيارة أو أخذت السيارة أفعل بك وأفعل؟! فهدده ومنعه من السيارة واستولى عليها حكما أو استولى عليها قهرا، فالسيارة أصبحت منتقلة من يد الملكية من صاحبها إلى يد الغصب لمن اغتصب.
فلما غصبها ما تصرف في السيارة، ما فتحها ولا ركبها ولا تصرف فيها بشيء، فالسيارة تلفت في موضعها، بقيت -مثلا- عشر سنوات ثم تعطلت تماما وتلفت، فلم يتلفها الغاصب ولم يتلفها أجنبي ولم يتلفها المالك، وإنما التلف وقع بطبيعة الحال، أو نزلت عليها صاعقة من السماء فأحرقتها، المهم أنها لم تتلف بيد الغاصب ولا بتصرفه، ولا بأجنبي ولا بمالك.
في هذه الحالة نقول: اغتصابه يوجب ضمانه، وهذا ما يسمى بيد الغاصب، ويد الغاصب يقول بها جمهور العلماء، أنه بمجرد قهره لأخيه المسلم وأخذه لماله والاستيلاء عليه حقيقة أم حكما، حقيقة: كأن يحوزه ويأخذ منه القلم فيجعله عنده في جيبه، أو يضعه في حقيبته، أو يضعه في درجه أو في دولابه، هذا النقل.
أو حكما: يكون المغصوب في مكانه ولا يستطيع صاحبه أن يصل إليه بسببب منع الغاصب.
في هذه الأحوال كلها يضمن الغاصب، مع أنه لم يكن هو الذي أتلف، فيضمن المنفعة، ويضمن العين، ويضمن كذلك العين مع المنفعة.
الصورة الأولى: يضمن المنفعة، مثال ذلك: لو أخذ دارا فأخذ مفاتيحها ومنع صاحبها من الدخول والاستفادة منها، ومضى على هذا الغصب سنة، لم يدخل الدار ولم يتصرف فيها، فهذه الدار منعت سنة كاملة وهي بكامل أجزائها وكامل منافعها، فلما كملت السنة ردت الدار لصاحبها كاملة، فالعين كاملة، لكن تعطلت منفعتها سنة كاملة، فالذي اغتصبها يضمن المنفعة، وهذا مذهب الجمهور: يدفع أجرة الدار سنة كاملة.
الصورة الثانية: أن يضمن باليد العين، كأن يأخذ مثلا سيارة لشخص ويقهره عليها فيغتصبها، ثم تتلف السيارة مباشرة بعد الغصب ولو بدقيقة، فبمجرد غصب الغاصب للعين تدخل إلى ذمته، سواء تلفت بتصرفه أو بتصرف غيره فيده ضامنة، وهذا ما يسمى بضمان اليد، فيضمن السيارة ولو تلفت بآفة سماوية.
كما لو أخذ مزرعة واغتصبها ولم يتصرف في المزرعة أبدا، وجاء إعصار بعد الغصب ولو بثانية وأحرقها، ضمن المزرعة كاملة، وهذا ضمان العين.
الصورة الثالثة: الضمان بالنسبة للعين مع المنفعة، مثل: أن يغتصب سيارة سنة، ثم تلفت هذه السيارة، ولم يتصرف فيها ولم يتلفها فقد ضمن بيد الغصب منفعة السيارة سنة، فيدفع أجرة استغلال السيارة سنة، ويدفع قيمة السيارة ضمانا للعين على التفصيل الذي تقدم في ضمان العين.
إذا: ضمان اليد يكون للمنفعة ويكون للعين، ويكون للعين والمنفعة معا.
ما الدليل على مسألة ضمان اليد؟! لماذا نضمن الغاصب ونلزمه بدفع أجرة الشيء أي: (منفعته) ونلزمه بدفع قيمة العين إذا تلفت، ونلزمه بدفع الاثنين إذا حصل الموجب للضمان بهما؟!! الدليل على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) فدل على أن الغاصب بمجرد غصبه: (على اليد ما أخذت) بمجرد غصبه وقهره لأخيه المسلم واعتدائه على ماله فقد صار إلى ضمان حتى يؤديه.
فمن اغتصب عينا وفيها منفعة ألزمناه بدفع المنفعة، وذلك بدفع الأجرة، فألزمناه بضمان المنفعة بدفع أجرتها.
ومن أخذ عينا وتلفت بعد أخذه ألزمناه بردها؛ لأنه قد أخذها إما حقيقة أو حكما.
ومن أخذ العين وحبسها مدة فيها منفعة وعطلها عن صاحبها ضمن الأمرين، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر برد الحق كاملا، فمن ضيع المنفعة قلنا له: رد هذه المنفعة بأجرتها، ومن ضيع العين قلنا له: رد هذه العين بضمانها، ومن ضيع الأمرين وجب عليه ضمانهما معا.
ضمان اليد يقول به جمهور العلماء وينازع فيه الإمام أبو حنيفة رحمه الله وبعض أصحابه، والإمام أبو حنيفة عنده قاعدة، والحنفية رحمهم الله يقولون: ليس هناك في الغصب ضمان للمنفعة، ولا يرون ضمان المنافع.
وسيأتي هذا معنا -إن شاء الله- ونبين شبهتهم ودليلهم والجواب عليه في المسألة التي سيذكرها المصنف بعد هذه المسألة.



