
05-12-2024, 08:40 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,562
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (316)
صــــــــــ 250 الى صـــــــــــ 257
[باب في المفقود]
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا قال: والحديث الثابت عن عمر وعثمان في امرأة المفقود مثل ما روى مالك عن ابن المسيب عن عمر وزيادة فإذا تزوجت فقدم زوجها قبل أن يدخل بها زوجها الآخر كان أحق بها فإن دخل بها زوجها الآخر فالأول المفقود بالخيار بين امرأته والمهر ومن قال بقوله في المفقود قال بهذا كله اتباعا لقول عمر وعثمان وأنتم تخالفون ما روي عن عمر وعثمان معا فتزعمون أنها إذا نكحت لم يكن لزوجها الأول فيها خيار هي من الآخر، فقلت للشافعي فإن صاحبنا قال: أدركت من ينكر ما قال بعض الناس عن عمر فقال الشافعي: قد رأينا من ينكر قضية عمر كلها في المفقود ويقول هذا لا يشبه أن يكون من قضاء عمر فهل كانت الحجة عليه إلا أن الثقات إذا حملوا ذلك عن عمر لم يتهموا فكذلك الحجة عليك وكيف جاز أن يروي الثقات عن عمر حديثا واحدا فتأخذ ببعضه وتدع بعضا أرأيت إن قال لك قائل: آخذ بالذي تركت منه وأترك الذي أخذت به هل الحجة عليه إلا أن يقال من جعل قوله غاية ينتهي إليها أخذ بقوله كما قال: فأما قولك فإنما جعلت الغاية في نفسك لا فيمن روى عنه الثقات فهكذا الحجة عليك لأنك تركت بعض قضية عمر وأخذت ببعضها (قال الربيع) : لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي يقين موته لأن الله قال: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} [البقرة: 234] فجعل على المتوفى عدة، وكذلك جعل على المطلقة عدة لم يبحها إلا بموت أو طلاق وهي معنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: «إن الشيطان ينقر عند عجز أحدكم حتى يخيل إليه أنه قد أحدث فلا ينصرف أحدكم حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» فأخبر أنه إذا كان على يقين من الطهارة فلا تزول الطهارة إلا بيقين الحدث وكذلك هذه المرأة لها زوج بيقين فلا يزول قيد نكاحها بالشك ولا يزول إلا بيقين وهذا قول علي بن أبي طالب.
[باب في الزكاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح: خذ منا من خيلنا ومن رقيقنا صدقة فأبى ثم كتب إلى عمر فأبى ثم كلموه أيضا فكتب إلى عمر فكتب إليه إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم قال مالك: يعني ردها إلى فقرائهم (قال الشافعي) : وقد أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر أمر أن يؤخذ في الفرس شاتان أو عشرة أو عشرون درهما، فقلت للشافعي فإنا نقول لا تؤخذ في الخيل صدقة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» (قال الشافعي) : فقد رويتم وروى غيركم عن عمر هذا فإن كنتم تركتموه لشيء رويتموه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة فهكذا فاصنعوا في كل من روى عن أحد شيئا يخالف ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه وإنكم لتخالفون ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما هو أبين من هذا وتعملون فيه بأن الرجل من أصحابه لا يقول قولا يخالفه وتقولون لا يخفى على الرجل من أصحابه قوله ثم يأتي موضع آخر فيختلف كلامكم ولو شاء رجل قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «ليس على مسلم في عبده وفرسه صدقة» إذا كان فرسه مربوطا
له مطية فأما خيل تتناتج فنأخذ منها كما أخذ عمر بن الخطاب فقد ذهب هذا المذهب بعض المفتين ولو ذهبتم هذا المذهب لكان له وجه يحتمل فإن لم تقولوا وصرتم إلى اتباع ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة وجملة كل شيء عليه فهكذا فاصنعوا في كل شيء ولا تختلف أقاويلكم إن شاء الله.
