عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 08-12-2024, 07:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,486
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب السبق )
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (366)

صـــــ(1) إلى صــ(26)


شرح زاد المستقنع - باب السبق
من مميزات الإسلام أنه دين يحرص على القوة وأسبابها، ولذلك أمر بالإعداد للجهاد في سبيل الله عز وجل، واعتنى بالإعداد إلى حد أنه أباح لأتباعه أن يتسابقوا على عوض في الخيل والإبل والسهام، وأباحه في غيره بدون عوض، وبالتالي فعلى المسلم أن يكون عارفا بأحكام هذه المسألة وما يتعلق بها وشروط جوازها.
تعريف السبق لغة واصطلاحا
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب السبق] : السبق من المسائل التي اعتنى الشرع ببيان جملة من أحكامها، وهذا الباب ذكره العلماء رحمهم الله لاشتماله على الحقوق، فإن المتسابقين، خاصة إذا كان السباق بينهما بعوض، ووقعت المنافسة بينهما على جائزة أو نحو ذلك، يكون فيه نوع استحقاق، وحينئذ يرد السؤال عن الأحكام المتعلقة بهذا النوع من العقود.
يقال: سبق فلان فلانا إذا تقدم عليه، فالسبق في أصل اللغة المراد به: التقدم على الشيء، ولا يختلف المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، فحقيقته اصطلاحا هي حقيقته لغة، فالسابق هو المتقدم على غيره.
وهذا الباب المراد به: بيان الأحكام المتعلقة بالمنافسات، فإن الشريعة أجازت للمسلم أن يسابق على أشياء، ولم تجز له أن يسابق على أشياء أخر.
ومن هنا يرد
السؤال ما هي الأشياء التي يجوز أن يسابق فيها وعليها؟ وما هي الأشياء التي لا يجوز أن يقع السباق عليها؟ وهذا الباب الكلام في مقدماته:



مشروعية السبق والأدلة على ذلك


أولا: في مشروعية السبق: شرع السبق بدليل الكتاب، ودليل السنة، والإجماع.
أما دليل الكتاب فقد قال تعالى حكاية عن إخوة يوسف: {قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا} [يوسف:17] .
فقولهم: {إنا ذهبنا نستبق} [يوسف:17] : أي: نتسابق، وهذا شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد شرعنا بخلافه، ولم يرد شرعنا بخلاف ذلك، بل جاء بمشروعيته.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت مشروعية السبق بالقول وبالفعل، والسبق بإسكان الباء: المسابقة، والسبق بالفتح: العوض المدفوع في المسابقة.
فالسبق ثبت بفعله عليه الصلاة والسلام، وبقوله: أما بفعله: فقد صارع عليه الصلاة والسلام ركانة، وسابق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين خرج معها إلى مسجد قباء، وكان إذا خرج معها يسابقها عليه الصلاة والسلام في الطريق، فكان يسبقها، فلما كبر عليه الصلاة والسلام سبقته رضي الله عنها، قالت: (فلما أخذه اللحم سبقته) فقال عليه الصلاة والسلام: (هذه بتلك) صلوات الله وسلامه عليه.
وكذلك أيضا ثبت أنه أقر صحابته وسابق بينهم، فقد سابق بين الخيول، وسابق بين الرجال، وسابق بين سلمة بن الأكوع وبعض الصحابة رضوان الله عليهم، وسابق أيضا بين الخيل المضمرة وغير المضمرة، فسابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع، وذلك ما يقرب من ستة أميال إلى سبعة أميال.
والخيل المضمرة: هي الخيل التي تسقى وتعلف، ثم يمسك عنها العلف حتى تضمر، وتكون أسبق وأخف في العدو وفي السرعة.
وسابق عليه الصلاة والسلام بين الخيول، وشجع أصحابه رضوان الله عليهم على هذه الفروسية لما فيها من معاني الجهاد والقوة على الجهاد في سبيل الله.
وكذلك أجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية السباق من حيث الجملة، وأنه لا بأس بالمسابقة على التفصيل الذي سنذكره إن شاء الله تعالى.



