وجوب الضمان للعارية حتى ولو لم يوجد تفريط
السؤال هل تضمن العارية في حالة وقوع التلف أثناء الاستخدام حتى ولو لم يكن في استخدامه تعد أو تفريط؟
الجواب إذا استخدم السيارة بدون تعد أو تفريط وحصل تلف فهذا هو الذي فيه الخلاف، مثلا: خرج بالسيارة من المدينة إلى جدة وفي الطريق حصل تلف في السيارة، فهذا التلف أهل الخبرة يقولون: ليس استعماله مؤثرا، إنما هو تلف عارض، فنقول في هذه الحالة: تضمن سواء كان التلف بسببك أو بدون سببك؛ لأنه إذا كان التلف بسببه فبالإجماع يضمن، ومحل الخلاف فقط: إذا كان التلف بغير سببه هل يضمن أو لا يضمن؟ والصحيح أنه يضمن لظاهر السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.
هناك قاعدة دلت عليها السنة عن رسول صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة في سنن أبي داود، وهي مما أجمع العلماء على العمل بمتنها، وهو من الأحاديث التي تكلم في سندها وصح متنها، وقد قرر شيخ الإسلام وأئمة الحديث أن من السنة ما صح متنه وضعف سنده؛ فأغنت صحة متنه وشهرته بين العلماء عن طلب السند، لأن الأصول تصححه وتقويه، فلو كان سنده ضعيفا فإن الأصول الشرعية تدل على ثبوته، كما لو جاء حديث ضعيف يأمر بالصلاة فضعف سنده لا يوجب رده وقد يكون المتن صحيحا فنعمل بالمتن، لكن ضعف السند يمنعنا من نسبة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك فرق بين القضيتين.
ولذلك تجد البعض يشنع على من يقول بأحاديث ضعيفة، فيغفل عن هذه القواعد والضوابط التي قررها أهل العلم رحمة الله عليهم، فإن الحديث إذا كان ضعيفا وحكاه أهل العلم وأشاروا إلى ضعفه أو عزوه إلى من أخرجه، كان ذكره من باب الاستشهاد بالمتن الذي شهدت له الأصول.
يقول الإمام أحمد في حديث: (الخراج بالضمان) حديث عائشة الإجماع على العمل به، يعني: أجمع العلماء على العمل بمتنه، فهنا في العارية من الذي يأخذ المنفعة، من الذي يستفيد؟ المستعير، فنقول: تضمن هذه العين التي أنت آخذ منفعتها إذا حصل الضرر مدة الانتفاع.
فحتى مع أصول الشريعة القول الذي يقول بالتضمين يستقيم من جهة النظر، ويستقيم أيضا من جهة الأثر للحديث الذي ذكرناه، فسواء فرط أو لم يفرط فهو ضامن حتى يرد العين كما أخذها، والله تعالى أعلم.
حكم تضمين العامل إذا أتلف شيئا على الزبائن
السؤال لي محل لإصلاح الأجهزة، فأتلف العامل جهازا لأحد الناس على وجه الخطأ، فمن الذي يضمن، العامل أم صاحب المحل؟
الجواب هنا أمران: الأمر الأول: الأجير أو العامل في المحل تارة يكون عاملا عند صاحب المحل بالأجرة، وتارة يكون شريكا معه، وهذا يقع على اختلاف العلماء في مسألة الشراكة، إذا كان العامل الذي في الدكان يعمل ويأخذ أجرة شهرية، فصاحب الدكان يتحمل ضرر العامل الذي لم يخرج فيه عن أصول المهنة، وكل ضرر يقع من العامل بدون تفريط أو خروج عن أصول المهنة يضمنه صاحب المحل؛ لأن صاحب المحل يأخذ ربح المحل فيتحمل الخسارة التي تقع في المحل على القاعدة التي ذكرناها.