[باب في الصلاة]
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب صلى بالناس المغرب فلم يقرأ فيها فلما انصرف قيل له: ما قرأت قال: فكيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسنا قال: فلا بأس، قلت للشافعي: فإنا نقول من نسي القراءة في الصلاة أعاد الصلاة ولا تجزئ صلاة إلا بقراءة قال: فقد رويتم هذا عن عمر وصلاته بالمهاجرين والأنصار فزعمتم أنه لم ير إذا كان الركوع والسجود حسنا بأسا ولا تجدون عنه شيئا أحرى أن يكون إجماعا منه ومن المهاجرين والأنصار عليه عادة من هذا إذا كان علم الصلاة ظاهرا فكيف خالفتموه فإن كنتم إنما ذهبتم إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صلاة إلا بقراءة» فينبغي أن تذهبوا في كل شيء هذا المذهب فإذا جاء شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تدعوه لشيء إن خالفه غيره كما قلتم ههنا وهذا موضع لكم فيه شهود لأنه شبهة لو ذهبتم إليه بأن تقولوا: لا صلاة إلا بقراءة لمن كان ذاكرا والنسيان موضوع كما أن نسيان الكلام عندكم موضوع في الصلاة فإذا أمكنكم أن تقولوا هذا في الصلاة فلم تقولوه وصرتم إلى جملة ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتركتم ما رويتم عن عمر ومن خلفه من المهاجرين والأنصار لجملة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فكيف لم تصنعوا هذا فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصوصا بينا لا يحتمل ما خالفه مثل ما احتمل هذا من التأويل بالنسيان؟
[باب في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج]
سألت الشافعي عن قتل القراد والحلمة في الإحرام فقال: لا بأس بقتله ولا فدية فيه وإنما يفدي المحرم ما قتل مما يؤكل لحمه فقلت له: ما الحجة فيه؟ فقال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله أنه «رأى عمر يقرد بعيرا له في طين بالسقيا» فقلت للشافعي: فإن صاحبنا يقول: لا ينزع الحرام قرادا ولا حلمة ويحتج بأن ابن عمر كره أن ينزع المحرم قرادا أو حلمة من بعير قال: وكيف تركتم قول عمر وهو يوافق السنة بقول ابن عمر ومع عمر ابن عباس وغيره؟ فإن كنتم ذهبتم إلى التقليد فلعمر بمكانه من الإسلام وفضل علمه ومعه ابن عباس وموافقة السنة أولى أن تقلدوه (قال) : وقد تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم ولرأي غير ابن عمر فإذا تركتم ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طيب المحرم لقول عمر وتركتم على عمر تقريد البعير لقول ابن عمر وعلى ابن عمر فيما لا يحصى لرأي أنفسكم فالعلم إليكم عند أنفسكم صار فلا تتبعون منه إلا ما شئتم ولا تقبلون إلا ما هويتم وهذا لا يجوز عند أحد من أهل العلم فإذا زعمتم أن ابن عمر يخالف عمر في هذا وغيره فكيف زعمتم أن الفقهاء بالمدينة لا يختلفون وأنتم تروون عنهم الاختلاف وغيركم يرويه عنهم في أكثر خاص الفقه.
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى
يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت قال مالك: وذلك فيما نرى - والله أعلم - لقول الله جل ثناؤه {ثم محلها إلى البيت العتيق} [الحج: 33] فمحل الشعائر وانقضاؤها إلى البيت العتيق (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت (قال) : وقال مالك: من جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت لم يكن عليه شيء إلا أن يكون قريبا فيرجع فلا أنتم عذرتموه بالجهالة فلا تردونه من قريب ولا بعيد ولا أنتم اتبعتم قول عمر وما تأول صاحبكم من القرآن أن الوداع من نسكه فيجعل عليه دما وهو قول ابن عباس "من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما" وهو يقول في مواضع كثيرة بقول ابن عباس وحده "من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما" ثم تتركونه حيث شئتم وتدعونه ومعه عمر وما تأولتم من القرآن.
[باب ما جاء في الصيد]
سألت الشافعي عمن قتل من الصيد شيئا وهو محرم فقال: من قتل من دواب الصيد شيئا جزاه بمثله من النعم لأن الله تبارك وتعالى يقول {فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] والمثل لا يكون إلا لدواب الصيد فأما الطير فلا مثل له ومثله قيمته إلا أن في حمام مكة اتباعا للآثار شاة.