إباحة السبق المقصود به الوصول إلى طاعة الله عز وجل


لكن الذي ينبغي أن يعلم أن الله تعالى أحل هذا النوع من المنافسات لحكمة عظيمة، وأسرار جليلة كريمة، فقبل أن يدخل طالب العلم في هذا الباب ينبغي أن يتنبه إلى أن أي شيء فيه منافسة فإن فيه ضررا، وذلك أنه يحدث الشحناء ويحدث البغضاء ويحدث إغارة الصدور بعضها على بعض.
ولكن الشريعة نظرت إلى مصلحة أعظم، فإن الجهاد في سبيل الله يحتاج إلى قوة في البدن، وقوة في العدد والعدة، وهذا يستلزم تهيئة البدن للجهاد في سبيل الله عز وجل، فالسباق ليس مرادا لذلك، وإنما هو مراد لما هو أعظم منه.
ولذلك نص العلماء على السباق فيما يستعان به على القوة في سبيل الله عز وجل، لا في مطلق المسابقة، وهذا أمر ينبغي لطالب العلم أن يتنبه له.
ولذلك نجد النصوص انصبت على ما يقوي المسلم على الجهاد في سبيل الله عز وجل؛ لأن الله أمر بالإعداد فقال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} [الأنفال:60] فأمر بالإعداد.
ومن الإعداد: تهيئة النفوس لمثل هذا، فإن المسلم إذا سابق ونافس غيره صارت عنده النفسية المتقبلة للمنافسة، فإذا دخل إلى ميدان الجهاد في سبيل الله، فهو بطبعه وبما أخذ من تجربته ومرور الحوادث المتكررة عليه في السباق، تجعله في قوة وجلد في الجهاد في سبيل الله عز وجل.
ولذلك خصت بالذكر ثلاثة أشياء لوجود العوض فيها، ولم يبق السبق على إطلاقه؛ لأنه لو خرج عن دائرة هذه الثلاثة الأشياء أوغر الصدر، وجعل المسلم يتمنى أن أخاه ينكسر، ويتمنى أنه يسبقه أو نحو ذلك، ولكنه إذا كان في الجهاد في سبيل الله عز وجل، وبقصد الاستعانة على طاعة الله، ارتفع عن هذا إلى ما هو أسمى وأعلى، وصار قربة وطاعة لله عز وجل، فيؤجر المسلم عليه ويثاب، بخلاف ما إذا كان محضا لما يراد به من أمور الدنيا.
أما من حيث الأصل العام: فإن السباق فيه فوائد تعود على بدن الإنسان، وعلى قوته مثل قوة الرمي، ومثل قوة الخيل على العدو في سبيل الله عز وجل كما ذكرنا في الجهاد، ثم إن هذا التنافس يجعل المسلم دائما يطمح إلى السمو بنفسه إلى المكان الأعلى، وفيه أيضا تشجيع لمن أعطاه الله عز وجل القوة وشدة الكلد أن يبقى على قوته وكلده، حتى يستعان به على طاعة الله عز وجل إلى غير ذلك من المصالح.
وقد أجمع العلماء على شرعيته من حيث الجملة، لكنهم اختلفوا في التفصيل.



أنواع السبق


والسباق يكون بالأبدان، الذي هو سباق الأشخاص، وإذا كان بالأبدان فإما أن يكون بالعدو، وإما أن يكون بالقوة، فإن كان بالقوة فهو المصارعة كأن يصطرع معه، أو يكون بالعدو وهو الجري، فهذا السبق بالأقدام ونحوها.
ويكون أيضا السباق بالدواب، وإذا كان بالدواب فإما أن يكون بذوات الحافر أو الخف كالخيول والإبل، وإما أن يكون بغيرها، فإذا كان بغيرها كالبغال ونحوها فهذا فيه تفصيل.