لكن لو أن العامل تساهل فحمل الزجاج ويده مبللة فسقط وانكسر، نقول: يضمن العامل؛ لأن المباشرة تسقط حكم السببية، وعلى هذا فقد باشر العامل الإتلاف بتفريط، وذلك عن طريق حمل هذا الشيء بطريقة محتملة للضرر ولم يتعاط أسباب المحافظة، وهذا تقصير وإهمال، ولو أن العامل جاء لكي يضع الغطاء على الشيء الذي أصلحه فوضعه بقوة فكسره أو أتلفه أو عطل شيئا فيضمن العامل؛ لأن فعله وطريقة وضعه لا تتفق مع أصول المهنة، ولو جاء العالم بالأجهزة الكهربائية فشبكها -مثلا- في الأفياش الكهربائية فاحترقت الأجهزة وكان هناك شيء في داخل الجهاز، نقول: إذا كانت أصول العمل عند الكهربائي أنه كان ينبغي عليه أن يفتش الجهاز الذي يريد إصلاحه فلم يفتش عن ذلك وجاء مباشرة وشغله حتى احترق فإنه يضمن لأن الاحتراق وقع بفعله، حينما أدخل هذا الفيش واشتعل الجهاز بسبب شبكه للفيش، فهو الذي باشر ويلزم بالضمان.
كل هذا فيه قواعد وثوابت تدور حول إهمال العامل وعدم إهماله، فإذا فعل العامل أي شيء لا نستطيع أن نقول: إنه مهمل أو غير مهمل إلا عن طريق أهل الخبرة، فإن كان العامل في الحدادة نرجع إلى الحدادين، النجارة النجارين، أي صنعة نرجع إلى أهل الخبرة فيها، وهذا شيء تكلم العلماء عليه كلاما نفيسا، وهي مسألة: شهادة أهل الخبرة.
ومن قرأ الفقه الإسلامي يعلم عزة هذه الشريعة وعظمتها وسموها، ويدرك أن كل شيء وضعه العلماء والأئمة فهو في موضعه؛ لأن هذه الأحكام تفرعت وبنيت على شريعة كاملة، وما بني على التمام والكمال كان له حظ من ذلك الوصف، فالشيء الذي يبنى على قواعد يكون شيئا مقربا وثابتا.
فالعامل إذا عمل شيئا خلاف ما قرره أهل الخبرة نقول: عليك الضمان، إذا عمل عملا ليس موافقا لكلام أهل الخبرة، وإذا حصل شيء قضاء وقدرا فإنه يضمن صاحب المحل وعليه الضمان بالشرط الذي ذكرناه، والله تعالى أعلم.
الرجوع إلى العرف في الانتفاع بالعارية
السؤال إذا كانت العارية إذنا بالمنفعة وليست ملكا للمنفعة، فأشكل علي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار أدرعا من صفوان رضي الله عنه وأعطاها الصحابة ولم ينتفع بها هو عليه السلام؟
الجواب لله درك، هذا سؤال جيد واستشكال جيد، وهذا قررناه وبيناه في مسائل الإجارة، مثلا: عندما تقول لشخص: وكلتك في تنظيف العمارة، فإن الوكيل ليس له أن يوكل غيره، لكن العرف والمعروف أن مثله ليس هو الذي ينظف، ولما قلت له: وكلتك في تنظيفها، يعني: وكلتك أن تأتي بمن ينظفها، فهذا شيء له ضوابطه وثوابته: أن العطاء للعارية إن كان على وجه جرى به العرف واقتضى تقييدا وإطلاقا قيد وأطلق به ولا إشكال في هذا، والحمد لله، والله تعالى أعلم.