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك أن أبا الزبير حدثه عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة فقلت للشافعي: فإنا نخالف ما روينا عن عمر في الأرنب واليربوع فيقول: لا يفديان بجفرة ولا بعناق (قال الشافعي) : هذا الجهل البين وخلاف كتاب الله عندنا وأمر عمر وأمر عثمان بن عفان وابن مسعود وهم أعلم بمعاني كتاب الله منكم مع أنه ليس في تنزيل الكتاب شيء يحتاج إلى تأويل لأن الله جل ثناؤه إذ حكم في الصيد بمثله من النعم فليس يعدم المثل أبدا فما له مثل من النعم أن ينظر إلى الصيد إذا قتل بأي النعم كان أقرب بها شبها في البدن فدى به وهذا إذا كان كذا فدى الكبير بالكبير والصغير بالصغير أو يكون المثل القيمة كما قال بعض المشرقيين وقولكم لا القيمة ولا المثل من البدن بل هو خارج منهما مع خروجه مما وصفنا من الآثار وتزعمون في كل ما كان فيه ثنية فصاعدا أنه مثل النعم فترفعون وتخفضون فإذا جاء ما دون ثنية قلتم مثل من القيمة وهذا قول لا يقبل من أحد لو لم يخالف الآثار فكيف وقد خالفها وكل ما فدى فإنما القدر قيمته والقيمة تكون قليلة وكثيرة وأقاويلكم فيها متناقضة فكيف تجاوز الثنية التي تجوز ضحية في البقرة فتفديها ويكون يصيد صيدا صغيرا دون الثنية فلا تفديه بصغير دون الثنية.
(قال الشافعي) : فتصيرون إلى قول عمر في النهي عن الطيب قبل الإحرام وتتركون فيه ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتصيرون إلى ترك قوله في كثير وتدعون لقوله ما وصفت من سنن تروونها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تخالفون عمر ولا مخالف له من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين بل معه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان وابن مسعود ومن التابعين عطاء وأصحابه (قال الشافعي) : وقد جهدت أن أجد أحدا يخبرني إلى أي شيء ذهبتم في ترككم ما رويتم عن عمر في اليربوع والأرنب فما وجدت أحدا يزيدني على أن ابن عمر قال: الضحايا والبدن والثني فما فوقه (قال الشافعي) : وأنتم أيضا تخالفون في هذا لأن قول ابن عمر لا يعدو أن يكون لا يجيز من الضحايا والبدن إلا الثني فما فوقه فإن كان هذا فأنتم تجيزون الجذعة من الضأن ضحية وإن كان قول ابن عمر أن الثني فما فوقه وفاء ولا يسع ذلك ما دونه
أن يكون ضحية فقد تأولتم قول ابن عمر على غير وجهه وضيقتم على غيركم ما دخلتم في مثله.
(قال الشافعي) : وقد أخطأ من جعل الصيد من معنى الضحايا والبدن بسبيل ما نجد أحدا منكم يعرف عنه في هذا شيء يجوز لأحد أن يحكيه لضعف مذهبكم به وخروجه من معنى القرآن والأثر عن عمر وعثمان وابن مسعود والقياس والمعقول ثم تناقضه فإن قال قائل: فجزاء الصيد ضحايا قلنا: معاذ الله أن يكون ضحايا جزاء الصيد بدل من الصيد والبدل يكون منه ما يكون بقرة مثله فأرفع وأخفض منها تمرة والتمرتين وذلك أن من جزاء الصيد ما يكون بتمرة ومنه ما يكون ببدنة ومنه ما يكون بين ذلك فإن قال قائل: فما فرق بين جزاء الصيد والضحايا والبدن قيل: أرأيت الضحايا أيكون على أحد فيها أكثر من شاة؟ فإن قال: لا قيل أفرأيت البدن أليست تطوعا أو نذرا أو شيئا وجب بإفساد حج؟ فإن قال: بلى قيل: أفرأيت جزاء الصيد أليس إنما هو غرم وغرمه من قتله بأنه محرم القتل في تلك الحال وحكم الله به عليه هديا بالغ الكعبة للمساكين الحاضري الكعبة؟ فإن قال: بلى قيل: فكما تحكم لمالك الصيد على رجل لو قتله بالبدن منه؟ فإن قال: نعم قيل: فإذا قتل نعامة كانت فيها بدنة أو بقرة وحش كانت فيها شاة فإن قال: نعم قيل: أفترى هذا كالأضاحي أو كالهدي التطوع أو البدن أو إفساد الحج فإن قال: قد يفترقان قيل: أليس إذا أصيبت نعامة كانت فيها بدنة لأنها أقرب الأشياء من المثل وكذلك البقر والغزال؟ فإن قال: نعم قيل: فإذا كان هذا بدلا لشيء أتلف فكان علي أن أغرم أكثر من الضحية فيه لم لا يكون لي أن أعطي دون الضحية فيه وأنت قد تجعل ذلك لي فتجعل في الجرادة تمرة؟ .