السبق بالعوض ومتى يصح؟


النصوص الشرعية بينت ما يقع به السبق، وما يصح أن يكون به السبق بعوض وما يجوز به المسابقة بدون عوض.
فهناك فرق بين المسابقة التي تكون بعوض، والمسابقة التي تكون بدون عوض، فالمسابقة التي تكون بعوض خصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء فقال: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) فهذه ثلاثة أشياء مشروعة للسباق بالجوائز، وتكون عليها الحوافز.
وعلى هذا نقول: السباق بالجري والعدو، والسباق بالمصارعة، وغيرها من الأشياء الأخر من حيث الأصل العام لا تدخل في العوض، لكن يجوز أن تسابق غيرك بالعدو والجري، بشرط أن لا يكون هناك عوض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة على غير عوض وقال: (لا سبق) بالتحريك أي بعوض (إلا في نصل) الذي هو الرمح (أو خف) الذي يقصد به الإبل (أو حافر) الذي يشمل الخيل وما في حكمها.
وبناء على ذلك نقول: إن السبق إما أن يكون بعوض، وإما أن يكون بغير عوض، فيفصل فيه على هذا التفصيل فانقسم إلى هذين النوعين.
هذا حاصل ما يقال في مقدمات السبق، وفي كل أحكامه التي سيذكرها المصنف رحمه الله.
قال رحمه الله تعالى: [يصح على الأقدام] : الأقدام: جمع قدم والمراد بذلك الجري، فلو أن جماعة قالوا: نريد أن نتسابق، لننظر من يسبق، وكان ذلك بغير عوض، فتسابقوا فلا بأس.
الدليل على ذلك: ما ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سابق عائشة رضي الله عنها، فالسباق بالأقدام ليس فيه بأس، إذا كان بدون عوض.
قال رحمه الله تعالى: [وسائر الحيوانات] : وذلك كالبغال، والحمير -أكرمكم الله- ونحوها من سائر الحيوانات، ويمكن أن يتسابقوا بالمراكب الموجودة الآن كالدراجات فيمكن أن يتسابقوا بها، ولا بأس بها حينئذ، إذا كان السباق بدون عوض.
قال رحمه الله تعالى: [والسفن] : وكذلك يكون السباق في المراكب والسفن، فليس في هذا بأس، هذا من حيث الأصل العام، أنه يكون السباق بما كان من الثلاثة وغيرها إذا لم يكن بعوض.
قال رحمه الله تعالى: [والمزاريق] : الزرق: الرمي يقال: زرق فلان فلانا إذا رماه، وأصلها رماح يرمى بها وتكون قصيرة مثل الحربة، وكانوا في القديم يترامون بها، وينظرون أنهم أبعد رميا، هذه المزاريق، وهي بخلاف النصل الذي هو السهم، فالسهام يراد برميها إصابة الهدف، لكن المزاريق تراد للبعد، وذلك ممكن أيضا بالحجارة، مثل أن يرمي شخص حجرا، ويرمي آخر حجرا، وينظران أيهما أبعد رميا، فالمزاريق من جهة الرمي للبعد، والنصل من جهة تحديد هدف معين، أو غرض معين يصاب، فيكون السباق فيها من جهة تحديد الإصابة ومكان الإصابة ونوعية الإصابة، وهذا سنذكره إن شاء الله تعالى.