حكم قلع المبني أو المزروع في الأرض المغصوبة


قال رحمه الله: [وإن بنى في الأرض أو غرس لزمه القلع] .
(لزمه القلع) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس لعرق ظالم حق) .
قال رحمه الله: [وأرش نقصها] .
ينظر في الأرض بعد القلع إن نقصت قيمتها، يقال: ادفع الأرش، وهو الفرق بين قيمتها كاملة وقيمتها ناقصة.
قال رحمه الله: [وتسويتها] .
ويلزم بتسويتها، يعني: إعادتها على وضعها وردم الحفر وإعادتها؛ لأنه أخذها مستوية فيردها مستوية، ولا يترك الحفر فيها؛ لأن هذا يشوه الأرض ويضر بمصلحة المالك.



منافع الأعيان المغصوبة مضمونة


قال رحمه الله: [والأجرة] .
ويلزمه دفع أجرة الأرض، وهذا مبني على الأصل الذي ذكرناه من أن منافع الأعيان المغصوبة مضمونة، وخالف في هذه المسألة الحنفية وأشد ما يكون خلافهم في العقارات، فالأرض عندهم أصل ما يثبت عليها غصب.
يقولون: عندنا مالك وعندنا مملوك، فالأشياء إما أن تكون مالكة وإما أن تكون مملوكة، فالأرض التي غصبت مملوكة، فالشخص إذا جاء وأخذ الأرض قهرا فإنه لا يعتبر غاصبا لها؛ لأن هناك شيئا يسمى التعدي بالتصرف، وهناك التعدي بدون تصرف، وهناك ما يجمع الأمرين، فإذا جاء الشخص وأخذ الشيء فقط ولم يتصرف فيه فإنه في هذه الحالة لا يكون غاصبا حقيقة؛ لأن الغصب عندهم يستقر بإزالة يد المالك عن الشيء، والعقار لا يمكن نقله ولا يمكن إزالة يد مالكه عنه؛ ولذلك لا يرون حقيقة الغصب تنطبق على العقارات في الأرض، سواء غرست أو بنيت، فلا يلزمون بدفع الأجرة؛ لأنهم لا يرون أن منافعه تضمن.
وعندهم دليلان: الدليل الأول: يقولون: إن المنافع ليست بمال، وإنما تضمن الأموال وما في حكمها، والمنافع ليست بأموال عند الحنفية، ولكن عند الجمهور أنها أموال بدليل: أن الدار تؤجر وتسكن بمائة ألف -مثلا- تدفع لقاء السكن، والدابة أو السيارة تركبها؛ فمنفعتها تدفع لقاءها مائة ريال أو خمسين ريالا، إذا: معنى ذلك: أن السكنى والركوب والمنافع لها قيمة، وتعتبر من جنس الأموال من هذا الوجه.
الدليل الثاني: قالوا: عندما يأتي الشخص ويغتصب هذه العمارة ويأخذها، فإنه عند سكنى العمارة شهرا كاملا -التي هي مدة الغصب- تكون جميع منافعها ومصالحها تحت ضمان الغاصب، والذي يتحمل مسئوليتها الغاصب، فمن حقه أن ينتفع، ومن حقه أن يغصب هذه المنافع، حتى زوائد المغصوب لا يدفعها ولا يضمنها، وهذا أصل عند الحنفية رحمهم الله، وهذا ضعيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) فألزم بضمان الشيء الذي أخذ، وقد أخذ المنفعة فيلزمه رد قيمتها؛ لأنه يتعذر رد المنافع بمثلها، فيلزم بدفع قيمتها وضمانها بالقيمة، وكذلك أيضا يتعذر رد المنافع بأعيانها؛ لأن سكنى الدار شهرا ذهبت ولا تستطيع أن تردها.
فما هي كالعين ترد! ولذلك لا يمكن رد المنافع بأعيانها، ولا يمكن رد المنافع بمثلها؛ لأنه ليس هناك دار مثل هذه الدار من كل الوجوه، فمثلا: لو أنه اغتصب دارا في وسط المدينة، فإنه إذا وجد الدار في وسط المدينة لا يمكن أن يجد دارا في نفس المكان وبنفس الصفات، ولابد أن تكون مثلية؛ لأن المثلية يشترط فيها المساواة من كل الوجوه.
