
05-12-2024, 09:11 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (320)
صــــــــــ 282 الى صـــــــــــ 289
خالفتم ما قال ابن المسيب أخرى فقلتم: يقوم سلعة فيكون فيها نقصه فلم تمحضوا قول واحد منهم.
(قال الشافعي) : وقد أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي «أن رجلا خطب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - في صداقها: التمس ولو خاتما من حديد» وحفظنا عن عمر قال: في ثلاث قبضات من زبيب فهو مهر (قال الشافعي) : وأخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب أنه قال: لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو أصدقها سوطا حلت له، أخبرنا ابن أبي يحيى قال: سألت ربيعة كم أقل الصداق؟ قال: ما تراضى به الأهلون فقلت: وإن كان درهما؟ قال: وإن كان نصف درهم قلت: وإن كان أقل قال: لو كان قبضة حنطة أو حبة حنطة قال: فهذا حديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخبر عن عمر وعن ابن المسيب وعن ربيعة وهذا عندكم كالإجماع، وقد سألت الدراوردي هل قال أحد بالمدينة لا يكون الصداق أقل من ربع دينار؟ فقال: لا والله ما علمت أحدا قاله قبل مالك وقال الدراوردي: أراه أخذه عن أبي حنيفة، قلت للشافعي: فقد فهمت ما ذكرت وما كنت أذهب في العلم إلا إلى قول أهل المدينة فقال الشافعي ما علمت أحدا انتحل قول أهل العلم من أهل المدينة أشد خلافا لأهل المدينة منكم ولو شئت أن أعد عليكم ما أملأ به ورقا كثيرا مما خالفتم فيه كثيرا من أهل المدينة عددتها عليكم وفيما ذكرت لك ما دلك على ما وراءه إن شاء الله، فقلت للشافعي: إن لنا كتابا قد صرنا إلى اتباعه وفيه ذكر أن الناس اجتمعوا وفيه الأمر المجتمع عليه عندنا وفيه الأمر عندنا.
(قال الشافعي) : فقد أوضحنا لكم ما يدلكم على أن ادعاء الإجماع بالمدينة وفي غيرها لا يجوز أن يكون وفي القول الذي ادعيتم فيه الإجماع اختلاف وأكثر ما قلتم الأمر المجتمع عليه مختلف فيه وإن شئتم مثلت لكم شيئا أجمع وأقصر وأحرى أن تحفظه مما فرغت منه قلت: فاذكر ذلك قال: تعرفون أنكم قلتم اجتمع الناس أن سجود القرآن أحد عشر ليس في المفصل منها شيء؟ قلت: نعم.
(قال الشافعي) : وقد رويتم عن أبي هريرة أنه سجد في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] وأخبرهم أن النبي سجد فيها وأن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلمة مر القراء أن يسجدوا في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] وأن عمر سجد في النجم قلت: نعم وإن عمر وابن عمر سجدا في سورة الحج سجدتين؟ قلت: نعم قال: فقد رويتم السجود في المفصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز فمن الناس الذين أجمعوا على السجود دون المفصل وهؤلاء الأئمة الذين ينتهى إلى أقاويلهم ما حفظنا نحن وأنتم في كتابكم عن أحد إلا سجودا في المفصل ولو رواه عن رجل أو اثنين أو ثلاثة ما جاز أن يقول أجمع الناس وهم مختلفون قلت: فتقول أنت أجمع الناس أن المفصل فيه سجود؟ قال: لا أقول اجتمعوا ولكن أعزي ذلك إلى من قاله وذلك الصدق ولا أدعي الإجماع إلا حيث لا يدفع أحد أنه إجماع أفترى قولكم اجتمع الناس أن سجود القرآن إحدى عشرة ليس في المفصل منها شيء يصح لكم أبدا قلت: فعلى أي شيء أكثر الفقهاء؟ قال: على أن في المفصل سجودا وأكثر أصحابنا على أن في سورة الحج سجدتين وهم يروون ذلك عن عمر وابن عمر وهذا مما أدخل في قوله اجتمع الناس لأنكم لا تعدون في الحج إلا سجدة وتزعمون أن الناس اجتمعوا على ذلك فأي الناس يجتمعون وهو يروي عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في الحج سجدتين أوتعرفون أنكم احتججتم في اليمين مع الشاهد على من خالفه وقد احتجوا عليكم بالقرآن فقلتم: أرأيتم الرجل يدعي على الرجل الحق أليس يحلف له، فإن لم يحلف رد اليمين على المدعي فحلف وأخذ حقه وقلتم: هذا ما لا شك فيه عند أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فإذا أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد، وأنه ليكتفي من هذا بثبوت السنة ولكن الإنسان يجب أن يعرف وجه الصواب.
