عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 07-12-2024, 04:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,486
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (352)

صـــــ(1) إلى صــ(14)


شرح زاد المستقنع - باب المساقاة [1]
من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن يسر لهم أمورا مشروعة، وأباحها لهم لكي ينتفع بعضهم من بعض، ومن ذلك المساقاة على كل شجر له ثمر كالنخيل والعنب والزروع، وذلك بضوابط شرعية يحفظ بها حق المالك والعامل في نفس الوقت.
وقد اختلف العلماء فيما تجوز عليه المساقاة، وقد وضح الشيخ سبب اختلافهم، ودلل لأقوالهم، وبين أن عقد المساقاة من العقود الجائزة، ثم ذكر بعض ما يترتب على ذلك من أحكام.



مشروعية المساقاة والحكمة من ذلك


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب المساقاة] المساقاة: مفاعلة من السقي، والمراد بالسقي ري الأرض.
وإنما سميت المساقاة بهذا الاسم؛ لأنهم كانوا بالمدينة وبالحجاز يحتاجون إلى سقي المزروعات؛ لأن الماء يكون في الآبار غالبا، ومن هنا كان أهم ما يحتاج إليه في هذا العقد سقي النخل والقيام عليه، ومن هنا سميت مساقاة، وإلا ففي الأصل أنها تشمل سقي النخيل والقيام عليه وغرسه ورعايته، وبذل كل ما يمكن أن يكون من أجل صلاح الثمرة وخروجها.
وهذا النوع من العقود عرفه بعض العلماء بقوله: المساقاة أن يدفع إنسان شجره إلى آخر لكي يقوم بسقيه وما يحتاج إليه على جزء من الثمرة.



أدلة مشروعية المساقاة


وهذا النوع من العقود مشروع بدليل السنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم: أما دليل السنة فقد روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها) ، والمراد بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما فتح خيبر وأذعنت له يهود، قالوا: يا محمد! دعنا في هذه الأرض نقوم عليها ونصلحها ولنا جزء من ثمرتها.
فنظر عليه الصلاة والسلام فوجد أن المصلحة تقتضي بقاءهم في خيبر، وقيامهم على النخل بالسقي؛ لأن الأنصار والمهاجرين سيرجعون معه إلى المدينة، ومن هنا رأى عليه الصلاة والسلام أن المصلحة في إبقاء النخل، يقومون على سقيه ورعايته فتخرج الثمرة ويبقى الأصل، ثم يأخذون جزءا من الثمرة، وحينئذ تكون مصلحة الإسلام في المعاملة بهذا النوع من العقود، فأقرهم عليه الصلاة والسلام، ولما سألوه أن يبقوا في الأرض بقاء مستديما قال عليه الصلاة والسلام: (نقركم فيها ما أقركم الله) ، أي: أننا نبقيكم وليس العقد مؤبدا، وإنما هو مؤقت إلى وقت أن يشاء الله عز وجل فنخرجكم منها، ولذلك نفذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبقاهم صدرا من خلافته، ثم أخرجهم عن خيبر وأجلاهم منها.
فالشاهد أن ثمر خيبر ونخلها كان يحتاج إلى صيانته ورعايته، فأقرهم عليه الصلاة والسلام.