وبناء على ذلك: لا يصح أن يقال: إن المنافع تضمن بالمثل، فتعذر وجود المثلي وتعذر رد عين المنافع، وتعذر رد المثل فوجب ضمانها بالقيمة؛ ولذلك إذا عطل عليه منافعه ومنعه من سكنى الدار سواء استغل أو لم يستغل فإنه يلزم بضمانها.
حكم من غصب جارحا أو عبدا أو فرسا
قال رحمه الله: [ولو غصب جارحا أو عبدا أو فرسا فحصل بذلك صيدا فلمالكها] .
قوله: (ولو غصب جارحا) غصب الجارح يشمل: الكلب المعلم، والطيور الجوارح مثل: الصقر والباز والشواهين والباشق ونحوها من جوارح الطير.
فالجوارح المعلمة سواء كانت من الطيور أو كانت من السباع العادية، إذا اغتصبه وأخذه وصاد به فللعلماء في ذلك وجهان: قال بعض العلماء: إذا أخذ الكلب وصاد به ملك الغاصب الصيد ورد الكلب.
وقال بعض العلماء: بل إن الصيد يكون ملكا لصاحب الكلب، وهذا هو الصحيح الذي اختاره المصنف رحمه الله، والحنابلة والشافعية على هذا، أنه إذا اغتصب جارحا فإن صيده يكون للمالك؛ وذلك لأن الجارح هو الذي أخذ الصيد، وأخذه وهو ملك لصاحبه، والشرع أحل لصاحبه المنفعة وأن ينتفع بذلك الكلب ويرتفق به.
لكن أصحاب القول الأول قالوا: إن الجارح من حيث الأصل لا يملك؛ فليست هناك يد وإنما له يد على المنفعة، فإذا اغتصبه حينئذ لا يكون هناك ملك لصاحب اليد الأصلية، فيبقى الانتفاع للغاصب وليس للمغصوب منه.
والصحيح: أن الصيد يكون للمغصوب منه.
وقوله: (أو عبدا) .
أو غصب عبدا، فصاد هذ العبد وحصلت منه المنفعة، فإنه يكون ملكا للمغصوب منه وليس للغاصب.
وقوله: (أو فرسا) .
وهكذا الفرس لو أنه ارتفق به وانتفع، فإنه يضمن، وهذه المسألة تعرف بمنافع المغصوب، ومنافع المغصوب يمثل لها بالحيوانات، ويمثل لها بالعقارات؛ لأن الحيوان إما أن يكون آدميا أو غير آدمي، فمثل لغير الآدمي بالجارح، ومثل للآدمي بالعبد، ومثل لغير المنقول بالعقار وهو الدار، ومثل للحيوان بالفرس.
فأصبح إما أن يكون حيوانا يملك منفعته، وإما أن يكون حيوانا يملك ذاته، وإما أن يكون آدميا بالنسبة للمنافع، ومنافع الحيوانات إما أن تكون منفعة من حيوان لا تملك ذاته كالأسد والكلب، ولكن تملك منفعته: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} [المائدة:4] فإنه تملك منفعة الصيد به، ولذلك الكلب لا تملك عينه، وإذا أتلفه الغير فلا يضمن قيمة الكلب كما ذكرنا؛ لأن الشرع أسقط الثمن أو القيمة في الكلب، ففي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثمن الكلب سحت) .
فإذا: غصب الحيوان يشمل الآدمي وغير الآدمي؛ فإن كان آدميا مثل له بالعبد، وإن كان غير آدمي فإما أن يكون حيوانا تملك ذاته ومثل له بالفرس، فالمنفعة تابعة لملكية الذات، أو يكون حيوانا لا تملك ذاته ومثل له بالجارح، فهذا التمثيل المراد به التقسيم ببيان التنظير في أصل المسألة في ملكية المنافع.
وقوله: (فحصل بذلك صيد فلمالكه) .
يعني: من الكلب أو العبد بأن صاد له، أو ركب الفرس وصاد عليه، ففي هذه الأحوال كلها المنافع تكون ملكا للمالك الأصلي للمنفعة أو المالك للرقبة مع منافعها على التفصيل الذي ذكرناه.