فهذا تبيان ما أشكل من ذلك إن شاء الله تعالى قال: بلى وهكذا نقول (قال الشافعي) : أفتعرفون الذين خالفوكم في اليمن مع الشاهد يقولون بما
قلتم؟ قلت: ماذا؟ قال: أتعرفونهم يحلفون المدعى عليه، فإن نكل رد اليمين على المدعي فإن حلف أخذ حقه؟ قلت لا: (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وأنتم تعلمون أنهم لا يردون اليمين أبدا وأنهم يزعمون أن رد اليمين خطأ وأن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين أخذ منه الحق؟ قلت: بلى قال: فقد رويتم عليهم ما لا يقولون قلت: نعم ولكن لعله زلل.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أو يجوز لزلل في الرواية عن الناس ثم عن الناس كافة وإن جاز الزلل في الأكثر جاز في الأقل وفيما قلتم المجتمع عليه وقولكم المجتمع عليه أكثر من هذا الزلل لأنكم إذا زللتم في أن ترووا عن الناس عامة فعلى أهل المدينة لأنهم أقل من الناس كلهم.
(قال الشافعي) : وقولكم في اليمين مع الشاهد نكتفي منها بثبوت السنة حجة عليكم وأنتم لا تروون فيها إلا حديث جعفر عن أبيه منقطعا ولا تروون فيها حديثا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والزهري وعروة ينكرانها بالمدينة وعطاء ينكرها بمكة فإن كانت تثبت السنة فلن يعمل بهذا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنتم لا تحفظون أن أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عمل باليمين مع الشاهد فإن كنتم ثبتموها بإجماع التابعين بالمدينة فقد اختلفوا فيها وإن كنتم ثبتموها بخبر منقطع كان الخبر المتصل أولى أن نثبتها به قلت فأنت تثبتها قال: من غير الطريق الذي ثبتموها بحديث متصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعمل به ولا إجماع ولو لم تثبت إلا بعمل وإجماع كان بعيدا من أن تثبت وهم يحتجون عليها بقرآن وسنة.
(قال الشافعي) : وزعمت أن ما أشكل فيما احتججتم به مما رويتم على الناس أنهم في البلدان لا يخالفون فيه والذين يخالفونكم في اليمين مع الشاهد يقولون: نحن أعطينا بالنكول عن اليمين فبالسنة أعطينا ليس في القرآن ذكر يمين ولا نكول عنها وهذا سنة غير القرآن وغير الشهادات زعمنا أن القرآن يدل على أن لا يعطى أحد من جهة الشهادات إلا بشاهدين أو شاهد وامرأتين والنكول ليس في معنى الشهادات والذي احتججتم به عليهم ليست عليهم فيه حجة والله المستعان إنما الحجة عليهم في غير ما احتججتم به وإذا احتججتم بغير حجة فهو إشكال ما بان من الحجة لا يبان ما أشكل منها
(قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن عبد الله بن الحارث إن لم أكن سمعته من عبد الله عن مالك بن أنس عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان قضيا في الملطاة بنصف دية الموضحة.