أركان عقد المساقاة بين النبي ويهود خيبر


فأصبح عقد المساقاة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود على النحو الآتي: المساقي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الركن الأول في عقد المساقاة؛ لأنها تستلزم مساقيا، ومساقى، ومساقى عليه وهو المحل، وصيغة يتم بها العقد، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الأرض لأنه ولي المؤمنين والقائم على مصالحهم.
والمساقى هم اليهود، وهم العمال الذي يقيمون باستصلاح الأرض.
ثم المساقى عليه وهو نخل خيبر وما كان فيها من زروع.
وأما الصيغة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم فيها وقال: (نقركم ما شاء الله) .
فعاملهم، وكان الاتفاق بينه وبينهم على أنهم دائما يوفون بعقد المساقاة الذي يستلزم جانبين: الجانب الأول: أن يقوم العامل بالعمل.
والجانب الثاني: أن يلتزم رب النخل بإعطاء الأجرة والمقابل له بعد تمام عمله.
فإذا عندنا عمل العامل وهو رعايته للنخل وسقيه لها، وسنبين ما الذي يطالب به من القيام على مصالح النخيل.
إذا قام العامل بسقي النخل ورعى المزرعة رعاية تامة كاملة على الوجه المعتبر استحق الأجرة التي اتفق عليها، وهي نصف الثمرة أو ربعها الثمرة أو ثلثها أو غيره، فإذا جذ النخل وأخرجت منه ثمرته وحصد فإنه يأخذ الثمرة المتفق عليه.
وبناء على ذلك عقد عليه الصلاة والسلام هذا العقد على هذا الوجه، فدلت السنة على مشروعيته.
ولذلك أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على جواز هذا النوع من العقود، وقد حكى إجماعهم غير واحد من أهل العلم، ونقل الإمام ابن قدامة رحمه الله عن أبي جعفر الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ثم أبو بكر ثم عمر ثم المسلمون من بعدهم) دل على أنه كان أمرا معروفا وشائعا ذائعا بين المسلمين.
فتبين أن جماهير السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على جوازه، لكن خالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه، وعد عقد المساقاة من العقود التي فيها غرر، ووافقه على ذلك صاحبه زفر بن الهذيل رحمه الله، فقال بعدم مشروعية المساقاة، والصحيح ما قاله جماهير السلف والخلف وأئمة الصحابة والتابعين رحمة الله عليهم أجمعين؛ أن عقد المساقاة عقد مشروع.
