عرض مشاركة واحدة
  #315  
قديم 05-12-2024, 08:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (315)
صــــــــــ 242 الى صـــــــــــ 249







أبا بكر الصديق أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام فقال الشافعي: هذا من حديث مالك منقطع وقد يعرفه أهل الشام بإسناد أحسن من هذا فقلت للشافعي: وقد روى أصحابنا سوى هذا عن أبي بكر فبأي شيء تخالفه أنت؟ فقال: بالثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حرق أموال بني النضير وقطع وهدم لهم وحرق وقطع بخيبر ثم قطع بالطائف وهي آخر غزاة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل بها، فقلت للشافعي: فكيف كرهت عقر ذوات الأرواح وتحريقها إلا لتؤكل؟ فقال: بالسنة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها قيل: وما حقها قال: يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيلقيه» فرأيت إباحة قتل البهائم المأكولة غير العدو منها في الكتاب والسنة إنما هو أن تصاد فتؤكل أو تذبح فتؤكل وقد نهى عن تعذيب ذوات الأرواح (قال الشافعي) : - رحمه الله - فقال: فإنا نقول شبيها بما قلت، قلت: قد خالفتم ما رويتم عن أبي بكر فقد خالفتموه بما وصفت فما أعرف ما ذهب إليه الذي اتبعناه فقلت: إن كان خالفه لما وصفت مما روي عن أبي بكر لأنه رأى أنه ليس لأحد أن يخالف ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهكذا ينبغي أن يقول أبدا يترك مرة حديث رسول الله بقول الواحد من أصحاب رسول الله ثم يترك قول ذلك الواحد لرأي نفسه فالعمل إذا إليه يفعل فيه ما شاء وليس ذلك لأحد من أهل دهرنا.
سألت الشافعي عن الرجل يقر بوطء أمته فتأتي بولد فينكره فيقول: قد كنت أعزل عنها ولم أكن أحبسها في بيتي فقال: يلحق به الولد إذا أقر بالوطء ولم يدع استبراء بعد الوطء ولا ألتفت إلى قوله كنت أعزل عنها لأنها قد تحبل وهو يعزل ولا إلى تضييعه إياها بترك التحصين لها وإن من أصحابنا لمن يريه القافة مع قوله فقلت: فما الحجة فيما ذكرت؟ قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلون لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد أو اتركوا، فقلت للشافعي: صاحبنا يقول: لا نلحق ولد الأمة وإن أقر بالوطء بحال حتى يدعي الولد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن صفية عن عمر في إرسال الولائد يوطأن بمثل معنى حديث ابن شهاب عن سالم.
(قال الشافعي) : فهذه رواية صاحبنا وصاحبكم عن عمر من وجهين ورواه غيره عنه ولم ترووا أن أحدا خالفه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين فكيف جاز أن يترك ما روي عن عمر لا إلى قول أحد من أصحابه؟ فقلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ قال: نعم بعض المشرقيين قلت: فما كانت حجتهم؟ قال: كانت حجتهم أن قالوا: انتفى عمر من ولد جارية له وانتفى زيد بن ثابت من ولد جاريته وانتفى ابن عباس من ولد جارية له فقلت: فما حجتك عليهم؟ فقال: أما عمر فروي عنه أنه أنكر حمل جارية له فأقرت بالمكروه وأما زيد وابن عباس فإنما أنكرا إن كانا فعلا أن ولد جاريتين عرفا أن ليس منهما فحلال لهما فكذلك ينبغي لهما في الأمة وكذلك ينبغي لزوج الحرة إذا علم أنها حبلت من زنا أن يدفع ولدها ولا يلحق بنفسه من ليس منه وإنما قلت هذا فيما بينه وبين الله كما تعلم المرأة أن زوجها قد طلقها ثلاثا فلا ينبغي لها إلا الامتناع منه بجهدها وعلى الإمام أن يحلفها ثم يردها فالحكم غير ما بين العبد وبين الله.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فكانت حجتنا عليهم من قولهم أنهم زعموا أن ولد الأمة لا يلحق إلا بدعوة حادثة وأن للرجل بعدما يحصن الأمة وتلد منه أولادا يقر بهم أن ينفي بعدهم ولدا أو يقر بآخر بعده وإنما جعلوا له النفي
أنهم زعموا أنه لا يلحق ولد الأمة بحال إلا بدعوة حادثة ثم قالوا: إن أقر بولد جارية ثم حدث بعد أولاد ثم مات ولم يدعهم ولم ينفهم لحقوا به وكان الذي اعتدوا في هذا أن قالوا: القياس أن لا يلحق ولكنا استحسنا (قال الشافعي) : إذا تركوا القياس فجاز لهم فقد كان لغيرهم ترك القياس حيث قاسوا والقياس حيث تركوا وترك القياس عندنا لا يجوز وما يجوز في ولد الأمة إلا واحد من قولين إما قولنا وإما لا يلحق به إلا بدعوة فيكون لو حصن سرية وأقر بولدها ثم ولدت بعد عشرة عنده ثم مات ولم تقم بينة باعتراف بهم نفوا معا عنه.