حكم تكرار العمرة للمتمتع قبل الحج
السؤال رجل تمتع بعمرة إلى الحج، ثم أراد أن يعتمر تطوعا قبل اليوم الثامن، فهل يجوز له ذلك؟
الجواب العمرة جائزة في سائر السنة، وليس هناك محذور في إيقاع العمرة وزيارة البيت في أي وقت ما لم يكن الإنسان متلبسا بنسك الحج في وقت يمتنع عليه أن يأتي بالعمرة فيه، واختلف العلماء رحمهم الله في الحاج إذا تحلل وأراد أن يأتي بالعمرة في أيام التشريق، وهي مسألة خلافية تقدم الكلام عليها في كتاب المناسك، لكن بالنسبة لمسألتنا: لو جاء بعمرة من بلده ثم بقي بمكة ثم أنشأ عمرة ثانية وهو بمكة؛ فإن هذا جائز من حيث الأصل العام، ويستوي في ذلك أن تكون العمرة له أو لغيره، كأن ينشئ عمرة عن والده الميت الذي لم يعتمر، أو عن والدته، أو عن إنسان آخر لم يعتمر؛ فأراد أن يبرئ ذمته فهو مأجور على ذلك، أما عن نفسه فإن الأشبه والأولى أن لا يفعل ذلك، لكن لو فعله فليس هناك دليل يدل على التحريم والمنع، لكن يرد السؤال: لو فعل العمرة الثانية فهل التمتع بالأولى أم بالثانية؟ والجواب: أن التمتع واقع بالعمرة الأولى لا الثانية؛ لأن العمرة الأولى أنشأها في أشهر الحج وهو ناو للحج من عامه، وكان المنبغي عليه بعد انتهائه من عمرته وعند إرادته للحج أن يرجع إلى الميقات، فصار وجوب الدم عليه مبنيا على سقوط السفر إلى الميقات، فاستوى أن تدخل عمرة أو لا تدخل؛ لأن العبرة بكونه لم يسافر للإحرام بحجه من الميقات، ولذلك إذا رجع إلى بلده أو إلى ميقاته أو مسافة القصر سقط عنه دم التمتع، وعلى هذا فإننا نقول: إن العمرة الثانية لا تقطع العمرة الأولى على الوجه الذي ذكرناه، والله تعالى أعلم.
سقوط طواف الوداع عمن دون مسافة القصر
السؤال من كان ساكنا بمنطقة مكة وخارج حدود الحرم -كأهل حي البحيرات- فهل عليهم طواف وداع؟
الجواب من كان خارج حدود الحرم ففيه تفصيل: إن كان دون مسافة القصر -كأهل الجموم- فهؤلاء ليس عليهم طواف وداع، وأما إذا كانوا فوق مسافة القصر -كأهل عسفان وقديد- فهؤلاء يلزمهم طواف الوداع، والله تعالى أعلم.
حكم القارن إذا لم يستطع سوق الهدي
السؤال رجل يريد الحج قارنا ولم يستطع سوق الهدي، فهل يصح هذا النسك؟
الجواب ظاهر السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ساق الهدي، ولا يجوز للقارن أن يترك هذه السنة التي أطبقت فيها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال: (إني قلدت هدي ولبدت شعري؛ فلا أحل حتى أنحر) فدل هذا على أن الأصل في القارن أن يسوق الهدي معه وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم العبرة بأن يوقف الهدي معه، فإذا حصل ذلك أجزأه حتى ولو أخذه من مكة، وأما بالنسبة لكونه يترك هذه السنة ويأخذ الهدي من مكة وهو قادر على سوقه، فقال بعض العلماء: يكون آثما لمخالفته هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الفعلي الذي قال: (خذوا عني مناسككم) فلابد من سوق الهدي في القارن على الوجه الذي ذكرناه، والله تعالى أعلم.
أخذ المال على الحج عن الغير
السؤال إذا أردت الحج عن الغير بمقابل مال لنفقة الحج ولتسديد الديون، فهل هذا يجوز؟
الجواب لنفقة الحجة نعم، أما لتسديد الديون فلا يجوز، فالصحيح أن الحج ممكن أن تأخذ عليه أجرة بقدر ما أنفقت من مركب ومسكن ومنزل وهدي إذا كان الحج تمتعا أو قرانا، أما أن يكون الحج محلا للمزايدة والبيع والشراء، أحج عن ميتك بخمسة آلاف، لا بسبعة آلاف، كأنها بيع وشراء فلا، وهذا النوع من الإجارة يسميه العلماء بالإجارة على المقاطعة، والأول يسمونه الإجارة على البلاغ، والإجارة على البلاغ؛ أن يتحمل الورثة بلاغ الحاج إلى مكة، فيتحملون نفقة الركوب والأكل والملبس الذي يحتاج إليه لعمرته وحجه، وتحتسب النفقة ذهابا وإيابا، ويكون الضابط فيها: العرف لمثله؛ فإذا التزموا بذلك وأعطوه مبلغا ونقص المبلغ وجب عليهم أن يكملوه، ولو أعطوه مبلغا وزاد المبلغ وجب عليه أن يرد الزيادة، فلو أعطيت شخصا عشرة آلاف على أن يحج عن ميتك فحج وكلفه الحج أربعة آلاف وجب عليه رد الستة آلاف، ولو أعطيته ثلاثة آلاف وحج واشترى الهدي وبلغت تكاليفه خمسة آلاف تعطيه الألفين، هذا بالنسبة للأجرة على البلاغ، وهي التي يمكن أن يقال بها دون ما ذكرناه، والله تعالى أعلم.