يجوز العوض في سبق الإبل، والخيل، والسهام دون غيرها


قال رحمه الله: [ولا تصح في عوض إلا في إبل] : هذا ظاهر الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا سبق) فهذا معنى لا تصح، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا سبق) السبق بالتحريك ما فيه عوض، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في خف) ، المراد به الإبل، ولذلك قال رحمه الله تعالى: (في إبل) ، وإذا كانت في إبل فلها شروط، فلا بد من تعيين هذه الإبل بأوصافها، وذواتها، فهل هي من العرابي التي لها السنام الواحد، أو بختية ذات السنامين، ويحدد المركوب منها، فيقول: هذه الناقة وهذه الناقة، فتحدد الإبل التي يراد أن ينافس عليها.
قوله رحمه الله: [وخيل] : في حديثه صلى الله عليه وسلم قال: (أو حافر) ، فقوله: (أو حافر) ، المراد به الخيل.
قوله رحمه الله تعالى: [وسهام] : السهام: جمع سهم، فهذه الثلاث جائز دفع العوض في المسابقة فيها؛ ولذلك قال المصنف: [ولا تصح في عوض إلا في إبل، وخيل، وسهام] ، أي لا تصح المسابقة بجعل عوض من أحد المتسابقين، أو من غيرهما، إلا في هذه الثلاثة، لورود السنة بذلك.
وهذا يدل على الاختصاص؛ لأنه المفهوم من قوله: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) ، فكأنه ينهى عليه الصلاة والسلام عن إعطاء العوض في غير هذه الثلاث.
وقد بينا السبب في ذلك: أن الإبل يستعان بها على الجهاد في سبيل الله عز وجل، والخيل يستعان بها على الجهاد في سبيل الله عز وجل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود بنواصيه الخير إلى يوم القيامة) والحديث صحيح.
وكذلك أيضا بالنسبة للنصل فإنه يستعان به على الجهاد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي) .
وكما بينا أن العوض يوغل الصدور، ويحدث الشحناء والبغضاء، إلا أن وجود المصلحة في الجهاد أعظم من هذا كله، وهذا من باب تقديم المصلحة على المفسدة، ولذلك يقولون: إنه في بعض الأحيان من حيث الأصل تقدم المفسدة على المصلحة.
ويمكن أن يقال: إن درء المفاسد وإن كان مقدما على جلب المصالح، إلا أن جلب المصالح قد يقدم على درء المفاسد، وذهب بعض العلماء إلى أن الجهاد في سبيل الله درء لمفسدة أعظم، فيكون هذا من باب درء المفسدة الأعظم بارتكاب الأخف، وعلى هذا فإن مصلحة الجهاد وإن كان مصلحة في الظاهر، لكنها في الحقيقة رد لكلف العدو وأذيته للمسلمين، وهذا درء للمفسدة، وهذا وجيه، والقول الأول هو أوجه.



شروط السبق فيما يؤخذ فيه العوض





تعيين المركوب












قال رحمه الله: [ولابد من تعيين المركوبين] : أي: لابد لصحة المسابقة من تعيين المركوبين، هذه الناقة وهذه الناقة، فلابد أن يعين المركوبين، ويعين جنسهما ونوعهما، ويكون هناك نوع من التكافؤ، كما سيذكره المصنف رحمه الله.
أما لو كان المركوب مبهما وغير معروف، فإنه لا يصح، فلابد من تعيين المركوبين، هذا إذا قلنا بأنه يريد أن يسابق في خف، أو حافر فلابد وأن يكونا معينين.
والتعيين ضد الإبهام، فلا يصح أن يكونا مبهمين، أو مجهولين، بل لابد أن يعينهما ويحددهما.