الأسئلة





انتقال العقد عند الحنفية من غصب إلى مزارعة












السؤال في قول الحنفية رحمهم الله: إذا كانت الأرض معدة للزراعة ينتقل العقد إلى عقد مزارعة بين المالك والغاصب، ما هي صورة عقد المزارعة بينهما؟
الجواب تنتقل المسألة من الغصب ومن صورة الاعتداء -لأنهم لا يرون الغصب في العقارات- إلى المزارعة، فنقول في هذه الأرض: هذا المكان إذا دفعت لشخص لكي يزرعها، كم يتفق أهل الأراضي في ذلك الموضع؟ مثال: لو كانت الأرض قريبة من المدن وأعطيت لشخص لزراعتها، فيعطاها على أن له النصف ولصاحب الأرض نصفها، فتكون مشاطرة بين الطرفين، فيقال: فهذه الأرض -المغصوبة- تأخذ حكم الأراضي الموجودة حولها، فيكون نصف الزرع -مثلا- للمالك، ونصف الزرع للذي غصبها، فالنتاج لصاحب الأرض وللغاصب، هذا إذا كانت الأرض يزارع عليها في مكانها ومحلها بهذا القدر.
وبعض الأحيان يؤثر الشيء المزروع، فمثلا: هناك مزارع يقع فيها عقد المزارعة؛ لأن عقد المزارعة يكون فيها العامل للبذر، فيبذر الأرض ويقوم عليها ويستصلحها ثم يشاركه صاحب الأرض في الإنتاج، فيكون صاحب الأرض قد قدم الأرض وقدم الماء الموجود فيها، ويكون العامل -الذي هو المزارع- قد دخل بالبذر وبالعمل، وهذا قدمناه وذكرناه حينما تعرضنا لمسألة المساقاة والمزارعة.
فالشراكة الآن بين العامل وبين رب الأرض، وهنا الشراكة بين الغاصب وبين رب الأرض، وفي بعض الأحيان يكون التأثير بحسب الزرع المزروع، فالمنطقة التي فيها الأرض المغصوبة أو المأخوذة إذا زرع فيها -مثلا- الشعير، جرى العرف عند أهلها أن تكون ثلاثة أرباع للمالك وربع للعامل.
نقول: إذا: للغاصب الربع ولمالك الأرض ثلاثة أرباع.
ولو زرعت ذرة وجرى العرف في ذلك الموضع أن يأخذ العامل ثلثين، والثلث لرب الأرض، نقول: الثلثان للغاصب والثلث لرب الأرض، فيقاس على هذا، فيحددون المزارعة وقدرها على حسب العرف، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا، فهم يرون كأنهما اشترطا ودخلا العقد على هذا على حسب العرف بذلك، فننصف الطرفين ونعطي هذا حقه بالعرف، ونعطي مالك الأرض أيضا قدره من المزارعة بالعرف، والله تعالى أعلم.