(قال الشافعي) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الثوري عن يزيد بن قسيط عن ابن المسيب عن عمر وعثمان مثله أو مثل معناه (قال الشافعي) وأخبرني من سمع ابن نافع يذكر عن مالك بهذا الإسناد مثله (قال الشافعي) : وقرأنا على مالك أنا لم نعلم أحدا من الأئمة في القديم ولا في الحديث أفتى فيما دون الموضحة بشيء (قال الشافعي) : فنفيتم أن يكون أحد من الأئمة في قديم أو حديث قضى دون الموضحة بشيء وأنتم والله يغفر لنا ولكم تروون عن إمامين عظيمين من المسلمين عمر وعثمان أنهما قضيا فيما دون الموضحة بشيء موقت ولست أعرف لمن قال: هذا مع روايته وجها ذهب إليه والله المستعان وما عليه أن يسكت عن رواية ما روى من هذا أو إذا رواه فلم يكن عنده كما رواه أن يتركه وذلك كثير في كتابه ولا ينبغي أن يكون علم ما قد أخبر أنه علمه أرأيت لو وجد كل وال من الدنيا شيئا ترك يقضي فيما دون الموضحة بشيء كان جائزا له أن يقول لم نعلم أحدا من الأئمة قضى فيها بشيء وقد روي عن إمامين عظيمين من أئمة المسلمين أنهما قضيا مع أنه لم يرو عن أحد من الناس إمام ولا أمير ترك أن قضى فيما دون الموضحة بشيء ولا نجد وقد روينا أن زيد بن ثابت قد قضى فيما دون الموضحة حتى في الدامية فإن قال: رويت فيه حديثا واحدا أفرأيت جميع ما ثبت مما أخذ به إنما روى فيه حديثا واحدا هل يستقيم أن يكون يثبت بحديث واحد فلم يكن له أن يقول ما علمنا أو لا يثبت بحديث واحد فينبغي أن تدع عامة ما رويت وثبت من حديث واحد قال سألت الشافعي من أي شيء يجب الوضوء؟ قال: من أن ينام الرجل مضطجعا أو يحدث من ذكر أو دبر أو يقبل امرأته أو يلمسها أو
يمس ذكره قلت فهل قال: قائل ذلك (قال الشافعي) : نعم قد قرأنا ذلك على صاحبنا والله يغفر لنا وله قلت ونحن نقوله (قال الشافعي) : إنكم مجمعون أنكم توضئون من مس الذكر والمس والجس للمرأة فقلت: نعم قال: فتعلم من أهل الدنيا خلقا ينفي عن نفسه أن يوجب الوضوء إلا من ثلاث؟ فأنت توجب الوضوء من اثنين أو ثلاث سواء من اضطركم إلى أن تقولوا هذا الذي لا يوجد في قول أحد من بني آدم غيركم والله المستعان ثم تؤكدونه بأن تقولوا الأمر عندنا قال: فإن كان الأمر عندكم إجماع أهل المدينة فقد خالفتموهم وإن كانت كلمة لا معنى لها فلم تكلفتموها؟ فما علمت قبلك أحدا تكلم بها وما كلمت منكم أحدا قط فرأيته يعرف معناها وما ينبغي لكم أن تجهلوا إذا كان يوجد فيه ما ترون، والله أعلم. .
[كتاب جماع العلم]
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: لم أسمع أحدا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن ما سواهما تبع لهما وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى (قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ثم تفرق أهل الكلام في تثبيت الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقا متباينا وتفرق غيرهم ممن نسبته العامة إلى الفقه فيه تفرقا. أما بعضهم فقد أكثر من التقليد والتخفيف من النظر والغفلة والاستعجال بالرياسة وسأمثل لك من قول كل فرقة عرفتها مثالا يدل على ما وراءه إن شاء الله تعالى.
باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها.
(قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال: لي قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه أنت عربي والقرآن نزل بلسان من أنت منهم وأنت أدرى بحفظه وفيه لله فرائض أنزلها لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن بحرف منها استتبته فإن تاب وإلا قتلته وقد قال: عز وجل في القرآن {تبيانا لكل شيء} [النحل: 89] فكيف جاز عند نفسك أو لأحد في شيء فرضه الله أن يقول مرة الفرض فيه عام ومرة الفرض فيه خاص ومرة الأمر فيه فرض ومرة الأمر فيه دلالة؟ وإن شاء ذو إباحة وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخر أو حديثان أو ثلاثة حتى يبلغ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرئون أحدا لقيتموه وقدمتموه في الصدق والحفظ ولا أحدا لقيت ممن لقيتم من أن يغلط وينسى ويخطئ في حديثه بل وجدتكم تقولون لغير واحد منهم أخطأ فلان في حديث كذا وفلان في حديث كذا ووجدتكم تقولون لو قال رجل لحديث أحللتم به وحرمتم من علم الخاصة لم يقل هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أخطأتم أو من حدثكم وكذبتم أو من حدثكم لم تستتيبوه ولم تزيدوه على أن تقولوا له بئسما قلت: أفيجوز أن يفرق بين شيء من أحكام القرآن وظاهره واحد عند من سمعه بخبر من هو كما وصفتم فيه وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله وأنتم تعطون بها وتمنعون بها؟ قال: فقلت: إنما نعطي من وجه الإحاطة أو من جهة الخبر الصادق وجهة القياس وأسبابها عندنا مختلفة وإن أعطينا بها كلها فبعضها أثبت من بعض قال: ومثل ماذا؟ قلت: إعطائي من الرجل بإقراره وبالبينة وإبائه اليمين وحلف صاحبه والإقرار أقوى من البينة والبينة أقوى من إباء اليمين ويمين صاحبه ونحن وإن أعطينا
بها عطاء واحدا فأسبابها مختلفة.
قال: وإذا قمتم على أن تقبلوا أخبارهم وفيهم ما ذكرت من أمركم بقبول أخبارهم وما حجتكم فيه على من ردها قال: لا أقبل منها شيئا إذا كان يمكن فيهم الوهم ولا أقبل إلا ما أشهد به على الله كما أشهد بكتابه الذي لا يسع أحدا الشك في حرف منه أو يجوز أن يقوم شيء مقام الإحاطة وليس بها؟ فقلت: له من علم اللسان الذي به كتاب الله وأحكام الله دله علمه بهما على قبول أخبار الصادقين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والفرق بين ما دل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الفرق بينه من أحكام الله وعلم بذلك مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كنت لم تشاهده خبر الخاصة وخبر العامة قال: نعم قلت: فقد رددتها إذ كنت تدين بما تقول قال: أفتوجدني مثل هذا مما تقوم بذلك الحجة في قبول الخبر؟ فإن أوجدته كان أزيد في إيضاح حجتك وأثبت للحجة على من خالفك وأطيب لنفس من رجع عن قوله لقولك فقلت: إن سلكت سبيل النصفة كان في بعض ما قلت دليل على أنك مقيم من قولك على ما يجب عليك الانتقال عنه وأنت تعلم أن قد طالت غفلتك فيه عما لا ينبغي أن تغفل من أمر دينك قال: فاذكر شيئا إن حضرك قلت: قال الله عز وجل {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} [الجمعة: 2] قال: فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله فما الحكمة؟ .
قلت: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه؟ قلت: تعني بأن يبين لهم عن الله عز وجل مثل ما بين لهم في جملة الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال: إنه ليحتمل ذلك قلت: فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام؟ قلت: وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو شيئا واحدا قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت كتابا وسنة فيكونا شيئين ويحتمل أن يكونا شيئا واحدا قلت: فأظهرهما أولاهما وفي القرآن دلالة على ما قلنا وخلاف ما ذهبت إليه قال: وأين هي؟ قلت: قول الله عز وجل {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا} [الأحزاب: 34] فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان قبل فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة؟ .
قلت إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى وقلت: افترض الله علينا اتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال: وأين؟ .
قلت: قال الله عز وجل {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65] وقال الله عز وجل {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80] وقال {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63] قال: ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو كان بعض أصحابنا قال: إن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكمته إنما هو مما أنزله لكان من لم يسلم له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: لقد فرض الله جل وعز علينا اتباع أمره فقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] قال: إنه لبين في التنزيل أن علينا فرضا أن نأخذ الذي أمرنا به وننتهي عما نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت: والفرض علينا وعلى من هو قبلنا ومن بعدنا واحد؟ قال: نعم فقلت: فإن كان ذلك علينا فرضا في اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنحيط أنه إذا فرض الله علينا شيئا فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؟ .