(قال الشافعي) : فإن قال: فإنما أجعل عليك القيمة إذا كانت القيمة دون ما يكون ضحية قيل: فمن قال لك: إن شيئا يكون بدلا من شيء فتجعل على من قتله المثل ما كان ضحية فأعلى ولا تجعل الضحية تجزي فيما قتل منه مما هو أعلى منها وإذا كان شيء دون الضحية لم تطرحه عني بل تجعله علي بمثل من الثمن لأنه لا يجوز ضحية فهو في قولك ليس من معاني الضحايا فإن قال: أفيجوز أن يكون هذا ناقصا وضحية؟ قيل: نعم فكما يجوز أن يكون تمرة وقبضة من طعام ودرهم ودرهمان هديا ولو لم يجز كنت قد أخطأت إذ زعمت أنه إذا أصبت صيدا مريضا أو أعور أو منقوصا قوم علي في مثل تلك الحال ناقصا ولم تقل يقوم علي وافيا فمثلت الصيد الصغير مرة بالإنسان الحي يقتل منقوصا فيكون فيه دية تامة وزعمت أخرى أنه إذا قوم الصيد المقتول قومه منقوصا وهذا قول يختلف إن كان قياسا على الإنسان الحر فلا يفرق بين قيمته منقوصا وصغيرا وكبيرا لأن الإنسان يقتل مريضا ومنقوصا كهيئته صحيحا وافرا وإن كان قياسا على المال يتلف فيقومه بالحال التي أتلف فيها لا بغيرها.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فإن قال: ما معنى قول الله هديا قلت الهدي شيء فصلته من مالك إلى من أمرت بفصله إليه كالهدية تخرجها من مالك إلى غيرك فيقع اسم الهدي على تمرة وبعير وما بينهما من كل ثمرة ومأكول يقع عليه اسم الهدية على ما قل وكثر فإن قال أفيجوز أن تذبح صغيرة من الغنم فتتصدق بها قلت: نعم كما يجوز أن تتصدق بتمرة والهدي غير الضحية والضحية غير الهدي الهدي بدل والبدل يقوم مقام ما أتلف والضحية ليست بدلا من شيء (قال الشافعي) : وقد قال هذا مع عمر بن الخطاب عثمان بن عفان وابن مسعود وغيرهما فخالفتم إلى غير قول آخر مثلهم ولا من سلف من الأئمة علمته (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري
عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أن محرما ألقى جوالقا فأصاب يربوعا فقتله فقضى فيه ابن مسعود بجفرة مجفرة.
(قال الشافعي) : أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن ابن مسعود حكم في اليربوع بجفرة أو جفرة.
(قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبي السفر أن عثمان قضى في أم حيين بحلان من الغنم (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن مخارق عن طارق قال: خرجنا حجيجا فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضبا ففزر ظهره فقدمنا على عمر فسأله أربد فقال عمر: احكم فيه فقال: أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم فقال له عمر: إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني فقال أربد: أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر: فذاك فيه.
(قال الشافعي) : لا أعلم مذهبا أضعف من مذهبكم رويتم عن عمر تؤجل امرأة المفقود ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح وروى المشرقيون عن علي لتصبر حتى يأتيها يقين موته وجعل الله عدة الوفاة على المرأة يتوفى عنها زوجها فقال المشرقيون: لا يجوز أن تعتد عدة الوفاة إلا من جعل الله ذلك عليها ولم يجعل الله ذلك إلا على التي توفي عنها زوجها يقينا فقلتم: عمر أعلم بمعنى كتاب الله فإذا قيل لكم وعلي عالم بكتاب الله وأنتم لا تقسمون مال المفقود على ورثته ولا تحكمون عليه بحكم الوفاة حتى تعلموا أنه مات ببينة تقوم على موته فكيف حكمتم عليه حكم الوفاة في امرأته فقط؟ قلتم: لا يقال لما روي عن عمر لم؟ ولا كيف؟ ولا يتأول معه القرآن ثم وجدتم عمر يقول في الصيد بمعنى كتاب الله ومع عمر عثمان وابن مسعود وعطاء وغيرهم فخالفتموهم لا مخالف لهم من الناس إلا أنفسكم لقول متناقض ضعيف والله المستعان.