[باب فيمن أحيا أرضا مواتا]
سألت الشافعي عمن أحيا أرضا مواتا فقال: إذا لم يكن للموات مالك فمن أحيا من أهل الإسلام فهو له دون غيره ولا أبالي أعطاه إياه السلطان أو لم يعطه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه وإعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يتم لمن أعطاه من عطاء السلطان فقلت: فما الحجة فيما قلت؟ قال: ما رواه مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن بعض أصحابه (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له.
(قال الشافعي) : وأخبرنا سفيان وغيره بإسناد غير هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه (قال الشافعي) : وبهذا نأخذ وعطية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحيا أرضا مواتا أنها له أكثر له من عطية الوالي، فقلت للشافعي: فإنا نكره أن يحيي الرجل أرضا ميتة إلا بإذن الوالي (قال الشافعي) : - رحمه الله - فكيف خالفتم ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر وهذا عندكم سنة وعمل بعدهما وأثبتم للوالي أن يعطي وليس للوالي أن يعطي أحدا ما ليس له ولا يمنعه ماله ولا على أحد حرج أن يأخذ ماله وإذا أحيا أرضا ميتة فقد أخذ ماله ولا دافع عنها فيقال للرجل فيما لا دافع عنه وله أخذه: لا تأخذ إلا بإذن سلطان فإن قال قائل للرجل فيما لا بد للسلطان أن يكشف أمره فهو لا يكشف إلا وهو معه خصم والظاهر عنده أنه لا مالك لها فإذا أعطاها رجلا، ثم جاءه من يستحقها دونه ردها إلى مستحقها وكذلك لو أخذها وأحياها بغير إذنه فلا أثبتم للسلطان فيها معنى إنما كان له معنى لو كان إذا أعطاه لم يكن لأحد استحقها أخذها من يديه فأما ما كان لأحد لو استحقها بعد إعطاء السلطان إياها أخذها من يديه فلا معنى له إلا بمعنى أخذ الرجل إياها لنفسه (قال الشافعي) : وهذا التحكم في العلم تدعون ما تروون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر لا يخالفهما أحد علمناه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأيكم وتضيقون على غيركم أوسع من هذا، فقلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ فقال: ما علمت أحدا من الناس خالف في هذا غيركم وغير من رويتم هذا عنه إلا أبا حنيفة فإني أراكم سمعتم قوله فقلتم به ولقد خالفه أبو يوسف فقال فيه مثل قولنا وعاب قول أبي حنيفة بخلاف السنة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ومما في معنى ما خالفتم فيه ما رويتم فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمن بعده لا مخالف له أن مالكا أخبرنا عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: «لا ضرر ولا ضرار» قال: ثم أتبعه في كتابه حديثا كأنه يرى أنه تفسيره (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره» قال: ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم (قال الشافعي) : ثم أتبعهما حديثين لعمر كأنه يراهما من صنفه (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض فأراد أن يمر به في أرض لمحمد بن مسلمة فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب فدعا بمحمد بن مسلمة وأمره أن يخلي سبيله فقال ابن مسلمة: لا فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع؟ تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك فقال محمد: لا فقال: عمر والله ليمرن به ولو على بطنك.
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أرضه فمنعه صاحب الحائط فكلم عبد الرحمن عمر فقضى عمر أن يمر به فمر به (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - فرويتم في هذا الكتاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا صحيحا ثابتا وحديثين عن عمر بن الخطاب ثم خالفتموها كلها فقلتم في كل واحد منها لا يقضى بها على الناس وليس عليها العمل ولم ترووا عن أحد من الناس علمته خلافها ولا خلاف واحد منها فعمل من تعني تخالف به سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينبغي أن يكون ذلك العمل مردودا عندنا وتخالف عمر مع السنة لأنه يضيق خلاف عمر وحده فإذا كانت معه السنة كان خلافه أضيق مع أنك أحلت على العمل وما عرفنا ما تريد بالعمل إلى يومنا هذا وما أرانا نعرفه ما بقينا. والله أعلم.