قال: نعم قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عز وجل في اتباع
أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن في أن لا آخذ ذلك إلا بالخبر لما دلني على أن الله أوجب علي أن أقبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وقلت له أيضا: يلزمك هذا في ناسخ القرآن ومنسوخه قال: فاذكر منه شيئا قلت: قال الله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} [البقرة: 180] وقال في الفرائض {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس} [النساء: 11] فزعمنا بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن آية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والأقربين فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل: الوصية نسخت الفرائض هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ .
قال: هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صرت إلى أن قبول الخبر لازم للمسلمين لما ذكرت وما في مثل معانيه من كتاب الله وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة فيه بل أتدين بأن علي الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيته الحق ولكن أرأيت العام في القرآن كيف جعلته عاما مرة وخاصا أخرى، قلت له: لسان العرب واسع وقد تنطق بالشيء عاما تريد به الخاص فيبين في لفظها ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم، وكذلك أنزل في القرآن فبين في القرآن مرة وفي السنة أخرى قال: فاذكر منها شيئا قلت: قال الله عز وجل {الله خالق كل شيء} [الزمر: 62] فكان مخرجا بالقول عاما يراد به العام وقال: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى فهذا عام يراد به العام وفيه الخصوص وقال {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم وقال: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} [الحج: 73] وقد أحاط العلم أن كل الناس في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا يدعون من دونه شيئا لأن فيهم المؤمن ومخرج الكلام عاما فإنما أريد من كان هكذا وقال: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت} [الأعراف: 163] دل على أن العادين فيه أهلها دونها وذكرت له أشياء مما كتبت في كتابي فقال: هو كما قلت كله ولكن بين لي العام الذي لا يوجد في كتاب الله أنه أريد به خاص قلت: فرض الله الصلاة ألست تجدها على الناس عامة؟ .
قال: بلى: قلت: وتجد الحيض مخرجات منه؟ قال: نعم وقلت: وتجد الزكاة على الأموال عامة وتجد بعض الأموال مخرجا منها؟ قال: بلى: قلت: وتجد الوصية للوالدين منسوخة بالفرائض؟ قال: نعم قلت: وفرض المواريث للآباء والأمهات والولد عاما ولم يورث المسلمون كافرا من مسلم ولا عبدا من حر ولا قاتلا ممن قتل بالسنة قال: نعم ونحن نقول ببعض هذا فقلت: فما دلك على هذا؟ قال: السنة لأنه ليس فيه نص قرآن قلت: فقد بان لك في أحكام الله تعالى في كتابه فرض الله طاعة رسوله والموضع الذي وضعه الله عز وجل به من الإبانة عنه ما أنزل خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا؟ قال: نعم وما زلت أقول بخلاف هذا حتى بان لي خطأ من ذهب هذا المذهب ولقد ذهب فيه أناس مذهبين: أحد الفريقين لا يقبل خبرا وفي كتاب الله البيان قلت فما لزمه؟ قال: أفضى به عظيم إلى عظيم من الأمر فقال من جاء بما يقع عليه اسم صلاة وأقل ما يقع عليه اسم زكاة فقد أدى ما عليه لا وقت في ذلك ولو صلى ركعتين في كل يوم أو قال في كل أيام.
وقال: ما لم يكن فيه كتاب الله فليس على أحد فيه فرض وقال غيره: ما كان فيه قرآن يقبل فيه الخبر فقال: بقريب من قوله فيما ليس فيه قرآن فدخل عليه ما دخل على الأول أو قريب منه ودخل عليه أن صار إلى قبول الخبر بعد رده وصار إلى أن لا يعرف ناسخا ولا منسوخا ولا خاصا ولا عاما والخطأ قال: ومذهب الضلال في هذين المذهبين واضح لست أقول بواحد منهما ولكن هل من حجة في أن

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|