توجيهات لطلبة العلم في التعامل مع الحجاج
السؤال بعض الحجاج يستفتي بعض طلبة العلم فما هو الطريق الصحيح لطالب العلم في مثل هذه الحالة؟
الجواب لاشك أن تعليم الحجاج ودلالتهم على الخير من أعظم الطاعات وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى، فإن الحجاج ضيوف على الله سبحانه وتعالى، والضيف يكرم ولا يهان يحسن إليه ولا يساء، ومن اتقى الله عز وجل في حجاج بيته فأحسن إليهم أحسن الله إليه في الدنيا والآخرة، فإن الله وصف الحجاج بأنهم آمون لبيته يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا، وأعظم شيء يطلبه الإنسان رضوان الله عز وجل، ولذلك قال الله عز وجل: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة:72] ، وهذا الرضا جعله الله فوق الجنة، أي: زيادة على الجنة، كما في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن الله يطلع على أهل الجنة فيقول: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا! وأعطيتنا! وأعطيتنا فيقول الله تعالى: أو لا أزيدكم، أحل عليكم رضائي فلا أسخط عليكم أبدا) .
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحل علينا رضاه فلا يسخط علينا أبدا، اللهم إنا نسألك الرضا الذي لا تسخط بعده أبدا.
فهذا الضيف الذي وعده الله عز وجل برضوانه وعفوه وغفرانه أن يعتق رقبته، وأن يعظم أجره ومثوبته، حتى أن الله لم يرض له جزاء إلا الجنة، يحتاج إلى تذكير بالله ودلالة على الخير، فإذا كان المسلم يستشعر أن الحاج ضيف على الله بهذه العبادة فليعلم أن أكمل ما تكون عليه العبادة هو العلم الشرعي المقرون بالعمل، ولا يمكن أن يكون حاجا على أتم الحج وأكمله إلا إذا كان عالما بالسنة ومطبقا لها، ولا يمكن أن يتعلم إلا إذا وفقه الله عز وجل لمن كان على بصيرة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة؛ فعلمه وأفتاه وبين له الحق.
أوصي طلاب العلم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يعلموا أن على أعناقهم ورقابهم أمانة وهي أمانة العلم، فتبليغ العلم أمانة، والله خاطب رسوله صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات بأداء هذه الأمانة: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} [المائدة:67] فأمره أن يبلغ، وحتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحس أن هذا البلاغ حتم عليه وواجب، وأنه أمر عظيم ثقيل، وقف عليه الصلاة والسلام أمام الأمة في يوم حجة الوداع في يوم عرفة، وكان أول ما استفتح به عليه الصلاة والسلام أن قال: (أيها الناس! اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا أبدا، ثم قال: أيها الناس! إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت.
فقال: اللهم فاشهد! اللهم فاشهد! اللهم فاشهد) .