[باب في الأقضية]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ثم قال عمر: إني أراك تجيعهم والله لأغرمنك غرما يشق عليك ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك قال: أربعمائة درهم قال عمر: أعطه ثمانمائة قال مالك في كتابه: ليس عليه العمل ولا تضعف عليهم الغرامة ولا يقضى بها على مولاهم وهي في رقابهم ولا يقبل قول صاحب الناقة فقلت للشافعي بما قال مالك نقول ولا نأخذ بهذا الحديث (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فهذا حديث ثابت عن عمر يقضي به بالمدينة بين المهاجرين والأنصار فإن خالفه غيره لازم لنا فتدعون لقول عمر السنة والآثار لأن حكمه عندكم حكم مشهور ظاهر لا يكون إلا عن مشورة من أصحاب رسول الله فإذا حكم كان حكمه عندكم قولهم أو قول الأكثر منهم فإن كان كما تقولون فقد حكم بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله في ناقة المزني وأنتم تقولون حكمه بالمدينة كالإجماع من عامتهم فإن كان قضاء عمر - رحمه الله - عندكم كما تقولون فقد خالفتموه في هذا وغيره وإن لم يكن كما تقولون فلا ينبغي أن يظهر منكم خلاف ما تقولون أنتم وأنتم لا تروون عن أحد أنه خالفه فتخالفون بغير
شيء رويتموه عن غيره ولا أسمعكم إلا وضعتم أنفسكم موضعا تردون وتقبلون ما شئتم على غير معنى ولا حجة فإن كان يجوز أن يعمل بخلاف قضاء عمر فكيف لم تجيزوا لغيركم ما أجزتم لأنفسكم وكيف أنكرنا وأنكرتم على من خالف قول عمر والواحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا؟
[باب في الأمة تغر بنفسها]
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر أو عثمان قضى أحدهما في أمة غرت بنفسها رجلا فذكرت أنها حرة فولدت أولادا فقضى أن يفدي ولده بمثلهم قال مالك وذلك يرجع إلى القيمة قلت للشافعي: فنحن نقول بقول مالك (قال الشافعي) : فرويتم هذا عن عمر أو عثمان ثم خالفتم أيهما قاله ولم نعلمكم رويتم عن أحد من الناس خلافه ولا تركه بعمل ولا إجماع ادعاه فلم تركتم هذا ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه؟ أرأيتم إذ اتبعتم عمر في أن في الضبع كبشا وفي الغزال عنزا وقيمتهما تخالف قيمة الضبع والغزال فقلتم: البدن قريب من البدن فكيف لم تتبعوا قول عمر أو عثمان في مثلهم في البدن كما جعلتم المثل في هذين الموضعين بالبدن؟ .
[باب القضاء في المنبوذ]
(قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ قال: وجدتها ضائعة فأخذتها فقال له عريفه: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح فقال: أكذلك؟ قال: نعم فقال عمر: اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وأن ولاءه للمسلمين فقلت للشافعي: فبقول مالك نأخذ (قال الشافعي) : تركتم ما روي عن عمر في المنبوذ فإن كنتم تركتموه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الولاء لمن أعتق» فزعمتم أن في ذلك دليلا على أن لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ولا يزول عن معتق فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم أن السائبة لا يكون ولاؤه للذي أعتقه وهو معتق فخالفتموهما جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق العبد المسلم فزعمتم أن لا ولاء له وهو معتق وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الولاء لمن أعتق» وهذا نفي أن يكون الولاء إلا لمعتق والمنبوذ غير معتق فلا ولاء له فمن أجمع على ترك السنة والخلاف لعمر فيا ليت شعري من هؤلاء المجتمعون الذين لا يسمعون فإنا لا نعرفهم والله المستعان ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف؟ إن هذه لغفلة طويلة ولا أعرف أحدا يؤخذ عنه العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله وأجده يترك ما يروى في اللقيط عن عمر للسنة ويدع السنة فيه وفي موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد خالفنا بعض الناس في هذا فكان قوله أسد توجيها من قولكم قالوا: نتبع ما جاء عن عمر في اللقيط لأنه قد يحتمل أن لا يكون خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق من لا ولاء له ويجعل ولاء الرجل المسلم على يدي الرجل المسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال في السائبة والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «فإنما الولاء لمن أعتق» أن لا يكون الولاء إلا لمعتق ولا يزول عن معتق فإن كانت لنا عليهم بذلك حجة فهي عليكم أبين لأنكم خالفتموه حيث ينبغي لكم أن توافقوه ووافقتموه حيث كانت لكم شبهة لو خالفتموه.