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: من أصاب ولد ظبي صغيرا فداه بولد شاة مثله وإن أصاب صيدا أعور فداه بأعور مثله أو منقوصا فداه بمنقوص مثله أو مريضا فداه بمريض وأحب إلي لو فداه بواف.
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قرير عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجريت أنا وصاحبي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه: تعالى نحكم أنا وأنت فحكما عليه بعنز وذكر في الحديث أن عمر قال: هذا عبد الرحمن بن عوف (قال الشافعي) : أخبرنا الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح أنه قال: لو كان معي حاكم لحكمت في الثعلب بجدي قلت للشافعي: فإن صاحبنا يقول: إن الرجلين إذا أصابا ظبيا حكم عليهما بعنزين وبهذا نقول.
(قال الشافعي) : وهذا خلاف قول عمر وعبد الرحمن بن عوف في روايتكم وابن عمر في رواية غيركم إلى قول غير أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاز لكم أن تخالفوهم فكيف تجعلون قول الواحد منهم حجة على السنة ولا تجعلونه حجة على أنفسكم؟ قال: ثم أردتم أن تقيسوا فأخطأتم القياس فلو لم تكونوا خالفتم أحدا كنتم قد أخطأتم القياس قستم بالرجلين يقتلان النفس فيكون على كل واحد منهما كفارة عتق رقبة وفي النفس شيئان: أحدهما بدل والبدل كالثمن وهو الدية في الحر والثمن في العبد والأبدال لا يزاد فيها عندنا وعندكم لو أن مائة رجل قتلوا رجلا حرا أو عبدا لم يغرموا إلا دية أو قيمة فإن قال قائل: فالظبي يقتل بالقيمة والدية أشبه أم الكفارة قيل بالقيمة والدية فإن قال: ومن أين؟ قيل: تفدى النعامة ببدنة والجرادة بتمرة وهذا مثل قيمة العبد المرتفع والمنخفض والكفارة شيء لا يزاد فيها ولا ينقص منها إن كان طعاما أو كسوة أو عتقا وقول عمر وعبد الرحمن معنى القرآن لأن الله جل ثناؤه يقول {فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] فجعل فيه المثل فمن جعل فيه مثلين فقد خالف قول الله والله أعلم - ثم لا تمتنعون من رد قول عمر لرأي أنفسكم ومعه عبد الرحمن بن عوف.
(قال الشافعي) :
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء في نفر أصابوا صيدا قال: عليهم كلهم جزاء واحد (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن عمار مولى بني هاشم قال: سئل ابن عباس عن نفر أصابوا صيدا قال: عليهم جزاء قيل: على كل واحد منهم جزاء؟ قال: إنه لمغرر بكم بل عليكم كلكم جزاء واحد. والله أعلم.
[باب الأمان لأهل دار الحرب]
(قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه أنه بلغني أن الرجل منكم يطلب العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال له الرجل مترس يقول لا تخف فإذا أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا ضربت عنقه قال مالك: وليس هذا بالأمر المجتمع عليه ولا يقتل به فقلت للشافعي فإنا نقول بقول مالك (قال الشافعي) : قد خالفتم ما رويتم عن عمر ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه علمناه وأما قوله ليس هذا بالأمر المجتمع عليه فليس في مثل هذا اجتماع وهو لا يروي شيئا يخالفه ولا يوافقه فأين الإجماع فيما لا رواية فيه؟ فإن كان ذهب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقتل مسلم بكافر» وهذا كافر لزمه إذا جاء شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يترك كل ما خالفه أما أن يترك ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة ويلزمه أخرى فهذا لا يجوز لأحد. .
[باب ما روى في تخمير المحرم وجهه]
باب ما روى مالك عن عثمان بن عفان وخالفه في تخمير المحرم وجهه سألت الشافعي: أيخمر المحرم وجهه؟ فقال: نعم ولا يخمر رأسه وسألته عن المحرم يصطاد من أجله الصيد قال: لا يأكله فإن أكله فقد أساء ولا فدية عليه فقلت: وما الحجة؟ فقال: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عثمان بن عفان بالعرج في يوم صائف وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه: كلوا فقالوا: ألا تأكل أنت؟ قال: إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي فقلت: إنا نكره تخمير الوجه للمحرم ويكرهه صاحبنا ويروي فيه عن ابن عمر أنه قال: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم.