هذا يدل على أن تبليغ العلم ودلالة الناس على الله عز وجل والقيام بهذا الواجب العظيم فريضة على كل من استبان له هذا الصراط المستقيم أن يدل الناس عليه، فالواجب أن تنظروا إلى الحجاج أنهم بحاجة إلى هذا العلم فتأخذوا بمجامع قلوبهم إلى الله، وأعظم ما تقدمونه لهم: صلاح دينهم وإيمانهم بالله عز وجل، وسلامة عقيدتهم بالإخلاص لله جل جلاله الذي من أجله كان الحج والعمرة، وشرائع الإسلام، وهو التوحيد الخالص والإيمان الكامل، ودلالتهم على صلتهم بالله عز وجل في الدعاء والاستغاثة والرجاء والذبح وغير ذلك من مسائل العقيدة المهمة التي عليها مدار الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة، بل عليها قبول الأعمال وردها، بل من أجلها أنزلت الكتب وأرسلت الرسل، وأول أمر في كتاب الله أمر الله به خلقه: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة:21] ، وأول نهي في كتاب الله عز وجل نهى عنه خلقه: {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} [البقرة:22] ، فالواجب على طلاب العلم أن يبدأوا بهذا الأساس العظيم الذي عليه صلاح الدين والدنيا والآخرة واستقامة الأمور كلها.
أما الأمر الثاني الذي يجب على طلاب العلم أن ينتبهوا له: تعليم الناس هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعلمونهم السنة وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحج، وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمر، وماذا كان يفعل، وماذا كان يقول، فهذا من أعظم ما يكون فيه الخير والبر: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها) هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله) النضارة: الحسن والنور في الوجه، فأهل السنة وجوههم مشرقة في الدنيا والآخرة.
فلا يزال طالب العلم في نور ورحمة يخوض غمار رحمات الله عز وجل، ومن هنا يبارك الله لطالب العلم في علمه حين يعلم الناس ويحرص على دلالتهم على الخير، وإذا جئت تحج تنظر عن يمينك وشمالك من الذي يحتاج إلى فتوجيه فتوجهه ولكن بالتي هي أحسن، فتنظرون إلى كبيرهم كأب ووالد تقدرونه وتجلونه، وتنظرون إلى من في سنكم أنه أخ لكم في لا إله إلا الله وبينكم وبينه وشائج الإسلام، وتنظرون إلى من هو صغير أنه مثل فلذات الكبد عزيز عليكم تنزلونه المنزل اللائق به، وتفعلون ذلك لله وفي الله وابتغاء مرضات الله.
لا تنظروا إلى لون ولا جنس ولا مصر ولا قطر ولا طائفة، ولكن انظروا إلى شيء واحد وهو الأخوة في الإسلام، وكونهم إخوة لكم في هذا الدين تحبونهم في الله، ولتعلموا أنهم ضيوف عليكم، والله يعلم أنهم ضيوف عليكم وأنهم يحبونكم في هذا الدين، وأنهم قد استودعوا صدورهم حسن الظن بكم، ولنسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم فوق ما يظن بكم من خير، والله أنعم على هذه البلاد نعمة عظيمة، فإن الناس يأتون هذا البيت ويزورونه فيخرجون بالمشاعر الطيبة، يخرجون وقد رأوا شعائر الإسلام وأخوة الإسلام، ورأوا أمة تقوم بصلاتها وزكاتها وعبادتها والتآلف فيما بينها، فهذا لا شك أنه نعمة عظيمة، يرون الإسلام أمام أعينهم بكم أنتم إذا وفقكم الله لتطبيقه والقيام بحقوقه والالتزام بفرائضه وأداء ما أوجب الله عليكم تجاه إخوانكم، فأحسنوا بهم الظنون، وأحسنوا إكرامهم، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيننا وإياكم على ذلك الخير والبر، والله تعالى أعلم.