وأما ما قاله من الغرر فإن الشريعة قد أذنت بهذا النوع على سبيل الرخصة، والأصل يقتضي أنها إجارة بمجهول جهالة الزمان وجهالة العمل؛ لأننا لا ندري متى تخرج الثمرة؟ ولا ندري هل تخرج كاملة أو ناقصة؟ ولا ندري هل تسلم من الآفات أو لا تسلم؟ فهو عقد فيه مخاطرة ولكن الشريعة الإسلامية أجازته.
وبناء على ذلك فالقول المعتبر قول من قال بجوازه، لدلالة السنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك.
ومن الحكم التي تستفاد من جواز عقد المساقاة عظيم الرفق الذي جعله الله في هذا العقد، فإنك ربما ملكت مزرعة لا تستطيع القيام بها، وقد لا تستطيع دفع النقود وسيولة المال للعامل، وأنت تريد أن تبقى هذه المزرعة، كأن يكون عندك مائة من النخل، فإن النخل يحتاج إلى جهد عظيم، ومشقة وعناية، وخبرة ودراية، فليس كل إنسان يحسن القيام على مزارع النخيل كما لا يخفى.
فإذا كان هذا النوع من المال عندك فإنه لو قيل لك: استأجر عاملا.
ربما لا توجد عندك السيولة التي تستأجره بها، ولا تجد من يتبرع، ولا تستطيع بنفسك، فجاءت الشريعة بالسماحة واليسر، وقالت للعامل: اعمل وخذ جزءا من الثمرة، فأصبحت هناك مصلحة لرب البستان ومصلحة للعامل، وهذا النوع لا شك أنه يقضي على البطالة؛ لأنه ربما وظفت عاملا لم يجد عملا، وأيضا فيه نوع من التكافل واستغلال الأموال وتنميتها دون أن تبقى معطلة.
وعلى هذا فلا شك أن القول بمشروعيته تتضمن الخير للأفراد والجماعات، ثم بقاء هذا البستان وخروج ثمرته وحصول منفعته؛ منفعة للمجتمع، فإن المجتمعات تنتفع بالنخيل وبالثمار التي تكون من المزروعات.
إذا ثبت القول بمشروعية عقد المساقاة، وأن فيه حكما عظيمة، فعقد المساقاة يستلزم الأركان التي ذكرناها، ومنها المساقي، وهو صاحب المزرعة، وقد تكون المزرعة لأكثر من شخص، كرجلين اشتريا مزرعة واستأجرا عاملا ليقوم بسقيها على أن يعطيه جزءا من الثمرة، فيكون المساقي أكثر من شخص.
وقد تكون المزرعة عند شخص ثم يموت ويتركها لورثته، والورثة يحبون بقاء المزرعة، أو لا يرغبون في بيعها، فحينئذ يكون المساقي أكثر من شخص وهم الورثة، ويوكلون من يقوم عنهم لإبرام العقد مع العامل.
والركن الثاني: المساقى، وهو العامل، وقد يكون عاملا واحدا وقد يكون أكثر من شخص، كأن تساقي شخصين أو ثلاثة وتقول لهم: اعملوا في هذه المزرعة واسقوها وقوموا برعايتها، ولكم نصف ما يخرج منها، فحينئذ يكون الطرف الثاني في العقد وهو المساقى أكثر من شخص، ويتفق هؤلاء الثلاثة أو الأربعة على القيام بالمزرعة، خاصة إذا كانت كبيرة لا يستطيع شخص واحد أن يقوم بها وإنما يقوم بها أكثر من شخص.