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان كانوا يخمرون وجوههم وهم محرمون فإن كنت ذهبت إلى أن عثمان وابن عمر اختلفا في تخمير الوجه فكيف أخذت بقول ابن عمر دون قول عثمان ومع عثمان زيد بن ثابت ومروان وما هو أقوى من هذا كله؟ قلت وما هو؟ قال: «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بميت مات محرما أن يكشف عن رأسه دون وجهه ولا يقرب طيبا ويكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما» فدلت السنة على أن للمحرم تخمير وجهه وعثمان وزيد رجلان وابن عمر واحد ومعهما مروان فكان ينبغي عندك أن يكون هذا أشبه بالعمل وبدلالة السنة وعثمان الخليفة وزيد ثم مروان بعدهما وقد اختلف عثمان وابن عمر في العبد يباع ويتبرأ صاحبه من العيب فقضى عثمان على ابن عمر أن يحلف ما كان به داء علمه وقد رأى ابن عمر أن التبرؤ يبرئه مما علم لم يعلم فاخترت قول ابن عمر وسمعت من أصحابك من يقول عثمان الخليفة عن قضاه
بين المهاجرين والأنصار كأنه قول عامتهم وقوله بهذا كله أولى أن يتبع من ابن عمر فعثمان إذ كان معه ما وصفت في تخمير المحرم وجهه من دلالة السنة ومن قول زيد ومروان أولى أن يصار إلى قوله مع أنه قول عامة المفتين بالبلدان فقلت: للشافعي: فإنا نقول ما فوق الذقن من الرأس.
قال الشافعي: ينبغي أن يكون من شأنك الصمت حين تسمع كلام الناس حتى تعرف منه فإني أراك تكثر أن تكلم بغير روية فقلت: وما ذلك؟ فقال: وما تعني بقولك وما فوق الذقن من الرأس؟ أتعني أن حكمه حكم الرأس في الإحرام؟ فقلت: نعم فقال: أفتخمر المرأة المحرمة ما فوق ذقنها فإن للمحرمة أن تخمر رأسها فقلت: لا قال: أفيجب على الرجل إذا لبد رأسه حلقه أو تقصيره؟ فقلت: نعم قال: أفيجب عليه أن يأخذ من شعر ما فوق الذقن من وجهه؟ فقلت: لا فقال لي الشافعي: وفرق الله بين حكم الوجه والرأس فقال: اغسلوا وجوهكم فعلمنا أن الوجه ما دون الرأس وأن الذقن من الوجه وقال امسحوا برءوسكم فكان الرأس غير الوجه فقلت: نعم قال: وقولك لا كراهة لتخمير الوجه بكماله ولا إباحة تخميره بكماله أنه يجب على من وضع نفسه معلما أن يبدأ فيعرف ما يقول قبل أن يقوله ولا ينطق بما لا يعلم وهذه سبيل لا أراك تعرفها فاتق الله وامسك عن أن تقول بغير علم ولم أر من أدب من ذهب مذهبك إلا أن يقول القول ثم يصمت وذلك أنه "قال: فيما نرى" يعلم أنه لا يصنع شيئا بمناظرة غيره إلا بما أن صمت أمثل به.