اتحاد المركوبين


قال رحمه الله تعالى: [واتحادهما] : اتحاد المركوبين من حيث إنك تجعل الاثنين يدخلان إلى المسابقة، وكل منهما يقول: يمكن أن يسبقني نظيري.
أما لو كانا مختلفين، كأن يكون أحدهما من الإبل العرابية، والثاني من الإبل البختية؛ فحينئذ اختلف النوع، والجنس واحد -وهو كونهما من الإبل- فإذا اختلف نوعهما فقد اختلف العلماء: فقال بعض العلماء: يصح السبق مع اختلاف النوع واتحاد الجنس.
وقال بعض العلماء: لا يصح إذا اختلف النوع مع اتحاد الجنس، كما نص المصنف.
وفي الحقيقة -من حيث الدليل- فإن القول بأنه لا يشترط الاتحاد قوي جدا، وهذا يختاره بعض العلماء.
فاتحاد المركوبين الأشبه فيه أنه لا يشترط، لكن يشترط ألا يأمن أحدهما أن يسبق الآخر -هناك وجه من جهة الاشتراط أنه عدم أمن أن يسبقه- حتى يتحقق العدل؛ لأنه إذا كان السبق بعوض، ودخل الإنسان بفرس، ولا يشك أن فرسه سابق، وفرس الآخر مريض، أو هزيل، أو كبير، ولا يشك أنه سيسبقه؛ فحينئذ لا شك أنه سيأكل المال بالباطل؛ لأنها ليست مسابقة حقيقية.
وبناء على ذلك: لابد وأن يكونا متحدين في القوة متحدين في العدو، وبينهما اتحاد من جهة الوصف، هناك فرق بين اتحاد النوع واتحاد الوصف، فإذا اتحدا على وجه لا يأمن معه أن يسبق زميله، أو رفيقه أو منافسه صحت، أما إذا كان الاتحاد المراد به اتحاد النوعين فلا.
وعلى هذا فإنه إذا كان اختلاف النوعين مؤثرا صح ما ذكره المصنف في حالة فقط وهي: أن يكون أحدهما عرابيا والثاني بختيا وتكون البختية ثقيلة، والعرابية سريعة العدو؛ فحينئذ يترجح قول المصنف رحمه الله، لكنه على سبيل الخصوص لا على سبيل العموم.
فالخلاصة: أنه من حيث الاتحاد، عند اتحاد الجنس، واتحاد النوع، واتحاد الصفة، هناك ثلاث مراتب: فاتحاد الجنس: أن تكون -مثلا- كلها من الإبل، ولو أن هناك جنسا عاما وجنسا خاصا، فالمراد هنا أنها من جنس الإبل الخاص.
وأما اتحاد النوع فإن الإبل فيها العرابية وفيها البختية، فالعرابية لها سنام واحد، والبختية لها سنامان، فإذا قلت: يشترط -أيضا- اتحاد النوع، فحينئذ لا يصح أن يسابق بين عرابية وبختية.
ولكن الصحيح أنه يجوز أن يسابق بين العرابية والبختية، بشرط: اتحاد القوة، وعدم أمن السبق، كما ذكرنا، وفي هذه الحالة نشترط اتحادهما في الصفات من جهة السرعة والعدو، وليس المراد اتحادهما من جهة النوع، كما ذكرنا.
والدليل على أنه لا يشترط الاتحاد: عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (أو خف) ، فالإبل إذا كانت عرابية أو بختية فهي ذات خف، وقد عمم النبي صلى الله عليه وسلم في المسابقة بين ذوات الخف، سواء أكانت متحدة النوع أم مختلفة النوع، فيبقى على هذا العموم.
فالذي يظهر -والعلم عند الله- أنه لا يشترط اتحادهما من جهة النوع.



تعيين الرماة


قال رحمه الله تعالى: [والرماة] : أي: لابد من تعيين الرماة، والرماة: جمع رام، وتعيين الرماة كأن يقال: فلان، وفلان، أو نترامى أنا وأنت ومعنا فلان، فيتحدد الأشخاص الذين يريدون أن يتسابقوا على الرمي.
قلنا: لابد من تحديد الرماة حتى يتحقق ما ذكرناه من عدم أمن السبق، ويكون هناك نوع من التكافؤ بين الرماة، فلابد أن نعلم أشخاص الرماة حتى يغلب على ظننا تكافؤهم، وحينئذ يتحقق المقصود من المسابقة، أما لو كان أحد الراميين مريضا هزيلا مثلما ذكرنا في الخيل فلا يتأتى؛ لأنه لا يشك حينئذ أنه سيحوز سبقه وسبق صاحبه.