حكم صلاة العيد في الأودية


السؤال يقول السائل: نحن نسكن في قرية تحيط بها الجبال، ولا يوجد مصلى للعيد إلا في وادي السيل، وقيل لنا: أن الصلاة لا تصح في الوادي، فهل هذا صحيح؟ وهل نترك الوادي ونصلي في الجامع، مع العلم أننا نخشى مداهمة السيل أو نحوه؟
الجواب أما في الحقيقة من حيث الأصل فالسنة الصلاة في البراري والصحراء، لكن لو صليتم في الوادي فالصلاة صحيحة، ولا أعرف أحدا من أهل العلم يقول: إن الصلاة داخل الوادي باطلة، والله يقول عن مكة: {بواد غير ذي زرع} [إبراهيم:37] يعني: مكة التي هي قبلة المسلمين كلها في وادي، ولا أحد يقول: إن الصلاة في الوادي باطلة.
لكن هل نطلب السنة على وجه يعرض أرواح الناس للخطر، في الأزمنة التي يغلب على الظن فيها وجود المطر في المنطقة أو حول المنطقة التي هي مراوي الوادي، لأن مشكلة الوادي وهذا معروف بالاستقراء والتتبع وقول أهل الخبرة ربما تكون مراوي الوادي على بعد مائتين كيلو.
فالذي يظهر أنه لا يجوز تعريض أرواح الناس لمثل هذا.
وأما إذا كان في زمان يغلب على الظن عدم وجود السيل، ويغلب على الظن عدم وجود الضرر فالأمر فيه أخف إن شاء الله، أما الصلاة -إن شاء الله- صحيحة، والله تعالى أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم.



حكم زراعة شخص في أرض شريكه دون إذن


السؤال من زرع دون إذن شريكه، هل له أحكام الغاصب وذلك في الشق الذي لشريكه؟
الجواب باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فهذه المسألة أفتى فيها بعض أهل العلم رحمهم الله: أنه إذا زرع في نصيب شريكه مكن الشريك من الزراعة في نصيبه عوضا، فيقال له: ازرع لمدة ثلاثة أشهر، ويقال لشريكه: إذا فرغ تأخذ أنت أيضا أرضه وتزرع وتأخذ كما أخذ.
وهذا إنما يتأتى في حال استواء الأرضين، كما لو كانت الأرض بينهما مناصفة، وكانت القسمة قسمة مهايأة بين الشريكين وكلا الأرضين بصفات واحدة حيث يكون هناك عدل بين الطرفين.
وهناك وجه لبعض العلماء رحمهم الله أنه ينزل الشريك منزلة الغاصب ويعتبره في حكم الغاصب، فإذا زرع وحصد ضمن أجرة الأرض مدة زراعته.
فعلى الوجه الأول يمكن المظلوم من أخذ حقه بالزراعة، وعلى الوجه الثاني يمكن من أخذ حقه عن طريق المعاوضة بالإجارة، والله تعالى أعلم.



معنى النقص المستقر


السؤال قال الشارح رحمه الله في مسألة أرش النقص: (وكذا كل عين مغصوبة على الغاصب ضمان نقصها إذا كان نقصا مستقرا) فما معنى قوله: مستقرا؟
الجواب النقص ينقسم إلى صور، في بعض الأحيان يبقى ويؤثر في المالية ويؤثر في القيمة، وبعض الأحيان لا يبقى، فمثلا: لو أنه أخذ العبد فمرض العبد ونقصت قيمته، ثم لما رده رده وقد شفي.
أخذ منه فرسا، والفرس صحيح سوي، فمكث عند الغاصب ثلاثة أشهر، في الشهر الأول مرض وهذا نقص، لكنه غير مستقر؛ لأنه لما دخل في الشهر الثاني شفي، فرجع إلى حالته، ففي هذه الحالة لا يكون مضمونا ولا يلزم بدفع النقص؛ لأنه عاد على حالته والنقص الذي حدث عارض، فالعوارض التي لا تستقر ولا تثبت وليست بمؤثرة لا بالضمان في الأعيان ولا بالضمان في المنافع، والله تعالى أعلم.