من شروط المساقاة أن تكون على جزء معين من الثمر


كذلك تستلزم المساقاة محلا، وهو مورد العقد، ويشمل ذلك جانبين؛ فالاتفاق بينك وبين العامل يستلزم جانبين: جانب لك وجانب عليك، والعامل جانب له وجانب عليه.
فأما الذي لك أنت صاحب النخل، فحقك عند العامل أن يقوم بتنظيف النخل وإصلاحه ورعايته وسقيه على الوجه الذي تحصل به الثمرة على أتم الوجوه وأحسنها، هذا بالنسبة للحق الذي لك على العامل.
والحق الذي للعامل عليك أن تدفع له ما اتفقتما عليه من نصف الثمرة أو ربعها أو جزء منها، ولا بد من أن يكون هذا الحق الذي للعامل معلوما، فلا يصح أن تقول له مثلا: اسق المزرعة وأعطيك جزءا منها، أو أعطيك شيئا منها، أو أرضيك بثمرة منها أو نحو ذلك.
وبناء على ذلك تتمحض المساقاة في كونها على جزء مما يخرج من النخل.
قد يكون الاتفاق على نخل ليس له ثمرة في الحال، وإنما في المستقبل، كما يقع في النخل الصغير، وهو ما يسمى بفسائل النخل، فإنها قد تتأخر في الطلع وتحتاج إلى سنتين أو ثلاث، وذلك يختلف باختلاف جودة الصنف والفسيلة، ووجود الرزق فيها من كونها تطلع بعد سنة أو سنتين، فتقول له: قم على هذا النوع من الفسائل وإذا خرجت ثمرته فإني أعطيك نصفها، فقد يجلس أربع سنوات وهو يعمل ثم تخرج الثمرة بعد أربع سنوات، ويستحق نصف الخارج أو ربعه كما سيأتي إن شاء الله.
فمحل العقد من حيث الأصل لك فيه حق من حيث إصلاح ثمرتك ورعايتها بالسقي وما يلزم.
وسنبين ذلك.
وللعامل حق أن تدفع له جزءا من الثمرة متفقا عليه، لكن لا يجوز أن تجمع له بين النقد وبين الجزء الخارج، فتقول له مثلا: اسق المزرعة وأعطيك ألف ريال في الشهر ولك نصف الخارج.
وبناء على ذلك فالإجارة هنا تتمحض في جزء من الخارج ولا يكون معه مال خارج عن هذا العقد؛ لأنها من العقود المستثناة ووردت على سبيل الرخصة، ولأنها إجارة في مجهول وهذا مسلك طائفة من العلماء كما هو مذهب الحنفية والمالكية، وهو أصح القولين في هذه المسألة.
قال رحمه الله تعالى: [تصح على كل شجر له ثمر يؤكل، وعلى ثمرة موجودة، وعلى شجر يغرسه، ويعمل عليه حتى يثمر، بجزء من الثمرة] قوله رحمه الله: [تصح] أي: المساقاة.
وعندما قال: (تصح) أفادنا أن عقدها من العقود الجائزة والمشروعة، وهذا كما قلنا قول جماهير العلماء، ودليل هذه الصحة حديث ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها) فدل على الجواز والمشروعية.
وقوله: (على كل شجر) هذا عموم.
إذا قلنا: يجوز للمسلم أن يساقي على أرضه، فتصوير المسألة: إذا كان عندك مزرعة وفيها نخل فإنك قد تختار في بعض الأحيان أن تأتي بعامل وتعطيه مبلغا شهريا أو أسبوعيا أو سنويا وتقول له: قم على هذه المزرعة ولك في كل يوم خمسون ريالا، أو كل أسبوع مائة ريال، أو كل شهر ألف ريال، أو كل سنة اثنا عشر ألف ريالا مثلا، هذا النوع من العقد يسمى عقد إجارة؛ لأن العمل فيه بالمياومة أو بالمشاهرة -بالشهر- أو بالمسانهة -بالسنة- وسيأتي إن شاء الله بيان أحكام الإجارة.
أما بالنسبة للمساقاة فإنها تختلف، فإنه يكون المقابل للعامل جزءا من الثمرة، وبناء على ذلك تقوم على السقي؛ لأنه الأغلب كما ذكرنا وإن كان عقدها لا ينحصر عليه؛ لأنه يستلزم التأبير والقيام على الثمرة بمصالحها، أما من حيث الأصل فإن المساقاة لا تكون بالنقود وإنما تكون بجزء مما يخرج من الثمرة.