تعيين المسافة وتعيين الهدف


قال رحمه الله تعالى: [والمسافة بقدر معتاد] : أي: ويجب تعيين المسافة، وهذا في حالة الرمي، فيجب تعيين الرماة، وتعيين المسافة التي يرمى لها -مثلما ذكرنا في المزاريق- فإذا أرادوا أن يصيبوا هدفا، أو يتراموا بالبعد، -كما قال بعض العلماء: إن النصل عام يشمل رمي الهدف ورمي البعد- فإذا قلنا: إنه يشمل رمي الهدف والبعد، فإنه ينبغي في هذه الحالة إذا أرادوا أن يرموا هدفا-: أولا: تحديد هذا الهدف، فما هو الهدف، أو الغرض الذي يراد أن يرمى ثانيا: تحديد مكان الإصابة، فتحدد -مثلا- دوائر، يقال: الدائرة الأولى، الدائرة الثانية، الدائرة الثالثة.
أو يوضع شيء في داخل الغرض، ويقال: على إصابة هذا شيء، وعلى إصابة ما في هذا العمود شيء آخر، فلابد من تحديد الهدف.
وكذلك لابد من تحديد قدر الإصابة، وعدد الإصابة، كتحديد الرمي بعشر طلقات لكل واحد.
وإذا قلنا: إن النصل للهدف وتعيين الهدف -لأن هذا مما يستعان به على الجهاد- فإنهم إذا تراموا لإصابة هدف معين، فتارة يكون كل شخص أمامه غرضه فيقال: تضرب عشر طلقات، ويكون هناك -مثلا- مواضع مرتبة فيضرب فيها.
فتحدد عدد الطلقات، ويقال: لك عشر طلقات، فانظر كم تصيب منها، إما أن تصيبها كلها، أو تصيب أكثرها، فننظر أيهما أكثر إصابة، فيمكن حينئذ التفاضل من جهة كثرة الإصابة.
وتارة يقول أحدهما لصاحبه: ترمي طلقة وأرمي طلقة، على أن نصيب غرضا معينا، أنا أرمي ثم ترمي أنت، وترمي أنت ثم أرمي أنا.
فالأول على عدد الإصابات، والثاني على مطلق الإصابة، ثم قد يتحدد مطلق الإصابة، فهناك إصابة الهدف دون جرحه، وإصابة الهدف بجرحه، وإصابة الهدف بخزقه، وكلها لها مراتب معينة.
فالمقصود في الجهاد في سبيل الله عز وجل قوة الرمي بحيث إذا رمى في سبيل الله يكون رميه قوي الوقع.
فهو إذا رمى بالسهم حال السبق فلقوته ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يصيب السهم ويخرق وينفذ، فهذا سهم نافذ، وهذا أبلغ ما يكون في الإصابة، فيقال: لا يعطى العوض إلا لمن يخرق سهمه، فإذا أصبح شرطا، فلا عوض ولا سبق إلا لمن خزق وخرق ونفذ السهم.
النوع الثاني من الإصابة: أن يصيب ويبقى في نفس الشيء المصاب، فلا يخزق، لكن يتعلق به، فيكون السهم معلقا، وهي الدرجة الثانية من الإصابة.
الدرجة الثالثة من الإصابة: أن يصيب ويسقط فلا يثبت؛ لأنه يشد الوتر، فإذا كان رميه قويا فإنه يثبت؛ لأن النصل يثبت في الهدف، فإذا كان الرمي قويا خزق كما ذكرنا، وإذا كان دونه في القوة ثبت، وإذا كان ضعيفا ضرب ثم سقط، فإن ضرب ثم سقط فتارة يجرح، وتارة لا يجرح.
فإذا كل هذه تفصل وترتب، وفي زماننا قد يكون هناك نوع آخر من الإصابة، كما هو معلوم في علم الرماية، على حسب ما هو معروف في أعراف الرماة وتراتيبهم.
فالمهم أنه لابد من التعيين؛ لأن التعيين ينفي التنافس وينفي الشحناء، فإذا حدد الهدف، وحددت إصابة الهدف، وعدد الإصابة، وطريقة الإصابة، فإنه لا يأخذ السبق حينئذ إلا من كان مصيبا على الوجه الذي اتفق عليه بين الطرفين.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]