[باب القضاء في الهبات]
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها وقال مالك: إن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة أو نقصان فإن على الموهوب له أن يعطي الواهب قيمتها يوم قبضها فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول صاحبنا.
(قال الشافعي) : فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها إن الواهب على هبته إن لم يرض منها أن للواهب الخيار حتى يرضى من هبته، ولو أعطى أضعافها في مذهبه - والله أعلم - كان له أن يرجع فيها ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشيء وله فيه الخيار عبدا أو أمة فيزيد عند المشتري فيختار البائع نقض البيع فيكون له نقضه وإن زاد العبد المبيع أو الأمة المبيعة وكثرت زيادته ومذهبكم خلاف ما رويتم عن عمر (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا كان يقوم على رقيق الخمس وأنه استكره جارية من ذلك الرقيق فوقع بها فجلده عمر ونفاه ولم يجلد الوليدة لأنه استكرهها قال مالك: لا تنفى العبيد فقلت للشافعي: نحن لا ننفي العبيد قال: ولم؟ ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين علمته خلاف ما رويتم عن عمر؟ أفيجوز لأحد يعقل شيئا من الفقه أن يترك قول عمر ولا يعلم له مخالفا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأي نفسه أو مثله ويجعله مرة أخرى حجة على السنة وحجة فيما ليست فيه سنة وهو إذا كان مرة حجة كان كذلك أخرى فإن جاز أن يكون الخيار إلى من سمع قوله يقبل منه مرة ويترك أخرى جاز لغيركم تركه حيث أخذتم به وأخذه حيث تركتموه فلم يقم الناس من العلم على شيء تعرفونه وهذا لا يسع أحدا عندنا والله أعلم.
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له: اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له عمر: وماذا سرق؟ قال: سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم (قال الشافعي) : بهذا نأخذ لأن العبد ملك لسيده أخذ من ملكه فلا يقطع مالك من سرق من ملك من كان معه في بيته يأمنه أو كان خارجا فكذلك لا يقطع من سرق من ملك امرأته بحال بخلطة امرأته زوجها وهذا معنى قول عمر لأنه لم يسأله أتأمنونه أو لا تأمنونه قال: وهذا مما خالفتم فيه عمر لا مخالف له علمناه فقلتم بقطع العبد فيما سرق لامرأة سيده إن كان لا يكون معهم في منزل يأمنونه.
[باب في إرخاء الستور]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب
قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنها إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال: إذا دخل بامرأته فأرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) : وروي عن ابن عباس وشريح أن لا صداق إلا بالمسيس واحتجا أو أحدهما بقول الله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] قال بهذا ناس من أهل الفقه فقالوا: لا يلتفت إلى الإغلاق وإنما يجب المهر كاملا بالمسيس والقول في المسيس قول الزوج وقال غيرهم: يجب المهر بإغلاق الباب وإرخاء الستور وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وأن عمر قال: ما ذنبهن؟ إن جاء العجز من قبلكم فخالفتم ما قال ابن عباس وشريح وما ذهبا إليه من تأويل الآيتين وهما قول الله تبارك وتعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] وقوله {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: 49] وخالفتم ما رويتم عن عمر وزيد وذلك أن نصف المهر يجب بالعقد ونصفه الثاني بالدخول ووجه قولهما الذي لا وجه له غيره أنها إذا خلت بينه وبين نفسها واختلى بها فهو كالقبض في البيوع فقد وجب نصف المهر الآخر ولم يذهبا إلى مسيس وعمر يدين ثم يقضي بالمهر وإن لم يدع المسيس لقوله ما ذنبهن إن كان العجز من قبلكم ثم زعمتم أنه لا يجب المهر بالغلق والإرخاء إذا لم تدع المرأة جماعا وإنما يجب بالجماع ثم عدتم فأبطلتم الجماع ودعوى الجماع فقلتم إذا كان استمتع بها سنة حتى تبلى ثيابها وجب المهر ومن حد لكم سنة؟ ومن حد لكم إبلاء الثياب؟ وإن بليت الثياب قبل السنة فكيف لم يجب المهر؟ أرأيت إن قال إنسان إذا استمتع بها يوما وقال آخر يومين وقال آخر شهرا وقال آخر عشر سنين أو ثلاثين سنة ما الحجة فيه إلا أن يقال هذا توقيت لم يوقته عمر ولا زيد وهما اللذان انتهينا إلى قولهما ولا يوقت إلا بخبر يلزم فهكذا أنتم فما أعرف لما تقولون من هذا إلا أنه خروج من جميع أقاويل أهل العلم في القديم والحديث وما علمت أحدا سبقكم به فالله المستعان فإن قلتم إنما يؤجل العنين سنة فهذا ليس بعنين والعنين عندكم إنما يؤجل سنة من يوم ترافعه امرأته إلى السلطان ولو أقام معها قبل ذلك دهرا.