الثمار التي تجوز فيها المساقاة وشروط المساقاة فيها


واختلف العلماء رحمهم الله في عقد المساقاة على أقوال: من أهل العلم من يقول: كل نخل وكل شجر له ثمر تجوز المساقاة عليه، وهذا المذهب يوصف بمذهب العموم، أي: أن أصحاب هذا القول يرون مشروعية المساقاة على جميع المزارع التي تشتمل على مزروعات فيها ثمار، فيصح أن تساقي على مزرعة النخيل ومزرعة العنب، ومزرعة الليمون، ومزرعة التفاح والبرتقال والتين والمشمش، ونحوها مما له ثمر.
وبناء على هذا القول يصبح العموم في جنس ما له ثمر؛ لأن المزروعات يكون لها ثمر، منه ما يؤكل ومنه ما لا يؤكل.
ثم إن هناك مزروعات لا ثمر لها مثل أشجار الزينة، فينحصر عند أصحاب هذا القول الاتفاق في المساقاة على المزارع التي تشتمل على ما له ثمر، وهذا القول هو اختيار الحنابلة رحمهم الله، واختاره بعض أئمة الحديث، أعني أنه يجوز أن تساقي على كل مزرعة فيها مزروعات لها أثمار تؤكل، فيشمل النخيل والعنب والحمضيات بسائر أنواعها.
فهذا قول الحنابلة وهو الذي درج عليه المصنف رحمه الله.
وقال بعض العلماء: لا تصح المساقاة إلا على النخيل فقط، وهذا مذهب الظاهرية قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على النخيل فقط، فلا تصح المساقاة إلا على النخيل دون بقية المزروعات، وهذا القول لا شك أنه مرجوح.
وقول ثالث عند من يجيز المساقاة في الثمار أنها تصح على نوعين: النخيل والأعناب (الكرم) وقالوا: إن النخيل والأعناب يجوز أن يساقى عليها؛ لأن العنب يأخذ حكم النخيل في أكثر الأحكام كما في الزكاة ونحوها، وأشبه المزروعات بالنخيل العنب.
وبناء على ذلك قالوا: لا يصح أن يقع عقد المساقاة إلا على مزرعة تشتمل على نخيل أو على عنب أو عليهما معا، فلو سأل سائل وعنده أشجار حمضيات كبرتقال أو ليمون، وأراد أن يساقي عليها ويقوم على رعايتها، فعلى هذا القول لا يجوز، وهو مذهب الشافعية.
فالظاهرية يخصون المساقاة بالنخيل لظاهر الحديث.
والشافعية يخصونه بالنخيل، والعنب عندهم ملحق بالنخيل قياسا.
والحنابلة نظروا إلى نص الحديث ومعناه، ومذهبهم أقوى وأرجح إن شاء الله، وهو أن المساقاة تشرع وتجوز على كل المزروعات التي لها ثمرة تؤكل، فإن كانت المزروعات لها أثمار لا تؤكل مثل القطن، فإنه لا يصح أن يساقى عليها.
وهذا شبه إجماع على أن المزروعات التي لا ثمرة لها أو لها ثمرة لا تؤكل لا تجوز المساقاة عليها.
وهذا يؤكد أن عقد المساقاة ليس عقدا قائما برأسه، إذ لو كان عقدا قائما برأسه لانصب على كل ما فيه منفعة، ولكن قولهم: إذا لم يكن له ثمرة لا يساقى، يدل على أنه مستثنى من الأصول، ولذلك انحصر في النخيل وما في حكمها من جهة الثمر.
وإذا أردت أن تجري السبر والتقسيم في الأوصاف المعتبرة في النص فإنك تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على سقي النخل، ولا شك أن العنب كان موجودا؛ فيكاد يحصل الجزم على أن أرض خيبر كان فيها العنب، وهذا أمر لا يمكن لأحد أن ينكره، ولذلك فالغالب أنه ساقاهم على النخل وغيره، وذكر النخل فقط؛ لأنه أغلب، وإلا فقد كانت المزروعات موجودة، وكل ذلك كان معروفا، حتى إن اليهود لما قدموا من الشام كانوا يعرفون الحمضيات، وكانت أرض الشام فيها الحمضيات، بل إنه يقوم أكثرها على زراعة الحمضيات، وعلى هذا فإن الصحيح أنه يجوز أن يساقى على كل شجر له ثمر يؤكل.
فاستفدنا من هذا صحة المساقاة، ودليلها ما ذكرناه.
ثانيا: أن المساقاة تصح على كل شجر بشرط أن تكون له ثمرة تؤكل، فلا تصح على كل شجر لا ثمرة له، أو على كل شجر له ثمرة لا تؤكل، ولا تنحصر في نوع من المأكولات والثمار أو من الأشجار التي لها ثمار تؤكل دون غيرها.
وقوله رحمه الله [تصح على كل شجر له ثمر يؤكل] بنص الحديث في النخل، وفي حكم النخل سائر الأشجار التي تؤكل، وذلك من جهة المعنى.
توضيح ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمن حق العاملين بالمساقاة بجزء مما يخرج، فإذا قلنا: إن هذا خاص بالنخل فإن هذا ضعيف؛ لأنه إذا عامل على التين والعنب والليمون والبرتقال فإن حق العامل محفوظ، كما لو عامل على النخل، وبناء على ذلك فالقول بكونها خاصة بالنخل جمود على الظاهر، والشريعة تعتبر الظاهر والمعنى، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) .
فنحن نفقه ونفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد من المساقاة أمرين: بقاء النخل عند مصلحة النخل لمن يملكه ويعجز عن القيام به، وضمان حق العامل، وهذا يقع في الحمضيات وأشجار الثمار التي لها ثمرة تؤكل كما يقع لغيرها من بقية المزروعات.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]