حكم الحاج إذا اعتمر عن الغير في أشهر الحج
السؤال من اعتمر في أشهر الحج عن الغير وحج عن نفسه؛ فهل تلك العمرة التي أداها عن الغير مؤثرة وتصير النسك إلى التمتع؟
الجواب إذا اعتمر عن شخص وحج عن آخر أو حج عن نفسه أو العكس فليس حاله بحال المتمتع ولا يلزمه دم التمتع، ويكون اعتماره عن الغير كاعتمار الغير معه، كما لو جاء الغير معه معتمرا وهو حاج عن نفسه؛ ونحو ذلك: إذا نوى العمرة عن والده ثم حج عن نفسه أو العكس، لكن المشكلة لو أنه دخل من ميقات الجحفة ناويا العمرة عن والده والحج عن نفسه؛ فإن الواجب عليه بعد انتهائه من عمرة الوالد أن يرجع فيحرم بالحج من ميقات الجحفة؛ لأنه مر بالميقات ناويا النسكين، فيلزمه أن يرجع إلى الميقات ويحرم منه، فلا يحرم بالحج من هنا إلا إذا كان قد جاء بعمرة ولم ينو الحج في هذا العام، ثم طرأت عليه نية الحج وهو بمكة؛ فأصبح هناك صورتان: الصورة الأولى: أن يأتي من خارج المواقيت ناويا النسكين بالنوعين اللذين ذكرناهما، فنقول: ليس بمتمتع، هذا الحكم الأول، الحكم الثاني: يرجع بعد العمرة لكي يأتي بالحج من الميقات، فلا يتمتع بالعمرة إلى الحج لأنها عمرة منفصلة عن الحج، وإنما تكون العمرة متصلة لو كانت عن الشخص نفسه {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة:196] فهي للشخص نفسه، أما لو كانت العمرة عن شخص والحج عن آخر فإنه يكون كحج لشخص وعمرة لشخص جاءا مع بعضهما، هل نقول: عليهما دم تمتع؟ نقول: لا، فكذلك إذا نواه عن الغير؛ لأنه نية الغير ليست له هو، ولم يتمتع بها لحجه هو، وكذلك إذا كان الحج لوالده فلم يتمتع بها لحج والده، ولذلك تقع لوالده حجة مفردة ولا تقع تمتعا.
الأمر الثاني: يلزمك أن تخرج إلى الميقات؛ لأنك مررت بالميقات في زمان الحج ناويا النسكين، إلا إذا طرأت نية النسك الثاني وأنت بمكة فتحرم من مكة ولا شيء عليك، فإن لم يرجع إلى الميقات -في الصورة الأولى- وأحرم بالحج من مكة فعليه دم الجبران لا دم التمتع، وعليه جماهير السلف والخلف وأئمة الصحابة رضي الله عنهم ورحم الله أئمة العلم أجمعين.
والله تعالى أعلم.
حكم طواف الإفاضة لمن عجز عنه
السؤال من عجز عن طواف الإفاضة لكبر السن، وليس له مال يدفعه لمن يحمله ويطوف به، فما الحكم؟
الجواب طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، ومن حيث الأصل: التوكيل يجوز في الحج كله ويجوز في بعضه، وورد التوكيل في مسألة الرمي، فكان بعض مشائخنا رحمهم الله يقول: إذا طرأ عذر على الحاج ولم يستطع أن يطوف طواف الإفاضة وانتقل إلى بلده، مثلا: حصل عليه حادث فانعاق كلية، أو حصل عليه ضرر لا يستطيع معه أن يطوف البتة، ففي هذه الحالة قولان: القول الأول: أنه لا يجب عليه أن يطوف، كالميت الذي وقصته دابته فلم يلزمه إتمام نسكه للعجز؛ ولكن هذا القول مرجوح، وهناك من بعض مشائخنا من ناظر في هذه المسألة من كان يقول بهذا القول وقال: الأشبه أن يوكل؛ لأنه تعذر عليه أصالة، وقد صح شرعا أن يوكل في كل الحج، فلأن يصح في جزء الحج من باب أولى وأحرى.
القول الثاني: أنه يوكل غيره في حال عجزه الكلي، فإن كان لا يستطيع أن يطوف البتة، فإنه يمكن أن يقال بأنه يوكل من يطوف عنه، كما لو تعذر عليه الحج كله، فإنه يجوز أن يحج عنه غيره.
وبناء على ذلك: يستقيم أن يوكل من يطوف عنه طواف الإفاضة، ويبقى ممتنعا حتى يطاف عنه، يعني: يكون التحلل الثاني بالنسبة له متوقفا على هذا الطواف.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.