[باب في القسامة والعقل]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على أصبع رجل من جهينة فنزا منها فمات فقال عمر بن الخطاب للذين ادعى عليهم: أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها؟ فأبوا وتحرجوا من الأيمان فقال للآخرين: احلفوا أنتم فأبوا فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين (قال الشافعي) : فخالفتم في هذا الحكم كله عمر بن الخطاب فقلتم يبدأ المدعون بل زعمتم أنه إذا لم يحلف واحد من الفريقين فليس فيه شطر دية ولا أقل ولا أكثر (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فإن كنتم ذهبتم إلى ما ذهبنا إليه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ المدعين فلما لم يحلفوا رد الأيمان على المدعى عليهم فلما لم يقبل المدعون أيمانهم لم يجعل لهم عليهم شيئا فإلى هذا ذهبنا وهكذا يجب عليكم في كل أمر وجدتم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه سنة أن تصيروا إلى سنة رسول الله دون ما خالفها من الأشياء كلها وما كان شيء من الأشياء أولى أن تأخذوا فيه بحكم عمر من هذا لأن الحكم في هذا أشهر من غيره وأنه قد كان يمكنكم أن تقولوا هذا دم خطأ والذي حكم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دم عمد فنتبع ما
حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - كما حكم في العمد وما حكم به عمر كما حكم في الخطأ وليس واحد منهما خلاف الآخر فإن صرتم إلى أن تقولوا: إنهما يجتمعان إنهما قسامة فنصير إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ونجعل الخطأ قياسا على العمد فما كان لا يتوجه من حديث يخالف ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا على خلافه أولى أن تصيروا فيه إلى حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا ينبغي أن تختلف أقاويلكم.
[باب القضاء في الضرس والترقوة والضلع]
(قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر قضى في الضرس بجمل وفي الترقوة بجمل وفي الضلع بجمل.
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قضى عمر في الأضراس ببعير بعير وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة قال سعيد بن المسيب: فالدية تنقص في قضاء عمر وتزيد في قضاء معاوية فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء فقلت: للشافعي: فإنا نقول في الأضراس خمس خمس ونزعم أنه ليس في الترقوة وفي الضلع حكم معروف وإنما فيها حكومة باجتهاد قال: فقد خالفتم حديث زيد بن أسلم عن عمر كله فقلتم في الأضراس خمس خمس وهكذا نقول لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في السن خمس كانت الضرس سنا قال: فهذا كما قلنا في المسألة قبلها وقد يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في السن خمس مما أقبل من الفم مما اسمه سن فإذا كانت لنا ولكم حجة بأن نقول: الضرس سن ونذهب إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ونخالف غيره لظاهر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن توجه لغيره أن لا يكون خلاف قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فهكذا ينبغي لنا أن لا نترك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا أبدا لقول غيره فأما أن تتركوا قول عمر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة وتتركوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول عمر مرة فهذا ما لا يجهل عالم أنه ليس لأحد إن شاء الله. قال: وخالفتم عمر في الترقوة والضلع فقلتم: ليس فيهما شيء موقت.