قلت للشافعي: فمن أين قلت أي صيد صيد من أجل محرم فأكل منه لم يغرم فيه؟ فقال: لأن الله جل ثناؤه إنما أوجب غرمه على من قتله فقال عز وجل {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] فلما كان القتل غير محرم لم يكن على المحرم فيما جنى غيره فدية كما لو قتل من أجله مسلما لم يكن على المقتول من أجله عقل ولا كفارة ولا قود فإن الله قضى أن لا تزر وازرة وزر أخرى قال: ولما كان الصيد مقتولا فأمسك المحرم عن أكله ومن أجله صيد لم يكن عليه فيه فدية بأن صيد من أجله لم يجز أن يكون صيدا مقتولا لا فدية فيه حين قتل ويأكله بشر لا فدية عليهم فإذا أكله واحد فداه وإنما نقطع الفدية فيه بالقتل فإذا كان القتل ولا فدية لم يجز أن تكون فدية لأنه لم يحدث بعدها قتلا يوجب فدية قلت: إن الأكل غير جائز للمحرم وإنما أمرته بالفدية لذلك قال: وكذلك لا يجوز للمحرم أكل ميتة ولا شرب خمر ولا محرم ولا فدية عليه في شيء من هذا وهو آثم بالأكل والفدية في الصيد إنما تكون بالقتل فقلت: للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ فقال: ما علمت أحدا غيركم زعم أن من أكل لحم صيد صيد من أجله فداه بل علمت أن من المشرقيين من قال له أن يأكله لأنه مال لغيره أطعمه إياه ولولا اتباع الحديث فيه لكان القول عندنا قوله ولكنه خالف الحديث فخالفناه فإن كانت لنا عليه حجة بخلاف بعض الحديث فهي لنا عليك بخلافك بعضه وهو يعرف ما يقول وإن زل عندنا ولستم والله يعافينا وإياكم تعرفون كثيرا مما تقولون أرأيت لو أن رجلا أعطى رجلا سلاحا ليقويه على قتل حر أو عبد فقتله المعطى كان على المعطي عقل أو قود؟ قال: لا ولكنه مسيء آثم بتقوية القاتل قلت: وكذلك لو قتله ولا علم له بجناية على قتله ورضيه قال: نعم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أفلا ترى هذا أولى أن يكون عليه عقل أو قود أو كفارة ممن قتل من أجله صيد لا يعلمه فأكله؟ فإذا قلت إنما جعل العقل والقود بالقتل فهذا غير قاتل (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أن أبا أيوب الأنصاري قال: كان الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهله ثم تباهى الناس فصارت مباهاة. .
[باب ما جاء في خلاف عائشة في لغو اليمين]
فقلت للشافعي: ما لغو اليمين؟ قال: الله أعلم أما الذي نذهب إليه فهو ما قالت عائشة.
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لغو اليمين قول الأنسان لا والله وبلى والله فقلت للشافعي: وما الحجة فيما قلت؟ قال: الله أعلم اللغو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه وجماع اللغو يكون الخطأ (قال الشافعي) : فخالفتموه وزعمتم أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كما حلف عليه ثم يوجد على خلافه (قال الشافعي) : وهذا ضد اللغو هذا هو الإثبات في اليمين يقصدها يحلف لا يفعله يمنعه السبب لقول الله تبارك وتعالى {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89] ما عقدتم ما عقدتم به عقد الأيمان عليه ولو احتمل اللسان ما ذهبتم إليه ما منع احتماله ما ذهبت إليه عائشة وكانت أولى أن تتبع منكم لأنها أعلم باللسان منكم مع علمها بالفقه (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة التشهد قال: فخالفتموها فيه إلى قول عمر.
[باب في بيع المدبر]
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أن عائشة دبرت جارية لها فسحرتها فاعترفت بالسحر فأمرت بها عائشة أن تباع من الأعراب ممن يسيء ملكتها فبيعت قال: فخالفتموها فقلتم لا يباع مدبر ولا مدبرة ونحن نقول بقول عائشة وغيرها.
[باب ما جاء في لبس الخز]
باب ما جاء في لبس الخز فقلت للشافعي فما تقول في لبس الخز؟ قال: لا بأس به إلا أن يدعه رجل ليأخذ بأقصد منه فأما لأن لبس الخز حرام فلا (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت تلبسه (قال الشافعي) : وروينا أن القاسم دخل عليها في غداة بادرة وعليه مطرف خز فألقاه عليها فلم تنكره فقلت للشافعي فإنا نكره لبس الخز فقال: أوما رويتم هذا عن عائشة؟ فقلت: بلى فقال: لأي شيء خالفتموها ومعها بشر لا يرون به بأسا فلم يزل القاسم يلبسه حتى بيع في ميراثه فيما بلغنا فإذا شئتم جعلتم قول القاسم حجة وإذا شئتم تركتم ذلك على عائشة والقاسم ومن شئتم والله المستعان.
[باب خلاف ابن عباس في البيوع]
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: سمعت ابن عباس ورجل يسأله عن رجل سلف في سبائب فأراد أن يبيعها فقال ابن عباس: تلك الورق بالورق وكره ذلك قال مالك: وذلك فيما نرى لأنه أراد بيعها من صاحبه الذي اشتراها منه بأكثر من الثمن الذي ابتاعها به ولو باعها من غير الذي اشتراها منه لم يكن ببيعه بأس وقلتم به وليس هذا قول ابن عباس ولا

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|