قاعدة الغالب كالمحقق


السؤال لو منع الغاصب المالك أن يزرع أرضه، فكيف يكون ضمان الغاصب، إذ لا ندري لو زرع المالك هل ستخرج ثمرته أم تفسد؟
الجواب طبعا هذا ليس بوارد من وجوه: أولا: أنه إذا منعه من الزراعة فالقهر موجود، وصفة الغصب موجودة من جهة الاعتداء على أموال الناس، فيتحمل مسئولية هذا الاعتداء.
ثانيا: قولك: نحن لا ندري هل يخرج الزرع أو لا، القاعدة في الشريعة أن الحكم للغالب، فالأرض أرض زراعية، والبذر موجود، والزمن زمن زراعة، فما هو الغالب؟! فالغالب أن يخرج الزرع.
ولذلك تقول القاعدة -وهذه فائدة استخدام القواعد وتعملها-: إن الغالب كالمحقق، والحكم للغالب، والنادر لا حكم له، تقول: الغالب أن الأرض تخرج زرعها فيضمن له ذلك ولا عبرة بالنادر وكونه يحتمل أنها ما تخرج لا نعمل به، بل نعمل الغالب ونحكم بأنه ضامن لهذه الأرض هذه المدة، وعلى هذا يلزم بالضمان.
الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله قرر في كتابه النفيس: قواعد الأحكام ومصالح الأنام مسألة الظنون الضعيفة، وقال: إن الشريعة تبني على الظن الراجح، وأكثر مسائل الشريعة على الظنون الراجحة، يعني: على غلبة الظن، والظنون الضعيفة -من حيث الأصل- والاحتمالات الضعيفة لا يلتفت إليها ألبتة.
يقول رحمه الله: إذ لو ذهبنا نعمل مثل هذه الظنون الفاسدة لما استقامت الشريعة؛ لأننا إذا عملنا بهذه الظنون الفاسدة نقول: يحتمل أنها ما تخرج يحتمل تخرج! ولو أننا أعملنا بالاحتمال الضعيف ما بقي شيء، فأنت في أعظم الأشياء: الصلاة، التي هي ركن الإسلام وعموده، ويقف المسلم بين يدي ربه بالظنون؛ لأنه يستقبل القبلة بغالب الظن، فهو إن توجه إلى جهة القبلة هل هو قاطع 100% أنه على جهة القبلة؟! بل بغالب الظن.
وإذا جاء وتوضأ هل هو يقطع 100% أنه على وضوئه؟ ربما دخله الشك أنه خرج منه شيء ولم يخرج، فالظنون الفاسدة لا يلتفت إليها.
في الصيام لو جاء ورأى آثار مغيب الشمس هل يقطع 100% أنها غابت؟ لا يمكن، ففي بعض الأحيان لا يستطيع أن يقطع.
وحينما تأتي لعالم وتسأله عن مسألة اجتهادية ويفيتك، فالغالب صوابه، وغلبة الظن حينما تراه إنسانا يوثق بدينه وعلمه وقد شهد له أهل العلم بأنه أهل لهذا العلم الذي يفتي فيه في العقيدة أو في الحديث أو في الفقه وفي المسائل والأحكام، وجئت تسأله في شيء بينك وبين الله عز وجل وتتعبد لله عز وجل، فقد يكون الشيخ مخطئا، فيستحل الرجل وطء زوجته بغلبة الظن، ويقول له: لا، الطلاق ما وقع، فيحتمل أنه وقع، ويحتمل أن الشيخ أخطأ، لكن هذه الظنون كلها لا يلتفت إليها ولا يعتد بها، والحكم في الشرع لغالب الظن أنه مادام على علم وبصيرة والله وصف أمثال هؤلاء فقال: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون} [النساء:162] فوصفهم برسوخ العلم، وقال: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل:43] ورد إليهم بغلبة الظن بصوابهم.
ومن هنا كانت أحكام الشريعة والتعبد الله سبحانه وتعالى بغلبة الظن.
فإذا جئنا للحقوق وفصل الحقوق ومقاطع الحقوق بين الخصمين نحكم فيها بغالب الظن إن لم نكن على يقين وقطع؛ لأن الله تعبدنا بهذا الغالب.
وبهذا الغالب يمكننا أن نصل إلى حق كل ذي حق فنأمر من أخذ الحق برده، ونقول: إن هذه الأرض مادامت قد تهيأت للأسباب وهي صالحة للزرع فإنها تكون في حكم الأرض المزروعة، والله تعالى أعلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.83%)]