(قال الشافعي) : وأنا أقول بقول عمر فيهما معا لأنه لم يخالفه واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علمت فلم أر أن أذهب إلى رأيي وأخالفه (قال الشافعي) : وروى مالك عن سعيد أنه روى عن عمر في الأضراس بعير بعير وعن معاوية خمسة أبعرة وقال: فيهما بعيرين بعيرين فإذا كان سعيد يعرف عن عمر شيئا ثم يخالفه ولم يذهب أيضا إلى ما ذهبنا إليه من الحديث وكنتم تخالفون عمر ثم تخالفون سعيدا فأين ما تدعون أن سعيدا إذا قال قولا لم يقل به إلا عن علم وتحتجون بقوله في شيء وها أنتم تخالفونه في هذا وغيره فأين ما زعمتم من أن العلم بالمدينة كالوراثة لا يختلفون فيه وحكايتهم إذا حكوا وحكيتم عنهم اختلافا فكذلك حكاية غيركم في أكثر الأشياء إنما الإجماع عندهم فيما يوجد الإجماع فيه عند غيرهم وأن أولى علم الناس بعد الصلاة أن يكون عليه إجماع بالمدينة الديات لأن ابن طاوس قال: عن أبيه ما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - من عقل وصدقات فإنما نزل به الوحي وعمر من الإسلام بموضعه الذي هو به من الناس فقد خالفتموه في الديات وخالفتم ابن المسيب بعده فيها ولا أرى دعواكم الموروث كما ادعيتم وما أراكم قبلتم عن عمر هذا وما أجدكم تقبلون العلم إلا عن أنفسكم. .
[باب في النكاح]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن أبي الزبير أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال: هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت.
(قال الشافعي) : وقد خالفتم هذا وقلتم: النكاح مفسوخ ولا حد عليه فخالفتم عمر وعمر لو تقدم فيه لرجم يعني لو أعلمت الناس أنه لا يجوز النكاح بشاهد وامرأة حتى يعرفوا ذلك لرجمت فيه من فعله بعد تقدمي. .
[باب ما جاء في المتعة]
(قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه فخرج عمر يجر رداءه فزعا وقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يشبه قوله في الأول ومذهب عمر في هذا أن المتعة إذا كانت محرمة عنده وكان الناس يفعلونها مستحلين أو جاهلين وهو اسم نكاح فيدرأ عنهم بالاستحلال أنه لو كان تقدم فيها حتى يعلمهم أن حكمه أنها محرمة ففعلوها رجمهم وحملهم على حكمه وإن كانوا يستحلون منها ما حرم كما قال: يستحل قوم الدينار بالدينارين يدا بيد فيفسخه عليهم من يراه حراما فخالفتم عمر في المسألتين معا وقلتم: لا حد على من نكح بشاهد وامرأة ولا من نكح نكاح متعة كما زعمت فيهما (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال: عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملا وذلك لزوجها غرم على وليها قال مالك: وإنما يكون ذلك لزوجها غرما على وليها إذا كان الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها وإلا فليس عليه غرم وترد المرأة ما أخذت من صداق نفسها ويترك لها قدر ما استحلها به إذا مسها، فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول مالك وسألت عن قوله في ذلك فقال: إنما حكم عمر أن لها المهر بالمسيس وأن المهر على وليها لأنه غار والغار - علم أو لم يعلم - يغرم أرأيت رجلا باع عبدا ولم يعلم أنه حر أليس يرجع عليه بقيمته أو باع متاعا لنفسه أو لغيره فاستحق أو فسد البيع أو كان لمشتريه الخيار فاختار رده ألا يرجع بقيمة ما غرم على من غره علم أو لم يعلم؟ قال: ورويتم الحديث عن عمر وخالفتموه فيه بما وصفته فلو ذهبتم فيه إلى أمر يعقل فقلتم: إذا كان الصداق ثمنا للمسيس لم يرجع به الزوج عليها ولا على ولي لأنه قد أخذ المسيس كما ذهب بعض المشرقيين إلى هذا كان مذهبا فأما ما ذهبتم إليه فليس بمذهب وهو خلاف عمر (قال الشافعي) :: أخبرنا مالك أن كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق في رجل قال لامرأته: حبلك على غاربك فكتب عمر إلى عامله أن مره يوافيني في الموسم فبينا عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال: من أنت؟ فقال: أنا الذي أمرت أن أجلب عليك فقال عمر: أنشدك برب هذه البنية هل أردت بقولك حبلك على غاربك الطلاق؟ فقال الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت الفراق فقال عمر: هو ما أردت (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فبهذا نقول وفيه دلالة على أن كل كلام أشبه الطلاق لم نحكم به طلاقا حتى يسأل قائله فإن كان أراد طلاقا فهو طلاق وإن لم يرد طلاقا لم يكن طلاقا ولم نستعمل الأغلب من الكلام على رجل احتمل غير الأغلب فخالفتم عمر في هذا فزعمتم أنه طلاق وأنه لا يسأل عما أراد. .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]